كلمة الوعي : محور الممانعة فَنٌّ سياسيٌّ استعماريٌّ،وتركيبَةٌ خبيثةٌ بصياغةٍ أميركيةٍ بحتة
2016/03/03م
المقالات, كلمات الأعداد
5,951 زيارة
بســم اللــه الرحمــن الرحيــم
محور الممانعة فَنٌّ سياسيٌّ استعماريٌّ،وتركيبَةٌ خبيثةٌ بصياغةٍ أميركيةٍ بحتة
في لقائِهِ بالرئيس السوفياتي الأسبق «ستالين» في طهران إبان الحرب العالمية الثانية ، صرحَ رئيس الوزراء البريطاني الأسبق «وينستون تشرشل» بقوله : إنَّ الحقيقةَ ثمينةٌ لدرجةِ أنه لا بُد من حمايتِها غالبًا بحرسٍ من الأكاذيب… وقد صدق الرجلُ وهو كذوب، حيثُ إنهُ ينطقُ بلسانِ حالِ الدولِ الاستعماريةِ كلِّها، ولا غرابةَ في سلوكِ هذه الدولِ السياسيِّ المـُغطَّى بالأكاذيبِ تضليلًا للشعوبِ لتمريرِ المخططاتِ والمؤامرات، فتاريخُ دعاةِ التحررِ غاصٌّ بالحوادثِ السياسيةِ التي كانت تُبطنُ أمورًا خفيَت لا أقولُ على الدهماءِ من الناسِ وحسب، بل خفيَت على كثيرينَ ممن يتناولون الأحداثَ السياسيةَ يوميًا في صحفِهِم وعبرَ إذاعاتِهِم وعلى فضائياتِهِم… وإذا كان ما ظهرَ منها كفيلاً بصرفِ أنظارِ الشعوبِ عن حــقيقــةِ تـــشرشـــل الثمينة؛ فإنَّ ما خفِيَ أعمقُ تأثيرًا وأكثرُ تضليلًا .
إيرانُ وسوريا وحزبُهُما محورٌ اصطُلِحَ على تسميتِهِ بمحورِ الممانعة، وقد راجَ استخدامُ هذا المصطلَحِ في كلِّ الأوساطِ الديبلوماسيةِ خلالَ العقودِ الأخيرة، حيث أظهرت أميركا أطرافَ هذا المحورِ – إيران الثورةِ الإسلامية وسوريا بقيادةِ العلويين وحزب الله في لبنان – بمظهرِ العدوِّ اللدودِ لها… فأميركا شيطانٌ أكبر ودولةٌ إمبرياليةٌ استعماريةٌ… و(إسرائيل) غُدةٌ سرطانيةٌ… وتحريرُ القدسِ هو الغاية…
لم يكن عسيرًا على صانعِ الاستراتيجياتِ الأميركيِّ أن يمتطي صهوةَ العمامةِ شبه المعصومةِ التي بلغت منزلةَ ولايةِ الفقيه، وهو الذي يعلم كيف طعنت الدولة الصفويةُ الخلافةَ العثمانيةَ في ظهرها عندما كانت الأخيرةُ مشغولةً بذروةِ سنامِ الإسلامِ لفتحِ أوروبا من قبل! ولم يكن عسيرًا عليه أيضًا أن يستثمرَ العلويينَ، وهم الذين مكَّنوا فرنسا ديغــول من سوريا تنفيذًا لقرارات سايكس بيكو الذي غنِمَ ميراثَ الخلافةِ العثمانيةِ العظيم.
