وأعدوا لهم
2004/04/10م
المقالات
2,228 زيارة
وأعدوا لهم
من خطبة جمعة في 15 من ذي الحجة 1424هـ – 06/02/2004
أيها المسلمون: أخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن شماسة، أن معاوية بن خديج مر على أبي ذر، وهو قائم عند فرس له، فسأله: ما تعاني من فرسك هذا؟ فقال: إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته. قال: وما دعاء بهيمة من البهائم؟ قال: والذي نفسي بيده ما من فرس إلا وهو يدعو كل سَـحَـرٍ فيقول: اللهم أنت خولتني عبداً من عبادك، وجعلت رزقي بيده، فاجعلني أحبّ إليه من أهله وماله وولده. وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس من فرسٍ عربيٍ إلا يُـؤْذَن له مع كل فجر يدعو بدعوتين، يقول: اللهم إنك خوّلتني من خوّلتني من بني آدم، فاجعلني من أحب أهله وماله إليه، أو أحبَّ أهله وماله إليه» رواه النسائي. وفي صحيح البخاري عن عروة بن أبي الجعد البارقيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة، الأجرُ والمغنم».
أيها المسلمون: كانت الخيول هي الركوبة القتالية الفعالة ردحاً طويلاً من الزمن، واستخدمها العرب والعجم في حروبهم وتنقلاتهم السريعة قروناً عدة وأزمنة مديدة، ولذلك نجد الحديث عن الخيول في القرآن الكريم والشعر العربي وتراث الأمم كثيراً، يطول شرحه، ويصعب حصره. فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال) و (في سبيل الله) هنا تعني الجهاد. ويقول جل شأنه: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ) (النحل 8). وأمـا قوله تعالى (ويخلق ما لا تعلمون) (النحل) ففيه إشارة إلى إمكانية تغير هذه الوسيلة القتالية إلى وسائل أخرى، تبعاً لتطورات التصنيع العسكري، تحقق إرهاب العدو. وبالفعل فإن الانقلاب الصناعي الذي حصل في أوروبا، منذ ثلاثة قرون تقريباً، قد أحدث انقلاباً في وسائل القتال أيضاً. فاختُرِعت العربات العسكرية المجنزرة ونصف المجنزرة لنقل الجنود، وكذلك اختُـرعت الحافلات والقطارات والبوارج الحربية والغواصات لنقل الأفراد والأسلحة والأمتعة، ما أوجد طفرةً في مجالات النقل والحضور السريع إلى مواقع الصراع مهما كانت بعيدة. فكان من الطبيعي أن تحل السيارة والحافلة والقطار وغيرها مكان الفرس لتحقيق الغرض العسكري والمدني المنشود، وكان من الطبيعي أيضاً، نظراً لسعة الفقه، أن يتوقف المسلمون عن التمسك بالخيل كوسيلة مواصلاتٍ تنقلهم إلى مواقع المعارك وساحات الوغى، وأن يبذلوا وسعهم في تطوير قدُراتهم القتالية تبعاً للمستجدات الصناعية والمتغيرات التقنية. بل إن الحكم الشرعي في مثل هذا العمل هو الوجوب، كونه مرتبطاً بالجهاد الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ناهيكم عن قضاء الحاجات والمصالح والمآرب الأخرى.
أيها المسلمون: ويسري على الرميِ ما يسري على رباط الخيل، فقوله تعالى (من قوة) يعني الرمي، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»، وقـوله صلى الله عليه وسلم: «ارمـوا واركبـوا، وأن ترموا خيرٌ من أن تركبوا». وقد تطور الرمي من الحجارة والسهام والرماح والنبال إلى المنجنيق ثم إلى أسلحة الرماية النارية، ثم إن الرمي اليوم كما تعلمون، مدافع ودبابات، وراجمات صواريخ وطائرات قاذفة، ومن الصواريخ ما يحمل رؤوساً نووية وكيماوية وجرثومية، وبالرمي حُسِمت المعارك، وكسبت الدول الكبرى حروبها، وبالرمي أهلكت أميركا أنظمة ميلوزوفتش وطالبان وصدام، وبالرمي قصفت الخرطوم وطرابلس، وبالرمي خضعت رقاب الأوروبيين لأميركا أيام نشر الصواريخ النووية في الأوروبيتين وتفكيكها. وقائمة فعاليات الرمي طويلة.
