خارطة طريق في سوريا لإقامة الخلافة الإسلامية
2012/04/01م
المقالات
1,809 زيارة
خارطة طريق في سوريا لإقامة الخلافة الإسلامية
أحمد المحمود
إن الحديث عن الثورات في البلاد العربية، ومنها الثورة في سوريا، يتطلب قبل كل شيء البحث عن المؤثرين الفاعلين على المسرح الدولي الذين يعملون على المكشوف وفي المستور لجني ثمرتها؛ إذ إن هذه الثورات هي تحرك شعبي مخلص رافض للأوضاع الشاذة في بلادهم، وهذا يعني فيما يعنيه تحرك من بيدهم مقاليد الأمور في سوريا حتى لا تفلت منهم، ويقضي بأن يتحرك هؤلاء ويحركون معهم كل أدواتهم وعملائهم، وبمختلف الأساليب، فإذا لم ينتبه المسلمون الثائرون في سوريا إلى هذا المكشوف والمستور، فإن الثمن الباهظ الذي يدفعونه من أجل تحرير أنفسهم والتخلص من النظام السوري الفاسد الظالم الدموي سيذهب هدراً… فالعالم اليوم تتحكم به دول الغرب الرأسمالي الكافر وعلى رأسه أميركا، وهذه الدول تتنافس فيما بينها على المسرح الدولي لاستعمار الدول الأخرى بمّد نفوذها إليه واستحواذها على أهل الحكم فيه وجعل سياسته ومقدراته تابعة لها … وكذلك إذا لم ينتبه المسلمون الثائرون إلى الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية، ومنها الأنظمة العربية بما فيها النظام السوري؛ لأنها لا تختلف في ذلك، فهي كلها عميلة لدول الغرب، وتتحرك من أجل مصالح هذه الدول لا من أجل مصالح شعوبها ؛ لذلك يجب إدراج تحركاتها فيما يتعلق بالثورة السورية ضمن هذه التبعية حتى نستطيع فهم حقيقة التحركات السياسية الإقليمية والدولية: هل هي لمصلحة النظام السوري أم ضده؟
إن حزب التحرير وهو يتابع السياسة الدولية في المنطقة عن كثب لأكثر من نصف قرن، وبخبرة سياسية عالية، أعلن من قبل، ويعلن اليوم أن النظام في سوريا تابع في سياسته الخارجية للسياسة الأميركية منذ عهد حافظ الأسد الهالك، وهو يخدم بصورة متواصلة وفعّالة مصالحها في المنطقة؛ لذلك فإن ما يحدث في سوريا يهمُّ اميركا بالدرجة الأولى، وهي تعمل جاهدة لإبقاء نفوذها في سوريا وعدم إفلاته من يدها لمصلحة دول أوروبا التي تنافسها عليها، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، أو لمصلحة أهل البلد عامة والمسلمين خاصة، خوفاً من أن يتحرروا من نفوذها، أو من أي نفوذ أجنبي آخر … نعم إن المتابعة السياسية الدؤوبة التي يقوم بها حزب التحرير جعلت صورة المشهد السوري واضحة لديه، وجعلته يضع النقاط على الحروف بشكل صحيح وبصورة مبكرة، وكم يحتاج أهلنا الثائرون في سوريا إليها؛ إذ لو أضيف إخلاص الناس في ثورتهم وتضحياتهم البالغة ومحبتهم لدينهم إلى وعي وإخلاص حزب التحرير لكان لا بد من أن يثمر بعون الله وتوفيقه تغييراً حقيقياً يقطع دابر الغرب من البلد، ويقيم الإسلام كنظام حكم في حياة المسلمين فيه، خاصة وأن الحزب يعمل لتحقيق هذه الغاية بالعمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في سوريا و في كل بلاد المسلمين، والناس في سوريا شاهدون على إخلاص ووعي ونضالية شبابه منذ أكثرمن نصف قرن، فسجون النظام السوري لم تخلُ يوماً منهم، والجميع يعرف أنه لم يسكت يوماً عن الحق الذي يؤمن به .
