حملة الغرب الشرسة على الحجاب
2004/08/10م
المقالات
4,504 زيارة
حملة الغرب الشرسة على الحجاب
كتبت هذا الموضوع بالإنكليزية الأختان: سلطانة بارفين وشازيا أختار
في الوقت الذي تشهد فيه الأمة الإسلامية في العالم كله الغزو العسكري الذي شن على أراضيها، يجب أن لا تغفل عن الغزو العسكري ضد دينها. والحقيقة أن الغرب اتخذ أسلوباً استراتيجياً ليحط ويشوه فيه الإسلام والمسلمين. ويترأس هذا الغزو الانطباع الغامض عن أن الإسلام ينقصه الحرية وأنه دينٌ ظالم للمرأة. وأشهره الفكرة المتأصلة والتي ليست بالغريبة وهي (الهجوم على الحجاب) وحتى لو أن هذا الحديث ممكن أن يكون قديماً بعض الشيء ولكن كل مسلم يجب أن يفهم بُعد الآثار لهذا الموضوع وطريقة استخدامه في السياسة الحالية.
وهذا الهجوم القديم جداً استخدم حالياً لكي يزيد شعلة اللهيب الهستيرية ضد الإسلام. وسؤال يظهر مرة اخرى؟ هل الإسلام اضطهادي؟ وكيف يضطهد المرأة؟ وهل لباس المرأة الشرعي مناسب في الغرب؟ وكيف انه يجب على الغرب تحرير المرأة؟ وهكذا عجلات هذا النقاش تتحرك مرة أخرى، وليس تبغي فقط تشويه صورة الإسلام بل حتى تحديداً تريد محو هوية المرأة المسلمة. إن الغرب بجهد وبشدة يغذي ويربي مجموعة مفاهيم جوهرية تتناقض مع وجهة نظر الإسلام في الحياة بهدف إبدال هذه المفاهيم الإسلامية، التي تميز الهوية الإسلامية.
وعندما ننظر لتاريخ هذا الهجوم سنجد أن حملات شبيهة في الماضي ترأسها من سموا أنفسهم (مفكرين إسلاميين) أرادوا أن يروجوا أفكار مثل التحديث، والعلمانية، وروحية الإسلام وفكرة تحرير المرأة المسلمة، أمثلة لبعض الأفراد الذين كان يهتف ويصفق لهم في بريطانيا في القرن التاسع عشر مثل أمير علي وقاسم أمين. أمير علي في بعض الكتب ناقش كيف أن البردة (وهي اللباس الشرعي) تتناقض مع (روح الإسلام) حيث إن قاسم أمين عرض الأمر على أن المرأة المسلمة بهذا اللباس الإسلامي ليست أكثر من عبدٍ يغطى بلباس إسلامي مما يدل على سيطرة وهيمنة الذكر على الأنثى وتحقير للمرأة! إن المتتبع لحياة هؤلاء (المفكرين) تكشف عن ولائهم الحتمي للغرب، خاصة بريطانيا التي أقامتهم لترويج فكرة أن التنازل عن الإسلام والقيم الإسلامية هي المنجد للمسلمين والمرأة المسلمة. في الماضي هذا الهجوم كان جزءاً هاماً وواقعياً من الحرب الفكرية ضد الإسلام، وهو ماكان يلجأ له الكفار لتيسير وتسهيل خططهم لهدم الخلافة العثمانية.
هذا الهجوم ضد «الحجاب» ظهر من جديد في هذا القرن، في الثمانية عشر شهراً الأخيرة شاهدت المرأة المسلمة هجوماً منظماً ومركزاً ضد اللباس الإسلامي. منذ أن شنَ الغرب حربه على الإسلام أو المعروف ب«الحرب ضد الإرهاب». الكثير قيل عن غطاء الوجه (النقاب) واضطهاده للمرأة المسلمة، بأنه يرمز إلى دنو شأنها بالمجتمع، والغرب يتفاخر بما يسميه «تحرير المرأة بأفغانستان». إن المشتركين في هذه الحملة المكشوفة هم شخصياتٌ ذات وزن سياسي في الغرب مثل سيدة أميركا (لورا بوش) وزوجة الرئيس البريطاني (شيري بلير) حيث علقت بصراحة في مؤتمر صحفي وقالت ( لا أظن أن هناك أكثر تعبيراً عن اضطهاد المرأة من غطاء الوجه). وشاركهم آخرون في تشويههم للموضوع الذي أبْرزته بشكل واضح المرشحة للرئاسة الفرنسية (جين-ماري لي بن) بتصريحها عن لبس الخمار والجلباب قائلة (هذا شيء جيد، لأنه يحمينا من النساء القبيحات). هذه هي أخلاق الغرب وألفا ظه الحاقدة على الإسلام.
