سوق البترول وأسباب تدني الأسعار
1999/12/05م
المقالات
2,150 زيارة
في هذا البحث، نحاول أن نلقي الضوء على السياسات التي تتبعها الدول الصناعية بزعامة أميركا، تجاه أسواق البترول الدولية، والدوافع التي تنطلق من خلالها شركات البترول العملاقة، في تعاملها مع مورد ناضب غير قابل للتجديد، والأسباب التي جعلت من هذه الشركات تندفع بنهم نحو المناطق النفطية الأقل تكلفة على صعيد الإنتاج العالمي، والوقوف على الدور الفاعل الذي تمارسه وكالة الطاقة الدولية للتأثير على الأسعار. لعلنا نستطيع أن نساهم في إزالة بعض الـغـمـوض الذي يكـتـنـف أســواق الـبـتـرول الـعـالـمـيـة. راجـيـن مـن الـمـولـى سـبـحـانـه وتعالى السداد والتوفيق. الحياة الاقتصادية إنما تسير بالطاقة، والبترول من أهم مصادر الطاقة، وعلى الرغم من محاولات وسائل الإعلام الغربية الهادفة إلى تهميش مكانة النفط عالميا، والترويج لبعض الدراسات المتفائلة بخصوص مورد الطاقة البديلة، فإنه لا يبدو في الأفق ما يوحي بانحسار أهمية النفط في المستقبل المنظور، بل على العكس من ذلك، فإن مؤشرات الاستهلاك العالمي للطاقة النفطية، والتوقعات المستقبلية عن تزايد الطلب العالمي على هذا المورد، واتجاهات الهبوط في الاحتياطي العالمي للنفط، تشير إلى تحول هذه المادة الخام، إلى سلعة نادرة تستحق أن تنال لقب الذهب الأسود، ومن المرجح أن تستمر كأهم مصدر على الإطلاق لتشغيل الآلة الصناعية في العالم.
ومما يعزز الدور المتعاظم للنفط الخام عالميا، خلال العقود القادمة، النجاحات المحدودة جداً للمحاولات الكثيرة الرامية إلى تقليص الاعتماد الكبير على النفط. فقد فشلت معظم التجارب الغربية الحديثة، في توفير مصادر بديلة من الطاقة المستمدة من القوة الشمسية، والطاقة النووية، وحتى الغاز الطبيعي، وفق معايير تنافسية وتجارية، سواء من حيث الاحتياطيات المتوفرة من هذه المصادر، أو تكاليفها الإنتاجية، أو تبعا لنسب المخاطر البشرية والبيئية الناجمة عن استخدامها على نطاق واسع. ومن هنا تأتي الأهمية المتعاظمة لمنطقة الخليج، اقتصادياً واستراتيجيا، إذ إن من يتحكم بهذا المورد الحيوي، سوف يتمكن من ممارسة تأثيرات مهمة على الـمـسـتـوى الـعـالـمـي.
يعتبر عامل السعر من حيث تكاليف الإنتاج الصناعي، من أهم وأبرز دواعي استمرار الدور المتعاظم للنفط، بل ومنافساً قوياً، حتى في ظل انتشار بدائل عملية للطاقة. ومع ذلك فإن الحقيقة التي لا بد من التوقف عندها، هي أن دول أوبك، لو قدمت البترول للعالم الصناعي بالمجان، فلن يوقف أو يبطئ الخطى في سبيل إيجاد بدائل للطاقة، ذلك أن الدول الصناعية المتقدمة، ليس من طبعها الركون إلى ما تأتي به الأقدار، ولذا أخذت هذه الدول منذ سبعينيات هذا القرن، بتوجيه متعمد من الولايات المتحدة، تعد العدة للتأقلم تدريجيا مع العيش في عالم من غير بترول، آخذة بعين الاعتبار الدراسات والنظريات القائلة بحتمية نضوب البترول، فقامت بإجراء الدراسات والبحوث للتعرف على مصادر الطاقة البديلة، ومجالات استعمالاتها، وإمكانيات وتكاليف إنتاجها، ومدى القدرة على إحلال البدائل المختلفة، كي تضمن الانتقال لعصر ما بعد البترول، بشكل سلس ومأمون، لا يعرض اقتصادياتها للخطر، أو ارتفاع الأسعار في فترة الانتقال. ومع ذلك كله فإن هذه الدول، وقد استمرأت نهب ثروات الدول، وقيام نهضتها الصناعية على هذه الثروات، لا يبدو في سياساتها الحالية، ما يشير أو يوحي بضرورة تحولها إلى مصادر الطاقة البديلة، حتى في حال الاهتداء إليها، لتعارض هذا التحول مع مصالحها الاقتصادية، وأطماعها العالمية.
