فرعون مصر… وفرعون العصر…
2005/09/07م
المقالات
2,458 زيارة
فرعون مصر… وفرعون العصر…
الحمد لله ناصر عباده المؤمنين، مهلك الكفرة والمشركين والطواغيت والمستكبرين، أهلك عاداً الأولى، وثمود فما أبقى، وفرعون الذي طغى. الحمد لله مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
إن الذي يدرك مدى تقدم الحزب العامل للتغيير وإنهاض الامة، فئتان: الفئة الأولى هي الفئة العاملة للتغيير، والفئة الثانية هي الفئة التي تعمل للحيلولة دون التغيير، وهاتان الفئتان تكونان في صراع مرير (قد تطول مدته وقد تقصر) تبذل فيه كل فئة قصارى جهدها، مختارة أفضل الأساليب والوسائل المتاحة لديها لتحقيق هدفها، إلى أن ينتهي الصراع في نهاية المطاف بظهور فئة على الأخرى، هذا بشكل عام، أما بالنسبة للعمل للتغيير الذي تكون فيه الدعوة من عند الله عز وجل، فإن الصراع فيه يكون بين الحق وأتباعه من جهة، الذين لا يملكون الوسائل المادية وإنما تكون عزتهم بالله وحده، وسلاحهم هو قوة فكرهم وحججهم الظاهرة على كل الحجج، وبين الباطل وأتباعه من جهة أخرى، والذين هم عادة ما يملكون القوة المادية التي يغترون بها وبضعف قوة خصمهم المادية، مما يجعلهم يستكبرون في الأرض ويتناسون أن هنالك رباً قاصم الجبابرة ومغير النعم، مع أنه يكون هنالك هواجس وتخوف لديهم من أن أتباع الحق يشكلون عليهم خطراً داهماً ولكنهم يوازنون الأمور من ناحية مادية (لذلك فهم خاطئون)، ودائما ينتهي مثل هذا الصراع بانتصار أهل الحق وهلاك أهل الباطل من حيث لم يحتسبوا، هذا إن ثبت أهل الحق على مبدئهم دون أن يحيدوا عنه قيد أنملة، على أن تكون نيتهم خالصة لوجه الله.
إن من طبيعة الصراع بين الحق والباطل أن يعمد أعداء الله إلى إبعاد أهل الحق عن مبدئهم، حتى ولو عن جزئية من جزئياته، أو حرف نيتهم عن كونها خالصة لوجه الله، فبهذا يعطي أهل الحق الدنية في دينهم لعدوهم المبين فيهلكوا، وقد كان لليهود باع طويل في اتباع هذا الأسلوب للصد عن سبيل الله وإلحاق الهزيمة بالمؤمنين. فعن ابن إسحق قال ابن عباس: اجتمع قوم من الأحبار منهم ابن صوريا وكعب بن أسد وابن صلوبيا وشاس بن عدي، وقالوا: اذهبوا بنا إلى محمد، فلعلنا نفتنه عن دينه، فإنما هو بشر، فأتوه فقالوا: قد عرفت يا محمد أنّا أحبار اليهود، وإن اتبعناك لم يخالفنا أحد من اليهود، وإنّ بيننا وبين قوم خصومة فنحاكمهم إليك، فاقض لنا عليهم حتى نؤمن بك، فنـزلت آية : (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) [المائدة:49].