هذا الشجب للباس الإسلامي المخصص للمرأة المسلمة قد تنافس في شدته الصحفيون الغربيون المشهورون، فقد كتبت بولي توينبي في مقالتها «خلف النقاب» في صحيفة الجاردين البريطانية، تقول فيها: (إن الغطاء من الرأس للقدمين، الذي يمنع الهواء، هو اكثر من أداة للتعذيب، إنه مدنِّس لنشاط المرأة الجنسي. إنه يحول أي إمرأة الى شيء مدنس يدعو للاشمئزاز ولا يمكن لمسه… إنه كساء يظهر شناعة الإثارة الجنسية، وإنه يتوقع منها العنف والاستبداد…).
هذه فقط بعض الأمثلة عن حملات الذم الأخيرة للخمار والجلباب، وتصريحات الغرب حول «الهجوم على الحجاب» إن كثيراً من النساء المسلمات اللواتي يتحجبن تبعاً للشريعة يواجهن يومياً وابلاً من التعليقات والاستهزاءات والتهديدات الظالمة الموجهة نحو المرأة المسلمة في المجتمعات الغربية.
بعد أحداث 11/9 فإن المسلمين الذين يعيشون في الغرب قد واجهوا هجوماً ضد الهوية الإسلامية، وسياسة صريحةً للاندماج، تنادي المسلمين لاعتناق قيم العلمانية الفاسدة، وترك مفاهيم الإسلام النقية. هذا النداء مصمم لإيجاد إسلام أوروبي جديد، يجعل الفرد المسلم في مجتمعاتهم يكتفي بالإسلام عقيدةً، ولكن يفصل هذه العقيدة وهذا الإيمان عن شؤون الحياة، ويتبنى بدلاً من ذلك المفاهيم الغربية عن الحياة، سواء أكانت تتعلق بالزواج، أم بالحياة العائلية، أم باللباس، أم بالتعليم أم بالسياسة. وهذا ما صرح به جاك سترو قائلاً (نريد المسلمين البريطانيين ونظراءَهم من الأوروبيين الآخرين أن يصبحوا أكثر وأكثر اندماجاً في طراز معيشتنا الديمقراطيه، وستظهر مع مرور الوقت الضرورة الملحة للإسلام الأوروبي).
إنه من الضروري أن يعرف أن المرأة المسلمة لم تستثن من مؤامرة الداعين للاندماجية، وأن طلب رؤية المرأة المسلمة منصهرة في المجتمع الغربي هو طلب لسلخها من هويتها الإسلامية المميزة، وهو طلب لإبعادها عن إسلامها.
الحرية: الغاية العالمية:
إن المجتمع الغربي الرأسمالي يقدر ويتمسك بأفكار الحرية: الحرية الشخصية للفرد، لكي يعمل هو أو تعمل هي كما يشاء، ليلبس الفرد كما يرغب، وليتصرف كما يراه الفرد أنسب في نظره. إن الغرب يعتبر نفسه رائد الحرية، ومحرر المرأة، وهذا واضح جداً في كبرياء جورج بوش عندما قال في حديثه السنوي لاتحاد الدولة في عام 2002 (بالنسبة لعملية «تحقيق الحرية بعيدة المدى»: «نحن ذهبنا لأفغانستان لتحرير شعبها، لأننا نؤمن بالحرية… اليوم (في أفغانستان) النساء أحرار».
إن الشعوب الغربية تفتخر بحقيقة أن مجتمعاتها مكان تعطى المرأة فيه الحرية لتمارس بها اختياراتها الشخصية التي تقرر فيها كيف تستخدم جسدها الذي هو من ملكيتها الشخصية. ومع هذا فإن المجتمعات الغربية موبوءة بثقافة يسيطر عليها الجنس، حيث ينشيء نظرة منحلة للمرأة، على أنها سلعةٌ، ويشكل نظرة سائدة بأن المرأة هي أداة لإشباع رغبات الرجل.
