{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ * زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [سورة آل عمران: 12 ـ 17].
ذكر ابن إسحاق في السيرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمّا أصاب أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: «يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشاً». فقالوا: (يا محمد لا يغرنّك من نفسك أن قتلت نفراً من قريش كانوا أغمار لا يعرفون القتال. إنك والله لو قاتلتنا لعرفتَ أنّا نحن الناس وأنك لم تلقَ مثلنا)، فأنزل الله في ذلك: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا… لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ}.
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ… } إلى آخر الآية، هذه الآية، هذه الآية بينتْ أن الإنسان بفطرته يشتهي هذه الأشياء ويحب أن يحصل عليها. وليس حراماً أو آثماً أن يشتهي الإنسان ذلك ويحبه ما دام يلتزم بالحلال والحرام وأحكام الشرع. وجاءت الآية التي بعدها:
{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ… } إلى آخر الآية. بينت هذه الآية الكريمة أن الخيرات والنعم التي أعدها لله عنده للمتقين هي أفضل مما في الدنيا {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا… } إلى قوله تعالى: {… وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأََسْحَارِ} تذكر هاتان الآيتان شيئاً من صفات المتقين الذين مدحهم اله وأعد لهم عنده النعيم والرضوان. وهؤلاء هم الذي عرفوا حقيقة الحياة وحقيقة الآخرة فأعطوا كل واحدة من الاهتمام ما تستحق. أما الذين غرّتهم الحياة الدنيا وظنوها كل شيء فهم ضالون وخاسرون. اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى والعفاف والغنى.
بدرجات لا تقاس، وفوق ذلك هناك رضوان من الله أكبر. وهنا يبرز عقل العاقل: فالذي يفضّل الفاني على الباقي، ويفضل التافه على الثمني، ويفضل ما تشوبه المنغصات على ما هو سعادة خالصة، ويحرم نفسه من رضوان الله ليس بعاقل حقاً وإن كان من الأذكياء. {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. والعاجز من ابتع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني». {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.