الإسلاميون بين التذاكي الساذج والمبدئية الرصينة
2012/04/01م
المقالات
2,257 زيارة
الإسلاميون بين التذاكي الساذج والمبدئية الرصينة
حسن الحسن
hasan.alhasan@gmail.com
تشكل الثورات التي تجري في بلادنا خطوة فارقة في تاريخ أمتنا، والتي نرجو أن تكون خطوة مفصلية على طريق النهضة الشاملة. لكنها لن تكون كذلك ما لم تنتقل من مرحلة الثورة على الواقع البائس إلى ثورة لإيجاد واقع جديد تُستأنف فيه الحياة الإسلامية، التي تقيم الخلافة وتوحد الأمة وتلغي التبعية للقوى الأجنبية وتحكم الشريعة، فتفرض العدل وترسي الأمن وتعيد توزيع الثروة وتضمن إشباع الحاجات الأساسية لأفراد المجتمع ما يفضي إلى أجواء تعمها السكينة والطمأنينة.
لذلك كان لا بد من رفض دعوات تلك الفئة المنحرفة عن الجادة من العلمانيين المتعجرفين والمعزولين ومن يحابيهم ويمالئهم ممن يريدون فرض وصايتهم على أمتنا وتكريس غربتها بإقامة الدولة المدنية والديمقراطية والوطنية، التي تحول الإسلام لمجرد هوية شخصية أو هوية شكلية للدولة، لا نظام حكم وشريعة أمة تفرض نموذجاً خاصاً للعلاقات داخل الدولة وخارجها (أي في العلاقات الدولية).
إن التزام الشرع وجعله ميزان الحق والباطل فيما يتعلق بشكل الدولة والأنظمة والقوانين التي ترعى شؤون المجتمع في القضاء والاقتصاد والاجتماع هو من بدهيات الإسلام. ويجب أن يبقى ذلك واضحاً للعيان أمام العاملين للإسلام ليبقى دربهم مضيئاً فلا ينحرفوا عن غايتهم النبيلة (إقامة الإسلام في دولة الخلافة) مهما تعثروا أثناء سعيهم لذلك.
لقد صرحت الأدلة الشرعية القطعية الثبوت والدلالة بوجوب الاحتكام للإسلام وبنبذ ما سواه من أحكام وضعية وصمتها الآيات والأحاديث بأحكام الجاهلية. كما أثبت الواقع في فترات عدة غاب فيها الاحتكام للإسلام جزئياً أو كلياً (على نحو ما جرى في القرن الأخير) بأن الاحتكام للإسلام وإقامة دولة الإسلام هما مفتاح الخلاص مما تعانيه أمتنا من ضعف وذل ويتم وانحطاط وتشرذم وضنك وضياع. وعليه فإن أي دعوة تقصي أحكام الإسلام عن الدولة والمجتمع بذريعة الكياسة والفطنة والسياسة، هو عبث وانحراف عن المنهج الشرعي الذي يطالب بالاستقامة على منهج الله كما في قوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ) وقوله ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ )
لذلك كان واجباً على أية جماعة تؤمن بالإسلام وتتمكن من السلطة أو تؤثر فيها أن تباشر التعامل مع القضايا التفصيلية لحياة الناس في المجتمع والدولة بحسب الأحكام الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة وليس من الأهواء أو من التوافق مع المنحرفين عن منهج الله. بل يجب على تلك الجماعات أن تزيل أي غشاوة عما يمكن أن يشوب مواقفها من قضايا الأمة تنفيذاً لقوله تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) لا أن تعبث بها من خلال عمليات تذاكٍ مفضوحة مما درج على ألسنة بعض رموز الحركات الإسلامية، كقبول بعضهم باتفاقية كامب ديفيد بعد إجراء بعض التعديلات عليها، رغم أنهم يعلمون بطلان هذه الاتفاقية أصلاً وفصلاً.
إن الغافل والساذج فقط هو من يتوهم إمكان كسب ود القوى المناوئة للإسلام، سيما الدول الكبرى كأميركا وفرنسا وبريطانيا وغيرها بمجرد إطلاق تصريحات تروق لها، ذلك أن لتلك الدول باع واسع في السياسة، وتدرك معناها حقيقة، فتقيس صدق التوجهات وجديتها من خلال مواقف عملية تجاه مصالحها، وليس من خلال إطلاق الوعود والإكثار من الكلام المعسول. فهذه الدول هي سيدة العالم في الدعاية والدجل وبيع الكلام، والذي تبرُع باستخدامه في خداع الشعوب، كدعوتها للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتزام القانون واحترام سيادة الدول والشعوب، فيما كانت ولا زالت تمارس الاستعمار بأبشع أشكاله.
للأسف هناك من ابتلع الديمقراطية شكلاً ومضموناً فيتساءل لم لا يترك هؤلاء (الواصلون إلى السلطة من الإسلاميين) وشأنهم إلى أن تأتي الدورة الجديدة من الانتخابات ومن ثم يتم إسقاطهم شعبياً إذا ما أخفقوا في تحقيق ما ينشده الناس منهم، غافلين أو متغافلين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العمود الفقري في المجتمع الإسلامي، وأن التفريط به مدعاة للانهيار. كما أن الشرعية لأي عقد في توكيل أو إنابة أو بيعة استلام سلطة لا يستند فقط إلى مجرد تمثيل الناس بآليات حرة، بل يلزم اقتران ذلك بالخضوع للشرع، وأي إخلال بهذا الميزان يبطل شرعية هذا الاختيار، إذ ينص الإسلام على أن السلطان للأمة والسيادة للشرع، وأي تغيير في هذا يقوِّض القاعدة الأساسية لنظام الحكم في الإسلام.
إضافة لما سبق فإن اختيار الجماهير العريضة للإسلاميين، استند إلى كون هؤلاء هم خير من يمثلهم في تحقيق رغبتهم العارمة في رؤية العدل والحق الذي نص الإسلام على تطبيقه. عليه فإن المطلوب منهم هو السعي لتحقيق هذه الغاية لا إهمالها أو مجافاتها. لذلك كله وجب التحذير من عبث الانتهازيين (من تجار السياسة وهواتها) بمصير الأمة وتبيان مخاطر مناهجهم ومواقفهم وحجم ضررها فكرياً ومعنوياً ومادياً، إضافة للسعي الحثيث لبلورة أفكار الإسلام وأحكامه لضخ الوعي السياسي بكل ما أمكن من وسائل وأساليب بغية إيجاد رأي عام حاضن للمعايير المبدئية الصحيحة التي يجب أن يخضع لها أي توجه سياسي في هذه الأمة.
2012-04-01