إن أخدوعة الحرية تغش وتخدع المرأة الغربية. إنها مقيدة ومسيطرة باقتصاد محكومٍ من مجتمع رأسمالي لكي تصبح مصدر كسب وربح آخر للدخل الإجمالي للدولة. إن حريتها الشخصية الخاصة بها تتصاحب مع حرية الملايين من الرجال الذين يروجون شكل المرأة، الذي يُنتج من خلال صناعة الصور الإباحية الداعرة: في أميركا 8 بلايين دولار سنوياً، وفي بريطانيا نسبة تقدر بـ 5 ملايين دولار من مبيعات المجلات (الداعرة) وحدها. المرأة الغربية مخطئة في ظنها أن لا أحد يستطيع أن يسيطر عليها، وأنها مستمتعة بحرية شخصية، وحرية تعبير، تلبس كما تحب بدون قيود. إنها في الحقيقة ماتزال سجينة أبدية في وضع غير ملائم. حتى وصولها إلى الجمال المثالي، ومحافظتها على شكلها المظهري الذي ترغب دائماً في تحقيقه، كله محكوم بخدمة دفع السوق الاقتصادية. فكل جانب من جوانب مظهر المرأة مسير من قبل صناعة الأزياء والتجميل، ومواسم الأزياء تجبرها على الوصول لمظهر معين. مظهر في الحقيقة صُمِّم لها من قبل آخرين (الرجل المهيمن)، فهو يستعبدها حتى في جمالها ويتحكم في رغبتها الدائمة في الوصول إلى هذا «المظهر» وابتزازها فيما تنفقه على أن تظهر «فاتنة»، وتكسب صناعة التجميل من وراء ذلك: في بريطانيا سنوياً 8.9 بليون باوند، وفي أميركا يتضاعف دخل هذه الصناعة 10% كل سنة. هذه هي (حرية) المرأة التي تجعلها تظهر وتلبس كما تشاء، وتركض وراء تخفيض وزنها 20% أقل مما يتناسب مع طولها، و تملك البشرة الصافية، والشعر الجذاب، وآخر موضة من الأزياء في اللباس، وهي في الحقيقة ليست (حرية) كما تزعم بقدر ما هي عبودية لصناعة التجميل ودور الأزياء، وسلعة (يلعب) بها (الرجل) الذي ظنت نفسها متحررة منه، فتمتهن أنوثتها لزيادة الدخل، وتظهرها الإعلانات بشكل مبتذل كأي موديل جامد موضوع في محلات البيع والشراء.
إن نظرة العالم الغربي للمرأة ليس أكثر من أنها شيء مادي سواء أكانت في البيت أم في العمل. هناك العديد من الحالات التي تم فيها اتخاذ إجراء تأديبي من قبل أصحاب الأعمال والوظائف نحو المرأة التي رفضت الالتزام بلبس التنورة في مكان العمل، شركة يورو ستار (شركة للمواصلات) جذبت الانتباه الكبير نحو موقفها من موضوع (البنطال والتنورة). حيث إن المظهر هنا مهم جداً، وهو في هذه الحالة أرجلها، وسيقانها من أجل استقطاب الزبائن للبيع والشراء. إن الاعتقاد بأن المرأة حرة من الاضطهاد ومحررة من القيود هو في الحقيقة استعباد للمرأة في نظامهم، فزعهمهم تحريرها ليس أكثر من مسرحية هزلية تحرر ت المرأة فيها من كونها إنساناً يشارك الرجل الإنسانية، وأصبحت سلعة اقتصادية مكبلة ومقيدة من قبل الإقتصاد الرأسمالي، يتحكم (الرجل) بتسويقها وفق المستوى الذي يحدده هو لها.