ومن أجل تبصير المسلمين في سوريا بما يجري نضع أمامهم الحقائق التالية:
إن أميركا تعلم أن ما يحدث في سوريا من ثورة هي على غرار ما سبقها من ثورات (تونس ومصرو ليبيا واليمن) وتعلم أن دول أوروبا ستسعى للاستفادة منها بمنافستها على النفوذ فيها؛ لذلك كانت خطتها دعم هذا النظام خاصة وأنها لمست منذ البدايات أن لا بديل جاهزاً لديها، فسخّرت فيها كل أنظمة الحكم العميلة لها في المنطقة كتركيا وإيران والعراق وجامعة الدول العربية برئاستها الحاضرة ومصر والسودان ولبنان بحكومته الحالية… من أجل السير بخطة تمّد بعمر النظام السوري وبإعطائه المهل، وتساهم بإيجاد البديل عن النظام السوري الحالي.
إن دول أوروبا المنافسة لأميركا على أخذ الحكم في سوريا وتحويل النفوذ فيها لمصلحتها وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا حصرت همها بإسقاط النظام السوري أولاً، فسخرت أنظمة الحكم العميلة لها في المنطقة، وعلى رأسها دول الخليج،وعلى رأسها السعودية وقطر؛ من أجل العمل على إسقاط النظام، مستفيدة من الجرائم المروِّعة التي يرتكبها النظام السوري، وفضحها عبر شبكات من القنوات الفضائية التابعة لها مباشرة كـ «فرانس 24» والـ «C.B.B العربية» أو التابعة لعملائها مثل «الجزيرة» و «العربية» من أجل إسقاط النظام عبر الدفع باتجاه تسريع وتيرة هذا الإسقاط وقطع المهل وإيصال النظام السوري إلى نقطة اللاعودة؛ وذلك بإظهار جرائمه المروّعة التي يرتكبها حقيقة، ولأن هذا النظام كان مستأصلاً للنفوذ الأوروبي طيلة عقود في سوريا… وكان رأس حربة ضد نفوذها في دول أخرى في المنطقة لمصلحة السياسة الأميركية.
بين هذين الموقفين : الموقف الأميركي وهو الأقوى، ويملك معظم أوراق اللعبة السياسية في سوريا في يده إن لم يكن كلها، والموقف الأوروبي، تشّكلَ حراكٌ سياسي إقليمي باتجاهين متناقضين: اتجاه يعمل بحسب الأجندة الأميركية، وآخر يعمل بحسب الأجندة الأوروبية. وسنذكر أمثلة على ذلك، ونحن لا نريد منها كشف عمالة هذه الدول الإقليمية فحسب، بل كشف ما تقوم به وعدم الانخداع بها؛ لأن بعضها يدّعي عكس ما يقول.
أما إيران، فقد كانت الولايات المتحدة الأميركية ترسم لها قبل حدوث الثورات دوراً في المنطقة تكون فيه رأس حربة لتأمين مصالحها عبر حلف يضمها مع سوريا-الأسد (ومعهما حزب الله وحماس) وغيرهما تحت اسم دول الممانعة ضد (إسرائيل). ولمّا جاءت هذه الثورات، وقفت إيران إلى جانب النظام السوري بقوة حفاظاً على الدور المرسوم لها وخوفاً من أن يتراجع هذا الدور؛ لأن نجاح هذه الثورات سيغيّر لعبة أميركا نفسها في المنطقة، وعندها ستكون إيران وتوابعها هي الخاسر الأكبر في حال سقوط النظام السوري؛ لذلك رأيناها تبذل كل إمكاناتها لتعويم حكم الأسد، وتسخر كل علاقاتها الدولية كعلاقتها مع روسيا والصين من أجل ذلك، وتمدّ النظام السوري بالمال والرجال والمعدات والخبرة… بشكل يعوّض على النظام كل نقص، حتى بدت وكأن المعركة معركتها، وبدت في حالة عداء ليس للشعب السوري المسلم الذي تشارك في قتله فحسب، بل لكل المسلمين في المنطقة، وغذت مواقفها الناحية المذهبية لدرجة تم استغلالها من قبل دول الخليج أيّما استغلال بالعلن. ويذكر أن إيران بدورها ليست بعيدة عن الناحية المذهبية ولكن بالسر الذي لم يبقَ سراً.
