كلمة الوعي: حاجة البشرية جمعاء إلَى الإسـلام
2004/04/10م
المقالات, كلمات الأعداد
3,144 زيارة
عرضت الولايات المتحدة على مجموع الدول الصناعية الثماني مشروع «الشرق الأوسط الكبير» لدرسه، وبلورة موقف موحد منه خلال قمة الدول الثماني، التي ستعقد في حزيران المقبل في “سي أيلاند”، في ولاية جورجيا الأميركية، وتعمل واشنطن للحصول على تأييد كل من هذه الدول لمبادرتها. وقد تلقت هذه الدول المشروع الأميركي من غير أن تشترك في صناعته. أما حكام المسلمين، فقد فاجأهم هذا المشروع، وتملكهم خوف كبير منه لأنه يطال رؤوسهم.
لقد استند المشروع الأميركي على تقرير التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002م و2003م الذي تصدره الأمم المتحدة والذي يصف الوضع الحالي، في منطقة الشرق الأوسط، بأنه سيء في المجال الاقتصادي، والثقافي، والإعلامي، والسياسي وأنه «إذا استمر على المسار ذاته، فإن المشكلة ستتفاقم، وسيشكل ذلك تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، وللمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثماني».
ويمثل هذا المشروع رؤية الولايات المتحدة لاستعمار منطقة الشرق الأوسط الذي وسّعته في مشروعها ليشمل إلى جانب الدول العربية كلاً من (إسرائيل)، وتركيا، وإيران، وباكستان، وأفغانستان وهي الدول التي تحصر فيها أميركا الخطر الإسلامي. وهي طرحته من أجل الحفاظ على مصالحها الأمنية باعتبار أن وضع المسلمين «المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية سيشهد مزيداً من التطرف، والإرهاب، والجريمة الدولية، والهجرة غير المشروعة». هذا وقد أرادت من الحلف الأطلسي أن يكون الذراع العسكرية الأمنية لتنفيذ هذا المشروع، وصرحت بأن النموذج الإسلامي_التركي أي نموذج اليهودي مصطفى كمال هو المثال.
إن الحل الذي خلصت إليه أميركا، في مشروعها هذا، هو الإصلاح. ولكن أي إصلاح؟ إنه الإصلاح الذي يرمي إلى ضرب الإسلام، تحت حجة ضرب الإرهاب ومنع التطرف الذي ترى أميركا أنهما إسلاميا الهوية والانتماء. نعم إنه الإسلام الذي يتحرك الجميع من أجل ضربه: أميركا و(إسرائيل) وأوروبا، وحكام المسلمين.
أما أميركا فإنها تعتبر الإسلام عدوها الاستراتيجي الأول، وتضع الخطط لمحاصرته، وتشويه صورته، وإبعاده عن ساحة الصراع، وتجمع الدول حولها من أجل قيادتها في هذا الصراع، وتريد بالمقابل من المسلمين أن يواجهوها بالحوار.
ويقف إلى يمينها، ويسارها، وأمامَـها، ووراءها، ومن فوقها، ومن تحتها، شياطين اليهود، ينفثون فيها روح الحقد والكراهية ويوقدون نار الحروب ضد الإسلام والمسلمين.
أما أوروبا فإنها تعتبر نفسها في حالة من الصراع الحضاري مع الإسلام ولكنها تحاول أن تجعله مقنَّعاً وتعمل على إظهار نفسها بعيدة عن الموقف الأميركي السافر. وهي تلتقي مع أميركا في توصيف المشكلة وأسبابها من غير أن تلتقي معها في المعالجة، وهي لها مشروع استعماري يختلف عن المشروع الأميركي، تســميه «الشــراكة الأوروبــيــة المتوســطية». وليس أدل على دخـولهـا الصــراع الحضــاري مـع المسلمين من مسألة منع الحجاب الذي بدأ في فرنسا ثم في بلجيكا، وألمانيا، والحبل على الجرار.
