الصبر… الزاد في خضم المرحلة (2)
2004/10/10م
المقالات
2,171 زيارة
الصبر… الزاد في خضم المرحلة (2)
الدين يقوم على أكتاف أولي العزمات:
اعلموا أن الدين يقوم على أكتاف أولي العزمات من الرجال، ولا يقوم أبداً على أكتاف المترخصين والمترفين، وحاشاه أن يقوم على أكتافهم، فالدين العظيم لا يقوم إلا على أكتاف العظماء من الرجال. والمسؤولية الجسيمة، التي ناءت بحملها السموات والأرض، لا يمكن أن يقوم بها إلا أهلها، ورجالها. كيف يقوم الإسلام دون عزمة كعزمة “أنس بن النضر” الذي قال فيها: «لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع»، فشهد أحداً، وقاتل، حتى وجد بجسده -وهو ميت- بضع وثمانون طعنة وضربة، حتى إن جسده قد مزق تمزيقاً فلم يعرفه أحد سوى أخته، عرفته ببنانه. إن العزمة التي نريدها منك أخي المسلم عزمة شاملة، عزمة في العلم والعمل، عزمة في الدعوة والجهاد، عزمة في الإيمان واليقين والصبر والرضى، عزمة في الحسبة والصدع بالحق، عزمة في إصلاح النفس وهداية الخلق. إننا لا نريدها عزمة تقتصر على مجال واحد، بل نريد ذلك الذي سمت همته في شتى مجالات العمل الإسلامي، وليس في مجال دون مجال، أو في ناحية على حساب أخرى، وإنما نريدها عزمة كاملة شاملة تامة، وإنني لم أجد في ذلك المعنى أبلغ مما قاله “ابن القيم”، رحمه الله، في كتابه القيم طريق الهجرتين وباب السعادتين «ومنهم جامع المنفذ السالك إلى الله في كل وادٍ، والواصل إليه من كل طريق، فهو جعل وظائف عبوديته قِبْلَةَ قلبه ونصب عينيه، يؤمها أين كانت، ويسير معها حيث سارت، قد ضرب مع كل فريق بسهم، فأين كانت العبودية وجدته هناك، إن كان علمٌ وجدته مع أهله، أو جهاد وجدته في صف المجاهدين، أو صلاة وجدته في القانتين، أو ذكر وجدته في الذاكرين، أو إحسان ونفع وجدته في زمرة المحسنين، أو محبة ومراقبة وإنابة إلى الله وجدته في زمرة المحبين المنيبين، يدين بدين العبودية أنى استقلت ركائبها، ويتوجه إليها حيث استقرت مضاربها. لو قيل له: ما تريد من الأعمال؟ لقال: أريد أن أنفذ أوامر ربي، حيث كانت، وأين كانت، جالبة ما جلبت، مقتضية ما اقتضت، جمعتني أو فرقتني، ليس لي مراد إلا تنفيذها، والقيام بأدائها، مراقباً له فيها، عاكفاً عليه بالروح والقلب والبدن السر، قد سلمت إليه المبيع منتظراً منه تسليم الثمن. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111].
قولوا للمنافقين:
سيقول لك المنافقون والذين في قلوبهم مرض: أتطنون أن شيئاً مما تريدونه سيتحقق؟ وهل تظنون أن الخلافة الإسلامية، أو حتى الدولة الإسلامية، ستقوم؟ إن ذلك لا يمكن أن يحدث، وهو أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة، وهل ستسمح أميركا وروسيا وأوروبا و(إسرائيل) بذلك، وهم الأعداء الألداء للإسلام ودولته! وسيقولون لكم: إنما تسعون إلى سراب، وأنتم مغرورون قد غركم دينكم، فإذا قالوا ذلك فتذكروا قول الله عز وجل: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 49]. قولوا لهم: إن الخلافة الإسلامية ستعود، مهما كانت الصعوبات والتحديات، قولوا لهم: إن قيام الدولة الإسلامية أمر لا شك فيه، ولو بعد حين، وإن نصر الله آت لا محالة، وقولوا لهم: بل إن الله سيفتح على المسلمين روما كما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صحيح الحديث، وكما فتحت القسطنطينية من قبل. قولوا لهم: إننا نأمل من نصر الله بما هو أبعد من ذلك، إنما نرجو من الله أن يفتح الكرملين والبيت الأبيض، ومعنا وعد الله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]. أما متى يكون ذلك؟ فهذه ليست مهمتنا، ولم يكلفنا الله بها، وإنما كلفنا بالعمل للدين، والذود عن الشريعة، واستفراغ الوسع في ذلك، وبذل أقصى الجهد، أما النتائج فهي إلى الله عز وجل. فعليك بذر الحب لا قطف الجنى، والله للساعين خير معين. قولوا لهؤلاء كما قال يعقوب، عليه السلام، لبنيه، بعد أن فقد ولديه معاً: ﴿إِنِّي لأََجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ [يوسف: 94]. قولوا لهم: رغم كل هذه الابتلاءات والشدائد، فإننا نجد ريح الفرح والنصر والتمكين، وعودة الخـلافة الإسلامية، لولا أن تفندون.
