الصراط المستقيم، وصراط المغضوب عليهم، وصراط الضالين
2012/02/07م
المقالات
2,892 زيارة
الصراط المستقيم، وصراط المغضوب عليهم، وصراط الضالين
أبو مريم الشامي
قال تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) إن هذا الدعاء هو من أفضل الأدعية يردده المسلم سبع عشرة مرة على الأقل في صلواته اليومية من خلال فاتحة الكتاب في قوله تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) فهذا الدعاء الطيب يبين أن هناك الصراط المستقيم السوي المرجو هدايته من الله سبحانه، وقد تم تحديده من قبل الحق تبارك وتعالى بصراط الذين أنعم الله عليهم، وهناك صراط المغضوب عليهم، وهناك صراط الضالين. وقبل الخوض في توضيح معنى الآية والدعاء لا بد من تجلية معنى الصراط لغة وشرعاً.
فالصراط لغة هو الطريق أو السبيل الواضح المستقيم البين. أما شرعاً فالمراد به جسر أدق من الشعر وأحدّ من السيف كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي مسند أحمد عن عائشة: «لِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ» فيمر عليه المؤمنون إلى جنات النعيم والمشركون إلى جهنم وبئس المصير. وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنْ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ، وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ».
أما الصراط المستقيم الوارد في فاتحة الكتاب المعظمة فيحمل على الدلالة الشرعية، لأنه يحمل معنى معيناً من الشرع، وهو كما قال ابن القيم رحمه الله: «وذكر الصراط المستقيم مفرداً معرفاً تعريفين: تعريفاً باللام، وتعريفاً بالإضافة، وذلك يفيد تعيّنه واختصاصه، وأنه صراط واحد، وأما طرق أهل الغضب والضلال فإنه سبحانه يجمعها ويفردها، كقوله (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) فوحّد لفظ الصراط وسبيله، وجمع السبل المخالفة له، وقال ابن مسعود: «خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، وقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره، وقال: هذه سبل، على كل سبيل شيطان يدعو إليه، ثم قرأ قوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق، ولو أتى الناس من كل طريق، واستفتحوا من كل باب، فالطرق عليهم مسدودة، والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد، فإنه متصل بالله، موصل إلى الله، قال الله تعالى: (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيًّ مُسْتَقِيمٌ )
وقد بين سبحانه أن الصراط المستقيم هو طريق الأنبياء التي أوحيت إليهم وسنن الاتباع التي جاؤوا بها. قال تعالى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )، (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وقال تعالى عن سيدنا ابراهيم عليه السلام: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وقال تعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) وقال تعالى عن سيدنا موسى وهارون عليهما السلام: (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )…
وورد بأسماء مختلفة، فقد ورد باسم صراط العزيز الحميد: قال تعالى (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) وورد باسم الصراط السوي: (أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)، وورد باسم صراط الحميد: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)…
وقرن الصراط بالعبادة، قال تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) وقرن بالعدل في قوله تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وقرن بالهداية قال تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وقرن بالدعوة إليه بقوله تعالى: ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وقرن بالرسالة في قوله تعالى: ( إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )..
ويقول سيد قطب في شرح قوله تعالى ( اهْدِنَا ): وفقنا إلى معرفة الطريق المستقيم الواصل؛ ووفقنا للاستقامة عليه بعد معرفته.. فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية الله ورعايته ورحمته. والتوجه إلى الله في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين. وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربه العون فيه. فالهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين.. وهي في حقيقتها هداية فطرة الإنسان إلى ناموس الله الذي ينسق بين حركة الإنسان وحركة الوجود كله في الاتجاه إلى الله رب العالمين. ويكشف عن طبيعة هذا الصراط المستقيم : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) فهو طريق الذين قسم لهم نعمته. لا طريق الذين غضب عليهم لمعرفتهم الحق ثم حيدتهم عنه. أو الذين ضلوا عن الحق فلم يهتدوا أصلاً إليه.. إنه صراط السعداء المهتدين الواصلين..