أيها المسلمون: نحن أولى من أميركا بامتلاك وسائل الرماية، ونحن الذين يلزمنا الرمي لنشر الإسلام، وإزالة أنظمة الطاغوت والجاهلية من الأرض، ونحن فرسان المعارك، وصُنّاع الحروب، ونحن أصحاب النصر والفتح المبين في بدر والحديبية واليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت، ونحن القوم الذين قاتلت معهم ملائكة السماء الثالثةِ، ونحن الذين فتحنا اسطنبول، ونحن الذين سنفتح روميةَ (روما) قريباً بإذن الله، ونحن أصحاب البقرة وآل عمران، ونحن الذين انتصرنا للصائحة العمّورية، ونحن الذين أنقذنا ملك فرنسا من الأسر، ونحن الموعودون بالاستخلاف والتمكين والأمن، ونحن أصحاب الوعد القاطع بالنصر، قال تعالى: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) (الروم)، وإني لأعجب كيف لا يشتاق الجندي المسلم إلى دبابته ليخوض بها غمرات الجهاد في سبيل الله، وأعجب من الطيار المسلم الذي لا يشتاق لأن يدكّ بقذائف طائرته وصواريخها معاقل الكفر والشرك، أعجب منهم وقد ملّكهم الله أمرَ هذه الجمادات تدعو لهم لو أخذوها بحقها، لا جرم أنها تدعو عليهم أن عطّلوها. فواجبنا أن نواكب هذه الصناعات، بل أن نتفوّق فيها على غيرنا، ولن نكتفي وقتها بالتهديد والرّدع، ولكننا سنضرب الكفار المعاندين المستكبرين ضرباتٍ تنسيهم وساوس الشيطان، وتخضعهم وأمثالهم لإرادة الحق والإيمان.
أيها المسلمون: أين نحن اليوم من هذا الخطاب الجهادي والنصرويّ؟ وأين هي طاقات الأمة الإسلامية التي يقع عليها عبء الإعداد، وفق أقصى درجات الاستطاعة، لإرهاب العدو ومن يقف خلفه، ممن علمنا وممن لا نعلم؟ قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: (ما استطعتم، أي مهما أمكنكم)، وفيه إشارة على استغلال كافة موارد الأمة، صغيرها وكبيرها، لتحقيق غرض الإعداد المُرهِب. أنظروا – رحمكم الله- إلى مستوى الإعداد عند الأمة الإسلامية اليوم، فماذا عساكم تجدون؟ إنه وضع محزن حقاً، دويلات ضرارٍ عميلة لأسيادها الكفار، تتخذ جيوشاً للمراسيم والبطش بالشعوب، وأسلحتها التقليدية مكدّسة في المخازن، ولا تظهر إلا في الاستعراضات، ويتباهون بعدم امتلاكهم لأسلحة غير تقليدية وما عُرف بأسلحة الدمار الشامل، ويتبرأون من (أخطاء!) علمائهم إن طوّروها، ونقلوا بعض أسرارها لإخوانهم، بل ويقيلونهم من مناصبهم ويقدمونهم إلى المحاكمة، ولولا الخوف من غضب الشارع الإسلامي لأعدموهم إرضاء لأسيادهم، ولكنهم عَفَوْا عنهم في اللحظة الأخيرة، وسارعوا إلى وقف أو تعليق برامجهم لإنتاج ذلك النوع من الأسلحة المرهِبة، وفتحوا الأبواب على مصراعيها لفرق التفتيش الدولية المعادية للإسلام والمسلمين. هذا إضافة إلى وقف برامج التجنيد الإلزاميّ للشباب، بحجة عدم القدرة على الاستيعاب، ويجندون بدلاً منهم النساء في أوضاعٍ مشينة شرعاً وعُرفاً، وأوكلوا مهمة الجهاد إلى مقاولين من الباطن. وثالثة الأثافي أنهم يوظفون الجيوش من أبناء الأمة الإسلامية في خدمة مصالح الكفار، ويتخذون منهم كلاب حراسة للأنظمة الطاغوتية. أجل أيها المسلمون، هذه هي الصورة بكل وضوح وجلاء، وبكل أسف من غير عزاء، هذه قوتنا وإعداداتنا في زمن الرويبضات السفهاء. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فيا فوز المستغفرين!