لقد قال المنافقون للصحابة بعد غزوة أحد: ارجعوا إلى دين آبائكم. وهذه الكلمات سيقولها المنافقون لأهل الإيمان، في كل زمان ومكان، إذا أصابت للعاملين للإسلام مصيبة، أو وقع لهم مكروه، أو تعرضوا للسجن والتعذيب، أو القتل والجراح، سيقولون عندها: دعوكم مما أنتم عليه وارجعوا عنه، فإن هذا الدين هو الذي سبب لكم كل هذه المصائب، وهو الذي أضاع مستقبلكم وألقاكم في غياهب السجون، وشردكم في البلاد، فاتركوا هذا الذي سبب لكم كل هذه المصائب تسلموا وتغنموا، فإذا قالوا ذلك قولوا لهم: ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾[إبراهيم: 12]، وقولوا لهم: ﴿قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: 89].
وسيقول لكم المنافقون والذين في قلوبهم مرض، مثلما قالوا عن أصحاب الرجيع، الذين غَدَرَ بهم المشركون وقتلوهم جميعاً، لقد قال المنافقون يومها: ياويح هؤلاء المفتونين، الذين هلكوا هكذا! لا هم أقاموا في أهليهم، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم -يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم -. وهذه الكلمات ستقال لكم هذه الأيام كلما قتل بعض الإخوة، أو سجنوا، أو شردت أسرهم، عندها سيقول الذين في قلوبهم مرض: لا هم قعدوا وسلموا، ولا هم استطاعوا أن يزيلوا المنكرات والموبقات، وسيقولون: لا هم قعدوا واهتموا بمستقبلهم ومصالحهم، ولا هم أقاموا دولة الإسلام. فإذا سمعتم ذلك فتذكروا أن القرآن قد قال عن قائل هذه العبارة: ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: 204]، وهذا الوصف لا ينطبق عليه بعينه فحسب، بل ينسحب منه إلى كل أتباعه، وأشباهه، ومن يقول بقوله في كل زمان ومكان، وإذا سمعتم ذلك، فقولوا لهم: إن هدفنا إقامة الدين، أما إقامة الدولة فهي طريقة إقامة الدين.
وقولوا لهم قول الصديقة العظيمة “خديجة ابنة خويلد” لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً»، ونحن نقول لكل من يعمل للإسلام، مخلصاً للّه في عمله: ما دمتم على الحق فأبشروا، فوالله لا يخزيكم الله أبداً. إنكم لتصلون أرحامكم وتذودون عن الشريعة، وتدافعون عن الفضيلة، وتحاربون الرذيلة، وتدعون إلى الله على بصيرة، وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتقومون الليل وتصومون النهار، و، وإذا سمعتم ذلك فتذكروا قول أجداد هؤلاء المنافقين ﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا @قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 168 – 169] وقولوا لهم: إن “ورقة بن نوفل” ذلك الشيخ الكبير كان يمر على “بلال بن رباح” وهم يعذبونه، وهو يردد مراراً وتكراراً – في ثبات أعظم من الجبال-: «أحدٌ أحد» فيقول لهم “ورقة”: «أحدٌ أحدٌ والله يا بلال، أحلف بالله فإن قتلتموه على هذا لأتخذنه حناناً». فتأملوا هذا الفهم العميق للإسلام من ذلك الشيخ الذي لم يدرك من القرآن الكريم وأحاديث الرسول ، قبل أن يموت، إلا الشيء اليسير! ولكنه نقاء القلوب وإخلاصها وتجردها عن الهوىr وخلوها من النفاق.