مع اشتعالِ جذوةِ الحربِ الباردةِ بين أميركا والاتحادِ السوفياتي ، وسيطرةِ الحزبِ الشيوعيِّ الأفغانيِّ على السلطةِ في أفغانستان، واقترابِ الدُّبِّ الروسيِّ من المياهِ الدافئةِ المحاذيةِ لدولِ خزَّانِ الذهبِ الأسود، لم تجد أميركا بُدًا من تبَنِّي ثورةِ الملالي التي أطاحت بالشاهِ سنة 1979م. ومع أن الخميني نفسه – الذي اشترى منزلاً في فرنسا ليستقرَّ بهِ في حالةِ فشلِ ثورتِه – لم يكن يتوقع نجاحَ ثورتِهِ بتلكَ السرعةِ، إلا أن الأمر قد تَمَّ بشكلٍ منسجمٍ مع تحركاتِ أميركا الاستخباراتيَّةِ والعسكريةِ في المنطقة، فقد وقَّع الرئيسُ الأميركيُّ «جيمي كارتر» في تموز/يوليو 1979م توجيهاً يخوِّلُ المخابراتِ المركزيةَ الأميركيةَ القيامَ بحملاتٍ دعائيةٍ لتثويرِ الناسِ ضدَّ الحكومةِ الشيوعيةِ المواليةِ لموسكو في أفغانستان، كما خذلت أميركا الشاهَ رغمَ تعهُّداتِها بالدفاعِ عنه، فقد ذكر سفير أميركا في إيران وقتئذ «ويليام سوليفان» بأن مستشارَ الأمنِ القومِيِّ الأميركيِّ «زبيغنيو بريجنسكي» أكَّدَ للشاهِ مرارًا وتكرارًا أن أميركا تدعمُهُ بالكاملِ، وأنها ستدعمُهُ حتى النهاية… لكنَّ سياسةَ البيتِ الأبيضِ كانت على النقيضِ من ذلكَ، حيثُ قررَ أن على الشاهِ أن يرحل حتى لو كان ذلكَ إلى الجحيم، هذا مع عِلمِهم أن الذي سيحِلُّ مكانَهُ هو صاحبُ العمامةِ الولي الفقيه! كذلكَ أربكت أميركا الموقفَ داخلَ الجيشِ الإيرانيِّ وشَلَّتهُ عن اتخاذِ أي تحركاتٍ تحولُ دونَ استتبابِ الأمرِ للخميني، حيث ألغى الرئيسُ الأميركيُّ «كارتر» قرارَ إرسالِ حاملةِ الطائراتِ «يو أس-كونستليشن» بالتوجُّهِ إلى المحيطِ الهنديِّ لدعمِ الشاهِ بعد أن أعطى أمرَهُ بذلك، كما عارضَ كارتر دعمَ انقلابِ الجيشِ على الثورة، فتداعت القوى التي يعتمدُ عليها الشاه، وبدأ الخميني يستأصلُ كبارَ الضباطِ في الجيش، وأعدمَ أكثرَ من مئتينِ من مسؤولي الشاهِ الأمنيين؛ ما أدى إلى انهيارِ النظامِ الملكيِّ بالكامل، وإلى سيطرةِ الخميني وأتباعِهِ على البلاد. ولتمريرِ المؤامرةِ وإخراجِها مخرجًا يُعَمِّي الارتباطَ بين أميركا والخميني، كان لا بُد من تلميعِ شخصيةِ الخميني، فقد أبرزت حادثةُ اختطافِ أفرادِ السفارةِ الأميركيةِ في طهران نظامَ الخمينيِّ كمعادٍ لأقوى قوةٍ استعماريةٍ في العالم.
ومع وصول الرئيس الأميركي «ريغن» إلى البيت الأبيض، ردَّ الخمينيُّ الجميلَ الذي منحتهُ إياهُ أميركا كرجُلٍ لبِسَ بَزَّةَ العداءِ والمناوأةِ للدولةِ الأولى في العالم؛ وذلك حين قام الخمينيُّ نفسُهُ بإصدار قرارِ إطلاقِ سراحِ موظفي السفارةِ الأميركيةِ الذين تَمَّ اختطافُهُم في إيران، ومع اشتعال الحرب الإيرانيةِ العراقيةِ، عقدت أميركا في عهد «ريغن» اتفاقًا مع إيران لتزويدها بأسلحةٍ متطورةٍ فيما عُرف لاحقًا بـ»فضيحةِ إيران كونترا». وقد تَمَّ هذا الاتفاقُ مقايضةً تحصلُ إيرانُ بموجبِهِ على الأسلحةِ الرادعةِ لعراقِ صدامِ حسين، لقاءَ مساهمةِ إيرانَ بإخلاء سبيلِ خمسةٍ من الأميركيينَ المحتجزينَ في لبنان وقتئذ، وقد عقدَ جورج بوش نائبُ الرئيس رونالد ريغن هذا الاتفاقَ سنة 1985م عند اجتماعِهِ برئيسِ الوزراءِ الإيرانيِّ أبي الحسن بني صدر في باريس بحضورِ المندوبِ عن المخابراتِ (الإسرائيلي) – «آري بِن ميناشيا» والذي كان لهُ دورٌ في نقلِ تلكَ الأسلحة عبرَ إسرائيل إلى إيران، وهكذا أنجزت إيرانُ الخميني لأميركا مصالح استراتيجيةً جديرةً بقبولِ الثانيةِ إطلاقَ حكامِ إيرانَ الجعجعاتِ دون أن تتجاوزُ حناجِرَهُم.