أيها المسلمون، في خضم تخلي حكامنا عن امتلاك أي سلاح مؤثر في المعارك يحقق إرهاب العدو ومن يقف خلفه، فإن فرنسا قد أكدت أن الردع النووي ما زال قائماً، ولا يمكن التخلي عنه في عالم محفوف بالمخاطر، وإن القوى العظمى التي تملكه لا تفكر أبداً في التخلي عنه. وكان الرئيس الفرنسي قد حدد العقيدة الاستراتيجية لفرنسا، في القرن الحادي والعشرين، التي تتضمن الردع النووي، وذلك قبل عامين ونصف تقريباً وقال: «إن الردع النووي أساس ضروري لأمننا وسيبقى». هذه فرنسا، فما قولكم في أميركا التي تمتلك أكبر ترسانة منه، وتتخذ من وجود برامج لإنتاجه ذريعة لاحتلال دول بأكملها، وفرض هيمنتها عليها، فمن يقدر أن يطلب منها إخضاع برامجها للتفتيش.
أيها المسلمون: إن الأمة الإسلامية تتوق إلى العزة والكرامة والسؤدد وامتلاك القوة، وتفرح فرحاً شديداً بأي تقدم في مجال الأسلحة غير التقليدية، رغم أنها محرومة من استخدام السلاح التقليدي! والأمة تتوق إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، والأمة تحب أن ترفع رايات النصر خفاقة فوق ربوعها، ولكن الحكام يأبون ذلك كل الإباء، ويرفضون بشدة متناهية وبقسوة كبيرة، إرضاءً لأسيادهم الكفار، أعداءِ الله ورسوله وجماعة المسلمين، وحفاظاً على بقائهم في الحكم أطول وقت ممكن. إنهم يريدون إعدام قوة الأمة وليس إعدادها، ولذلك نراهم يهدرون الأموال في غير مصالح المسلمين، ويخفضون ميزانيات التسلح إلى حدها الأدنى، وينفقون أموال الأمة في ترهات وسخافات. فقد أعلن متحف فيكتوريا وألبرت البريطاني قبل أيام قليلة أنه تلقى 5.4 مليون جنيه إسترليني (9.84 مليون دولار) من أسرة سعودية تعد من أغنى أسر العالم لإقامة صالة عرض للكنوز الإسلامية بالمتحف، وصرح المتحف بأن الهبة المقدمة من الأسرة السعودية، التي تمتلك إمبراطورية للاتجار في السيارات والعقارات والإلكترونيات، هي أكبر منحة من نوعها منذ تأسيسه قبل 152 عاماً!!
أيها المسلمون: إذا استقامت السياسة استقام الإنفاق والاقتصاد، وإذا استقامت السياسة استقام التصنيع العسكري، وإذا استقامت السياسة أمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وإذا استقامت السياسة عند المسلمين استقام العالم أجمع في وقت قياسي. وإن استقامة السياسة معناها مبايعة إمام، على السمع والطاعة، للحكم بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومعناها تطبيق الإسلام في الداخل، وحمله إلى الناس كافة رسالة هدى ونور، وقد بشرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: «… ثم تكون خلافـة على منهاج النبـوة، تعمـل في الناس بسـنة النبي، ويلقي الإسـلام جرانـه في الأرض، يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السـماء من قطـر إلا صـبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نـباتـهـا ولا بركاتها شـيئاً إلا أخـرجـتـه» ذكره حذيفة مرفوعاً، ورواه الحافظ العراقي من طريق أحمد وقال: هذا حسن صحيح. فاللهم اجـعل ذلك اليوم قريبـاً، واجعلنـا من جنـود الخلافة وشـهودهـا .
2004-04-10