الأمة الإسلامية تتهيأ للتحرّر
2011/11/06م
المقالات
2,048 زيارة
الأمة الإسلامية تتهيأ للتحرّر
حمد طبيب- بيت المقدس
يقول الحق تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) ويقول الرسول ﷺ: «بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِى الأَرْضِ…» مسند أحمد، ويقول : «أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره». رواه الطبراني
بدأت الأمة الإسلامية تاريخاً وعهداً جديداً كسرت فيه حاجز الخوف من الأنظمة المتسلطة الجبرية، وأخذت تسعى جاهدةً للانعتاق من قيد وسطوة هذه الأنظمة الإجرامية، وتنظر للتحرّر وتتهيأ له، وفي هذا الموضوع سنتحدث عن حقيقة هذا الواقع الجديد، وكيف أخذت الأمة بالفعل تتهيأ للتحرر الانعتاق، وسوف نتحدث عن هذا الموضوع من عدة زوايا منها:
1- الإنسان بطبعه الغريزي يكره الاستعباد، ويسعى للانعتاق والتحرر .
2- استعراض بعض نماذج التحرّر التي حدثت في التاريخ الإنساني، لمعرفة التحرّر الحقيقي.
3- الأمة الإسلامية اليوم تعيش في استعبادٍ وتسعى جاهدة للانعتاق .
4- محاولات لحرف مسار الأمة الصحيح عن التحرّر الحقيقي .
5- بداية الغيث هذا في الثورات سوف يدفع الأمة نحو الهدف الحقيقي، وهو تطبيق دين الله في حياتها .
6- مستقبل أمة الإسلام بعد التحرّر الحقيقي والانعتاق .
إن الإنسان بطبعه؛ أي بغريزته التي خلقه الله عليها (غريزة حب البقاء)، يسعى بكل ما أوتي من حيلة ووسيلة للتحرر دائماً، والسبب أن القيد بكافة أشكاله هو مناقض ومخالف لغريزة حب لبقاء، وهذا الأمر لا يوجد فقط عند الإنسان، بل إنه عند جميع المخلوقات على وجه الأرض، ولكن الإنسان يتميز عن الأنعام بفكره الذي يوجّه أو يقود العمل من أجل الانعتاق ..
فلا يوجد إنسان يحب القيد ويكره الحرية، وهذا الأمر أقره دين الإسلام حيث أعتق الإنسان من كل مظاهر القيد للبشر، وجعلهم عبيداً لله سبحانه وحده ( ا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )، وعمر رضي الله عنه قال مقالته المشهورة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ؟!!».
والحقيقة أنه باستعراض التاريخ الإنساني قبل الإسلام وفي ظل الإسلام نرى أن هناك نماذج كثيرة حصلت في تاريخ البشر دفع ثمنها الناس الآلاف من الشهداء، من أجل الانعتاق من ربقة البشر لينالوا حريتهم، ومن ذلك ثورات العبيد التي حصلت في عهد اليونان والرومان، والثورات ضد الكنيسة في عهد رجال الدين والأباطرة النصارى في القرون الوسطى، وثورات العبيد في أميركا وغيرها من دول النظام الرأسمالي، وثورات التحرّر ضد الاستعمار التي حصلت في بلاد المسلمين في بدايات القرن الماضي وأواسطه، وهذه الثورات التي تحصل اليوم في طول البلاد وعرضها في بلاد المسلمين …
والملاحظ على هذه الثورات بشكل عام أنها لم تحقق الحرّية الحقيقية للناس، وإن كانت أعتقتهم من جوانب الظلم والاضطهاد الإنساني في بعض الجوانب؛ بمعنى أنها لم تعتقهم مادياً وفكرياً ومعنوياً ونفسياً من عبودية الإنسان … بل بقي الجانب الفكري الإنساني مسيطراً على هؤلاء الناس حتى بعد الانعتاق …
وهناك نموذج واحد فقط في تاريخ البشر حقق هذا الانعتاق الحقيقي، وهو ما ارتبط بالله سبحانه وتعالى، فهذا فقط هو الذي حقّق الانعتاق الحقيقي من الاستعباد للبشر أو لقوى الطبيعة !!
فما حصل على سبيل المثال بقدوم دين الإسلام، كان انعتاقاً وتحرراً كاملاً من كل قوى الأرض الفكرية والمادية والنفسية، فحرّر الإسلام العبيد تحريراً مادياً ومعنوياً، ووضع التفاضل على أساس الإيمان والتقوى عندما خاطب الناس بقوله تعالى: (… إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ…) وبقول الرسول عليه الصلاة والسلام: « يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» البيهقي
وحرّر الإسلام الناس من عبودية قوى الطبيعة؛ من عبادتهم للمخلوقات التي لا تضرّ ولا تنفع، وحررهم من الأفكار والعلاقات والمعاملات الظالمة السائدة في مجتمع الجاهلية، ليجعل ارتباطهم المباشر في كل حياتهم بخالقهم جلّ وعلا…
ولكن لو نظرنا في المقابل مثلاً إلى ثورات التحرر في عهد الكنيسة، نرى أنها أعتقت الناس من ربقة الكنيسة، ليقع الناس في نار النظام الرأسمالي الحالي؛ الذي فصل الدين عن الحياة، بمعنى أن الإنسان أصبح عبداً في حياته لقوانين الإنسان الظالمة، تحت سطوة وسيطرة القوى الرأسمالية !!