وبذلكَ تكونُ أميركا قد تخلصت من نظامِ رضا بهلوي الذي نصَّبتهُ بريطانيا شاهًا على إيرانَ إبَّانَ الحربِ العالميةِ الثانية سنة 1941م إلى لحظةِ خلعِهِ سنةَ 1979م، وتصدَّت للمَدِّ السوفياتيِّ المندفِعِ عبرَ آسيا الوسطى، كما أجَّجَت أُتونَ صراعٍ طائفِيٍّ مذهبِيٍّ بينَ الشيعةِ بقيادةِ إيرانَ التي دعت إلى تصدير نموذجها الثوريِّ إلى بلاد المسلمينَ الأخرى تحتَ ذريعةِ محاربةِ الشيطانِ الأكبر… وبينَ السنةِ ممثَّلينَ بالوهابيةِ السلفيةِ التي أفرزها نظامَ آل سعود، وفي ذلكَ صرفٌ لأنظارِ المسلمينَ عن التفكيرِ بدولةِ الخلافةِ باعتبارها جامعةً لشتاتِ الأمةِ بجميعِ مذاهبِها الفقهيةِ المعتمدة، أضف إلى ذلكَ فرضَ أميركا وصايتَها على دولِ الخليجِ التي ارتعبت من البعبع الإيرانيِّ بعد أن جعلت أميركا منهُ فزَّاعةً أرهقت المنطقةَ بمناكفاتٍ إقليميةٍ ومشاكساتٍ وهمية.
على الجانبِ الآخرِ في سوريا، كانت أميركا تُنَصِّبُ آلَ أسدٍ العلويينَ حُكاماً عليها، بعدَ سلسلةٍ من الانقلاباتِ العسكريةِ التي كانت تُبقي النفوذَ الإنجليزيَّ على سوريا تارةً وتأتي بالهيمنةِ الأميركيةِ عليها تارةً أخرى، فكانَ الحسمُ لصالِحِ الهيمنةِ الأميركيةِ على يدِ حافظ أسدِ وزيرِ دفاعِ الجيشِ العربيِّ السوريِّ الذي سلَّم الجولانِ لكيانِ يهود! وبهذا تكونُ أميركا قد نجحت في مَدِّ الجناحِ الثانيِّ لمحورِها الممانِع، ثم اكتملَ المشهدُ بإنشاءِ حزبِ إيرانَ ذيلًا لهذا المحور.
استثمرت أميركا موقعَ سوريا الإقليميِّ وتأثيرَها على المنطقةِ أيما استثمار، فقد تفانى آلُ أسدٍ الوالدُ والولدُ في خدمةِ أميركا تحتَ شعار محاربةِ الإمبرياليةِ الأميركية، فمن تحالُفِ حافظِ الأسدِ معها في حربِ عاصفةِ الصحراءِ على العراق عام 1991م، إلى تحالفِ ولدِهِ معها في الحربِ على الإرهاب، ومن المحافظةِ على أمنِ يهودٍ خلالَ أربعينَ سنةٍ لم تُطلق فيها رصاصةٌ واحدةٌ على الكيانِ المسخِ من جهةِ (الأسد) إلى ردعِ هذا الكيانِ وتحجيمِهِ انسجامًا مع حَلِّ الدولتينِ الأميركيِّ.، أضف إلى ذلكَ شراكةَ النظامِ السوريِّ مع إيرانَ لضبطِ إيقاعِ الوضعِ الذي تأزَّمَ على أميركا بعد احتلالِها للعراق عام 2003م ، وذلكَ تنفيذًا لتوصياتِ «بيكر هاملتون» ولا ننسى تلزيمَ لبنانَ لسوريا لطردِ النفوذينِ الفرنسيِّ والإنجليزيِّ من لبنانَ، وفرضِ الوصايةِ الأميركيةِ عليهِ بالوكالة التي بدأت عام 1975م، واستمرت حتى مقتل الحريريِّ وجبرانِ توينيِّ وغيرِهم من الرموزِ القويةِ المعارضةِ لبشارَ بنِ أبيهِ عام 2005م .
