أبعـاد مبـادرة الدفـاع الاسـتراتيجـي الأميـركي
2000/08/08م
المقالات
2,476 زيارة
تحسم الحروب بقدر ما تعزز الدول من قدراتها الدفاعية والهجومية فالحرب إذن هي دفاع وهجوم، دفاع عن كيان الدولة ومصالحها، وهجوم على العدو وضرب مصالحه.
ومن ضَمِنَ الدفاع عن كيان الدولة فقد ربح نصف الحرب، ومن ضمنَ الدفاع والهجوم فقد ربح الحرب كلها وذلك من منظور عسكري، ولذلك كانت الدول تولي أهمية كبرى لحماية نفسها والدفاع عن أراضيها فعندما أقامت الصين «سور الصين العظيم» كان ذلك من أجل الدفاع عن أراضيها من المخاطر الخارجية وعندما أراد ستالين إقامة منطقة فاصلة شرق أوروبا كان ذلك من أجل الدفاع عن الاتحاد السوفيتي من هجوم من الغرب.
ولكن في ظل التقدم التكنولوجي والعسكري وفي ظل وجود صواريخ عابرة للقارات فإن إقامة سور ومناطق فاصلة ليس له أهمية بالنسبة للحماية من الصواريخ فإن الدول تعمل على تطوير أسلحتها وفي المستقبل تستطيع الدول التي في الشرق أن تضرب عمق الدول التي في الغرب وبدون تحريك الجيوش ولا يفيد في ذلك الأسوار ولا المناطق الفاصلة.
ومن هذه النظرة فإن أميركا تدرك ما سيكون عليه العالم بعد سنوات فأخذت تقول بأن العالم اليوم مهدد من دول على هامش النظام الدولي مثل كوريا الشمالية والعراق وإيران وذلك حتى توجد لنفسها مبرراً لإقامة نظام دفاعي استراتيجي أميركي لحماية أراضيها من الصواريخ.
إن فكرة إنشاء درع أو مظلة مضادة للصواريخ ليست فكرة جديدة فقد تبناها الرئيس الأميركي ريغن وهو في الحكم ومضمون الفكرة يقضي بدفع التكنولوجيا الأميركية حتى تكون درعاً أميركياً ضد الصواريخ وإسقاطها بأشعة اليزر وكانت التجارب قد نجحت بالتجارب الأولى وسميت حرب النجوم وأعلن ريغن بأن هذه المبادرة لا تناقض معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الموقعة سنة 1972.
والآن أخذ كلنتون يعلن عن تلك المبادرة وكان ذلك في زيارته الأخيرة إلى أوروبا وروسيا وقد حاول إغراء الأوروبيين وقال بأن من شأن هذا المشروع أن يعود بالفائدة على أوروبا والعالم وجاء رد ألمانيا على لسان شرويدر المستشار الألماني وقد أكد انتقاده لنظام الدفاع الأميركي وقال بأن أوروبا لا يمكن أن تتحمل سباقاً آخر للتسلح.
أما في روسيا فقد انتهت أول قمة بين الرئيس الأميركي كلنتون والروسي فلاديمير بوتين بفشل حيث أصرت موسكو على رفضها المشروع وقالت بأن هذا المشروع ينتهك معاهدة أي بي أم المتفق عليها سنة 1972 وبعد القمة بعثت الإدارة الأميركية ستروب تالبوت نائب وزير الخارجية الأميركي والخبير في الشؤون الروسية وقد حاول إقناع الروس بالموافقة على المبادرة ولكنهم أعادوا رفضهم وهددوا بالانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى وقد عرضوا مبادرة أخرى تقضي بإقامة نظام لإسقاط الصواريخ حين إطلاقها ولا يكون ذلك المشروع خاصاً بالولايات المتحدة.
أما الصين فقد حثت الولايات المتحدة على عدم تعريض معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية للخطر بالمضي قدماً في مشروع الدرع الدفاعي القومي وقالوا: إننا ندعم الموقف الروسي في الحفاظ على فاعلية معاهدة الصواريخ.
ومن المنتظر أن يعلن عن موقف الولايات المتحدة الميركية قبل أوائل الخريف القادم ما إذا كان كلنتون سيعطي الضوء الأخضر لإقامة المشروع وفي حال الموافقة على المشروع سيدخل حيز التطبيق عام 2005 كمرحلة أولى، وقد تعالت أصوات في الكونغرس الأميركي بأن المشروع لا يناقض المعاهدة التي أبرمت بين أميركا والاتحاد السوفيتي لأن روسيا لا تعتبر وريثة الاتحاد السوفيتي، وقد أعلن المرشح الأوفر حظاً بالفوز في الانتخابات الأميركية جورج بوش عن حماسه الكبير لهذا المشروع.
ويذكر أن المبادرة تناقض مفهوم ريتشارد نيكسون لتوازن القوى العالمي وقد قال عندما وضع الاستراتيجية في السبعينيات “علينا ان نتذكر بأن الفترة الوحيدة في التاريخ التي نعم العالم فيها بالسلام لفترة طويلة كانت عندما كان هناك توازن قوى ويبرز خطر الحرب عندما تصبح دولة أقوى بكثير من منافستها لذا فإني أؤمن بعالم تكون فيه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وأوروبا والصين واليابان تنعم بالعافية وتوازن كل منها الأخرى لا تدفعها ضد الأخرى في ميزان متعادل”.
إن وجود الدرع المضاد للصواريخ والقوة الهجومية الضخمة التي تملكها أميركا يعني اختلال توازن القوى العالمي وبشكل كبير وقد قال بعض المراقبين بأن ذلك من شأنه أن يحدث سباق تسلح كبيراً بين الدول أو حرب نووية مؤكدة، ولكن في ظل الهيمنة الأميركية على العالم، من هي الدول التي ستنافس أميركا على الأسلحة الدفاعية؟ فقد أنهكت الدول من سباق التسلح الهجومي، ومن هي الدولة التي ستدخل مع أميركا في حرب نووية في الوقت الراهن؟
إن إقامة هذا الدرع ليس، كما تدعي أميركا، من خوفها من الدول الخارجة عن النظام الدولي مثل إيران والعراق وكوريا الشمالية وإنما من خوفها في المنظور البعيد من تغير يطرأ على الموقف الدولي.
أميركا تنهب ثروات العالم وتعلم بأن دوام هذا الحال من المحال وهي تعمل على أن تبقى سيدة العالم وكسب القرن الواحد والعشرين مقدماً.
فهل من دولة تنافسها على هذه المكانة وتعيدها إلى قمقمها في الوقت الراهن؟ .
عبد اللطيف التميمي
بيت المقدس
2000-08-08