أما تركيا، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم فيها برئاسة أردوغان والذي يتظاهر بأن حكمه إسلامي هو عميل لأميركا. ومواقف أردوغان السياسية بالنسبة لما يحدث في سوريا هو موقف مخادع كلياً، على خلاف الموقف الإيراني الصريح، فقد ادّعى أردوغان أنه ضد النظام السوري في ارتكاب مجازره، فآوى اللاجئين، وأعلن دعمه للجيش الحر في أراضيه، ورعى عقد مؤتمرات للمعارضة السوريةفي تركيا، ورتّب تشكيل المجلس الوطني، ووعد بالملاذات الآمنة، وأعلن أن ما يحدث في سوريا تعتبره تركيا شأناً داخلياً لها، ومنع أي تدخل عسكري فيها… فأمل الناس بهذه التصريحات والمواقف خيراً وتوقعوا الفرج من قِبلها، ولكن أردوغان لم يفِ بشيء مما وعد به، بل على العكس أعلن نائبه وكذلك وزير خارجيته أوغلو عدم نية تركيا التدخل العسكري في سوريا، وعدم السماح بالملاذات الآمنة، ثم رأينا كيف راح هذا النظام التركي ينام عن مجازر النظام السوري المتصاعدة ليستفيق بين الفترة والفترة فيصرح بتصريح تعوّد الناس على مثله (جعجعة من غير طحن) ثم ليعود إلى نومة أهل الكهف. وبمثل هذه المواقف والتصريحات تذبذب الموقف التركي، وانضم إلى السكوت العالمي لما يحدث من مجازر. وفي الحقيقة فإنه يمكن القول إن أميركا أناطت بالنظام التركي الإشراف على عملية التغيير في سوريا حتى الآن، وضمان عدم حدوث أي تدخل عسكري من خارج أراضيها . وبذلك تلعب تركيا دور الضامن لأميركا لعدم خروج الحكم في سوريا من قبضتها. وهو دور لا يقل خطورة عن موقف إيران.
أما الجامعة العربية فإن رئاستها تابعة لأميركا. أما بالنسبة للدول العربية فيها، فمنها التابع لأميركا وبالتالي كانت مواقفها بالنسبة للثورة في سوريا مؤيّدة للنظام السوري. ومنها التابع لدول أوروبا، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، والتي تنافس أميركا على استعمار المنطقة وبالتالي كانت مواقفها ضد النظام السوري، وقد ظهر الخلاف الشديد في موقف هذين الفريقين أثناء اجتماعات الجامعة بشأن سوريا بشكل واضح. فالجامعة العربية اجتمعت متأخرة جداً من أجل بحث أحداث سوريا (وهذا يناسب أميركا) ثم اجتمعت بضغط من دول الخليج التابعة لأوروبا، والتي اقترحت مبادرة عربية(سحب الجيش السوري من المدن،والسماح للمظاهرات السلمية، وإطلاق المعتقلين، والسماح للمنظمات ولوسائل الإعلام الإقليمية والدولية…) وهذه المبادرة كانت قوية ضد النظام السوري ولا يستطيع تنفيذ بنودها؛ لأنها سرعان ما ستكشفه وستجعل المظاهرات تعم الشعب السوري والانشقاقات تعم الجيش؛ لذلك وافقت عليها أمانة الجامعة بصعوبة بعد خلافات شديدة بين دول الجامعة المختلفة في ولاءاتها. وهذه المبادرة اقترحت قطع العلاقة مع النظام السوري إن لم يستجب لها خلال 15 يوماً، فلم يستجب النظام السوري ويعلن موافقته عليها على مضض إلا في آخر يوم من المهلة؛ وذلك فقط لكسب الوقت، ثم تم إرسال لجنة مراقبين لتنفيذ المبادرة، فمكثت هناك حوالى الشهر. واستطاعت أميركا عبر الدول التابعة لها وأمين عام جامعة الدول العربية تعيين الدابي رئيساً