أما الحكام المفروضون على المسلمين، الذين يختلفون على كل شيء، فإنهم اتفقوا على أن وضع المنطقة يحتاج إلى إصلاح، ولكن ليس من الخارج، لأنه سيطيح بهم. إن هؤلاء الحكام ليسوا ضد المبادرة الأميركية، ولا ضد ما جاء فيها من حرب على الإسلام والمسلمين، فهم قد سبقوا أميركا في ذلك، ولا ضد ما تمثله من استعمار يتجدد على مختلف الصعد،… إنهم كانوا وسيقنعون أميركا أنهم ما زالوا خير أداة لها لتنفيذ كل ما تريده، إنهم ضد أمر واحد فقط، هو أن يأتي الموس على ذقونهم، إنهم لا يهمهم سوى شيء واحد: الكرسي. لذلك تراهم يتحركون بحركات ظاهرها الإصلاح، وحقيقتها البقاء على الكرسي.
إن ما وصل إليه المسلمون من سوء حال يشهد به الجميع إنما هو من صنع أيدي من يريد الإصلاح: الغرب وصنائعهم من الحكام. إن النظام الرأسمالي، الظالم، الجشع، المفروض على المسلمين، وعلى العالم، هو الذي أفقر المسلمين، بل العالم كله.. فالعالم كله مدين للدول الرأسمالية عن طريق مؤسساتها الربوية من مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ما يقضي على كل أمل بالتنمية التي يدّعي الجميع، نفاقاً، أنهم يسعون إليها، ومثله نظام التجارة العالمية، والدعوةُ إلى الخصخصة والعولمة وإدماج الشركات الرأسمالية الكبرى مع بعضها حتى تصبح كل واحدة منها كالغول يبتلع كل الخيرات، ولا يبقي للآخرين إلا الفتات. إن أميركا وأوروبا بنظامهم الرأسمالي هم أساس المشكلة ولُبُّها، وما هؤلاء الحكام الرخيصون إلا أدوات بيد الغرب ضد أمتهم، وليس لهم في هذا الصراع إلا هم واحد، وهو أن يرضى عنهم الغرب ليبقيهم في نادي الرؤساء كما يقول أحدهم.
نعم إن المسلمين يحتاجون إلى حل، وإن أوضاعهم السيئة التي وضعهم الآخرون فيها تحتاج إلى تغيير، وليس إلى إصلاح، وهذا التغيير لا يمكن أن يأتي من الغرب، ولا من المبدأ الرأسمالي الجشع، بل إن المبدأ هذا هو نفسه بحاجة إلى تغيير… إن الحل لا يأتي إلا من الإسلام وحده، الذي يحرّم الاحتكار والربا، ويمنع المغامرة بأموال الناس عن طريق البورصات واللعب بأسعار العملات بعد ربطها بالدولار أو باليورو، ويمنع تلك التجمعات الضخمة من الشركات التي تشكل حالة من استغلال الشعوب وخيراتها.
إن الإسلام هو الحل الصحيح للمسلمين، ولغيرهم، وليس من حل صحيح غيره. ولكن كيف يحقق المسلمون ذلك؟
إن السبيل إلى إيصال الإسلام إلى العالم كله، ليكون رحمة لهم، لا يكون إلا باتباع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في تحقيق ذلك، فهو صلى الله عليه وسلم أقام المجتمع الإسلامي أولاً، ولم يخرج بدعوته وبجهاده إلى دول العالم إلا من خلال دولة أقامها في المدينة، وأقام أنظمتها، وأعد القوة، ومن ثم أطل إلى العالم ليس بالسيف فقط، بل بالحق، والسيف لم يكن إلا من أجل إزالة الحواجز التي تقف في وجهه وتمنع إيصاله للآخرين. فإذا وصل إلى الآخرين واستناروا بنوره وعاشوا في ظله، فإنه لا يُكرِههم على اعتناقه.
إننا ندعو المسلمين أن يسيروا على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل من المسلمين من يجرؤ على قول غير ذلك… إن الجهاد في سبيل الله، وإقامة الأنظمة الإسلامية المتعلقة بجميع شؤون الحياة، وإقامة الحدود… كل ذلك مطلوب وفرض ولكنه لا يتحقق من غير دولة. هذا ما يريده الله تعالى، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) .
2004-04-10