فهل هذه حرية للمرأة أو هو مسخ لإنسانيتها، وامتهان لأنوثتها، وجعلها سلعة في عالم الاقتصاد؟
إن الغرب بدل معالجته لمشكلة المرأة عندهم، وبدل تصحيح نظرتهم المادية إلى المرأة كسلعة في سوق الدعاية والإعلان، ومصدر دخل في صناعة التجميل ومواسم الأزياء، بدلاً من ذلك شنَّ حملته الشريرة على «الحجاب» تحت مسمى حرية المرأة وأنَّ اللباس الشرعي للمرأة في الإسلام هو رمز لإنكار الحرية الشخصية للمرأة كما زعمت ذلك شيري بلير وأليباوي براون.
إنه يجب أن يكون واضحاً للمسلمين أن هذا الهجوم قد اتخذه الغرب بعد حسابات دقيقة، وأهداف خبيثة أخذت بالحسبان، وهي ليست فقط مسألة خلاف حول قطعة من القماش. لكن الهجوم على «الحجاب» هو نداء للمرأة المسلمة لكي تعتنق «الحرية» بالمفهوم الغربي، فتعري نفسها من لباسها كما تشاء، وتتخلى عن كونها إنساناً إلى سلعة ممتهنة في سوق الاقتصاد.
إن الهجوم على «الحجاب» هو هجوم مباشر على المفاهيم الإسلامية عن الحياة التي تجعل المرأة المسلمة تستسلم لخالقها كما الرجل المسلم، عباداً لله سبحانه وتعالى. فالمرأة المسلمة تدرك تماماً وقطعاً أنها خلقت بحاجات عضوية وغرائز مثلها مثل الرجل، كلاهما إنسان محدود عاجز، بحاجة للهدى في هذه الحياة ليسير سيراً مستقيماً مطمئناً. وتدرك المرأة المسلمة أن هذا الهدى هو ليس من أحد سوى خالقها (الله سبحانه تعالى)، الذي نظم حياتها وبين لها كيف تلبس في الحياة العامة وكيف تسير لتكون هي والرجل في حياة طيبة مطمئنة. في حين أن الطابع الغربي يقود الرجل والمرأة، وباسم الحرية الشخصية، إلى حياة قلقة مضطربة، يركضون فيها وراء شهواتهم، مستسلمين لرغباتهم وأهوائهم الخاصة. إنها قيم الحرية المنحطة، التي تسمح لمنزلة المرأة أن تنزل إلى أن تصبح فقط سلعة «يتاجر» فيها لتخدم المصالح الإقتصادية التي تسيرها ملايين الدولارات الناتجة من الأزياء والمكياج والعمليات التجميلية وصناعة فن الدعارة. هذه القيم التي تبيح للمرأة والرجل باقتراف الفسوق، والزنا والتعري، وهي التي تحط من منزلة بني الإنسان إلى منزلة حتى أقل من منزلة الحيوان، قال الله تعالى في سورة الفرقان (آية 43 و أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً )44): (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً )
كيفية إفشال هجوم الغرب على «الحجاب»:
إن إفشال هذا الهجوم الشرير هو بالتزام المسلمات بالإسلام وبخاصة بهذا الحكم الشرعي المتعلق بلباس الحياة العامة في الإسلام. وقبل أن نفصل ذلك، نبين بعض المواقف غير الصحيحة تجاه هذا الهجوم على «الحجاب» أي اللباس الشرعي:
الموقف الأول: أن «تنساق» المرأة المسلمة مع ثقافة الغرب الفاسدة فتنخدع بأفكار الحرية الشخصية وحرية التعبير بالمفهوم الغربي؛ فترى أن غطاء جسمها بالجلباب والخمار أو النقاب هو رمز للاضطهاد! وأن هذا ليس مقبولاً للمرأة المسلمة في القرن الحادي والعشرين.
إمرأة كهذه اختارت أن تنضم للصفوف المنحطة من النساء الغربيات وتنزل منزلتها إلى منزلة السلعة التي تشترى وتباع وهي مازالت تظن أنها متحررة.
الموقف الثاني: المرأة المسلمة التي ترد الهجوم على اللباس الشرعي من منطلقات الديمقراطية الغربية فتقول إن الحرية الشخصية مكفولة في الديمقراطية، وحقها الديمقراطي أن لا تمنع من حريتها الشخصية ولذلك فلها أن تلبس ما تشاء حسب هذا المفهوم وهي تريد أن تختار اللباس الشرعي فلماذا يعترضون على حريتها الشخصية؟ ومثال على ذلك هو ردود فعل بعض المنظمات النسائية المسلمة في بريطانيا والتي عقبت في رد على كلام شيري بلير. في تصريحها قائلة «اللباس هو اختيار يجب أن تحترمه المرأة، ولكننا نوافق أنه يجب أن لايكون بالإجبار، فالمرأة التي تختار الجلباب والخمار أو النقاب يجب أن لا تمنع من ذلك».