إن السياسات الوقائية التي تركز عليها تصرفات الدول الصناعية في تعاملها مع قضايا الطاقة العالمية، إنما تقوم على مبدأ (المصالح الذاتية) التي تندفع من خلالها لتحقيق أقصى منفعة ممكنة. والمصالح الذاتية لهذه الدول تقوم على سلامة تدفق النفط ـ شريان الحياة الاقتصادية ـ إلى مصانعها ومخازنها الاستراتيجية، وبأسعار متدنية، ومن هذا المنطلق لم تجد الدول الصناعية ما يمنعها من الانضمام إلى وكالة الطاقة الدولية، التي أنشأتها الولايات المتحدة، أو المشاركة معها في حرب الخليج الثانية، ونجد أن معظم هذه الدول تعقد مع الولايات المتحدة المؤتمرات الخاصة بالبيئة والمناخ، بقصد التقليل من قيمة النفط الذاتية، والضغط غير المباشر على الأسعار، ومن هنا يمكننا القول، إن الدول الصناعية الكبرى بزعامة أميركا، إنما تتبع الخطى في سبيل إيجاد بدائل للطاقة، ذلك أن الدول الصناعية المتقدمة، ليس من طبعها الركون إلى ما تأتي به الأقدار، ولذا أخذت هذه الدول منذ سبعينيات هذا القرن، بتوجيه متعمد من الولايات المتحدة، تعد العدة للتأقلم تدريجيا مع العيش في عالم من غير بترول، آخذة بعين الاعتبار الدراسات والنظريات القائلة بحتمية نضوب البترول، فقامت بإجراء الدراسات والبحوث للتعرف على مصادر الطاقة البديلة، ومجالات استعمالاتها، وإمكانيات وتكاليف إنتاجها، ومدى القدرة على إحلال البدائل المختلفة، كي تضمن الانتقال لعصر ما بعد البترول، بشكل سلس ومأمون، لا يعرض اقتصادياتها للخطر، أو ارتفاع الأسعار في فترة الانتقال. ومع ذلك كله فإن هذه الدول، وقد استمرأت نهب ثروات الدول، وقيام نهضتها الصناعية على هذه الثروات، لا يبدو في سياساتها الحالية، ما يشير أو يوحي بضرورة تحولها إلى مصادر الطاقة البديلة، حتى في حال الاهتداء إليها، لتعارض هذا التحول مع مصالحها الاقتصادية، وأطماعها العالمية.
إن السياسات الوقائية التي تركز عليها تصرفات الدول الصناعية في تعاملها مع قضايا الطاقة العالمية، إنما تقوم على مبدأ (المصالح الذاتية) التي تندفع من خلالها لتحقيق أقصى منفعة ممكنة. والمصالح الذاتية لهذه الدول تقوم على سلامة تدفق النفط ـ شريان الحياة الاقتصادية ـ إلى مصانعها ومخازنها الاستراتيجية، وبأسعار متدنية، ومن هذا المنطلق لم تجد الدول الصناعية ما يمنعها من الانضمام إلى وكالة الطاقة الدولية، التي أنشأتها الولايات المتحدة، أو المشاركة معها في حرب الخليج الثانية، ونجد أن معظم هذه الدول تعقد مع الولايات المتحدة المؤتمرات الخاصة بالبيئة والمناخ، بقصد التقليل من قيمة النفط الذاتية، والضغط غير المباشر على الأسعار، ومن هنا يمكننا القول، إن الدول الصناعية الكبرى بزعامة أميركا، إنما تتبع غير أن تتدخل لإنقاذ بترولها من النفاد، أو على الأقل للحد من الزيادة الهائلة في الإنتاج. وقد أشارت التقديرات إلى أن الصين سوف تتصدر قائمة الدول المستوردة للنفط، وهو ما أكده وزير الدفاع الأميركي وليم كوهين في العام 1997 لصحيفة (الهيرالد تريبيون) حين قال: «بأن الصين تتحول من دولة مصدرة للنفط إلى دولة مستوردة له». في حين تشير الدراسات أيضا إلى اعتماد الولايات المتحدة بشكل متزايد على الواردات النفطية، التي ارتفعت من 36% عام 1973 إلى 65 % حاليا. وبالمقابل فإنه من المؤسف حقا أن نرى حكومات الدول الخليجية، وهي تعلن عن زيادة احتياطياتها النفطية كل عام عن العام الذي سبقه، همها في ذلك التسابق للحصول على حصة أعلى من الإنتاج عند توزيع الحصص، وبقيت تصدق كل ما يقال لها، عن وجود كميات ـ اختلطت فيها الحقيقة بالخيال ـ من البترول في أراضيها، إلى أن أصبحت تعيش في أوهام بأنها تسبح بالفعل فوق بحر من البترول، لا يمكن أن يجف أو ينصب في يوم من الأيام. ما يدل على مدى تفاهة حكومات هذه الدول، وانعدام المسؤولية لديهم.
