الاعتدال الإسلامي على الطريقة الغربية: آراء التغرير في ساحات التغيير
2012/05/09م
المقالات
1,839 زيارة
الاعتدال الإسلامي على الطريقة الغربية:
آراء التغرير في ساحات التغيير
رويداً رويداً، مهلاً مهلاً، على مراحل، العملية تحتاج إلى وقت ، أولاً نسقط النظام ثم نطبق الدستور والإسلام، ليس وقته، صعب قيام دولة إسلامية، الناس ليسوا كلهم إسلاميين، نرضي كل الأطراف، العالم سيحاربنا، سيتكالب علينا الغرب، نريد دولة مدنية ذات مرجع إسلامي، نحن لسنا كفاراً… كلمات تكرَّرَ سماعُها في ساحات التغيير على ألسن العديد من الناس، وذلك عندما كنا نناقشهم عن التغيير وطريقته، وكأن في ظاهر هذه الكلمات الحكمة والتعقل والتروي، رغم أنها عكست في حقيقتها البساطة والسطحية في عقول هؤلاء الناس، وهذا من جراء التلوث والفساد والانحطاط الذي أصابهم في طريقة التفكير، فماذا يقصد أصحاب هذه الرؤى بطريقتهم هذه وكلامهم هذا؟ هل يقصدون المرحلية في الخطوات أو التدرج في تطبيق أحكام الشرع؟ أو يقصدون التوفيق بين أفكارنا وأفكار الغرب تجنباً لأي اصطدام أو إشكال؟ أو يقصدون شيئاً آخر غير هذه كلها؟ ومن أين استندوا على هذه الرؤى؟ فهل كان من الإسلام الذين يدينون به؟ أو من العقل والواقع والمصلحة والظروف والضغوط الدولية؟ فإن كانت من هذه أو من تلك فإنها تحتاج إلى أن نتناول الموضوع من عدة جوانب للرد على هذه الشبهات وهذه التساؤلات، وهي كالآتي:
المحور الأول: أسباب نشوء فكرة التدرج.
المحور الثاني: واقع بطلان فكرة التدرج والأفكار التي من جنسها .
المحور الثالث: التغيير الصحيح.
المحور الأول: أسباب نشوء فكرة التدرج وغيرها من الأفكار:
إن الناظر بدقة لهذا الواقع السيئ ليدرك تماماً مدى الكره والبغض الشديد للإسلام والمسلمين من قبل الغرب الحاقد، وهذا لا يحتاج إلى أدلة رغم أنها ماثلة لدينا من خلال التصريحات التي أدلى بها زعماء الغرب ورؤساؤه في أميركا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وغيرها من الدول، فمنذ الحروب الصليبية وحتى يومنا هذا والصراع قائم وعلى أشده ويزداد يوماً بعد يوم، فهو صراع بين الحق والباطل، وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلقد حاول الغرب مراراً وتكراراً أن يضرب الدولة الإسلامية عسكرياً، والتي كانت الدولة الأولى في العالم، والتي استمرت قرابة 1300 عام فلم ينجح، فلجأ إلى استخدام سلاح آخر فيه المكر والخبث والدهاء ألا هو ضرب كيان الدولة من خلال ضرب عقيدتها ومفاهيمها وأفكارها الإسلامية؛ لأنه يعلم علم اليقين أن تصرفات الدول والبشر نابعة من أفكارها ومعتقداتها، فلا وسيلة أنجح منها؛ لذلك عمد،في السابق وحالياً، إلى تغيير لغة الخطاب الديني والفكري والتربوي في بلاد المسلمين، واستعان لأجل ذلك بعلماء باعوا دينهم وآخرتهم بعرض من الدنيا، وعملوا وما زالوا يعملون على دس السم بالدسم، وتغيير قواعد الدين وأصوله وأحكامه وتفريغه من مضمونه؛ ليزيفوا عقول الناس، ويجعلوهم ملوثي الفكر لا يفهمون حقيقة الإسلام ولا أفكاره، وكان ذلك بأن جعل لهم طريقة تفكير قائمة على المصلحة والمنفعة وليست على الحلال والحرام؛ فكان طبيعياً وجود مثل هذه الأفكار، مع وجود الوسط الإعلامي الذي يصنع من أمثال هؤلاء علماء أفذاذاً بينما هم علماء سلطة ومأجورين. وهذا ما أدى إلى الجهل بكيفية استنباط الأحكام الشرعية وإنزالها إنزالاً صحيحاً على الواقع؛ فكان لا بد من تعليم العلماء طريقة الاجتهاد الشرعي الصحيحة؛ لذا كان الواجب تلافي هذا الخلل في وقتنا. وحين قيام الخلافة بإذن الله، لابد من توفير جيش من العلماء بهم نفهم الإسلام فهماً صحيحاً ونعبد الله حق عبادته فنرضيه فنفوز في داري الدنيا والآخرة.
