بين التطرف والإرهاب
2006/04/06م
المقالات
1,644 زيارة
بين التطرف والإرهاب
أدت أحداث 11/9 إلى تغيير محوري واضطرادي في “سيكولوجيا” العالم، ما سمح لإدارة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية باستغلال الأجواء المشحونة عالمياً في تصفية حساباتها داخلياً وخارجياً، شارعة البدء بتنفيذ مخططها الهادف للتفرد في شؤون العالم، من خلال نشر قواتها العسكرية في نقاط تمركز استراتيجية حول العالم. احتلت العراق وأفغانستان وهددت بتغيير أنظمة أخرى، معلنةً بذلك بدء صياغة العالم الإسلامي في إطار خطتها لرسم شرق أوسط كبير جديد، بما من شأنه تحويله إلى مزرعة أميركية صرفة، مستعملة عناوين عريضة وفضفاضة لتحقيق ذلك، مثل نشر الديمقراطية، ومكافحة الإرهاب، والقضاء على الإرهاب.
=================================================================
لقد أبقيت هذه المصطلحات غامضة عن عمد؛ وذلك لاستثمارها في أنجع طريق لتحقيق أهداف الولايات المتحدة الأميركية. وسنت التشريعات القاسية بحجة القضاء على (الإرهاب)، من غير اتفاق على تعريف محدد له. والواقع أن ضبط تلك المصطلحات ليس في صالح القوى الكبرى وعلى رأسها أميركا؛ لأن ذلك سيكون بمثابة بناء قواعد للمحاسبة، وهذا ما لا تريده القوى الكبرى وبخاصة أميركا؛ لأنها ترى لنفسها الحق بالتصرف من غير ضوابط سوى ما تمليه عليها مصالحها. وفي هذا السياق أصر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على إبقاء مقترح قانون تمجيد الإرهاب عاماً مجملاً لنفس الأسباب، ما دعا مجلس اللوردات إلى رد القانون مرتين على رغم تبنيه من قبل مجلس العموم لحاجته إلى توضيح وتحديد مضمونه، وهو ما لا يتناسب مع أجندة حكومة بلير التي وضعت نصب عينيها تصفية كل من يؤرقها ويسير في عكس تيارها، مهددةً بتجريمه تحت طائلة ذلك القانون الغامض.
ولو وضعنا التعاريف البديهية للمصطلحات مدار البحث في سياقها الطبيعي، لوجدنا أن الإرهاب، كما صاغه أكثر من مجمع قانوني، هو الاعتداء على أهداف مدنية بغية تحقيق مآرب سياسية، وأن التطرف محور الحديث هو ذلك الذي يدفع إلى استعمال العنف المادي ضد كافة الأهداف المتاحة ولو كانت مدنية أو محايدة؛ من أجل تحقيق عقيدة ما. وبما أن هذين التعريفين لا يشبعان رغبة الدول الغربية، حاولت تلك الحكومات أن تبقى تلك المصطلحات مفتوحة على مصراعيها، كي تبقي طاحونة الصراع دائرة في الاتجاه الذي يحقق لها أهدافها. وعلى الرغم من أن المضامين السابقة أساسية لتعريف الإرهاب والتطرف المجَرَّميْن، إلا أن إعلان الدول الكبرى تبنّي تلك المفاهيم يضر بمصالحها؛ لذلك أبت توثيقه في الأمم المتحدة، كما يرجع ذلك الرفض في جزء منه أيضاً إلى كون الحكومات الرأسمالية الكبرى تنطبق عليها تماماً مواصفات الإرهاب والتطرف الإجراميتين. فكم مدنياً قتلت الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا في العراق وأفغانستان، كذلك فعلت روسيا في الشيشان، واقترفت فرنسا في العديد من البلدان، هذا فضلاً عن تدمير مدن بأكملها وإعاقة التنمية فيها بغية إبقائها أسيرة الدول الاستعمارية، من غير إغفال معسكرات الترويع والتعذيب والقتل والاغتصاب كما في باغرام وغوانتانامو وأبو غريب وغيرها.
ولهذا فإن استعمال تلك المصطلحات بهذا الشكل المجمل المفتوح مقصود به الاستهلاك للأجواء العالمية المفعمة بالمآسي والأحزان والقلق والاضطرابات؛ لخدمة مصالح سياسية معينة من قبل الدول الرأسمالية الكبرى، في عالم تحكمه القوة لا القانون ولا الحق. فالقوى الكبرى لا تتطلع سوى إلى مصالحها، بغض النظر عن التعاريف والمبادئ والقوانين الدولية والأخلاقية؛ ولذلك رأينا مثلاً الدعوة إلى “الديمقراطية” في الشرق الأوسط مشروطة بأن تفرز الانتخابات من يرضي الإدارة الأميركية ويقبل السير في ركابها وبحسب رغباتها، وإلا فإن “الديمقراطية” لا تتسع له، ويوصف حينئذ بالتطرف والإرهاب، بغض النظر عن حجم شعبيته.
هذا ملخص هذه الأفكار التي رفعها الغرب كراياتٍ اتخذها شعارات له؛ لحسم صراعه مع العالم الإسلامي، ولترويضه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مبتغياً القضاء على الإسلام في نفوس الأمة قبل أن يتحول ذلك الإسلام إلى قوة فعلية على الأرض، بتشكله في دولة الخلافة التي تمثل الأمة لا فئة من فئاتها. وفي ظل غياب رسمي لمجابهة تلك الهجمة الشرسة، تقتصر تلك المواجهة في الأمة على أفراد ومنظمات متفرقة متباينة، بينما تنغمس الأنظمة السياسية التي تتولى مقدرات الأمة في اللعبة بحسب تلك الشعارات لإرضاء الغرب، مستفيدةً من الترويج لتلك السيمفونية الخبيثة عن الإرهاب والتطرف للحفاظ على مراكزها وترسيخ هيمنتها على شعوبها. والحقيقة هي أنه لن يستطيع أحد أن يعمم ويطبق قوانين ترفع الظلم عن الإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه سوى الإسلام مجسداً بدولة الخلافة. فالإسلام وحده هو الكفيل من خلال دولة الخلافة بالقضاء على إرهاب الدول وتطرفها، فضلاً عن إرهاب الأفراد وتطرفهم.
حسن الحسن
2006-04-06