وتنفيذاً لنظرية (الموارد الناضبة)، أثارت الولايات المتحدة في العام 1973 أزمة الطاقة العالمية، وعملت على تضخيمها من ناحية دولية، كي تضمن سير الدول الصناعية خلفها، وقامت بتكديس الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط، تمهيدا لإشعال الحرائق في منطقة الخليج، وأطلقت المبادئ الخاصة بحماية منابع النفط، وشرعت في عام 1974 بإنشاء وكالة الطاقة الدولية، كهيئة للدفاع عن مصالح الدول الصناعية المستهلكة للنفط، حيث جاء تأسيسها بتخطيط من وزير خارجيتها “هنري كيسنجر” مستغلا أزمة الطاقة، كذريعة لإنشاء هذه الوكالة، وفي العام 1977، وبعد ضغوط من الولايات المتحدة، ثم اعتماد هذه الوكالة دوليا، والتوقيع على مبادئها الإثني عشر، وذلك من قبل وزراء خارجية الدول الصناعية، باستثناء فرنسا في ذلك الحين، ومن أبرز هذه المبادئ التي قامت عليها الوكالة، وشددت الولايات المتحدة على تنفيذها من قبل الدول الأعضاء ما يلي:
أولا:ـ تـرشـيــد اسـتـهــلاك الـطــاقـة فـي هـذه الـدول.
ثانيا:ـ تـحـديـد سـقـف اسـتـهـلاكـي لـكل دولـة عـضـو.
ثالثا:ـ التوجه نحو إيجاد بدائل عملية للطاقة.
رابعا:ـ إيجاد مخزون نفطي لكل دولة عضو بالوكالة لاستخدامه عند شح الإمداد النفطي.
أما الأهداف التي من أجلها أنشأت الولايات الـمـتـحـدة وكالـة الطـاقـة الدوليـة فيمـكـن تلخيصها في ثلاثة:
الأول: تحميل الدول الصناعية الأعضاء في الوكالة، القسط الأكبر من النفقات الخاصة بإجراء الأبحاث والتجارب لإيجاد بدائل عملية للطاقة.
الثاني: رصد الوكالة للاحتياطيات النفطية العالمية، وفي كل منطقة على حده، ومراقبة الزيادات التي تطرأ على الطلب العالمي للنفط.
الثالث: التحكم بآليات الأسعار العالمية للنفط، من خلال طرح المخزون النفطي الاستراتيجي الموجود لدى الدول الأعضاء، في الأسواق، بقصد الإخلال بمستويي العرض والطلب.
وعليه فيمكن ملاحظة طبيعة هذه الأهداف، من خلال الأساليب التي اتبعتها هذه الوكالة مؤخراً، وأدت إلى انهيار أسعار البترول في العام 1998. ومن هذه الأساليب على سبيل المثال، إغفال الوكالة لكميات كبيرة من النفط تم استهلاكها في الأشهر الأخيرة من عام 1997، بينما بقيت هذه الكميات ضمن إحصاءات الفائض في السوق العالمية. وفي هذا الإطار صرحت جمعية البترول الأمريكية المستقلة: (إن توقعات الوكالة أغفلت 1.6 مليون برميل نفط من الإنتاج العالمي تم استهلاكها يومياً بينما بقيت ضمن الفائض العالمي). ومن هذه الأساليب أيضا وأخطرها، ذلك الإعلان الذي تبعه الانهيار الكبير في الأسعار أوائل العام 1998، حين أعلنت الوكالة الدولية للطاقة: (إن بعض الدول الصناعية التي لديها مخزون كبير من البترول، بدأت تتخلص من مخزونها عن طريق طرح جزء كبير منه في المزاد العلني)، وقد استقبل هذا الإعلان بترحاب من دول منظمة “أوبك”، وفسر في حينه على أنه خطوة إيجابية لتجريد الدول الصناعية من سلاح فعال، سيمكِّن أوبك من استعادة السيطرة على الاضطراب الحاصل في أسواق البترول الدولية. بينما الذي خفي على دول أوبك، ولم تعلنه الوكالة، هو إصدار تعليماتها، أي تعليمات الوكالة، للدول الصناعية الأعضاء في الوكالة، بالتوقف عن شراء البترول لمدة ثلاثة أشهر متتالية، واستخدام المخزون النفطي المتوفر لديها خلال هذه الفترة، الأمر الذي أدى إلى وجود فائض كبير من النفط في السوق الدولية، أدى إلى انهيار الأسعار، لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ الحرب العالمية الثانية.
