مع القرآن الكريم
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله ما يلي:
( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).
ومن هذه الآيات يتبين ما يلي:
-
هذا خطاب لبني إسرائيل – أي نبي الله يعقوب عليه السلام – بأن يذكروا نعم الله عليهم، فقد نجاهم من آل فرعون والغرق وبعثهم من بعد أن أخذتهم الصاعقة وأنزل عليهم المن والسلوى وغيرها من النعم التي ذكرها الله – سبحانه وتعالى – في كتابه. وفي هذه الآية ما يدلّ على أنهم كفروا بنعم الله بأن نسوها بالكلية فهم لم يهملوا شكرها فقط وذلك من سياق الآية (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) لأن مفهوم الأمر بالذكر (اذْكُرُوا ) دليل على أنهم كانوا قد نسوها بالكلية.
-
يأمرهم الله أن يفوا بما أخذ عليهم من عهود بالإيمان والطاعة فيفي الله بعهدهم بحسن الثواب، والعهد يضاف إلى المُعاهِد والمُعَاهَد، ثم يقول سبحانه (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) أي خُصُّوني بالرهبة مني، وهي صيغة قوية في إفادة الاختصاص وفيها معنى الشرط لدخول الفاء كأنه قيل: إن كنتم راهبين شيئاً فارهبوني، والآية متضمنة للوعد والوعيد.
-
يأمرهم الله سبحـانه أن يؤمنوا بالقرآن الذي أنزل مصدقاً لحقيقة ما معهم، أي النصـوص الـتي لـم تتـغير فـيه حيـث إنَّ الله سبحـانه قد أخبرنا بأنهم غيروا وبدلوا (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) المائدة/آية13 أي يزيلونه ويميلونه عن مواضعه التي وضعها الله فيها (سْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) البقرة/آية75 كما حرفوا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدّ الرجم كما جاء في الحديث “… قالت يهود تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم» (رواه أحمد) الحديث.
ويأمرهم كذلك أن لا يكونوا أول كافر بهذا القرآن، وهذا تعريض بأنهم كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحذرهم الله سبحانه أن يغيروا التوراة أو يحرفوها مقابل مصالح دنيوية، وأن يتقوا الله ولا يخشوا أحداً سواه.
وما ذكره الله سبحانه ( وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ) لا مفهوم مخالفة له لأنه خرج مخرج الغالب كما هو معروف في الأصول لأن هذا هو الذي كان، فقد كانوا يحرفون كلام الله مقابل عرض من الدنيا قليل، ولذلك فالتحذير من التغيير والتبديل قائم سواء أكان الثمن قليلاً أم كثيراً.
-
(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).
أي لا تخلطوا الحق بالباطل، فالباء للإلصاق وبذلك فالآية تنهى عن أمرين: خلط الحق بالباطل وكتمان الحق وهم يعلمون؛ فإن خلط الحق بالباطل تضليل، وكتمان الحق إخفاء له وتضييع له وكلاهما من الكبائر في دين الله.
-
يأمرهم الله أن يسلموا ويتبعوا الرسول الذي يجدونه في كتبهم ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وهذا ما نفهمه من الآيات المذكورة فالله يخاطبهم أن يؤمنوا بما نزل مصدقاً لما معهم أي بالقرآن الذي أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلمثم يخاطبهم بأداء الصلاة والزكاة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) أي الصلاة والزكاة في الإسلام لأن الحقيقة الشرعية مقدمة على غيرها في النص الشرعي فمدلول هذه الآيات يعني أسلموا واعملوا عمل أهل الإسلام ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) آل عمران/آية85، ولهذا لا يصح بعد نزول الإسلام أن يشجَّع كافر أو يهودي أو نصراني أو غيره على الثبات على دينه، بل يؤمر بالدخول في الإسلام، ليس فقط لأن الكتب السابقة قد حرِّفت، بل لأن الإسلام نسخ الأديان السابقة حتى لو بقيت صحيحة ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة/آية48 أي ناسخاً له، وكذلك ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/آية19.