ولو نظرنا أيضاً إلى ثورات التحرر التي حصلت في العالم الإسلامي- ومنه العربي- في أوائل القرن الماضي لرأينا أن هذه الثورات قد حقّقت انتصاراً عظيماً على قوى الاستعمار، وتحررت من قبضته، لكنها لم تتحرر نهائياً. والسبب أنها أخذت أفكاراً وقوانين من غير دينها، فسهل على قوى الاستعمار السيطرة عليها فكرياً وسياسياً مرة أخرى؛ أي حصل استبدال الاستعمار العسكري بالاستعمار السياسي،فجاء هؤلاء الحكام وهم سيئة من سيئات تلك الحقبة !!
إن الأمة الإسلامية في كل بلاد المسلمين تشعر بالعبودية والقيد، لأنها فعلاً تعيش في استعباد وقيود .. فلو استعرضنا واقعها لرأينا :
أنها تعيش في فقر مدقع وثرواتها تذهب لأعدائها .
أن بلادها مقسمة ومحتلة من قبل الأعداء: في أفغانستان وباكستان وفلسطين والعراق وكشمير وجمهوريات روسيا .
أنها تعيش تحت تسلط الحكام؛ من قتل وسجون واضطهاد وحبسٍ لحرية الكلمة والرأي وحتى الحركة أحياناً، وفوق ذلك يتآمر الحكام مع أعدائها ..
أنها تعيش في تأخّرٍ فكريٍّ وعلمي وصناعي، وكل ألوان التأخر، لدرجة أنها تصنّف في آخر الأمم في هذا المجال .
أنها تُحارب في دينها، حتى من حكامها، ويُمنع تطبيق ما تحمل من دين، ومن يحملُ هذا المشعل فإنه يوصف بالإرهاب ويحارب.
فالأمة قد ضاقت ذرعاً بهذا الواقع المرير المظلم، والذي جعلها تعيش عيش العبيد المقيّدين، فأخذت تسعى للانعتاق من سطوة هذا الظلم.. فحصل ما حصل في تونس؛ وكانت شرارة الأمر ردّة فعلٍ على الجوع والقمع والإهانة وبطش النظام، ثم امتدت هذه الشرارة إلى ما جاورها من كومة القش اليابس..
والأمة الإسلامية حقيقة تسعى للانعتاق، ليس فقط في بلاد العرب بل في كل بلاد المسلمين؛ من المحيط إلى المحيط، ومن غانا إلى فرغانا … وسوف تصل هذه الشرارة إلى كل العالم الإسلامي شيئاً فشيئاً بإذنه تعالى ..
هذا الأمر هو شيء جديد لم يحصل منذ سنين طويلة، ولم تعهده الحكومات ولا قوى الاستعمار المسيطرة على هذه الحكومات، فماذا تصنع هذه القوى الشريرة ؟!
الحقيقة أن الحكام وقوى الاستعمار قد وضعوا خطاً أحمر وخطوطاً أخرى للتعامل مع هذه الأزمة، أما الخط الأحمر فهو وصول هذه الحركات إلى المطالبة بتطبيق الإسلام (أي وصولها إلى التحرر الحقيقي)، والخطوط الأخرى هو أي أمر دون ذلك حتى وإن كان التنازل عن رأس الهرم السياسي في الدول ؛ أي التنازل عن الرئيس وحاشيته .
هكذا تعاملت الحكومات ومن ورائها قوى الاستعمار في تونس ومصر، وهكذا سوف تتعامل مع كل الحركات القادمة؛ التنازل كلما اقتضت الحاجة، حتى لا يصل الأمر إلى المطالبة بحكم الإسلام، لأنه عند ذلك تصل الأمور إلى الخط الأحمر الخطير .. فماذا فعلت هذه القوى الشريرة من الحكام ومن الاستعمار لحرف المسار ؟!
هناك عدة أعمال قامت بها هذه القوى الشريرة منها:
مسألة التنازلات كلما اقتضى الأمر؛ تنازل بعد تنازل من أجل امتصاص نقمة الجماهير .
طرح أفكار الحرية والديمقراطية من قبل الأحزاب الفاعلة حتى تغطّي على أي صوت يريد الإسلام .
اتهام أي حركة تريد التغيير بالدين أنها تعادي الثورة، وإبراز هذا الأمر بشكل لافت في كل وسائل الإعلام؛ كما جرى في تونس عندما سيرت مسيرة نسائية تطالب بالمحافظة على حريات المرأة ومكتسباتها ضد القوى الأصولية، وكما جرى في مصر أيضاً من تحريض لقوى الثورة ضد تطبيق الشريعة، وتحريضهم بأن هذه الفكرة فيها معاداة للقوى الأخرى غير الإسلامية ..