إن هذه المصائب التي حدثت بفعل العوامل السابقة أدت إلى إيجاد فجوة بين أفكار الإسلام غير الواضحة وبين إنزالها على الواقع، فأدى هذا إلى ضعف الاستنباط وبالتالي كان طبيعياً دخول الغرب بأفكاره الرأسمالية بكل قوة ليضرب أفكارنا الإسلامية دون وجود ردود، وإن وجدت فهي ضعيفة ولا ترتقي لأن تكون رداً مفحماً لأفكاره الخبيثة، وأصبح جيل العلماء في ذلك الوقت يدافع عن الإسلام دفاعاً مغلوطاً وعلى استحياء منهم، فلجؤوا إلى التبرير وإلى إيجاد الحجج وكأن الإسلام هو المتهم والجاني والغرب هو الضحية، فصارت تهاجم أفكار الإسلام، وأصبح الزواج من أربعة جريمة وإهانة في حق المرأة، وقطع يد السارق عنف وإعاقة له، والقصاص قتل وحشي وحرمان من حق الحياة، وقتل المرتد كبت لحرية العقيدة…وفي مقابل ذلك، ظهر التقدم الصناعي في الغرب والذي أنتج ما سمي بالثورة الصناعية، فأظهر هذا كله الإسلام بمظهر وكأنه ضعيف ومتخلف وعاجز عن إيجاد أي حلول بسبب حالة اللاوعي والجهل والضعف في فهم أحكام الشرع الذي أصاب الأمة.كذلك أدى عدم استقبال الموروث الفكري الإسلامي واحتضانه والعمل على نشره وتعليمه وتناوله بين أوساط العلماء والأمة إلى ظهور العلماء بالمظهر الضعيف، والذين بضعفهم هذا أصبحوا يحاولون التوفيق بين أفكار الغرب وأفكار الإسلام، فجاؤوا بفكرة ما يوافق الإسلام وما لا يخالفه هو من الإسلام، متغافلين عن الأساس الروحي لأحكام الإسلام جميعها. فالصدقة مثلاً طهرة للمسلم وقربة لله سبحانه وتعالى، فإن تصدق بها الغربي، فهل سيؤجره الله عليها؟ بالطبع لا؛ لأن الصدقة عنده غير مبنية على الأساس الروحي وهي عقيدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) كذلك أضيف اختلاط مفهوم الحضارة ومفهوم المدنية لدى العلماء إلى وصول الأمة إلى حالة من العجز والضعف في فهم الإسلام أدت إلى القبول بالأفكار غير الإسلامية؛ فأصبحنا نسمع كلمة تدرج، وأن نكون واقعيين، والغرب أقوى منا، ودولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، ونحن لسنا كفاراً، وغيرها من الأفكار المائعة والملونة.