ولقد كان فيما يتلى من نبأ موسى وفرعون بيان لأحوال الصراع بين الحق والباطل وملابساته ونتائجه؛ وذلك ليعلم دعاة الحق أن فيه نبأهم؛ فتطمئن نفوسهم بأن سنة الله فيمن خالفهم وعاداهم من أهل الباطل هي سنته فيمن عادى موسى وقومه، أن يهلك الله أعداءهم كما أهلك فرعون وقومه، وينجيهم كما أنجى موسى وقومه، قال تعالى: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [القصص:3]؛ فبتدبر آيات القرآن الكريم، وإنزالها على واقع الصراع بين الحق والباطل هذه الأيام، نجد أن واقع فرعون مصر يشبهه تماماً واقع أميركا اليوم والتي سنطلق عليها (فرعون العصر)، وهامان وجنودهما يتمثلون في دول الكفر والمؤسسات الدولية وأنظمة الحكم في العالم الإسلامي وأعوانهم، وواقع موسى عليه السلام يشبهه واقع حملة الدعوة الإسلامية والعاملين لإقامة الخلافة الإسلامية، وواقع المسلمين اليوم أشبه ما يكون بواقع قوم موسى عليه السلام، وهذا يتبين من الموافقات التالية:
أولاً: إن فرعون مصر قد زعم أنه إله من دون الله، ورب يجعل الأمر والنهي له، ويريد من الناس أن لا يتبعوا إلا ما يمليه عليهم، زاعماً أنه الحق، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:38] ، وقال تعالى: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات:24]، وقال تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر:29]، وكان ذلك لِما رأى من تقدم قومه العلمي والعمراني، حيث إنهم أول من صنع الآجر، وشيدوا بناء لم يبلغه بنيان، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ)[غافر:36] وكذلك لِما رأى من سيطرته على الخيرات وعلى الأنهار، وكذلك على الرؤساء والجبابرة الذين يسيرون تحت لوائه، وكذلك كثرة أمواله وظهورها فهو ينفقها على أتباعه، وكذلك لِما رأى في نفسه من قوة وعظمة وقدرة على الإنفاق، وفي موسى ضعفاً وذلاً وعدم القدرة على الإنفاق، قال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ @ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف:51-52].
وكذلك الأمر بالنسبة لفرعون العصر: فقد زعم أنه ربٌّ له وحده حق التشريع، ويجب على المسلمين الابتعاد عن الإسلام، واتباع الدساتير التي يشرعها لهم (والتي يتم فرضها على الأنظمة في العالم الإسلامي)، زاعماً أنها سبيل الرشاد، وذلك لِما رأى ما هو عليه من تقدم علمي وتكنولوجي، وسيطرة على المنطقة وخيراتها ونفطها وثرواتها، وتحكم في المؤسسات المالية الدولية والمساعدات الخارجية وإعطائها لمتبعيه، وكذلك لِما رأى في نفسه من ضعف المسلمين وعجزهم عن صده، وعجز حملة الدعوة عن الإنفاق مثل إنفاقه، مما جعله يزعم أنه إله من دون الله، فاستخف بمن حوله وأصدر كتاباً باطلاً أسماه (الفرقان الحق)، والذي ألفته مجموعة صهيونية في ولاية تكساس الأميركية واعتمده أصحاب القرار، والذي يريدون له أن يكون القرآن المعتمد في الدول العربية والإسلامية في القرن الحادي والعشرين، فيبتدئ المصحف المزعوم بمقدمة مسمومة ترسخ وتؤصل للخلط العقائدي وحرية الأديان، ويمضي بمواضيع هي بالأساس مواضيع تحريض على الإسلام وتشويه ما يؤمن به المسلمون كالشهادة والاستشهاد، من خلال إظهار كل من يستشهد بأنه يقوم بعمله هذا من أجل الرغبة الجنسية، وتشويه أحكام الإسلام كالجهاد، ونشر ثقافة الاستسلام والخضوع والجبن في ديار المسلمين، وهكذا تمضي بقية فصول الكتاب المسموم الذي يحمل الكلمات والمعاني المحرضة بهدف تشويه طهارة القرآن الكريم وقدسيته.