للجنة المراقبين، وهو رجل أمني يعتمد عليه البشير العميل لأميركا في المسائل الأمنية الكبرى. وقد وقف الدابي هذا موقفاً شائناً جداً؛ إذ أغمض عينيه وأصمّ أذنيه عن كل مجازر النظام السوري التي كان يرتكبها أثناء مهمته، وهو موقف يتناسب كلياً مع الموقف الأميركي. ثم إن ما تمت المطالبة به من بعض الدول في الجامعة من تنحي بشار الأسد وتسليم الحكم لنائبه، مع أن النظام السوري يرتكب جرائم قل مثيلها في التاريخ، فإن هذا يعدّ موقفاً متناسباً مع مصلحة التغيير الأميركي. ثم وبعد فشل الجامعة العربية في إيقاف المجازر ودفع الملف السوري إلى مجلس الأمن واصطدامه هناك بالفيتو الروسي والصيني، راحت أميركا تستفيد منه. ومع أن الموقف الأميركي يأخذ نفاقاً شكل المعاداة للنظام السوري إلا أن تصريحات ومواقف الإدارة الأميركية الباردة والمماطلة، والتي تعطي الفرص للنظام المجرم، والتي راحت تستفيد من الفيتو الروسي والصيني ،وتحرص على أن لا يتغير لمصلحة النظام السوري… وكان وراء كل ذلك هو الاستفادة من الوقت ريثما تهيئ الحاكم البديل العميل عن الأسد.
أما العراق ولبنان بحكومته الحالية فهما يسيران بحسب الخطة الأميركية بدعم النظام السوري، وقد ظهر ذلك من مواقفهما المتعددة .
وأخيراً هناك المعارضة السورية في الخارج والتي تشكلت من أطياف علمانية تجمعها أمور لا تستطيع أن تشكّل بها مشروع إنقاذ وخلاص، يجمعها أنها علمانية ولكن ليست برؤية واحدة، ويجمعها أنها لا تقبل بالإسلام مشروع حضارة ودولة، بل دين منفصل عن الحياة والسياسة. وحتى من سار معها من الإسلاميين (المعتدلين) فإنهم قبلوا منهم بالدولة المدنية العلمانية الديمقراطية التي تبعد الإسلام عن الحكم… هذا من ناحية فكرها. أما من ناحية ولائها فقد أسس المجلس الوطني السوري وعلى رأسه غليون برعاية تركية. ثم هناك هيئة التنسيق التي يرأسها المناع والمتهم بأنه قريب من النظام السوري والإيراني، وبهذا تكون المعارضة ممسوكة من أميركا عن طريق طرفين سياسيين أساسيين، يمكن متى آن الأوان أن يكونا نواة الحكم الجديد. أو أحدهما في الحكم والآخر في المعارضة، وحتى الجيش الحر فقد سمحت له تركيا بالتجمع في أراضيها لمراقبته والضغط عليه للسير بحسب سياستها. وهذه المعارضة الخارجية العلمانية لا تملك خطة إنقاذ سوى الاستجداء. وهي نشأت في أجواء ضاغطة بسبب إجرام النظام المهول للناس، فقبل بها الكثير لا من زواية أنهم يمثلونهم فعلاً، بل من باب أنه لا بد من أن يمثلنا أحد. هذا ويخشى أن تؤدي زيادة الضغوط والإجرام من النظام السوري إلى زيادة ارتماء المعارضة في أحضان الغرب والقبول بأي حل يتعلق بمصير النظام القديم وشكل النظام الجديد وقبول الاعتراف بـ(إسرائيل) وضمان المصالح الأميركية، والتعهد بالسير بحسب سياستها… إلى ما هنالك من الشروط التي تؤخذ على أي حاكم عميل جديد لأميركا في سوريا، ويخشى أكثر أن يقبل الناس بالمعارضة أن تصل إلى الحكم من غير أن تعلم من ذلك شيئاً، وفي هذه الحال لا يحدث تغيير سوى في الأشخاص حيث يذهب وجه أسود كالح ليحل محله وجه آخر لم يسود بعد.