وكذلك فعلت عضوة في البرلمان التركي (الأخت ميرفي كافاكي) التي قادت النشاط النسائي للاحتجاج على منع لبس الحجاب في الأماكن الحكومية والبنايات العامة في 1997، بقرار من الحكومة التركية، فبدل أن تفسر الحجاب في مقابلة لها بأن الحجاب هو حكم الله سبحانه وتعالى قالت إن قرارها هو تجربة للديمقراطية «وفي القرن الواحد والعشرين، يجب أن يسمحوا لنا بهذه الحرية» وأن حقها في حرية ارتداء حجاب الرأس يكفله الدستور والقانون الدولي.
إن مقاومة «الحجاب» من منطلق القيم الغربية وعدم منع الحرية الشخصية ينسجم مع المفهوم الغربي. فمثلاً الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد الحق الديمقراطي للأفراد باللباس (الديني) و (بالتحديد الحجاب) في البنايات الحكومية، وبعض الصور تظهر ما تسمى «العائلة الأميركية الواحدة» وتقدم الأم فطوراً وهي تلبس الحجاب. وكثير من الدول الأوروبية (عدا فرنسا) لا تمنع غطاء الرأس باسم الحرية الشخصية، مع أن هؤلاء هم نفسهم الذين هاجموا «النقاب» واعتبروا أن «كشفه» في أفغانستان والجزائر هو تحريرٌ عظيم.
وهذا الموقف من باب الحرية الشخصية، أن تلبس المرأة ما تشاء، جلباباً أو غير جلباب، هو غير صحيح لأنه حينها لا يكون التزاماً بالحكم الشرعي بل بالقيم الغربية التي تقود في النهاية إلى عدم الانضباط باللباس الشرعي.
الموقف الثالث: أن ترد المرأة المسلمة الهجوم على الحجاب من أنه حجب لجمال المرأة ولجاذبيتها بأن تقول إنه جميل ويتماشى مع الموضة، وتحاول المسلمة أن تجعل الخمار والجلباب مقبولاً أكثر بعيون الغرب. هذه النظرة كانت قد لوحظت في موضوع في جريدة الإندبندنت عنوانه أنه «كيف يمكن أن يكون الحجاب موضة جميلة». هذا الموضوع احتوى على أقوال من بعض الأخوات المسلمات يشرحن فيه كيف أنه ممكن لبس الحجاب وفي الوقت نفسه يكون موضة. مثال آخر هو برنامج ثقافي عرض من وقت قريب، وفيه كانت المسلمات يناقشن كيف يمكن جعل «النقاب» أكثر موضة ومواكباً القرن الواحد والعشرين (21). يراد بهذه النقاشات أن تكون الخلفية للحجاب من منطلق الموضة والقيم الغربية. إن مفهوم متابعة الأزياء وملاحقتها هو جزء من الثقافة الغربية، والجزء الاستهلاكي فيها يعتمد بدرجة كبيرة على متابعة الأزياء، وامتلاك آخر موضة في الألبسة، والحذاء وحقيبة اليد المتناسقة.
إن هذا الموقف مخالف كذلك للإسلام، حيث إن دافع المرأة المسلمة للتحجب هو فقط رغبتها لإرضاء الله وحده، وهو في تناقض واختلاف تام عن الرغبة في تحقيق مظهر معين أساسه التزين بطريقة حددتها صناعة الأزياء. إن مفهوم الجمال بطريقة موضة دور «الأزياء» وثقافة الغرب هو بلا شك مفهوم سطحي، وهو مناقض تماماً لمفاهيم الإسلام حول جمال المرأة وطهارتها وعفتها.
الموقف الرابع: الرد على الهجوم بحجج عقلية، فتأخذ المرأة المسلمة بمناقشة الموضوع عقلياً، أنها تغطي جسمها لأجل كذا أو دفاعاً عن كذا، محاولة أن توجد تبريراً للباسها وهي خجلة من أن تقول إن الشرع يأمر بهذا فألبسه لذلك، فهي تجاري الغرب الحاقد على الإسلام ولا تريد أن تظهر أنها تلتزم بالإسلام.