ثانياً: إن فرعون مصر استكبر هو وجنوده في الأرض، أي إنهم طغوا وتجبروا وأكثروا في الأرض الفساد، وكان ذلك بغير الحق، أي بغير حجة ولا بينة، أي إنه لما رأى حجة موسى ظاهرة ومهيمنة على الحجج التي أتى بها، وإنها مقنعة، حتى إن السحرة آمنوا برب موسى، وإن حجته داحضة، غرته قوته المادية وقوة جيشه إذ كان عددهم مليونان وستمائة ألف بكامل عتادهم وعدتهم وكثرة أمواله، وضعف موسى وقومه مادياً وقلة أموالهم، فظن أن الغلبة للمال والسلاح والجيش، ونسي عظمة الله وقوته وبطشه، ولم يعلم أن الله له ولقومه بالمرصاد، وأنه مجزيهم على أعمالهم الخبيثة، قال تعالى: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ) [القصص:39] مما جعله يلاحق موسى وقومه محاولاً قتلهم والبطش بهم وتعذيبهم وسجنهم… مع إلقاء اللوم وتحميل مسؤولية ظلمه وجرائمه لموسى وقومه، متهماً إياهم بمحاولة نشر الفساد وتغيير الواقع، متجاهلا بطش الله عز وجل، مع أنه كان يحذر ويخاف من موسى ومن رب موسى، ولكنه لم يكن يتخيل الكيفية التي سينتصر بها موسى عليه؛ لضعف موسى وقومه مادياً بالنسبة له ولقومه، قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) [الأعراف:127] وقال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26] مع أن ملاحقة فرعون لموسى وقومه كانت بغياً وعدواً، إذ إنهم لم يقترفوا أي خطأ، ولم يرتكبوا أي جريمة يستحقون المحاسبة عليها، وإنما كان جرمهم باعتبار فرعون وقومه اتباعهم للحق وإتيانهم بالبينات والحجج الساطعة ومحاولة تغيير الواقع الفاسد، قال تعالى: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) [يونس:90].
وكذلك الأمر بالنسبة لفرعون العصر وجنوده طغوا وتجبروا وأكثروا في الأرض الفساد وكان ذلك بغير الحق أي بغير حجة ولا بينة، وذلك أنهم لما رأوا أن المسلمين صاروا يعودون إلى دينهم الحق (إسلامهم السياسي)، ويدركون أن حل جميع مشاكلهم سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم غيرها إنما يكون بتطبيق أحكام الإسلام، وعودة الخلافة الإسلامية، ووجوب العمل لإقامة الخلافة الإسلامية بالطريق الصحيح وهي طريق الرسول صلى الله عليه وسلم. وصار يتبين للناس أن مبدأ الإسلام هو وحده الذي يصلح لقيادة العالم نحو السعادة والعدل والرحمة، وإخراجهم مما هم فيه من شقاء وبؤس وظلم ونقمة، وأن المبدأ الرأسمالي لم يأتِ لهم إلا بالويلات والذل والدمار والبؤس والشقاء، وأنه عبارة عن شريعة الغاب، وأن ألفاظه المنمقة وزخرف باطله، من ديمقراطية وحريات وحقوق إنسان ومساواة المرأة وعدالة اجتماعية وغيرها قد بان زيفه، وصار لا ينطلي على أحد بعد أن خُدع الناس به مدة من الزمن. وصار الناس يقبلون على الإسلام، حتى إن عشرات الآلاف من الغربيين دخلوا في الإسلام وصاروا دعاة إليه وإلى قيام الدولة الإسلامية.
وأنه لا حجة لديهم يقنعون الناس بها. وأن حجج الإسلام وبيناته ساطعة للعيان، وأن هنالك حملة دعوة يبينونها للناس. صاروا يحذرون من عودة الإسلام إلى الحكم وقيام الدولة الإسلامية. وهذا كله يتبين فيما ورد على فلتات لسان وأقلام بعض ساستهم ورؤسائهم ومسؤوليهم ومفكريهم وكتابهم، والتي سأورد مثالين منها، فقد قالت ملكة الدانمارك مارغريت الثانية: “إنه من الضروري أخذ التحدي الذي يشكله الإسلام على محمل الجد” وتابعت مبينة أن هذا التحدي يكمن في وجود دعاة إلى الإسلام همهم الدعوة الإسلامية بقولها: “هناك شيء مدهش بعض الشيء لدى أولئك الذين يشكل الدين كل حياتهم، ويشبع حياتهم اليومية من الصباح حتى المساء ومن المهد حتى القبر” وتابعت “يجب التصدي للإسلام، ويجب من حين لآخر أن نواجه مخاطر أن نوصف بأننا أقل مجاملة؛ لأن هناك بعض الأمور لا يمكن التسامح حيالها” وذلك في كتاب مذكرات يحمل اسم (مارغريت) وكتبته الصحافية إنيليس بيستروب. وقد