إن لجوء الدول الصناعية، وخاصة الولايات المتحدة، إلى استخدام المخزون النفطي المتوفر لديها بين الحين والآخر، بهدف الضغط على الأسعار، وبالتالي الضغط على اقتصاديات الدول المصدرة للنفط غير الصناعية، يرينا مدى إصرار هذه الدول على التحكم بأسباب ومصادر الطاقة العالمية، وتعريض عائدات الدول المنتجة للنفط، وخصـوصـا منطـقـة الخليج للانهيار والخـطـر الدائم، وذلك لحملها على فتح أسواقها واحتياطياتها النفطية، أمام الاستثمارات الأجنبية، وللـحـيـلـولـة دون انـعــتــاقـهـا مـن الـتــبــعــيـة الاقتصادية للدول الغنية.
أما عن نظام تسعير البترول الجائر، المرتبط بالعديد من المؤشرات الدولية، فإن نظام مؤشر برنت (نفط بحر الشمال) للأسعار، يعتبر من أعرق هذه المؤشرات، وأوسعها انتشاراً على المستوى الدولي. ونظام مؤشر برنت هذا نظام شاذ كغيره من المؤشرات لا علاقة له حتى بعوامل العرض والطلب الطبيعية، وأسعار هذا المؤشر اليومية ترتبط بشيء لا وجود له يسمى نظام (برميل الورق)، أو (البرميل الجاف) يتم التداول به في سوق الأوراق المالية في لندن، يسمى (الفيوتشرز ماركت)، فعدد البراميل النفطية الجافة التي يتم تداولها في هذا السوق، تتجاوز أضعاف ما ينتجه العالم يوميا من جميع أنواع البترول، وهذه الزيادة في التداول اليومي تسمى: البراميل الجافة.
والسؤال هو: كيف يتحدد سعر برميل النفط العالمي بحسب نظام مؤشر برنت؟
والجواب هو: إن الوظيفة الأولى للسوق المالي (الفيوتشرز ماركت) هي تسويق تقلبات أسعار البترول بين المضاربين أو بالأحرى بين (هواة المقامرة) في السوق المالي، وليس بيع وشراء البترول الحقيقي، فالمضارب الذي يريد شراء مليون برميل جاف، ليس مطلوبا منه أن يدفع سعر البرميل الحقيقي كاملاً، بل كل المطلوب منه أن يدفع مقدار تقلبات الأسعار بين السعر الآني والسعر المتوقع في وقت استحقاق الأوراق المالية الآجلة، فمثلا لو كان سعر برميل النفط الحقيقي الآني عشرة دولارات، فما على المضارب إلا أن ينظر في تقلبات الأسعار الآجلة، فإن توقع زيادة في السعر قدرها نصف دولار بعد أسبوعين من التوقع، كان سعر برميل النفط الجاف في حقه نصف دولار، ثم يقوم بشراء مليون برميل جاف بسعر قدره نصف دولار لكل برميل. ومن ثم ينتظر إعلان النتائج في يوم الاستحقاق الآجل، فإن كانت تقلبات الأسعار في صالحه، يتضاعف سعر المليون برميل من نصف دولار إلى دولار واحد لكل برميل، وإن كانت تقلبات الأسعار الآجلة في غير صالحه يخسر المليون برميل، وتصبح الأوراق المالية بعد تاريخ الاستحقاق لاغية ولا قيمة لها على الإطلاق.
