حلف الفضول وجامعة الخمول
2005/05/08م
المقالات
2,130 زيارة
حلف الفضول وجامعة الخمول
خطبة جمعة لـ«عصام عميرة» في 15 صفر 1426هـ
الخطبة الأولى
أيها المسلمون: روى ابن إسحاق قال: تداعت قبائل من قريش وهم بنو هاشم وبنو المطلب وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة، تداعوا إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً، من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول. قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر ابن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمْـرَ النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت!
أيها المسلمون: هكذا كان العرب، على جاهليتهم، أولي نخوة وشهامة، وعزة وكرامة، لا يصبرون على الضيم، ولا يقيمون على الظلم، يعظمون الحرمات، ويحافظون على المقدسات، ويجتمعون لرد المظالم على أصحابها، زعماؤهم عقلاء، ولا مكان بينهم للسفهاء. أما عرب اليوم، فيجتمعون كالقطعان، ويتحاورون كالطرشان، ويخطبون بألسنة الإنجليز أو الأميركان، يمشي أحدهم كالسكران، ويجلس كالوَسْـنان، ويتكلم كمن اشتدت عليه الحمى فاعتراه الهذيان! فقد اجتمعوا في دار عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، لا ليردوا مظلمة على أحد من المظلومين -وما أكثرهم- ولا ليبحثوا في إزالة العدوان على أرض عربية محتلة أو غير محتلة، ولا لينظروا في صرخات النساء واليتامى والأطفال الذين يتعرضون لأبشع ألوان القهر والإهانة، ولا ليرفعوا الفقر عن الفقراء، ولا اجتمعوا لمثل ذلك من القضايا العربية الملحة.
وبكل تأكيد فإنهم لم يجتمعوا لتطبيق شرع الله الذي نزل أول ما نزل على العرب، ولم يجتمعوا لإعلان الحرب على اليهود والأميركيين لتحرير فلسطين والعراق من براثن الغاصبين المحتلين، ولم يجتمعوا أبداً لتقديم الاستقالات الجماعية من مناصبهم التي انقضت مدة صلاحيتها، وكراسيهم التي أسنت تحت مؤخراتهم، فتلك أعمالٌ نعرفها من رجال غيرهم، ومواقف مشرفة لا نتوقعها من أمثالهم.
فلماذا اجتمعوا في جامعة الخمول إذاً؟ لقد اجتمعوا لتمرير المشاريع الأميركية المتعلقة بالشرق الأوسط الكبير -وإن عارضها بعضهم من أصحاب الهوية البريطانية والفرنسية- واجتمعوا لجني ثمار الحصار والإغلاق والقتل والاجتياح الذي عانى منه أهل فلسطين، فطرحوا التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الشامل، واجتمعوا لترك العراق الجريح ينـزف على الطريقة الأميركية، وفتح الباب واسعاً أمام الحرب الأهلية والتقسيم الطائفي والعرقي، وقالوا: لا نتدخل في شؤون العراق الداخلية! واجتمعوا ليصلحوا هياكل جامعة الخمول العربية ونظامها الداخلي، فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ يا رب اجعل اجتماعهم هذا مسماراً أخيراً في نعوشهم أجمعين.
أيها المسلمون: إن هؤلاء الحكام هم الأعداء المباشرون للأمة الإسلامية عربيها وأعجميها، إضافة إلى حكامها في بلاد العجم، فكلهم في العدواة سواء، وفي خيانة الله ورسوله والمؤمنين شركاء، وهم أسُّ الداء والبلاء، ومجرد وجودهم يعتبر مصدراً كبيراً من مصادر الشقاء.
وإن الواجب الشرعي على المسلمين أن يعملوا مع المخلصين الجادين والهادفين لإزالتهم ومحو آثارهم، بإقامة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية على منهاج النبوة، والتي ستقضي على كياناتهم، وتعيد الأمة إلى سابق عهدها، وقد أظل زمانها، إن شاء الله.