كتب إيريل كوهن مقالاً في واشنطن تايمز قال فيه: “إن سقطت أوزباكستان بيد الإسلاميين فان ذلك سيحدث تغيراً جيوسياسياً على المنطقة برمتها، وسيؤدي إلى السيطرة على منطقة آسيا الوسطى بأكملها، وستتهدد مصالح الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء، وبسبب وجود العقول التقنية ومصادر الثروة الأولية، كالذهب، والقطن، والنفط، والغاز، واليورانيوم، فإنه سينتج ذلك حتماً دولة إسلامية مسلحة وهي دولة الخلافة، وستكون معادية للغرب على أساس أنها ستعلن سياسة الجهاد ضده. ولتجنب هذه الكارثة فإن على جيران أوزبكستان، وكذلك على روسيا وأميركا وأوروبا والصين والمؤسسات الدولية، دعم كريموف؛ لإخراجه من مأزقه الذي هو فيه”، وصدق الله حين قال: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران:118]. فاغتر فرعون العصر بترسانته العسكرية وأسلحته النووية وقوته المادية، وضعف المسلمين مادياً وقلة حيلتهم وعدم وجود دولة لهم يقاتلون من ورائها ويتقون بها؛ فعمد إلى محاربة الإسلام وملاحقة المسلمين والدعاة إلى الله في كل مكان، ومحاولة البطش بهم مع إلقاء اللوم وتحميل مسؤولية جرائمه وبطشه للمسلمين وحملة الدعوة الإسلامية، متهماً إياهم بالإرهاب ومبرراً لنفسه بأنه يكافح الإرهاب. وذلك على الأصعدة التالية:
1- الحرب العسكرية ومحاولة البطش بالمسلمين، من سفك للدماء وإبادات جماعية وسجن وتعذيب وتدمير للمدن والقرى والطرقات وإهلاك للشجر والزرع، ومن سلب ونهب لثروات المسلمين وخيراتهم. وما يحصل في العراق وفلسطين وأفغانستان وأوزبكستان وكشمير والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين خير شاهد على ذلك.
2- محاولة سن القوانين والتشريعات التي تضيق على حملة الدعوة وعلى المسلمين وتحد من نشاطهم وحركتهم، كما حصل في ألمانيا وفرنسا والدنمارك وبريطانيا وغيرها.
3- محاولة إخضاع المسلمين لأفكارهم ومبادئهم الفاسدة التي بان عوارها من ديمقراطية وحرية المرأة وحقوق الطفل والمساواة بين الأديان وثقافة السلام وغيرها. وذلك بالقوة، وسيطرتهم على أنظمة الحكم في العالم الإسلامي، وخضوع هذه الأنظمة لهم واستعدادها للتفاني في إرضائهم، وإنفاقهم الأموال الطائلة في سبيل ذلك. وذلك عن طريق فرض مناهج دراسية تحوي أفكار الغرب وثقافته وتخلو من أي فكر إسلامي مؤثر، وفتح جميع المؤسسات الحكومية في جميع أنحاء العالم الإسلامي أمام المؤسسات التبشيرية والتي تدعو إلى الثقافة الغربية وإغلاقها في وجه حملة الدعوة الإسلامية، ومراقبة المؤسسات الخاصة ومنعها من أي نشاط إسلامي سياسي مؤثر ضد الغرب وأفكاره، وكذلك جعل خطب ودروس المساجد لا تخرج عن سياسة الدولة والتي بدورها تكون وفق السياسة الأميركية، وتسخير وسائل الإعلام في العالم لتحقيق غاياتهم وأهدافهم، وإغلاق جميع المجالات أمام حملة الدعوة الإسلامية، وغير ذلك من الأساليب والوسائل الخبيثة. فقد قال بوش في خطابه أمام مؤسسة (الصندوق القومي الأميركي للديمقراطية) في الذكرى العشرين لإنشائها: “إن بلاده تبنت استراتيجية مستقبلية للحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط”، وقال: “ما دام الشرق الأوسط لا تزدهر فيه الحرية والديمقراطية والحكومة التمثيلية فسيبقى مكاناً للعنف الجاهز للتصدير، ومع انتشار الأسلحة فإن ذلك سيتسبب بأذى كارثي لبلدنا أميركا” وقال: “إن غياب الديمقراطية في الشرق الأوسط يمثل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة” وشدد على ثقته بأن: “الديمقراطية ستصل إلى الدول العربية في نهاية المطاف” “وأن موجة من الديمقراطية ستجتاح المنطقة”، وأعرب بوش “عن استعداد بلاده لتقديم التضحيات في سبيل دعم الحرية والديمقراطية في العالم؛ لأن غياب الديمقراطية يهدد العالم”، (وما المناهج الفلسطينية إلا خير شاهد على هذه السياسة).