المحور الثاني: واقع بطلان فكرة التدرج والأفكار والتي من جنسها:
إن التسلح بأفكار الإسلام الدامغة والتي فيها الحجج والبراهين، واجب على الأمة التي طرأ عليها الضعف والوهن؛ وذلك حتى تستعيد به قوتها، ولتجابه به أفكار الغرب الخبيثة والذي يهدف من خلالها إلى القضاء على الإسلام عقيدة ونظاماً للحياة، فكانت فكرة التدرج وغيرها من الأفكار المستوردة من الغرب والناتجة عن الجهل بأحكام الإسلام هي البديل عن هذا الموروث الإسلامي العظيم، وكانت حضارة الغرب وثقافته هي البديل السيئ الذي اعتمد على استخدام العقل والواقع وما يسمى بفقه الواقع، وكذلك المصلحة والظروف في حل المشاكل التي نعيشها، مع أن الأصل، بوصفنا مسلمين، هو الرجوع إلى الحكم الشرعي وإنزاله على الواقع، وجعله حكماً لايتغير، وذلك بعد قراءة هذا الواقع قراءة صحيحة تجنباً للوقوع في الحكم الخاطئ. فالشرع لم ينبع من عقل بشري ناقص محتاج لغيره، بل هو منزَّل من خالق الكون والإنسان والحياة، والذي يعلم ما يفسد الإنسان وما يصلحه، ويعلم واقعه وظروفه ومصلحته، والذي جعل لكل واقع حكماً يناسبه، فلو جعلنا العقل حَكَماً على الشرع؛ لكان من العقل أن يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي كفار قريش عندما عرض عليهم الدخول في الإسلام، فأجابوه بأن دعنا نعبد إلهك عاماً وتعبد إلهنا عاماً، فإن أعجبك إلهنا عبدته، وإن أعجبنا إلهك عبدناه، وقالوا له: دعنا نعبد إلهك أولاً، فلو كان العقل أو الواقع أو الظروف أو المصلحة أو الضغط المكي حَكَماً لكانت بالفعل فرصة للنبي صلى الله عليه وسلم ولقال: هذه فرصة ثمينة لا بد أن أستغلَّها ولا أضيِّعها؛ فلا يمر العام إلا ويكونون قد دخلوا في الإسلام، ولو كان العقل أو المصلحة حَكَماً لقبل بدعوتهم عندما عرضوا عليه المال والحياة والسيادة والنساء على أن يتنازل عن دعوته، ولكان قال: يمكن أن أتنازل لهم، وعندي السيادة والمال والجاه والسلطة، فأتحكم بها كلها كما أشاء فيما بعد لخدمة هذا الدين، ولكن لم يفعل هذا، وكذلك لم يقبل صلى الله عليه وسلم عندما مكّنه الله وأقام الدولة الإسلامية في المدينة وباشر في الفتوحات، فلم يقبل من قريش وغيرها من القبائل أن يترك صنماً أو صلاة أو زنا أو زكاة، فهي أحكام كلها شرعية لا يجوز التنازل عنها،بل قال تعالى لنبيه: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)، وقال (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) فلا مجال للعقل حينما نُؤمَر بحكم شرعي، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) فالأصل اتِّباع حكم الله وليس اتِّباع الهوى والعقل والمصلحة والظروف، فالمصلحة هي في اتِّباع الحكم الشرعي لا غير، وكما قال الإمام علي (كرم الله وجهه): “لو يؤخذ الدين بالعقل لكان مسح الخفين من أسفل أولى من مسحهما من أعلى” فلا محل للعقل طالما أن هناك ما هو أكمل من العقل، ألا هو الشرع.
