نـداء إلى الذين مازالوا يتمسكون بنهج نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) القابضون على الجمر
2005/11/07م
المقالات
2,145 زيارة
نـداء إلى الذين مازالوا يتمسكون بنهج نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) القابضون على الجمر
عمد أهل الشرك في مكة إلى الحط من شأن دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في بدايتها ولكنهم لم يفلحوا… وعمدوا إلى التكذيب والتعذيب والصد وأقبح الرد فلم يجدوا من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا الإصرار والعمل على الإظهار لهذا الدين وساوموه وعرضوا عليه العروض فقال لهم (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف عليكم ولا الملك فيكم ولكن الله بعثني إليكم رسولاً…» وكان صحابته، رضوان الله عليهم أجمعين، على مثل ما كان، وعلى نفس خطاه.. وهكذا يجب على حاملي الدعوة اليوم أن يسيروا على منهج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ينطبق عليهم أنهم ممن يسيرون على دربه بإحسان ذلك أن الله سبحانه وتعالى يحب المحسنين.
=================================================================
قال ابن اسحق في كتابه السيرة النبوية: فلما بادى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله، لم يبعد عنه قومه، ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك أعظموه، وأجمعوا خلافه وعداوته، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون.
وقد عمد أهل قريش للحط من شأن الرسول وتكذيبه والاستهزاء به وبادعائه النبوة، ولكنهم لم يفلحوا في ذلك بل بقي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يمارس أعمال الدعوة غير عابئ بما يقولون، ويُسمع صوته للجميع ذاكراً آلهتهم عائباً لها مسفهاً عقول عبدتها وأحلام مقدسيها، مما اضطر قريشاً للتوجه لعمه أبى طالب طالبة منه منع ابن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدعوة لدينه. ولما رفض عليه الصلاة والسلام الاستجابة لهذه الدعوة ولهذا النداء بقوله لعمه: «يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو اهلك فيه، ما تركته».
ولما لم تُجْدِ كل هذه الأساليب والأعمال، عمدت قريش لأسلوب آخر محاولة وأد هذه الدعوة في مهدها، وهو نفس الأسلوب الذي يستخدمه دوماً أهل الباطل والطواغيت عندما يعجزون عن مواجهة الحجة بالحجة والعقل بالعقل؛ فيلجأون لاستخدام قواهم الشريرة لإجبار الناس للتراجع عن الحق والاستمرار في عبادة الطاغوت فبدأت عملية قتل وتعذيب وتشريد لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. فقد قتلت سمية وهي صابرة محتسبة لتسجل أول شهيدة في الإسلام. وقد الُبس بلال وغيره من الصحابة أدرعاً من حديد وتركوا ليصهروا أو قل لتشوى أبدانهم الطاهرة في هجير صحراء مكة كما رواه الحاكم. وضربوا الرسول حتى غشي عليه وكان أشد ما لقي رسول الله من قريش أنه خرج يوماً فلم يلقه أحد من الناس لا حر ولا عبد إلا كذبه وآذاه …..وضُرب أبا ذر حتى خرَّ مغشياً عليه ورفعوه حين رفعوه كأنه نُصب أحمر. وعندما رأى عمر بن الخطاب ظهر خباب، رضي الله عنه، قال عمر: ما رأيت كاليوم! فقال: يا أمير المؤمنين، لقد أوقدت لي نار، فما أطفأها إلا شحمي وفي رواية: لقد رأيتني يوماً أخذوني وأوقدوا لي ناراً، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت بَرْدَ الأرض إلا بظهري، ثم كشف عن ظهره فاذا هو قد بَرِص. ولكن كل هذا لم يؤثر في عزيمة الصحابة بل جعلهم أشد صلابة، وأقوى عزيمة، وأكثر تحملاً واستعداداً للتضحية في سبيل الله، وأكثر جرأة على الكافرين وتحد لهم لدرجة أن عبداً مثل بلال أخذ يبحث في قاموسه عن أكثر الألفاظ إغاظة للكافرين فلم يجد أقوى من كلمة أحد أحد، مع أنه لا يتجاوز عندهم كونه عبداً مملوكاً يباع كما يباع أي متاع، فأطارت كلماته عقولهم، وأفقدتهم قوة تحديه لهم وصلابة موقفه صوابهم، مما اضطرهم ليبحثوا عن أسلوب جديد آخر للتعامل مع المسلمين.
