ليبيا، سوريا، تونس: مسودات ودساتير وطنية علمانية… لأمة إسلامية
2011/11/06م
المقالات
1,544 زيارة
ليبيا، سوريا، تونس: مسودات ودساتير وطنية علمانية… لأمة إسلامية
في 08/10/2011م قدم نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي عبد الحفيظ غوقة إعلاناً دستورياً سمي: “دعوة إلى مشروع الميثاق الوطني الانتقالي” وقد تضمن هذا الإعلان أن ليبيا ما بعد القذافي ستكون دولة ديمقراطية لا مركزية، وأنه ستكون لها حكومة مدنية يرأسها رئيس وزراء مدني، والنظام سيكون فدرالياً.
وفي 15/10/2011م أصدر بشار الأسد قراراً جمهورياً تضمن تشكيل لجنة وطنية لإعداد مشروع دستور الجمهورية العربية السورية في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر. وهذه اللجنة تم اختيارها من قبله، وتوجهها الفكري علماني وقد صرح أحد أعضائها أن الغاية هي التأسيس لجمهورية سوريا الديمقراطية الثالثة، وأن هيكلية الدستور الجديد ستتضمن تشكيل دولة ديمقراطية تعددية مدنية.
وفي 23/10/2011م أجريت في تونس انتخابات المجلس التأسيسي الذي ستكون مهمته صياغة دستور جديد للبلاد، واعتبرت أوروبياً بأنها أول اختبار ديمقراطي، وتمثل لحظة تاريخية في المسار الانتقالي بتونس الديمقراطية. وقد حصلت “النهضة” على أكبر نسبة اقتراع ليكون التحول الديمقراطي المذكور بغطاء إسلامي.
هذه ثلاث محاولات تأسيسية للدستور حددت فيها سلفاً وجهة النظر التي ستركب عليها هذه الدساتير، والتي هي الديمقراطية، والحكومة المدنية، والتعددية، والجمهورية… من غير أن يرجع إلى رأي المسلمين في هذه البلاد فيها. وما سيصدر عنها سيحدد ملامح الدولة المقبلة ووجهتها الفكرية. والسؤال هنا: من الذي وجه هذه الملامح بهذا الاتجاه وأرادها أن تكون مسلمات لا نقاش فيها، وأساسيات يبنى عليها، ويمنع الخروج عنها…؟! إنه الغرب الذي يفرض إرادته من وراء حجاب، والذي لا يزال قابضاً على مقدرات المسلمين، ويعمل جاهداً على أن يبقى مسيراً لإرادتهم عن طريق عملاء اطمأن لهم واطمأنوا له بعيداً عن دينهم وأمتهم. فالغرب، بعد أن بدل صورة استعماره للدول الأخرى من استعمار وجود إلى استعمار نفوذ، حرص على أن يجعل نظرته للحياة هي المهيمنة على دساتير الدول التي يريد استعمارها.
والناظر في واقع دساتير العالم عامة يجد أنها جميعها تتبنى وجهة نظر الغرب في التشريع القائمة على فصل الدين عن الحياة، وعلى الاعتماد على الديمقراطية القائمة على الأكثرية في التشريع والحكم والسلطان، بما فيه االدول التي أنشأها الغرب في بلاد المسلمين، بعد أن قسم دولتهم الإسلامية الواحدة، مع خاصية أنه في بلاد المسلمين حرص ويحرص على إبعاد المسلمين عن التحاكم إلى دستور إسلامي بالمكر والتضليل والقوة، لأن التشريع هو من صميم الدين الإسلامي، لذلك يركز مباشرة وبشكل غير مباشر بواسطة عملائه الفكريين والسياسيين والإعلاميين، أن المطلوب هو دستور مدني لدولة مدنية، بينما لا يركز على ذلك في غير بلاد المسلمين لأنهم خالون من أي فكر مبدئي مخالف لهم.
وعليه فإن الغرب يقيم استعماره الخفي في كل بلد من بلاد المسلمين الخاضعة لنفوذه على أمرين: إيجاد دستور غربي التوجه لتنتظم حياتهم وفق مضمونه، وإيجاد حاكم عميل ليرعى تطبيق هذا الدستور لمصلحة الدولة التي رعت إيصاله، وليدخل بلده في منظومة الدول الخاضعة للقانون الدولي بمؤسساته ليسهل استعماره، ولتكون أدوات تدخل في شؤونه وتحت طائلة التهديد بالقوة في حال الخروج عن تعاليم هذا القانون الدولي… من هذا المنطلق ينطلق الغرب بدوله المتصارعة ليلعب لعبته في بلاد المسلمين التي تشهد تغييراً بلداً بلداً، ويجهد في وضع عناوين أساسية تتناسب مع توجهه الفكري مع الإصرار على إبعاد الإسلام التشريعي عنه. ويجتهد في إيصال وجوه عميلة له غير مكشوفة. هذا ما فعله الغرب في السابق بعدما احتل بلاد المسلمين التي قسمها إلى دول بعد الحرب العالمية الأولى، وكما فعل الأميركيون في العراق وأفغانستان بعد احتلالهما، وكما يفعل اليوم.