التدخل عسكرياً إذا اقتضى الأمر كما هو حاصل ضد الجماهيرية الليبية، ومحاولة طمسهم وإبراز القوى الأخرى في ليبيا…
نصل إلى النقطة قبل الأخيرة في هذا الموضوع، وهي هل تفلح هذه المحاولات في صرف الأمة عن هدفها الصحيح، وما هو مستقبل هذه الثورات الطيبة في بلاد المسلمين؟!
قبل أن نجيب عن السؤال نقول: إن الأمة قد قطعت شوطاً عظيماً في طريق الحقّ رغم كل محاولات الحرف والتضليل، فقد كسرت حاجز الخوف، وتجرأت على قول الحق، وأخذت تضحّي بدمائها من أجل عزّتها وكرامتها .. ويمكن القول إن الأمة قد بدأت تاريخاً جديداً حميداً نحو طريق العلى والعزّة .
أما بالنسبة لمحاولات الكفار هذه لحرف المسار؛ فإنها غيمة تستر ضوء الشمس سرعان ما تمضي وتنكشف، لتجد الأمة نفسها لم تتحرّر رغم تغيّر الرئيس، ورغم تغيّر الدساتير، وإنها بقيت في ظلم وفي تعب ومشقة، كما حصل ويحصل هذه الأيام في مصر ..
فالأمة تريد الحريّة الحقيقية، وهذه الأشكال من الحريّات لا تلبي رغبة الأمة، ولا توصلها إلى هدفها المنشود، وسوف تبقى هذه الأشكال بين أخذ ورد حتى تصل الأمة إلى الحرية الحقيقة، وهذا سيحصل- بإذنه تعالى- بمساعدة من يحملون الحقيقة ويرشدون الناس إليها، وقد بدأت بالفعل الأمة تتلمّس طريق الخير في بعض بلاد المسلمين، ولن يطول الأمر حتى ينظر الناس إلى الشمس في كبد السماء ؛ واضحة وضّاءة!! ..
أما مستقبل هذه الحركة المباركة في بلاد المسلمين فإنها حتماً سوف تصل إلى الخط الأحمر الذي رسمه الكفار وعملاؤهم، لأن الخطوط السابقة لن تلبّي رغبة الأمة والسبب :
إن الأمة إلا سلامية، ذات تاريخ عريق، أبناؤها أبناء أمة عريقة تحمل عقيدة تكره الظلم، وتدفع للانعتاق.
إن الحركات الاستعمارية هي أوهى من بيت العنكبوت ولن تقوى على الصمود أمام الحق، وخاصة أن المخلصين يعملون جاهدين في صفوف الأمة.
الحرية الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا في ظلّ الإسلام .
كل الحركات الجديدة مرتبطة بالإرث القديم السيئ، وبقوى الكفار في العالم الإسلامي، وهذا لا يرضي الأمة الإسلامية أبداً.
لذلك لن يطول المطاف بعد هذه المرحلة والتي حطّمت أبواب الظلم والقيد، حتى تصل الأمة إلى غايتها في ظلّ حكم الإسلام؛ في (دولة إسلامية تحكم بدين الإسلام)، ثم تحمل هذه الأمة هذا الدين، وتحرّر المسجد الأقصى المبارك وكلَّ بلاد المسلمين، وتعيد للأمة الإسلامية ماضيها المجيد، وعزتها وكرامتها كما كانت، ثم تحمل هذا الدين إلى كل شعوب الأرض محققة بذلك بشارة الحق تعالى: ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )، وقوله:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )، وقوله عليه الصلاة والسلام: «سيبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار..»، وقوله ﷺ: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، ألا وان ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها».
وبشارة الرسول ﷺ بتحرير فلسطين وبيت المقدس ومسجده الحرام بقوله J: «تُقَاتِلُكُمْ يَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِىٌّ وَرَائِى فَاقْتُلْهُ» وبشارة المصطفى عليه الصلاة والسلام بفتح روما، حيث سئل: أي المدينتين تفتح أولاً يا رسول الله؛ قسطنطينية أم رومية؟، قال: مدينة هرقل تفتح أولاً؛ ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش جيشها!!»، وهذه البشارة فيها بشارة بفتح أوروبا جميعاً بإذنه تعالى!!..كما بشر عليه الصلاة والسلام بفتح أميركا؛ فقال: «عصابة من أمتي تفتح البيت الأبيض» وهذا يتفق مع حديث المصطفى عليه السلام: سيبلغ هذا الأمر- أي حكم الإسلام في ظل دولة الإسلام- ما بلغ الليل والنهار؛ أي كل أرجاء المعمورة بما فيها أميركا وأوروبا!!… نسأله تعالى أن يجعل ذلك قريباً. اللهم آمين
2011-11-06