يقول ابن جبرين (رحمه الله): ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) أي: نجّنا من طريق المغضوب عليهم، ومن طريق الضالين، المغضوب عليهم هم: اليهود. والضالون هم: النصارى. وسمي اليهود مغضوباً عليهم لأنهم عصوا على بصيرة؛ معهم علم ولم يعملوا به. والنصارى ضالون؛ لأنهم يتخبطون في العمل، فيعملون على جهل وضلال.
ولذلك يقول بعض السلف: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى؛ وذلك لأن العلماء إذا فسدوا فقد عصوا على بصيرة، وليس من يعلم كمن لا يعلم، وحينئذ يكون عذابهم أشد، وأما إذا تركوا التعلم وتعبدوا على جهل وعلى ضلال، فإنهم أيضاً يعذبون على تركهم العلم، لماذا تركتم العلم وتعبدتم على جهالة، وأنتم قادرون على أن تزيلوا جهلكم، وأن تكمّلوا نقصكم، وذلك بالتعلم حتى تتعلموا العبادة ثم إذا تعلمتموها وعبدتم الله تعالى بها كانت مقبولة.
إلا أنه من الصفات البارزة للمغضوب عليهم (أي اليهود) حين يختارون السير في طريق العبادة هو التشدد والتنطع والإفراط بها. فقد بالغ بنو إسرائيل في الأسئلة والتشديد على أنفسهم بالتكاليف حين أمرهم موسى عليه السلام عندما قتلوا نفساً فادارؤوا فيها وتنازعوا حتى كادت الفتنة أن تسود بينهم. وأمرهم أن يذبحوا بقرة (أي بقرة) ولم يحدد لهم شمائلها أو ملامح شكلها فأخذوا يسألون عن ماهيتها ولونها، ثم تفاصيل ماهيتها مرة أخرى، حتى ذبحوها بعد أن بيّن لهم موسى ما ألحوا عليه من التوضيحات في دقائق أوصافها وما كادوا يفعلون ذلك الأمر الإلهى… وكذلك كان دأبهم المتشدد في المبالغة في عصر وتنقية الذبيحة من الدم حين حرم عليهم… وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «هلك المتنطعون» ورددها ثلاثاً وهؤلاء هم المتشددون في غير مواضع التشديد كما ورد في تفسير الحديث.
ويقابل هذا الإفراط والتنطع عند اليهود التفريط والتسيب عند النصارى، وذلك عندما جعلوا أهواءهم هي الحَكَم في تسيير شؤون حياتهم، وأخذوا يتساهلون في دينهم شيئاً فشيئاً حتى كادوا يتحللون من أي تكاليف تحت مسمى المحبة والتسامح الوارد على لسان المسيح عليه السلام الذي جاء ليخفف قليلاً من العنت الذي فرضه بنو إسرائيل على أنفسهم، أو فرض عليهم ببغيهم وجورهم كما يتمثل ذلك من قوله تعالى ( وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ )
وحين نراقب أوضاع المسلمين اليوم نجد صفاتهم مطابقة أيضاً للثلاث فئات الآنفة الذكر: أي الذين أنعم الله عليهم والمغضوب عليهم والضالين، دون أن يكونوا خارجين من العقيدة كما حال اليهود والنصارى، وحال فرق المرتدين والمبتدعين في العقيدة الذي أنبأ عنهم صلى الله عليه وسلم أنهم في النار كما في رواية الترمذي وأبو داود وابن حبان والحاكم وغيرهم عن أبي هريرة: «وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ِ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»
فنجد بين المسلمين كأفراد للأسف المتشددين الذين يتشددون فيما لا ينبغي التشدد فيه، وليس في الإسلام ما يتشدد به. وقد يكون مبعثه محبة كبرى للدين ومبالغة في تطبيقه، فيتشدد في الفهم ويتصلب في الرأي وينعت غيره بالتقصير، وهذا حرام، حتى وإن صدر عن نفس محبة لله ولدينه، ولأن فيه مجاوزة للحد الذي قدره الشارع الحكيم. وفي هذا ذكر البخاري عن عائشة: «صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا تَرَخَّصَ فِيهِ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ؟ فَوَاللهِ إِنِّي أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً»
وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه عن الرهط الذين أخبروا عن عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقال~وها، فقالوا: «وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ: آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ؛ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»
وذكر الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن أخبره أن أمه نذرت أن تحج ماشية: «مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ تَعْذِيبِ أُخْتِكَ نَفْسَهَا لَغَنِيٌّ» وذكر البخاري عن ابن عباس قال: «بينما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب إِذَا هُوَ برجلٍ قائم فسأل عَنْهُ، فقالوا: أَبُو إسْرَائيلَ نَذَرَ أنْ يَقُومَ في الشَّمْسِ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِل، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: مُرُوهُ، فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» وروى مسلم عن النبي قوله: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً. وروى أحمد والنسائي وابن ماجة واللفظ له: «يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» وروى البخاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ».