أما الرد على الشبهات فيكون ببيان خطئها ومخالفتها لأحكام الشرع وعدم انطباقها على واقعها، فمن أجل نقاش هادف وبنّاء وموضوعي لا بد أن تقف الأطراف التي تخوض النقاش على أرضية مشتركة تنطلق منها في نقاشها، فهل قاعدة النقاش إسلامية؟ أو غير ذلك؟ أي هل المرجع للنقاش: الشرع، أو العقل، أو المصلحة، أو الهوى، أو الظروف، أو الواقع؟ فإن اتفقنا على أساس معين كان بها، وإن لم نتفق بأن الشرع هو الأساس والمصدر والمرجع كان لا بد من إقناعه به حتى يؤتي النقاش ثمرته، فمثلاً من يقول:
1- إن مسألة الحكم وإقامة دولة الإسلام لا بد أن تكون على مراحل، والعملية تحتاج لوقت، فإن كان المقصود بهذه الكلمات أن العملية تحتاج لوقت؟ فهذا طبيعي وأكيد؛ لأن كل عمل يحتاج لإنجازه زمناً معيناً ومراحل قد تطول أو تقصر حسب نوع العمل وحجمه، فالمطالبة بإقامة دولة من البديهي أنه يحتاج إلى وقت، فهو ليس كالمطالبة بإقامة مباراة كرة قدم، فهي تحتاج إلى وقت رغم عدم أهميتها، فما بالنا بإقامة دولة خلافة، وليست أي دولة؟ وهنا يرد تساؤل: هل طريقة إقامة الدولة تخضع للعقل البشري أو للشرع؟ لا شك أن قيام الدولة الإسلامية لا بد أن يكون خاضعاً للشرع، وذلك أنه بوصفنا مسلمين لا علمانيين يجب أن نلتزم بأحكام الشرع: 1- دور التثقيف ويشمل الصراع الفكري والسياسي. 2-دور التفاعل بإيجاد الرأي العام المنبثق عن وعي عام في الأمة. 3- استلام الحكم بطلب النصرة. فلا يصح أن تقام الدولة بانتخابات رئاسية أو برلمانية (ديمقراطية) أو بإيصال أشخاص إلى الحكم يتحلون بصفات طيبة، وكأن الإسلام بهذا وصل إلى سدة الحكم، أو بعمليات قتل وسفك دماء، أو بقراءة قرآن فقط، أو بالتركيز على السنن وترك الفروض، أو اعتزال السياسة والاعتكاف في المساجد… فهذه كلها لا توصل الإسلام إلى الحكم ولا تقيم دولة، وفضلاً على ذلك تخالف طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فطريقة إقامة الدولة الإسلامية حكم شرعي لا تختلف باختلاف العصر، وهي ثابتة لا تتغير، ولا يجوز تبديل حكم بآخر. فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية القائمة على أساس ديمقراطي والدخول فيها ليس معناه المرحلية أو الخطوات في الدعوة بل معناه الدخول في النظام الحالي الحاكم بغير ما أنزل الله، والاعتراف به وإضفاء الشرعية عليه، وهذا مخالف لطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل اعترف الرسول الكريم بمجتمع مكة وشاركهم في الحكم أو حتى جاملهم؟ وهل تدرج في دخوله لمجتمع مكة أم كان صريحاً وجريئاً من أول أمره في عرض الإسلام ؟ فلو أجاز الشرع التدرج في الحكم الشرعي لأجاز لرسوله الكريم أن يتنازل عن حكم شرعي كالصلاة أو الزكاة أو تحريم الزنا أو تحريم الأصنام للكفار، ولكنه لم يجز له ذلك خاصة في بداية الدعوة، عندما كان بأمس الحاجة لمن ينصره؛ إذ لم يسمح له الشرع بهذا؛ لذلك لا بد أن تكون الدعوة على أساس صحيح من الحق، فهل جامل الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار وأعطاهم ما يريدون أم صارعهم فكرياً وكافحهم سياسياً وبيّن الحق من الباطل؟ لا شك أنه بيّن الحق من الباطل. ولو بحثنا في الأحكام الشرعية لوجدنا أن الشرع حث على الحكم الشرعي وحذر من الفتنة عنه والمخالفة لأمر الله عز وجل، قال تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) فالشرع قد اكتمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحدث أن أحداً من المسلمين لا دولة ولا جماعات ولا أفراداً، قد اعتمد التدرج في تطبيق الإسلام، بل كانوا يأخذون الأمر كاملاً ويحسمونه عاجلاً قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) فمثلاً لمَّا نزلت آية الحجاب (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) قامت نساء المهاجرين بشق مروطهن فاختمرن بها، فلم تؤجل النساء أمر الله عز وجل، بل بادرن بالإسراع ولم تقل إحداهن: عندما أنزل إلى السوق سوف أشتري خماراً لأختمر به، فما بالنا فيمن يؤجل هذه الأحكام ويقول: ليس الوقت مناسباً، أو سوف نقوم به ولكن ليس الآن، بل حينما تسمح الظروف. فأي ظروف هذه التي تمنع حكماً شرعياً من أن يقام؟ إن الحقيقة التي يجب إدراكها أنه لا مانع إلا ما منعه الله عز وجل، وما سواه فلا اعتبار له.
