العروبة وصنم التمر
أما آن للعروبيين الحالمين أن يستفيقوا؟ وماذا تبقى من عروبتهم التي تغنّوا بها لعقود مضت؟ أما مناسبة صنم التمر فهي أن العربي في الجاهلية كان يصنع صنماً من تمر يتخذه إلهاً (حسب زعمه) وبعد أن يجوع يأكل صنمه هذا أو معبوده الذي صنعه بيديه.
تتساقط شعاراتهم عند أول مناسبة احتكاك بين زعيمي عشيرتين، أو بين حاكمي بلدين، وكأن كل البناء الهش تحول هشيماً تذروه الرياح، حصل هذا داخل البلد الواحد، وبين بلد وآخر، والأمثلة كثيرة فمن اليمنين قبل توحيدهما، إلى العراق والكويت، والسعودية وقطر، واليمن والسعودية، ومصر وليبيا، ومصر والسودان، والجزائر والمغرب، والأردن والسعودية، والأردن وسوريا، وسوريا والعراق قبل سقوط صدام وبعده، ولبنان وسوريا قبل الانسحاب العسكري وبعده.
كانت العلاقة بين سوريا ولبنان تحكمها شعارات فضفاضة حفظها الناس عن ظهر قلب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: شعب واحد في دولتين، ووحدة المسارين، ووحدة المسار والمصير، والعلاقات المميزة، وسوريا الشقيقة، ولبنان الشقيق، والصمود والتصدي، ولبنان خاصرة سوريا، وبعد مقتل الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان سقطت كل تلك الشعارات، وبدأت الحدود المصطنعة بين البلدين تشهد حصاراً برياً خانقاً تحتشد خلاله مئات الشاحنات والبرادات التي تعبر بطريقة (الترانزيت) إلى العراق، والسعودية، والأردن، والخليج.
سقطت تلك الشعارات عند أول هزة، أي سقط صنم التمر، وسقط معه الوهم الذي تربت عليه أجيال وأجيال، فإذا بها تكتشف أن الأحلام التي كان يعيش في ظلالها هي كذب وتضليل وخداع آن الأوان للتخلص من رواسبها. وفي النهاية لا يصحّ إلا الصحيح، فليست بلاد العُرب أو طاني من الشام لبغداد، ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان. فالعراق يذبح من الوريد إلى الوريد على يد المحتل بمساعدة بعض العرب، وغض النظر من عرب آخرين، وفلسطين تذبح بعد أن تآمر عليها زعماء العرب عام 1948م واستمروا في التآمر حتى هذه اللحظة. فماذا بقي من عروبتهم يا ترى؟