وسعر مؤشر برنت اليومي، يتحدد بناءً على المناورات التي يطلقها كبار المضاربين في السوق المالي، للتأثير على سير تقلبات الأسعار الخاصة بالبراميل الجافة، وبحسب هذه المناورات يتحدد سعر مؤشر برنت اليومي، انخفاضا وارتفاعا، ومن ثم ينتقل هذا السعر إلى أسعار البراميل الحقيقية، التي تحمل وصف مزيج برنت الممتاز، وفي وقت واحد إلى معظم أرجاء العالم. بهذه الكيفية الشاذة والخبيثة، يتحدد سعر أهم سلعة تقوم عليها الحياة الاقتصادية والصناعات العالمية، ومن هذا السوق ـ كازينو لندن ـ تتحكم بريطانيا في أسعار وأسواق النفط العالمية.
هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن ارتباط 60 مليون برميل من النفط تنتج يومياً في العالم بسعر برنت (نفط بحر الشمال)، الذي يقال إنه في حدود 800 ألف برميل يوميا، يثير الشكوك لدى العديد من الخبراء الاقتصاديين في العالم، فبترول بحر الشمال هذا منذ ظهوره في الصورة الدولية، وهو يشكل لغزاً لدى هؤلاء الخبراء، سواء من حيث الاحتياطي الموجود فيه، أو من حيث كمية الإنتاج، أو من حيث طريقة تسويقه، أو حتى مدى صدق وصفه بمزيج برنت الممتاز.
والأغرب من هذا كله، علاقة الدول المصدرة للنفط بالدول المستوردة له، فالدول المصدرة للنفط، لا تعلم مسبقاً السعر الذي سيتم بموجبه تسديد أثمان نفطها المصدر، والنظام المتبع في هذه الحالة مأخوذ إلى حد كبير من الكيفية التي يتم بموجبها معرفة تقلبات الأسعار الآجلة في السوق المالي الخاص بالبراميل الجافة. وبمعنى آخر لا يتأتى للدولة المنتجة للنفط والمصدرة له معرفة السعر النهائي الذي سيتم بموجبه تسديد أثمان بترولها المصدر، إلا في يوم الاستحقاق الآجل، أي يوم تسليم البترول إلى مخازن الدول المستوردة. فلو قامت إحدى شركات البترول العالمية، أو إحدى الدول الصناعية بشراء مليون برميل من النفط من إحدى الدول المنتجة، وكان سعر برميل النفط يوم إبرام العقد 15 دولاراً للبرميل الواحد، وكان السعر يوم وصول البترول إلى مخازن الدولة المستوردة، قد طرأ عليه انخفاض قدره 5 دولارات، عندها يكون السعر النهائي لمجمل الصفقة 10 دولارات فقط لكل برميل. وهذه الكيفية يطلق عليها في نشرات المؤشرات الدولية، بـ يوم التسليم، فيقال تسليم شهر تموز بسعر كذا، وتسليم شهر آب بسعر كذا، وبهذا يكون تسديد أثمان البترول المصدر، إنما يخضع لتقلبات الأسعار أيضا، وهو مخالف لأحكام الإسـلام المتعـلـقـة بالبيع والـشـراء لـمـا فـيـه مـن جـهـالـة.
وهذه السياسات التي تتبناها الدول الصناعية الكبرى، وتتبعها تجاه قضايا الطاقة النفطية، هي التي كانت فاعلة في اضطراب أسواق البترول الدولية، وانهيار الأسعار في عام 1998، وهو ما أصاب اقتصاديات العديد من الدول المنتجة للنفط، وخاصة الخليجية منها، بأضرار اقتصادية بالغة وأزمات مالية خانقة، الأمر الذي يمكن الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة، من التحكم بمصادر الطاقة وأسواقها الدولية. وإذا أضفنا إلى ما تقدم، ارتفاع أسعار السلع العالمية والمواد الخام المختلفة، بنسب تتراوح ما بين 100% ـ300% منذ العام 1980 إلى يومنا الحاضر، فإن ثروات المسلمين النفطية تباع إلى العالم الصناعي المتقدم بالمجان، وإن ثروات المسلمين تتآكل وهي في باطن الأرض.
ولا خلاص للمسلمين من هذه الدوامة الخانقة، إلاّ أن يستلموا بالكامل شؤون نفطهم، من حيث التنقيب، والاستخراج، والتكرير، والتصنيع، والتسويق، والتسعير، والشحن، وأن يكون ذلك مرتبطاً بمصالح المسلمين الكبرى، ومحكوماً بسياسة المسلمين الخارجية، المرتبطة بنشر الإسلام، وإبراز عظمة الإسلام والمسلمين ودولتهم، وهذا ما لا تقدر عليه إلاّ دولة الخلافة، عجّـل الله بقيامها الذي طال انتظاره.
1999-12-05