ونحن عندما نكشف هذه المواقف، فإنما نريد أن نزيل أي التباس أو محاولة خداع في قراءة وتحليل ما يحدث، وحتى يبنى عليه التحليل الصحيح والتصرف المناسب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا تقوم أميركا بنقل السلطة في سوريا من الأسد إلى بديله العميل لها إذا كانت الأوراق بيدها على هذا الشكل؟
وكجواب نقول إن هناك من يعرقل التغيير الأميركي في سوريا، إنها تلك الجموع الشعبية الثائرة الغاضبة المعتزة بدينها وبربها والتي تضج أصواتها بالإيمان، والتي تتحمل ما لا تتحمله الجبال الراسيات، فإن هذه المعارضة الشعبية الداخلية المؤمنة باتت تشكل قلقاً وخطراً على الجميع، وهي غير منسجمة مع معارضة الخارج، وهي الفاعلة على الأرض، فهذه متفلتة بالنسبة لأميركا وغير مضمونة الولاء للمعارضة الخارجية بعد تغيير النظام السوري. وما يقوم به النظام السوري من إجرام فائق التصور تستفيد منه أميركا في غرس اليأس في نفوس المسلمين حتى يصلوا إلى حالة يقبلون فيها أي عرض أميركي بالنسبة لطبخة الرئيس الجديد.
إن هذه المعارضة الداخلية التي تتحمل إجرام النظام السوري بكل إيمان وإقدام هي مخلصة، وإننا نخاف عليها من اللاعبين الذين يظهرون الحرص عليها من مثل تركيا وجامعة الدول العربية أو دول الخليج أو القنوات الفضائية التابعة لها من مثل «الجزيرة» و«العربية»… أو اللاعبين العلمانيين الذين يدعون تمثيلها في الخارج، أو اللاعبين الكبار من مثل أميركا التي تعتبر المسؤولة الأكبر عن كل ما يجري داخل سوريا من مآسٍ، أو دول أوروبا الغربية التي تعمل لمصلحتها فحسب ولا تهمها مصالح الشعب السوري كما تدعي… فكل هؤلاء أعداء للشعب السوري المؤمن ويلعبون لعبتهم القذرة… وأميركا تعوّل على اليأس والقنوط الذي قد يؤدي بالشعب السوري بنظرها إلى قبول الحل الأميركي الذي تطبخه.
إننا في مقابل كل هذاالتآمر الدولي والإقليمي الذي يحيط بالمسلمين من كل مكان، نقول إن مشكلة المسلمين في سوريا لا يحلها لهم حلاً حقيقياً جذرياً إلا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بطريقته الشرعية التي أقام بها دولة الإسلام في المدينة. وإننا نستغل هذا التوجه الإسلامي الصادق والمخلص لدى الشعب السوري المسلم، ووجود مثله لدى طائفة من علماء المسلمين، لنقدم خارطة طريق للحل في سوريا. وإننا نقدم مقابل كل خطوة تخطوها المعارضة العلمانية وتدفع إليها الدول الإقليمية ومن ورائها الدول الكبرى خطوة شرعية يجب شرعاً أن تكون هي الخطوة التي يخطوها الناس في سوريا ويدعوا إليها:
إننا مقابل الالتجاء إلى مجلس الأمن والدول الكبرى لاستجداء الحل وهذا حرام. ندعو إلى الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى وحده. فهذا أساس الإيمان وأساس قبول الأعمال. والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى يعني الالتجاء إليه وحده التجاء العباد إلى خالقها أنه حقيقة هو القوي، وهو العليم والخبير، وهو المعين والناصر والمعز والمذل.. ليؤيدهم ويمدهم بالنصر حقيقة. والالتجاء إلى الله سبحانه يقضي بالتزام الأحكام الشرعية الواجب القيام بها للخلاص. قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في كل حياته وفي عمله لإقامة الدولة الإسلامية في المدينة. فالرسول صلى الله عليه وسلم خاض غمار الدعوة في مكة مع جماعة الصحابة الذين تحملوا معه أشواك الدعوة، وصاغهم ليكونوا أئمة هدى للمسلمين، وليكون فيهم من يقود الأمة ( الخلفاء الراشدون) من بعده. والرسول صلى الله عليه وسلم استطاع أن يؤسس للدعوة في المدينة أرضاً تحتضنها وأنصاراً تحميها وتقيم دولة الإسلام فيها. هكذا يجب أن يكون الالتجاء إلى الله: التجاء إيمان به والتزام بأمره ، وهذان لا يكون قيام دولة الخلافة ولا يكون تغيير حقيقي إلا بهما… وهذا الحل يجب أن يشارك فيه علماء المسلمين، ويكونوابوصلة حق له، ومنارات هدى يرشدون الناس إليه.
