مع القرآن الكريم: المنافقين هم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر
2011/11/06م
المقالات
1,563 زيارة
مع القرآن الكريم:
المنافقين هم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) )
في هذه الآيات الكريمة يضرب الله سبحانه مثلين لأولئك المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فلا ينفعهم الإسلام لأنهم غير صادقين فيه بل يتمادون في الضلال ويتخبطون فيه لأنه الذي يسري في دمائهم وتمتلئ به قلوبهم.
أما المثل الأول فرجل يستوقد ناراً شديدة الضياء ( أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ) فهي لم تضئ مكانها فحسب بل ما حولها للدلالة على شدتها، ولكن هذا الضوء الشديد لا ينتفعون به بل يزيله الله كاملاً ( ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) والنور أضعف من الضياء ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ) يونس/آية5 أي أنها أُطفئت نهائياً حتى جمرها، ليس فقط ضياؤها الذي ذهب بل حتى نورها، وهكذا لَفَّهُمْ ظلام عظيم وتُركوا مضطربين يتخبطون في هذا الظلام بعد شدّة الضياء مما يولِّد اضطراباً وحيرة، وهو مثلٌ لعدم انتفاعهم بالإسلام وتخبطهم في الكفر والضلال، فهم صمّ بكم عمي على الرغم من وجود حواسهم لكنهم لا ينتفعون بها حيث قد عطلوها لترك الهدى واختيار الضلال المبين.
ثم ضرب الله سبحانه مثلاً آخر ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ )أي كمطر شديد نازل من السماء ولكنهم بدل أن ينتفعوا به كان عليهم عمى فهو قد جلب معه ظلمات ورعداً وبرقاً من الشدة بحيث وضعوا أصابعهم أي أطراف أصابعهم – وهو استعمال مجازي باستعمال الكلّ عن الجزء – في آذانهم خوفاً على ذهاب سمعهم من شدة صوت الرعد، وخشية على حياتهم من شدة الصواعق وهم كذلك يخشون على ذهاب أبصارهم لشدة ضوء البرق، وكلّ ذلك لهول هذا المطر النازل الذي هو ظلمات بعضها فوق بعض، يسيرون على ضوء البرق ثم يقفون عند زواله مع كلّ ما يثيره هذا من حيرة واضطراب، وهذا مثلٌ كذلك على عدم انتفاع المنافقين بالإسلام رغم عظمته، وتماديهم بالغيّ والضلال.
******
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) )
في هذه الآيات أمر الله – جلّ ثناؤه – الناس أن يعبدوه وحده لعلهم بهذه العبادة يكونون من المتقين الذين يرضى الله عنهم، (لعلّ) وإن كانت للترجي ولكنها من الله سبحانه تجري مجرى الوعد المحتوم وفاؤه بإذنه سبحانه.
ثمّ بيّن الله سبحانه لعباده أنه الخالق لهم وللذين من قبلهم، وهو سبحانه الذي خلق الأرض والسماء فجعل الأرض مهادًا يستقرون عليها، وجعل السماء سقفاً، وكلّ شيء كان فوق شيء آخر فهو لما تحته سماء، ولذلك قيل لسقف البيت سماؤه. ثمّ يذكّر الله سبحانه عباده بأنه الرازق لهم فهو الذي ينزل المطر من السماء فيخرج به الزرع والغرس من كلّ الثمرات، فكيف يجعلون مع الرازق عدلاء وأمثالا يعبدونهم من دون الله وهم لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون، في الوقت الذي لو أعملوا فيه فكرهم بذلك لعلموا أن الله هو المعبود وحده سبحانه لا ندّ ولا شريك له؟
2011-11-06