ننتظر منكم نصر الإسلام، إننا ننتظر الآن ممن يعملون للإسلام -وخاصة الشباب منهم- يوماً ينصرون فيه الإسلام وأهله، إننا ننتظر منهم يوماً كيوم “أبي بكر” في الردة، و”خالد بن الوليد” في اليرموك، و”سعد” في القادسية، و”صلاح الدين” في حطين، و”قطز” في عين جالوت، و”محمد الفاتح” في القسطنطينية، و”سليمان الحلبي” مع كليبر، إننا نريد أن تقر أعيننا -ولو للحظات قبل أن نموت- برؤية الخلافة الإسلامية، ونرى أعلامها ترفرف على المشارق والمغارب، ونرى ظلالها الوارفة تملأ الدنيا عدلاً وحقاً ونوراً وهدىً، نريد ذلك اليوم الذي كان ينظر فيه خليفة المسلمين إلى السحابة ويخاطبها بقوله: أيتها السحابة، شرّقي أو غرّبي فسوف يأتيني خراجك، ولقد صدق في مقولته وقد امتد ملك الإسلام شرقاً وغرباً حتى بلغ أقصى المشارق والمغارب وقتها، ووصل سلطان الخلافة إلى كل هذه الأصقاع، فملأها بالخير والهدى والنور.
إننا لفي شوق عظيم لذلك اليوم الذي يفتح الله فيه على المسلمين رومية «روما»، معقل النصرانية في العالم، والتي بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتحها، بعد فتح القسطنينية، وقد فتح الله القسطنطينية، (أستانبول) على يد الأمير والسلطان العظيم “محمد الفاتح” الذي مُدِح في الحديث المعروف: «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش»، وقد كان السلطان الفاتح يتجهز لفتح رومية بعد فتح القسطنطينية، مما جعل أوروبا كلها تعيش في قلق ورعب وفزع دائم، ولم يهدأ لها بال إلا بعد أن وافته المنية قبل أن يتم مشروعه العظيم، وأبلغ دليل على هذا الرعب والهلع، أن كنائس أوروبا عامة وروما خاصة ظلت تدق أجراسها ثلاثة أيام متصلة، فرحاً بموت ذلك السلطان المسلم العظيم، إننا ننتظر مثل هذه الأيام على أحر من الجمر، إن انتصار الإسلام هو أغلى ما يتمنى المرء أن تقر به عينه في الدنيا، إننا نستشعر الآن أن حسنة الدنيا التي ذكرت في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾[البقرة 201] ليست هي الزوجة الصالحة، إنما هي نصرة الإسلام والدين -كما قال بعض العلماء- وأكرم بها من حسنة. إن هذه الحسنة تزيل كل هم، وتذهب كل غم وحزن، ولو فقد الواحد في سبيلها وأهله وولده وماله وجاهه، إننا في شوق عظيم ليوم ينصر الله فيه دينه، فيعز أولياءه وحزبه، أكثر من شوقنا لزوجاتنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا. إننا في شوق عظيم لكي تقر أعيننا ليوم مثل ذلك اليوم الذي اقتحم فيه “عقبة بن نافع” المحيط الأطلسي بقوائم فرسه قائلاً: والله لو أعلم أن وراءك أرضاً لغزوتها في سبيل الله، وقال وهو ينظر نحو السماء: يا رب! لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك، إننا ننتظر منكم يوماً من هذه الأيام، فهل تلبون هذا الرجاء؟ وتستجيبون لهذا النداء؟
وآلمني وآلم كل حرٍّ
سؤال الدَّهر: أين المسلمونا؟
ترى هل يرجع الماضي؟ فإني — أتوق لذلك الماضي حنينا
أبو إبراهيم – غزة
انتهى
2004-10-10