أعلنت أميركا حربَها الصليبيةَ على الإرهاب على إثرِ هجماتِ 11 سبتمبر 2001م . ومع تورُّطِها في المستنقعينِ الأفغانيِّ والعراقيِّ، كانت إيرانُ المنقذةَ لأميركا من ورطتِها، فقد صرَّحَ «هاشمي رفسنجاني» في بون بألمانيا سنة 2002م بالدورِ الإيرانيِّ المخزي في تخليصِ أميركا من مستنقعِ أفغانستان. وفي العراقِ ما إنْ وجدت أميركا نفسَها هائمةً بينَ ضرباتِ المقاومةِ العراقيةِ، كانت كلمةُ الفصلِ عندَ ولايةِ الفقيهِ التي ثَبَّتَت الحلَّ السياسيَّ في العراق، والذي يقضي بتقسيمهِ طائفِياً شيعةً وسنةً وأكرادًا على عينِ وبصيرةِ صاحبةِ المهماتِ الصعبةِ إيران، بعد أن كادت أميركا تفقدُ عِزَّةَ الدولةِ الأولى في العالمِ على أيدي جماعاتٍ جهاديةٍ أفغانيةٍ وأخرى عراقية.
وبهذا يتبَيَّنُ لكُلِّ ذي لُبٍّ أنَّ ما سُمِّيَ بمحورِ الممانعةِ كان ولا يزالُ الحارسَ الأمينَ على مصالحِ أميركا في المنطقةِ، تفانى مَرَدَتُهُ في خدمةِ الشيطانِ الأكبرِ الإمبرياليِّ الاستعماريِّ كأحسنِ ما يرغبُ السيِّدُ من عَبيده، وبالمقابل فإنَّ أميركا لم تنسَ فضلَ هؤلاءِ العبيد؛ لذلكَ دأبت أي أميركا على المحافظةِ على هذا المحورِ وثباتِهِ أمامَ الزوبعاتِ التي كانت أوروبا وكيانُ يهودٍ يُثيرونَها في وجهِ إيرانَ تحديدًا، وأعني بذلكَ زوبعةَ الأسلحةِ النوويةِ وامتلاكِ إيرانَ لها، ومن ثَمَّ المطالبةُ بالعقوباتِ الدوليةِ عليها، بل وتلويحُ كيانِ يهودَ بالعملِ العسكريِّ ضدَّ إيران، ومن ذلك:
*- سعت أميركا إلى تجنيبِ إيرانَ أيَّ ضرباتٍ عسكريةٍ أوروبيةٍ عمومًا و(إسرائيليةٍ) بشكلٍ خاص، لدرجةِ أن ستةَ عشرَ جهازًا استخباريًا أميركيًا أعلنَ في كُلٍّ من عام 2007م و 2010م عدمَ وجودِ أيِّ تهديدٍ نوويٍّ مِن قِبَلِ إيران.
*- غَضَّت أميركا الطرفَ عن بطشِ النظامِ الإيرانِيِّ بالمتظاهرينَ عقِبَ ما سُمِّيَ بالثورةِ الخضراءِ عام 2008م، عندما ثارَ هؤلاءِ بالملايينِ تأييدًا للمرشَّحِ الإصلاحيِّ ضِدَّ مُرشَّحِ النظامِ أحمدِ نجاد.
*- واليومَ تتجهُ العلاقاتُ بين الشيطانِ الأكبرِ وإيرانَ «محورِ الشرِّ حسبَ تصنيفِ بوش الإبن» نحو اللعِبِ على المكشوف. ففي كلمةٍ لهُ – الأحد 17 يناير/كانون ثاني 2016م ، قال الرئيسُ الأميركيُّ باراك أوباما إثرَ دخولِ الاتفاقِ النوويِّ بينَ إيرانَ ودولِ (5 + 1) حَيِّزَ التنفيذِ: إنَّ المقاطعةَ الدبلوماسيةَ معَ إيرانَ لم تخدمْ المصالِحَ الأميركية، وكمرضاة لأوروبا وكيانِ يهود قالَ أوباما: إنَّ إيرانَ بموجبِ هذا الاتفاقِ لن تحصلَ على السلاحِ النوويّ،ِ مؤكِّدًا أنَّ الاتفاقَ مع إيرانَ جعلَ العالمَ أكثرَ أمنًا، في حينِ رَحَّبت إيرانُ بالاتفاقِ بل واعتبرتهُ نصرًا، فقد دعا الرئيسُ الإيرانيُّ «حسن روحاني» – الذي وصفَ الاتفاقَ بالنصرِ المجيد – المستثمرينَ الأميركيينَ إلى الاستثمارِ في بلادِهِ، وناشدَ دولَ العالمِ بالاستثمارِ في بلادِه، وبذلكَ تكونُ أميركا قد أعتقت ربيبَتَها إيرانَ من قيودِ العقوباتِ الدوليةِ، بل وألزمت أوروبا والأممِ المتحدةِ بالاعترافِ بها.