إن الإيمان بالله يفرض علينا الالتجاء اليه وحده، فالله سبحانه وتعالى هو الحق، وهو أغنى الشركاء عن شركه، ولا يقبل إلا الالتجاء إليه وحده، ولا يقبل أن يشرك معه أحد. ومن معاني الالتجاءإليه وحده الإيمان بأن الله وحده هو الذي يستعان به لإسقاط النظام السوري الظالم. ومن صور الالتجاء إليه وحده ما ذكره القرآن الكريم في غزوة الأحزاب حين حاصرت القبائل المدينة المنورة تريد استئصال الدعوة والقضاء عليها قال تعالى: ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ). وفي غزوة بدر قال تعالى:( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ومن صور التدخل الرباني في معركة بدر ما ذكره الله سبحانه وتعالى: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) وقال تعالى في غزوة بني النضير: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) وقال تعالى عن الأمم السابقة كيف نصر المؤمنين وأهلك الكافرين على ما بهم من قوة وعتوّ:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ )
فنصر الله تعالى لا يتنزّل إلا على المؤمنين الذين لا يشركون في حكمه أحداً…وإن الآيات في ذلك كثيرة لا يتسع لها المقال، وهي تكشف للمسلمين في سوريا أنهم يجب أن ينطلقوا من منطقة الإيمان بالله وحده ،وما يفرضه عليهم من الالتجاء إليه وحده.
– وإننا نطرح مقابل ما تطرحه المعارضة السورية الخارجية العلمانية من الالتجاء إلى الولايات المتحدة أو أوروبا أو مجلس الأمن أو القانون الدولي… نطرح خطة ليس فيها إلا الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى وحده، وإلى شرعه، وإلى المسلمين… نطرح خطة نظيفة غير مرتهنة ترضي الله سبحانه، وأهم شيء فيها أنها تقطع يد الغرب عن التدخل في تحديد مستقبل المسلمين في سوريا.
إن اللافت في المعارضة السورية العلمانية الخارجية، تطالب بالتدخل الأجنبي الغربي من دول الغرب التي تناصب الإسلام والمسلمين العداء، بالرغم من احتلال الغرب هذا للعراق وأفغانستان وما ارتكب فيهما من مجازر، وإعلان الغرب هذا الحرب على الإسلام تحت اسم الحرب على الإرهاب، ودعم الغرب هذا للكيان اليهودي في وجوده واحتلاله وجرائمه، وكذلك حمايته عبر تسييجه بأنظمة عربية خائنة تمنع أي عمل مخلص يسعى إليه المسلمون المخلصون لتحرير أرض فلسطين، كل فلسطين، المباركة من الله تعالى…هذا ومثله يشير بوضوح إلى أن هذه المعارضة تسير سير الأنظمة العربية العميلة في ارتمائها في أحضان الغرب وهذا لا يبشر بخير، بل على العكس.