2- وهناك من يقول بصعوبة قيام الدولة الإسلامية، وأن هذا الوقت ليس وقتها؟
هناك فرق بين مستحيل وصعب،فالمستحيل أي من المحال أن يقام، أي أن هناك حائلاً من أن يقام. أما الصعب فمعناه أنه من الممكن أن يقوم ولكن بصعوبة وعناء بسبب عقبات تعيق إقامته، وهذا لا شك أنه موجود في أعمال عادية، فما بالنا في قيام دولة الخلافة الإسلامية؟ أما وقتها؟ ومتى يكون؟ فإنه قطعاً ليس عندما يسمح لنا أعداؤنا من دول الغرب بإقامتها، فإنهم لن يسمحوا لنا، وهي لن تقوم على هذا الاعتبار. فلننظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لنا فيه أسوة حسنة في إقامة الدولة الإسلامية، فإنه لم يقمها بين ليلة وضحاها، وقد واجه من الصعوبات ما لم يلاقِه أحد، وكانت درساً للمسلمين حتى قيام الساعة، فقد عانى عليه الصلاة والسلام، هو وصحابته، الإشاعة والتهديد والقتل والتشريد والحصار والتعذيب وغير ذلك مما لا يستطيع أن يقف أمامها إلا من ارتوى من عقيدة الإسلام. وكذلك الخلافة الراشدة التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى أحمد عن مسنده «…ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة» لن تكون طريقة إقامتها مفروشة بالورود والياسمين، بل مليئة بالأشواك. والاقتداء بطريقة الرسول يعني أننا سنلاقي واقعاً مثل واقعه، وعلينا واجب القيام بمثل ما قام به. وهو صلى الله عليه وسلم لم يخالف حكماً شرعياً واحداً بحجة الصعوبة أو الظروف أو المصلحة أو العقل، بل ثبت على الحق وواجه الباطل بكل ما أوتي من قوة وإيمان، فقد امتثل صلى الله عليه وسلم تمام الامتثال لقوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) وكان قوله «لن أخالف الله، ولن يضيعني» نبراساً لنا.
إن الغرب مدرك خطورة قيام دولة إسلامية ويتابع بدقة وحذر أين وصل دعاتها في تحقيق مشروعهم هذا. فقد جاءت تصريحات عديدة على ألسن المسؤولين الغربيين مثل بلير وساركوزي وبوش الابن يحذرون من قيامها رغم التكتم الإعلامي الشديد على فكرتها ودعاتها ، وقد تنبأ الغرب بموعد قيامها في دراسات عديدة كما جاء على سبيل المثال في صحيفة الحياة اللندنية قبل 7سنوات حيث نقلت دراسة أعدها المجلس الاستخباراتي الأميركي المعدّ من 1000 خبير، لهم دراسات عديدة بشأن الشرق الأوسط ،فقد تنبأ هذا المجلس بأربع سيناريوهات، أحدها قيام خلافة إسلامية في عام 2020م، هذا ما يخاف منه الغرب، وهذا هو هاجسه، وهو قرب إيذان الخلافة، فكيف فيمن يقول: هذا ليس وقتها! لقد سقنا هذا المثال لنري الأمة الإسلامية ما يدور في أذهان الغرب، ومخططاته، ومعتقداته، وما يخيفه، وما يترقبه، وما يحسب له ألف حساب، إن أعداءنا يراقبوننا مراقبة شديدة، ويتابعون أين وصل المسلمون، وخاصة من يعمل لنهضة الأمة وعزتها وإعادتها قائدة الأمم بإقامة خلافتها التي سرقت منها، فهم يدركون حق الإدراك أن الخلافة تشكل الخطر الحقيقي المحدق بهم، إنهم يعلمون أن هذه الخلافة ستطبق الإسلام وأحكامه، وستعيد مجد الأمة، وستنير بدعوتها النيرة العالم بعد رأسمالية ظالمة فاجرة أفسدت على الناس حياتهم.