ثالثاً: كان موقف موسى عليه السلام أنه ثبت على الحق وتوكل على الله واستعان به، وأمر قومه بالاستعانة بالله والصبر على الحق، وبين لهم أن الله قوي عزيز، وأنه مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينـزعه ممن يشاء، وأن النصر في نهاية المطاف يكون حليف المؤمنين، وأن الكفرة والمجرمين لا بد هالكون، وأن وعد الله سيتحقق بإذنه قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) [غافر:27] وقال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].
وكذلك موقف حملة الدعوة الإسلامية في هذه الأيام، فإنهم رغم كل ما ذكرناه من موقف فرعون العصر وجنوده، فإنهم ثابتون على الحق ماضون في طريقهم عاقدون العزم على التغيير وإقامة الدولة الإسلامية وإنهاض أمتهم بإذن الله، ولم يزدهم موقف فرعون العصر إلا صبراً وإصراراً وعزماً وحثاً لخطى السير، وهم بذلك متوكلون على الله موقنون بأن النصر من عند الله، وأن الله سيحقق وعده بنصرتهم على عدوهم واستخلافهم في الأرض، وإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وأن ملكهم سيبلغ بإذن ربهم ما زوى لرسوله الكريم من مشارق الأرض ومغاربها، وبفتحهم لروما، وأن مصير عدوهم الهلاك. وهم يعملون على حث الأمة على التمسك بالإسلام والصبر عليه، ويبشرونها بقرب قيام الدولة الإسلامية بإذن الله، وقرب هلاك عدوهم، وإخراجهم من حالة الضنك والعذاب والذل التي هم فيها، وهذا ما أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً، واسأل الله العليم أن يكون كذلك.
رابعاً: انتهى الصراع بين موسى وفرعون بأن منّ الله بنصره على موسى وقومه وأنجاهم من فرعون وعمله، ومكّن لهم في الأرض وجعلهم ولاةً وملوكاً وجعلهم وارثين لما كان عليه فرعون مسيطراً بعد أن كانوا مستضعفين في الأرض، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ @ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) [القصص:5-6] وقال تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ) [الأعراف:137] وأرى الله فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا منه يحذرون، وهو أنهم قد أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل، وكان فرعون يخشى أن يكون هذا الشخص هو موسى عليه السلام، وكان ذلك تفسير الرؤيا التي رآها فرعون في منامه أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت أهلها وتركت بني إسرائيل، وأهلكهم بالغرق ودمر ملكهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وجعلهم عبرة يتعظ بهم أهل البصائر، وجعلهم من الملعونين في الدنيا والممقوتين في الآخرة، قال تعالى: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ @ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ @ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ) [القصص:40-42].
فأسأل الله عز وجل أن تمضي سنته في فرعون العصر وجنوده، وأن يهلكهم كما أهلك فرعون مصر وجنوده، وأن يريهم ما هم منه يحذرون وهو قيام دولة الإسلام، ونصرة الله للفئة العاملة لإقامتها (الناشئة في بيت المقدس)، وأن يدمر عروش المجرمين والطغاة والظالمين، وأن يجعل حملة الدعوة والمسلمين مستخلفين فيما هم يملكون وعليه مسيطرون، وأن يمكن لعباده المؤمنين الذين يستضعفون في الأرض، وأن يكون ذلك قريباً، إنه سميع قريب مجيب الدعاء، وإن وعد الله لآت ولن يخلف الله وعده، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ @ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ @ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران:10-12]، وقال تعالى: (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأنعام:67].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
2005-09-07