إن أكبر مشكلة تواجه المسلمين اليوم هو هذا النفوذ والاستعمار الغربي الذي ينتشر في كل بلاد المسلمين، وتعتبر الأنظمة الحاكمة فيها أدوات استعماره ويستعملها لمصلحته، وها هي المعارضة السورية الخارجية العلمانية تطرح نفسها أنها على شاكلتها. فالغرب واستعماره للمنطقة هو أساس مشاكل المسلمين اليوم. ثم إنه في نفس الوقت الذي تطالب فيه هذه المعارضة الخارجية بالتدخل الأجنبي الغربي، فإن المسلمين الثائرين في الداخل يطالبون بالتدخل الرباني؛ إنها ثنائية ضدية يجب حسمها لمصلحة الالتجاء إلى الله وحده؛ لأن الإيمان بالله هو إيمان بالله الواجب الوجود، وأنه هو القوي حقيقة، وأنه هو الفعّال حقيقة لما يريد، وأن وعده في نصر المؤمنين به حق لا يخلفه أبداً، وأن النصر كما أتى سابقاً بتدخل رباني غير منظور وغير محسوب، فإنه الوعد به ما زال مفعولاً؛ إذ إننا نقرأ في كتاب الله تعالى بعد كل تدخل لمصلحة المسلمين من إمدادهم بالملائكة أوبإرساله الرياح أوبإلقائه الرعب في قلوب الذين كفروا أو بتقليل المؤمنين في أعين الكافرين وتقليل الكافرين في أعين المؤمنين في الوقت ذاته… نقرأ قوله تعالى 🙁 لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ) أو ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) أو ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ )… وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن ملائكة بدر ما زالت في السماء الدنيا تنتظر التدخل الرباني من الله سبحانه وتعالى. وعليه، فإن الواجب الشرعي على المسلمين الثائرين داخل سوريا أن تكون ثورتهم خالصة لله سبحانه، وأن يرفضوا أي تدخل أجنبي كي يفوزوا بالتدخل الرباني. فليعقلوا هذا الكلام، وليرجعوا إلى القرآن؛ فإنه مليء بذلك.
– ثم، وبعد واجب الالتجاء إلى الله وحده المبني على الإيمان بالله وحده، هناك واجب شرعي آخر هو الالتزام بأمر الله تعالى وحده. ونحن نطرح مقابل ما تطرحه المعارضة الخارجية من استجداء تدخل مجلس الأمن بنظامه العفن القائم على الفيتو الظالم وأحكامه القائمة على القانون الدولي الكافر لنصرة المسلمين المظلومين داخل سوريا، وإصدار قرار إرسال قوات دولية أو عربية إلى سوريا، أو تسليح الجيش الحر أو الثوار، أو فرض عقوبات على النظام السوري… فإن كل هذا من شأنه إذا ما تم أن يرهن مستقبل النظام الجديد للغرب، هذا فضلاً عن أن الشرع الإسلامي يحرم على المسلمين القيام بأي عمل إلابعد الرجوع إلى أدلته الشرعية… إننا نطرح الطريقة الشرعية في التغيير، وهي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون الإيمان بالله والتوكل عليه واستمداد العون منه وحده هو أساس كل عمل من أعمال هذه الطريقة.
وبحسب هذه الطريقة فإن المطلوب شرعاً هو:
– أن يعلن المسلمون عامة في سوريا أنهم يريدون إسقاط النظام السوري؛ لأنه أولاً يحكم بغير ما أنزل الله، وأنهم يريدون إقامة الحكم بما أنزل الله. وهذا الأمر يجب أن يشمل كل المسلمين في سوريا وليس بعضهم،كذلك ويجب أن تنطلق دعوة تغيير النظام لهم من منطلق الإيمان بالله، وأن الإثم العظيم سيصيبهم جراء سكوتهم وقعودهم، فليس سوى الإيمان بالله تعالى ما يجمع المسلمين على صعيد التغيير الصحيح وتحمل تكاليفه.