3-هناك من يقول أن العالم سيحاربنا إذا قامت الدول الإسلامية، ولن يسمح بقيام دولة تعمل على إقصائه وشطب مصالحه من خارطة العالم، وتحارب فكرته ودعوته الرأسمالية، بل سيعمل على الوقوف والتصدي لهذه الدولة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً وإعلامياً، وسيقوم بإعمال جميع أسلحته للحيلولة دون قيامها والقضاء عليها في مهدها أو عرقلة قيامها. إن الله عز وجل هو الذي وعد هذه الأمة بالاستخلاف، فأعطى وعداً لمن آمن وعمل بهذا الدين بالاستخلاف والتمكين والأمان بعد الخوف قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)) وقال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) وقال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) ) وقال تعالى: ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)) فهذا الوعد من الله سبحانه هو الحق ( إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) وما تهديدهم إلا سراب ووهم لن يقف أمام تحقيق وعد الله، وصدق حملة الدعوة، وحسن التزامهم بالشرع.
إن الذي يقيم الدولة هم بشر من هؤلاء البشر: يكذَّبون، ويعذَّبون، ويألمون ويصبرون، ويدعون ربهم، ويتوكلون عليه في عملهم، ويلتزمون بأوامره، ويستمدون العون منه وحده، فأمثال هؤلاء هم الذي ينصرون، ليس من أجل النصر والغلبة فحسب، بل ومن أجل إقامة الدين ونشره بالدعوة والجهاد، وهؤلاء تكون لصعوبة الطريق وظيفتها في تكوين قيادات المستقبل لهذه الخلافة حتى تكون راشدة بحق. وهؤلاء على مر الدعوة يكونون قد أعدوا العدة من دستور، وخبرة في خفايا السياسة الدولية وألاعيبها، وعموم إدارك للفكر الغربي الرأسمالي، وفساده وكيفية نقضه، وإعداد الخطط لمواجهة ما يمكر به الغرب ضد المسلمين… ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية…
4- وهناك من يقول نعمل لإيجاد دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية لا دولة إسلامية؛ حتى لا يثير هذا غضب الغرب. إنه يجب أن يعلم علماً يقينياً لا شبهة فيه أن الدولة المدنية المقصود بها الدولة العلمانية التي تقوم على أساس سيادة قانون الديمقراطية التي يكون نظام الحكم فيها للشعب (وهذا كفر) وليس لله (وهو الحق). ويجب أن يعلم علماً يقينياً كذلك أن لا قانون صحيحاً إلا القانون الإسلامي، ولا عدل إلا بالإسلام، ومهما ادعوا بأن الدولة هي دولة القانون والعدل، فإن هذا لا يكون لأنه قانون بشري ناقص تبعاً لنقص واضعه. ويجب أن يعلم علماً يقينياً أن الدولة الإسلامية تقوم على شريعة من الله لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، بينما هذا غير موجود في الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية الكافرة. وأما أحكامه فهي إنسانية تعالج الإنسان، كل إنسان، بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو لونه أو حتى دينه (لأن كل دين غير دين الإسلام ليس فيه أنظمة حياة) وهي ليست خاصة بالمسلمين فقط. وأما من حيث الفهم والتطبيق فهو بشري يخطئ الحاكم فيه ويحسن ويسيء، وعليه فالأساس الذي تقوم عليها أحكام الإسلام أن نصوصها إلهية، ولكن تطبيقها بشريّ، ويخضع الحاكم فيه للمحاسبة والمساءلة بصورة فريدة ليس فيها حصانة لأحد مهما كان مركزه، حتى ولو كان رئيس الدولة. على خلاف ما هو موجود في الأنظمة الديمقراطية.