فذهبت زعامات قريش للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يفاوضونه محاولين إغراءه بالمال والمناصب والجاه والوجاهة، لكنه رفض أن يكون سيدهم أو مليكهم أو أن يأخذ منهم شيئاً قل أو كثر أو يعطيهم نقيراً مع أنه باستطاعته أن يكون ملكهم فتصبح بيده القوة والسلطان فيأمر وينهى، ثم يطبق شرع الله بعد أن يعمل على تهميش موقع سادات قريش. والرسول قادر على ذلك لو أراد فلا تعوزه السياسة ولا الكياسة، ولكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلمنا درساً -وهو أسوتنا- أن الإسلام لا يعتمد أسلوب اللف والدوران والخداع للوصول لأهدافه، وإنما هو واضح صريح يبين للناس غايته وأهدافه، ثم يطلب منهم أن يحققوا هذه الغايات والأهداف بالطرق التي شرعها رب العزة.
فليحذر الذين يخالفون عن أمره مدعين خدمة الإسلام وأهله زاعمين أن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فليحذر أولئك المستوزرون، والذين همهم الكراسي أكثر من دينهم، من منافسة أهل الفسق والعصيان والكفر بحجة خدمة الإسلام والإصلاح وتقليل المفاسد. فقد ثبت عملياً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن كل من اشترك بقليل عمل مع هذه الأنظمة أنه عمل على إطالة عمرها، فما زالت هي قائمة وهو قد استبدل عدة مرات حسب الحاجة ولم يبقَ له أثر إلا الإساءة للإسلام والمسلمين وإطالة عمر الكفر والكافرين والعياذ بالله. فابحث في أي بلد شارك في حكمه من يسمون بالإسلاميين ماذا كانت النتيجة؟! وما هو الأثر المتبقي لهم بعد نفاذ صلاحيتهم عند الحكام؟!
فعلى كل مخلص لله ربه متمسكاً بنهج رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتذكر رد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما بَعَث له أشراف قومه -كما ورد في سيرة ابن هشام- ليكلموه، فقالوا له: يا محمد إنّا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فما بقي من أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسودك علينا، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيَّا تراه قد غلب عليك –التابع من الجن- فربما كان ذلك، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك؛ فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فان تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والاخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم».
فوظيفة حامل هذا الدين أن يبلغه للناس كما فعل المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) لا أن ينافسهم في أوزارهم بحجة حمله للدعوة وخدمة الناس والحرص على رعاية شؤونهم «ما جئت بما جئتكم به اطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم».
ولما رأت قريش رد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ازداد غضبها، وازدادت قبحاً وطيشاً، فاستمرت بعملية التعذيب والاضطهاد والتشريد، مما دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يطلب من أصحابه الهجرة للحبشة قائلاً: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فان بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً» فلما استقر الأمر للمسلمين بأرض الحبشة لم يرق ذلك لأهل قريش فائتمروا بينهم أن يبعثوا من قريش رجلين جلدين إلى النجاشي، فيردهم عليهم، ليفتنوهم في دينهم، ويخرجوهم من دارهم، التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص. فلما سمع النجاشي رد المسلمين وقال لهما انطلقا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون. قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة: «والله لآتينّا غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم». والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد. ثم غدا عليه من بعد فقال له: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه. فأرسل إليهم ليسألهم عنه. ولم ينـزل بالمسلمين مثلها قط. فاجتمع القوم ، ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: «نقول ما قال الله، وما جاءنا به نبينا، كائن في ذلك ما هو كائن». فلما دخلوا عليه، قال لهم: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم): هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، فاخذ منها عوداً، ثم قال: والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، ثم قال: اذهبوا فأنتم الآمنون بأرضي، من سَبـَّـكُـم غَـرِم.
هكذا كان رد صحابة رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قولاً واحداً وبالإجماع لم يختلف منهم أحد «نقول ما قال الله، وما جاءنا به نبينا، كائن في ذلك ما هو كائن» رغم أن عهدهم بالإسلام وشرائعه جديد، ورغم أنه لم ينل أحد منهم شهادة علمية عليا في هذا الدين؟! ولكنها بديهية من بديهيات هذا الدين أننا لا نتنازل عن أي مفردة من مفردات شرعنا فذلك تقرير من رب العالمين، وهو الأعلم بما يصلح لنا ولا يجوز بحال أن نتخير من شرعه ما نريد، بل نُلزم أنفسنا بما أنزل كائناً ما كان.