*- أما بالنسبةِ لنظامِ بشارِ بنِ أبيه، فإنَّ إطلاقَ يدِهِ بالقتلِ والتدميرِ والتنكيل على مدى خمسِ سنوات، وسكوتَ أميركا عن هذه الجرائم، بل وإطلاقَ يدِ إيرانَ وحزبِها دعمًا له وللحيلولةِ دونَ سقوطِه، ثمَّ الدفعَ بالدُّبِّ الروسيِّ هو الآخرِ ليقصفُ ويُدمِّرُ ويُمِدُّ النظامَ بأسبابِ البقاءِ بعد أن سقطَ أو كاد، وموازاةَ ذلكَ بتحركاتٍ سياسيةٍ… ومؤتمراتٍ أولى وثانيةٍ وثالثةٍ… وبينَ هذه وتلكَ أموالٌ تتدفَّقُ لشراءِ الذِّمَمِ الرخيصة، وأدوارٌ تركيةٍ أردوغانيةٍ وأخرى سعودية… كُلُّ هذا وغيرُهُ إنما يصُبُّ في اتجاهِ تَمسُّكِ أميركا بنظامِ البعثِ العلويِّ، آخرِ معاقلِ العلمانية، إلى حينِ الاستقرارِ على وضعٍ سياسيٍّ يُرضي أميركا ويحافظُ على مصالحِها في المنطقة، ولكنَّ أميركا، سواءٌ أفقِهَت أم لم تفقَه بعد، فالقطارُ فاتِها، وأوشكَ الزمانُ أن يستديرَ عليها وعلى سائرِ أشياعِها من الكفارِ والعملاءِ.
كلمةٌ أخيرة: بعد انكشافِ سَوءَةِ المحورِ القوميِّ بزعامةِ عبدِ الناصر للمسلمين، واتجاهِ الأمةِ نحوَ الإسلامِ كَحَلٍّ لمشاكِلِها المتباينة، رأت أميركا في ثورةِ الملالي والعلويينَ وحزبِهما حصانَ طروادةٍ لمصالِحِها في منطقةِ الشرقِ الأوسط، فكانت إيرانُ لأميركا العَضُدَ والساعِدَ ولا تزال، وكانَ نظامُ الأسدِ السَّندَ المتغطرسَ ولا يزال، وكانَ حزبُ حسن نصرالله العصا المسخَّرَةِ ولايزال! ومع بلوغِ العلاقاتِ الأميركيةِ الإيرانيةِ حدَّ الوئامِ المكشوف، يأتي دورُ المخلصينَ من أبناءِ هذه الأمةِ للأخذِ على يدِ كُلِّ متآمرٍ، والعملِ الحثيثِ لخلعِ العملاءِ على شتى تصنيفاتِهِم وانتماءاتِهِم وولاءاتِهِم، وإسدالِ الستارِ على هذه الحقبةِ الأليمةِ من تاريخِ الأمة، ومن ثَمَّ الإعلانُ الرسمِيُّ عن وفاةِ النظامِ الدوليِّ الرأسماليِّ الذي ملأَ الأرضَ قتلًا ونهبًا، وإعلانُ قيامِ نظامٍ سياسيٍّ حضاريٍّ ربَّاني، نظامِ الخلافةِ الراشدةِ الثانيةِ على منهاجِ النبوة، فتُزهرُ الأرضُ بعدلِ الإسلام، وتعودُ الأمةُ إلى سيرتَها الأولى، خيرَ أمةٍ أخرجت للناس، تحملُ الخيرَ والأمنَ والطمأنينةَ للعالم. قال تعالى: وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا
2016-03-03