هذا ما يجب أن يعي عليه المسلمون بكل أطيافهم، من حركات وأحزاب وعلماء وعامة، وأن لا يكونوا معواناً للغرب في خطته تلك على الإسلام والمسلمين من حيث يدرون أولا يدرون. فهناك اختلاف حقيقي يصل إلى حد التناقض التام بين دستور إسلامي لدولة إسلامية وبين دستور مدني لدولة مدنية، ولا يمكن أن يلتقيا أبداً على أرض الواقع؛ إلا أن يكون على حساب فهم الإسلام الصحيح. فشتان ما بينهما وهيهات هيهات أن يلتقيا. فالدستور الإسلامي يقوم على العقيدة الإسلامية التي لا تسمح بأن يوجد فيه ولو حكم واحد من غير الإسلام قال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) والدستور الإسلامي لا تسن فيه القوانين التي هي أحكام شرعية بناء على الأغلبية مهما كانت نسبتها عالية، بل قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) والدستور الإسلامي لا يعترف بالقانون الدولي، ولا يعترف بحدود الدول، والدستور الإسلامي يفرض أن يكون النظام الاجتماعي والاقتصادي وشكل نظام الحكم وسياسة التعليم والسياسة الخارجية قائماً على الأحكام الشرعية… وكل ذلك يعارض الدساتير المدنية المقترحة للتطبيق في بلاد المسلمين، والتي قامت الأفكار الأساسية فيها والفرعية على تشريع البشر وإقامة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على خطى الغرب في الديمقراطية، هذا الغرب الذي يرفض الدستور الإسلامي ويفرض على المسلمين الابتعاد عنه والأخذ بما عنده.
إن الحركات الإسلامية التي يسميها الغرب (المعتدلة) والتي تفرح بهذه التسمية، وتوابعهم من علماء المسلمين، بالإضافة إلى العلماء الرسميين الذين ينادون بالدولة المدنية، إنما ينادون بدولة غير إسلامية، حتى وإن قالوا بأن مرجعيتها إسلامية، فهذا تلبيس يشاركون فيه الغرب في مسعاه الخائب ليكون التغيير الحادث على طريقته بلبوس إسلامية، فكيف تكون الدولة إسلامية والتشريع فيها لغير الله، وتقر أحكام الدستور فيها بأغلبية الثلثين؟! وكيف تكون إسلامية ويجوز فيها لغير المسلم أو للمرأة أن يكون حاكماً؟! وكيف تكون إسلامية ولا يحرم فيها حرام الله من لباس البحر أو الخمور أو سهرات الفجور مما تستلزمه السياحة من انتهاك لحرمات الله سبحانه؟! وكيف تكون إسلامية وهي تقر التعامل بالربا، وتخضع للقانون الدولي ومؤسساته القائمة على على أساس الكفر؟! وكيف تكون إسلامية وهي تعترف بـ (إسرائيل) ولا تقر نقض اتفاقيات الصلح السابقة معها؟!… قائمة التساؤلات هذه تطول وتطول حتى تطال كل مناحي الحياة تقريباً إلا ما سموه هم بمنطقة العفو التي لا تتجاوز أكثر من 10% من الدين كالصلاة والزكاة وأحكام الميراث…
إننا نذكر جميع المسلمين، علماءهم وعامتهم أن الغرب يشهد إفلاساً حضارياً في عقر داره. وهو واقع في أزمات لا يعرف كيف يخرج منها. ويشهد الآن مظاهرات من شعوبه تدعو إلى احتلال وول استريت وكل عواصم المال… وبعبارة أخرى إن الحضارة الرأسمالية تشهد سقوطاً مريعاً وليس من يهددها حقيقة حضارياً إلا الإسلام… وحركات المسلمين (المعتدلة) وعلماؤهم (المعتدلون) لم يرقوا بأنفسهم إلى مستوى الإسلام المبدئي الذي يجب أن يناطح المبدأ الرأسمالي ليسقطه، بل طرحوا أنفسهم كتابعين له، رضوا بأن يفهموا الإسلام على طريقته: مجموعة شعائر تعبدية وأحكام فردية… هؤلاء قزموا أنفسهم بتقزيم فهمهم للإسلام، وهؤلاء الأقزام يريد الغرب أن يعطيهم دور الأسياد لأنهم يخدمونه في إطاعة أمره وإطالة عمره.
وكما أن الغرب يشهد سقوطاً على كل الصعد، فإن الإسلام بالمقابل يشهد صعوداً كذلك على كل الصعد، ويستعد للوصول إلى مسرح الصراع الدولي بكل قوة. وبعدها سيتحول هذا المسرح كلياً من مسرح يقوم على صراع المصالح المادية الجشعة الأنانية المتوحشة والقائمة على الاستغلال والاستعمار والاستحمار… إلى مسرح يقوم الصراع فيه على الحق والباطل على الهدى والضلال.
إن مشروع الخلافة الإسلامية الراشدة هو المشروع الحضاري الناجح الوحيد في هذه الآونة، وهنيئاً لمن كان من أهله والعاملين له. فهو من شهود الحق على دين الحق، في مقابل شهود الزور الذين رضوا بأن يكونوا حجارة في الطريق. والمسلمون اليوم مبتلون ابتلاء سوء بصنفين من العلماء والحركات: صنف رضي بتسمية الغرب له بـ(المعتدل) وهو يسير على طريقته، وصنف يزين للحكام باطلهم ويغطي على إجرامهم. ويقف ضد دينه وأمته. وهؤلاء مكشوفون، انحرفوا فاتخذهم الغرب الكافر أخلاء له فلم يكونوا من المتقين. قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ).
اللهم ثبتنا على الحق، اللهم أحينا به وأحينا له، وارض عنا بنصرك المعجل المؤزر، محبة بدينك وبإعلاء كلمتك، ونصرة للمسلمين المستضعفين في كل مكان، وكرهاً بإبليس وكل من يشايعه من الكفار، إنك سميع قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2011-11-06