فإلى أولئك الذين اقشعرت أبدانهم من تهديدات أميركا ولانت جلودهم لها تذكروا ماذا خطط عمرو بن العاص: «والله لآتينّا غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم» يريد أن يستأصلهم من جذورهم فماذا كان ردهم: «نقول ما قال الله، وما جاءنا به نبينا، كائن في ذلك ما هو كائن» لا تغيير ولا تبديل لكلمات الله، بل الثبات على الحق والاستمرار على ملازمته.
أيـّها المسلمون:
إن معرفة الحق أمر عظيم، وأعظم منه الالتزام به، وجماع الأمر الاستمرار على الالتزام بالحق. فان طول الطريق ووعورتها تقلل عدد السالكين، وتزيد من عدد الهالكين، فحذار أن تقدموا نهج السلامة على سلامة المنهج.
فأميركا بعد أن ذاقت وبال أمرها في العراق وأفغانستان أعادت حساباتها، وأجرت تعديلات على خطتها إن لم تكن قد قلبتها رأساً على عقب، فبعد أن كانت ترى في المسلمين جميعاً وبلا استثناء أنهم إرهابيون، وأنهم يدينون ديناً إرهابياً كما وصفه بوش. باتت تغازل المسلمين وتحاول محاورة من كانت ترفض مجرد اللقاء به وكانت ترى أن مكانه الحقيقي هو أحد منـزلين إما القبر أو السجن. فقد أوعزت للمؤتمرين في مؤتمر الإصلاح المنعقد في مكتبة الإسكندرية يوم 14/3/2005م بالدعوة إلى إشراك الحركات الإسلامية في عملية الإصلاح السياسي في العالم العربي ولهذا دعا البيان الختامي إلى “إشراك الحركات السياسية الإسلامية في النظام السياسي في الدول العربية وإعادة صياغة العلاقة بين الدين والسياسة” ولذلك فهي تريد ممن تسميهم الإسلاميين المعتدلين أن يشتركوا فيما تسميه عملية الإصلاح -إطالة عمر استعمارها للبلاد- من خلال إسنادهم لهذه الأنظمة الهالكة والمتهالكة على أبواب أميركا. واعلموا يرحمكم الله أن أميركا وعملاءَها إنما يلعبون -كما يقال- في الوقت الضائع؛ ولذاك فهم يحاولون جاهدين ويائسين تأخير وصول الإسلام إلى سدة الحكم من خلال جعلكم سداً أخيراً أمام تطبيق شرع الله، فلا تُضَيّعوا أنفسكم معها فتكونوا من الهالكين. فحكم الله نافذ ( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) [الصف 8].
أيـّها المسلمون:
بوش قرر أن الناس والحركات والدول صنفان “من لم يكن معنا فهو علينا” والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بين أن هناك سبيلاً واحداً منجياً، وهناك سبلاً كثيرة تؤدي للهلاك على رأس كل واحد منها شيطان، ولا أظن أن من سار مع بوش أو مخططاته في المنطقة إلا أنه متبع لإحدى تلك السبل الشيطانية، وأن من وافق بوش فهو قطعاً مخالف لسبيل الرشاد.
فسيروا على نهج نبيكم ولا تقبلوا الإغراء ولا التهديد والوعيد حتى لا تعملوا على إطالة عمر هذه الأنظمة البائدة؛ فتغضبوا ربكم وتكونوا في صف أعداء هذه الأمة. فعليكم بالانحياز إلى جانب أمتكم فهي أحوج ما تكون إليكم فلا تخذلوها. وانفضوا أيديكم من أميركا وأعوان أميركا. واعلموا -يرحمكم الله- أن هذا الدين محفوظ من قبل الله لا من قبلكم، فليس لكم حجة بأن يقال إذا هلكت هذه الفئة أو تلك بأن الله لن يعبد بعدها في الأرض، بل إن الله سبحانه سيبعث باستمرار من يحمي هذا الدين وينافح دونه إلى يوم القيامة لأنه تكفل بحفظه. وتذكروا قول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): «لموتة في طاعة الله خير من حياة في معصيته».
أبو رسل
2005-11-07