وقد نجد بين المسلمين كجماعات كذلك من يغالي في الدين فيسير على طريقة المغضوب عليهم من غير أن يخرج عن عقيدة الإسلام، بل يسير في فهم الإسلام سيرتهم، ويمتلك طبيعتهم المتشددة.
كذلك نجد بين المسلمين من يمتلك طريقة الضالين في فهم الدين من غير خروج عنه. وأبرز ما يتصف به هؤلاء التفريط والتساهل. ونرى كثيراً من المسلمين اليوم من حملة الدعوة ومن علمائها وانطلاقاً من محبة الإسلام يريدون أن يعطوا صورة عن سماحة الدين ويسره وبعده عن الحرج فيذهبون بعيداً في ذلك ويشتطون ويخرجون عن الخط المستقيم الذي خطه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتهاونون في كثير من الأحكام، ويخرجون بأفهام لا تمت إلى نصوص الإسلام بصلة. بل في كثير من الأحيان تصادم أحكام الإسلام القطعية… كل ذلك لأنهم ساروا على طريقة النصارى في فهم الدين القائمة على اتباع الهوى، وعند هؤلاء يصبح الربا جائزاً (للضرورة)، وتُغيَّر العقوبات الشرعية لعدم مناسبتها للعصر، ويوقف حد المرتد، ويجاز زواج المسلمة من غير المسلم، ويقبل بالديمقراطية الشرعية وتفسر أنها الشورى، وبأن يحكم الكافر والمرأة المسلم إلى ما هنالك من الأحكام… هذا وأمثاله نرى بعض المسلمين يتبعون طريقة تفكير تجيز لهم التساهل في فهم الإسلام، وهذا يؤدي فيما يؤدي إلى تضييع الإسلام، وإظهاره عاجزاً عن القيام بأعباء الحياة.
أما صراط الذين أنعم الله عليهم فيقوم على الفهم الصحيح والاتباع الحسن من غير إفراط (صراط المغضوب عليهم) ولا تفريط (صراط الضالين)، إنه يقوم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته في الفهم والاتباع، إنه يهدف إلى عبادة الله وحده، وإقامة الدين بإقامة الخلافة الراشدة التي يحيا فيها المسلمون كما كانوا يحيون زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده. ويعملون على نشر الإسلام بالدعوة والجهاد لنشر الحق والخير على وجهه الصحيح، بشكل يبقى فيه الإسلام متميزاً غير مختلط بغيره.
وهذا يتطلب التقيد بالحكم الشرعي بلا غلو ولا تسيب، من غير إفراط ولا تفريط في أداء حكم الله في أنفسهم ومجتمعهم. وهذا يكون بحق الأفراد وبحق العلماء وبحق الجماعات العاملة لنصرة هذا الدين.
إن على كل مسلم أو عالم، أو جماعة من المسلمين أن يفكر في كل مرة يتلو فيها هذه الآية من أي فئة هو، ويراجع نفسه ويحمل نفسه أن تكون على صراط ربها العزيز الحميد.
اللهم اجعلنا من الذين أنعمت عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
2012-02-07