– أن يقوم أهل القوة من المسلمين، ومن منطلق الإيمان وإرادة تحقيق الحاكمية لله في الأرض، بالأخذ على يدي الحاكم الظالم وإسقاطه لإقامة حكم الله مكانه؛ بحيث تلتقي يد الضباط المخلصين في الجيش السوري النظامي بيد الضباط المخلصين من المنشقين بيد الضباط المخلصين الذين يعملون مع حزب التحرير تلتقي في عمل يقضي على هذا النظام المجرم بنيَّة إقامة حكم الله سبحانه وتعالى.
– أن يقوم هؤلاء الأنصار بتسليم الحكم للثلة المؤمنة التي أعدت نفسها لإقامة هذا الفرض العظيم، فرض إقامة الخلافة، فيكون عمل أهل القوة هو إسقاط النظام السوري، ومهمة هذه الثلة هو إقامة الدين بإقامة فرض الخلافة الراشدة. وهذه الثلة موجودة بفضل الله تعالى، وهي على أتم الاستعداد لإقامة هذا الفرض العظيم. وبهذا يلتقي أهل الإيمان من المسلمين عامة، مع أهل الإيمان من أهل القوة خاصة، مع أهل الدعوة في هذه الثلة المؤمنة على صعيد واحد هو إقامة الخلافة الرشدة الثانية الموعودة. أما من هي الثلة المؤمنة التي هيأت نفسها لإقامة هذا الأمر؟ فإننا نعلن بكل صراحة وبكل مسؤولية يقتضيهما الإيمان: إنه حزب التحرير.
– وإننا في حزب التحرير نطرح، في مقابل ما يطرح من السير في ركاب المجلس الوطني السوري وغيره من المعارضات العلمانية لإسقاط النظام السوري وإقامة نظام حكم جديد، نطرح أنفسنا كحزب إسلامي واعٍ ومخلص، يعمل في سوريا منذ أكثر من نصف قرن، ولم يفتر في عمله بالرغم من شدة البطش به من النظام البائد، ولم تخلُ السجون من شبابه، ويشهد له القاصي والداني من أهلنا في سوريا بصدق سيره وصلابة عوده واستقامة طريقته، وهو الوحيد تقريباً بين الجماعات الإسلامية العاملة التي تدعو إلى الخلافة، والتي يعمل بقوة لأن تكون راشدة بعونه تعالى ومنِّه والتي هيَّأ لها مستلزماتها من دستور إسلامي، وإعداد رجال دولة ودعوة، والسير بحسب طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرعية… ويأمل من الله وحده أن يتحقق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يديه. وإنحزب التحرير هذا قد أعد نفسه فعلاً للحكم بما أنزل الله، وعنده ثلة من السياسيين والمفكرين والفقهاء والمجتهدين… وعنده ثقافة إسلامية تمكنه من قيادة المسلمين قيادة فكرية لنشر الدعوة الإسلامية وإعلاء كلمة الله في العالم أجمع. وعنده خبرة سياسية تتيح له كشف ألاعيب الغرب السياسية بجرأة، وتمكنه من ممارسة رعاية شؤون الأمة بحنكة، وعنده القدرة على بلوغ أرقى حياة على المستوى المعيشي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي لرعايا دولة الخلافة من مسلمين وغير مسلمين، والقدرة على أن يقود الصراع الدولي على الأساس العقائدي لا المصلحي. وعليه، فإن دولة الخلافة إذا ما قامت في سوريا على يد حزب التحرير فإنها ستكون دولة مبدئية عالمية، خاصة وأنها ستعمل على ضم سائر الأقطار العربية والإسلامية إليها منذ أيامها الأولى.
وإننا فيحزب التحرير نعلن أن كل عناصر هذه الخطة مؤمَّنة، وفيها قابلية التنفيذ والنجاح، وفيهاالتغيير الحقيقي، وفيها رضى الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله تعالى أن يستخلفنا، ويمكن لنا دينه الذي ارتضاه لنا، ويجعلنا الوارثين للنظام السوري، إنه على ما يشاء قدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قال تعالى: ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )
2012-04-01