إن الرد على الهجوم بطريق التعليلات العقلية يضعف موقفنا كمسلمين، ويؤكد على أننا لا نرجع عملنا للقرآن والسنة، وهذا يلائم أجندة الغرب حيث تسعى لعزل المسلمين عن مرجعهم، القرآن والسنة.
وبعد:
فإن كل هذه المواقف السابقة ليست هي التي يأمر بها الإسلام. إن وجوب لباس المرأة الجلباب والخمار أو النقاب هو حكم شرعي من خالق السموات والأرض وما فيهن ومن فيهن، وهو سبحانه يعلم ما يصلح مخلوقاته وما يسعدهم في الدنيا والآخرة.
وقد أمر الله سبحانه الرجل والمرأة بالتزام الأحكام الشرعية طاعة لله سبحانه وطلباً لنوال رضوانه سبحانه. فليس لإنسان سواء أكان مسلماً أم مسلمةً، أن يفعل ما يشاء من خير أو شر بل يجب عليه أن يفعل الخير وينتهي عن الشر، فهو مقيد بشرع الله سبحانه.
يقول الله تعالى في سورة الجاثية (18): ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
عندما تخرج المرأة المسلمة من بيتها وهي تلبس الخمار والجلباب فإنها تقوم بهذا العمل طاعة لله تعالى وحده (ربها الذي خلقها).
إن الهجوم على الحجاب هو هجوم على عبادة المسلمة لخالقها، هو هجوم على كونها ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية وليس بقيم الكفر الرأسمالية.
إن الله تعالى بيَّن الحلال وبيَّن الحرام، وهو الذي جعل الحجاب وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى]فرضاً على المرأة المسلمة. قال تعالى: .[جُيُوبِهِنَّ
ويقول تعالى في سورة الأحزاب (59): ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾.
فالسبب الوحيد للباس الشرعي هو أمر الله سبحانه وتعالى للمرأة المسلمة، وبتنفيذها لهذا الفرض فهي تطيع الله سبحانه وتعالى، وتكسب رضاه، وتكسب ثوابه الكبير في الآخرة. وتبنِّي أي شيء آخر، مثل التعليل العقلي والأسباب الغربية للبس الخمار هو غير مقبول، وبالعكس هو يسهم في تدعيم «الحرب ضد الحجاب»، و«انسياق» المرأة المسلمة وراء مثل هذه الأسباب المتأثرة بمفاهيم الكفر عن الحرية الشخصية، هو مساهمة في إنجاح حملة الغرب على اللباس الشرعي.
أيها الأخوات، يا نساء هذه الأمة الكريمة، يجب أن تتجنبن وتحذرن مفاهيم الحرية الغربية، التي تناديكن بترك طاعتكن لله سبحانه وتعالى، فقط لتصبحن عبيداً للطمع والنزوات الإنسانية. عندما تنظرن للمرأة الغربية، ترين بوضوح شقاءها وتعاستها ومستواها الرديء في المجتمع، الذي نتج عن القيم الرأسمالية ومفاهيم الحرية الشخصية، ويجب أن ترفضن هذا الكفر، ويكون ارتداؤكن الخمار والجلباب هو فقط من أجل الله تعالى، وليس من أجل الاختيار و الحرية الشخصية،وتمسكن بالسبب النقي لاتباع أحكام الله سبحانه وتعالى حيث يقول في سورة الأحزاب (36): ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾.
أيها الأخوات، حافظن على هويتكن الإسلامية كنساء مسلمات من خلال حماية وحفظ نقاوة وطهارة الأفكار الإسلامية، ولا تأخذن أبداً بأفكار الكفر. ولكن أدركن المنزلة الكريمة وكما حددها دين الله.
ولتكن طاعتكن لله خالصة صادقة. واعملن بجهد لإقامة دولة الخلافة، التي ستجلب العدل للإنسانية وتحرير المرأة المسلمة من تبعيتها العمياء للرأسمالية، ونشر الخير والعدل في ربوع العالم.
﴿ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾
2004-08-10