لقد بــلــغ الحــكــام مــن جــبروتــهم وظــلمــهـم وغطرستهم وتبجحهم وسفاهتهم مبلغاً مؤسفاً أن يحصل من قادة ورؤساء أقوام وزعماء! حقاً لقد آسفونا، فالويل لهم! وبلا أدنى شك، فإن هؤلاء الأوغاد قد آسفوا الجبار المنتقم بفعالهم الشنيعة، فلينتظروا عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة، ولهم في الذي حصل في قرغيزيا يوم أمس عبرة. قال تعالى: ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ *فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلْآخِرِينَ) [الزخرف]. روى الضحاك عن ابن عباس قال: آسفونا، أي أغاظونا وأغضبونا. وروى عنه علي بن أبي طلحة: أي أسخطونا. قال الماوردي: ومعناهما مختلف. والفرق بينهما أن السخط إظهار الكراهة. والغضب إرادة الانتقام. قال القشيري: والأسف ها هنا بمعنى الغضب. وقال عمر بن ذر: يا أهل معاصي الله، لا تغتروا بطول حلم الله عنكم، واحذروا أسفه، فإنه قال: ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ) وقيل آسفونا أي أغضبوا رسلنا وأولياءنا المؤمنين، نحو السحرة وبني إسرائيل. وهو كقوله تعالى: (يُؤْذُونَ اللَّهَ ) و(يُحَارِبُونَ اللَّهَ ) أي أولياءه ورسله. وما أكثر ما يفعله حكامنا من هذا الأذى!
جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي، لا يهدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم وسيردون علي حوضي» أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون: إن عرب الجاهلية الأولى رغم عبادتهم للأصنام، ووأدهم للبنات، وغزوهم لبعضهم البعض، كانوا أقل سوءاً من عرب الجاهلية الثانية، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم بعض فعالهم الحسنة كحلف الفضول، وأخلاق أخرى يتحاجزون بها. فبعد لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بقادة بني شيبان طالباً النصرة منهم، قال علي رضي الله عنه: «ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا علي أية أخلاق للعرب كانت في الجاهلية؟ ما أشرفها! بها يتحاجزون فيما بينهم في الحياة الدنيا».
أما عرب الجاهلية الثانية، فوالله مذ عرفناهم ما سمعنا منهم خبراً يسر صديقاً، أو يغيظ عدواً، وما اجتمعوا مرة إلا وقعت على رؤوسنا مصيبة أعظم من كل المصائب التي أوقعوها بنا من قبل. فترقبوا بعد اجتماعهم الأخير في وكر الخمول الذي يسمى بجامعة الدول العربية، ترقبوا ماذا سيحل بنا من المصائب والنكبات، ما لا جنّـين رأت، ولا الفلوجة سمعت، ولا خطر على قلب رفح.
في هذا الاجتماع تجلت السفاهة في أوضح صورها، والنذالة بجميع زواياها، وأما الخسة والبلاهة والغـباوة والصفاقة فقد توارت جميعها بالحجاب من خستهم وبلاهتهم وغباوتهم وصفاقتهم.
ومن شدة وجدي على هذا المشهد القبيح تذكرت الشاحنات المليئة بالمتفجرات، وتذكرت الشباب الغيورين على دينهم وأمتهم، وقلت في نفسي: ألا من استشهادي حر يسوق الموت إليهم دفعة واحدة؟ ثم تذكرت أطواق الحراسة المشددة، فقلت في نفسي: ألا من رجل حر يملك زمام راجمة للصواريخ يمطرهم بوابل منها لا نحس بعدها منهم أحداً، أو نسمع لهم ركزاً؟ فإن لم يكن هو ذلك، فنسر من نسور الجو يمتطي صهوة طائرته القاذفة المقاتلة فيدك وكر الخمول دكاً، فيذره قاعاً صفصفاً؟ ثم أفقت من أحلام اليقظة، واستعذت بالله من الشيطان الرجيم، واستغفرت الله العلي العظيم، وتذكرت قدرة الله القاهر فوق عباده الظالمين، فرفعت كفّي إلى السماء، ودعوت العزيز الجبار أن يقصمهم، وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وقلت له يا رب قد أضروا بنا كثيراً، ولسنا بحاجتهم، ولا نطيق حكاماً أنذالاً لا يحكمون بالكتاب والسنة، فلا تبقهم يا رب علينا يوماً واحداً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً، رب لا تذر على الأرض من حكام العرب دياراً. يا رب، إنا قد عقدنا العزم على خلعهم فأعنا، ودخلنا معمعة الصراع معهم فانصرنا، وإنا نعمل لتطبيق شرعك في أرضك فوفقنا، فإنا لمبايعة أمير للمؤمنين طامحين، ولإقامة خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة عاملين، ولمرضاتك طالبين، فلا تردنا يا مولانا عن أبوابك خائبين، وقسماً بك لنقتلنهم أجمعين ولو تعلقوا بأستار الكعبة. وأرجو أن يتحقق فيهم قول الله عز وجل: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام]
2005-05-08