ويجب أن يعلم علماً يقينياً أن الدولة الإسلامية ليست دولة دينية قائمة على أساس التسلط الديني، وأن الحاكم فيها مرسل من الله، وذلك على غرار دولة الكنيسة التي كانت في أوروبا، والتي اضطهدت الناس باسم الدين، فنتج عن ذلك كردة فعل الدولة العلمانية التي يسمونها الدولة المدنية كحل وسط بين الدينيين واللادينيين.
إن الإسلام يفرض على المسلمين إقامة دولة إسلامية كما بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست دولة مدنية، وإن من تأثر بالفكر الغربي من الإسلاميين وهم المسلمون (المعتدلون) كما يسميهم الغرب يطالبون بالدولة المدنية، ويؤوِّلون النصوص بشكل يرضي الغرب ويبتعدون فيه عن رضى الله سبحانه وتعالى. ولقوة الدعوة الإسلامية بين المسلمين وانتشار الحركات الإسلامية وانحسار الحركات والشخصيات العلمانية قام الغرب عبر وسائل الإعلام المأجورة بالتسويق للدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. وهذه التسمية هي من باب ذر الرماد في العيون، لهذا كله كانت هذه التسمية هي من باب التحايل واللعب على عقول الناس والتغشية والتلبيس. وكانت مظهراً من مظاهر الضعف أمام الهجمة الإسلامية. وحبذا لو كان المسلمون العاملون في الدعوة على فهم واحد للإسلام، وهو الفهم الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ليحق لهم أن تكون خلافتهم راشدة على منهاج السلف الصالح.
إن من المصائب التي ابتليت بها الأمة هي استيراد طريقة التفكير الغربية، ومنها فكرة الترقيع، فما أن يكشف زيف وفساد فكرة ما إلا ويحاول دعاتها ترقيعها والالتفاف والتحايل عليها وإيجاد المبررات لها. فعندما ضُرب مفهوم الدولة المدنية وكشف مضمونها في ساحات التغيير صار يبحث عن رقعة تناسبها، فكانت تلك الرقعة دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية التفافاً وضحكاً على ذقون الناس، ولو دققنا في هذه الجملة لكشفنا أن الدولة المدنية حكمها علماني بدليل أنهم أضافوا لها كلمة ذات مرجعية إسلامية.
ويرد تساؤل في هذا المقام،وهو لو أراد مسلم أن يرتد عن دينه ويدخل الديانة اليهودية مثلاً، فهل تقيم الدولة المدنية عليه الحد؟ لا شك أنه لا. إذاً ما هو الفارق بينها وبين الدولة الديمقراطية، لا فرق. إذاً ما قيمة كلمة (ذات مرجعية إسلامية)؟ إن أصحاب الدعوة إلى الدولة المدنية ما أرادوا بهذا إلا الضحك والتحايل على عقول الناس والتغشية والتلبيس عليهم بهذا المشروع الخبيث، فهل أصبحنا نلتمس رضا الغرب؟ أم الواجب أن نسعى إلى رضا الله؟ ألغرب أحق أن نخشاه أم الله؟ الجواب واضح وواحد عند كل مسلم غيور على دينه وعلى طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المحور الثالث طريقة التغيير الصحيحة:
إن طريقة التغيير الصحيحة هي الطريقة التي سار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا طريقة غيرها صحيحة، ولكي نتعرف عليها وعلى الكتلة التي تسير اقتداء بطريقته صلى الله عليه وسلم كان لا بد أن نقوم بمقارنة بين هذه الجماعة وبين جماعة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تتضح الرؤيا وهي كالآتي:
طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم
1-أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم كتلة وجماعة تعمل معه للتغيير هم كتلة المهاجرين من الصحابة.
2-خاضت كتلة الرسول الصراع الفكري والكفاح السياسي (ضرب أفكار الكفر وعبادة الأوثان والغش في الكيل والميزان. وعرت سادة قريش وفضحتهم وكشفت مخططاتهم الهادفة إلى ضرب دعوة الحق دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقام بها صلى الله عليه وسلم دون مجاملة أو مداهنة، فعذب أصحابه واستشهد بعضهم بكل إيمان وصبر وثبات، كذلك لم يقم الرسول وأصحابه بأعمال مادية فيها عنف كحمل السلاح ، كما طلب عبد الرحمن بن عوف، ورد عليه الرسول الكريم : «أمرنا بالعفو، وأن لا نقاتل القوم».
حاول أهل مكة أن يرشوا رسول الله وأن يحيدوه عن الحق بالمال والجاه والسلطان والنساء ويأبى ذلك كله .
مارس أهل مكة على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم القتل والتعذيب والحصار والمجاعة والسجن والوشاية بهم وفضحهم ولكن إيمانهم كان أقوى من رسوخ الجبال. وكانت صفتهم أنهم:
1- مسلمون ويدعون للإسلام.
2-مبدئيون أي مرجعهم الإسلام وثابتون عليه.
3- سياسيون يسعون إلى الحكم بما أنزل الله.
4- عالميون يسعون إلى نشر الإسلام في الكرة الأرضية.
5- لهم أمير واحد واجب الطاعة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6- هدفهم إقامة الدين بإقامة الدولة الإسلامية وطريقتهم تلخصت بالتثقيف والتفاعل واستلام الحكم بطلب النصرة.
7- ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته برابطة الإسلام فحسب، لا برابطة المصالح المادية، ولا برابطة الوطنية أو القومية…
|
طريقة الحزب
المقتدي بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم
1- نشأت كتلة حزب التحرير امتثالاً لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
2- تخوض كتلة حزب التحرير صراعاً فكرياً وكفاحاً سياسياً: ضرب أفكار الديمقراطية والمدنية والإسلام المعتدل وكل ما هو مخالف للإسلام، وتعري الحكام وتفضحهم، وتكشف مخططات الغرب ومؤامراتهم ويحدث هذا كله دون مجاملة أو مداهنة، بل بصراحة وجرأة. وتتحمل هذه الجماعة التعذيب والاستشهاد في سبيل الله فلا تجامل ولا تداهن، ومن غير أن تقوم بأي عمل مادي…تفعل ذلك كله امتثالاً بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة.
يحاول الحكام ورجال أمنه أن يرشوا بعض شباب الحزب ليجعلوهم جواسيس فيرفضوا ويثبتوا على ذلك بفضل الله تعالى.
يمارس حكام اليوم على شباب الحزب القتل والتعذيب والتجويع والسجن بظلم ولكنهم يتحملون هذا كله بسبب قوة إيمانهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. وكانت صفتهم أنهم:
1-مسلمون ويدعون للحكم بما أنزل الله.
2- مبدئيون لا يتنازلون عن أي حكم شرعي.
3- سياسيون يسعون لاستئناف الحياة الإسلامية بعودة الخلافة.
4- عالميون يسعون إلى نشر الإسلام في العالم.
5- لهم أمير واحد لوجوب وجود الأمير الواحد على رأس كل جماعة أمر الشرع بإيجادها.
6- هدفهم إعادة الخلافة الإسلامية، وطريقتهم كذلك تتلخص بالتثقيف والتفاعل وإقامة الحكم بطلب النصرة.
7- تربط كتلة الحزب شبابها برابطة الإسلام فحسب لا برابطة المصالح المادية، ولا برابطة الوطنية أو القومية أو غيرها من الروابط الفاسدة…
|
اللهم عجل بإيذان قيام خلافتك خلافة راشدة على منهاج النبوة كما وعدتنا بها إنك أنت السميع المجيب الرحيم يا نعم المولى ونعم النصير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه وسلم.
2012-05-09