كلمة الوعي: نظـريـة المـؤامـرة
1999/12/05م
المقالات, كلمات الأعداد
2,428 زيارة
كثير من الناس، من أعداء الأمة ومن أبنائها المثقفين ثقافة غربية، يتهمون الأمة الإسلامية بأنها مصابة بما يسمى نظرية المؤامرة، ويعنون بذلك أن الأمة تفسر ما يواجهها من مشكلات في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والحرب والحكم وغيرها بأنها مؤامرات تحيكها دول الكفر، وهم يعتبرون ذلك ضرباً من الأوهام، مبعثه التفسير العام الخاطئ للأحداث من منطلق النظرية التآمرية، وأنها إنما تفعل ذلك للتخلص من مسؤولياتها، وتغطية تقصيرها، وتعليق فشلها بالآخرين.
صحيح أنه لا يستقيم أن تفسر الأحداث تفسيراً عاماً، بغض النظر عن المكان والزمان والتفصيلات إذ إن لكل حدث خصوصيته التي يتفرد بها عن غيره، ولو كان من جنسه، وصحيح أن الأمة مقصرة في تحمل مسؤولياتها، وتغيير واقعها السيئ، ولن ينجو عند الله من إثم هذا التقصير إلا من عمل للتغيير بالطريقة الشرعية، إلا أن تقصيرها لا يعفي المتآمرين، ولا ينفي وجود المؤامرات. والذين يروجون لهذه الفكرة يخدمون المتآمرين بحسن نية أو بسوء نية. فحياة الأمة الإسلامية ملأى بالمؤامرات يحيكها الكفار ضدها، وينفذها الحكام في بلاد المسلمين، بالتعاون مع زمرهم، ومع ضعاف النفوس الذين يعتاشون على فتات موائدهم.
ألم ير هؤلاء (الأذكياء) أن الإنجليز هدموا دولة الخلافة بالتآمر مع الكماليين ويهود الدونمة والقوميين من الأتراك والعرب، وعلى رأسهم صاحب الرصاصة الأولى. فإن لم تكن هذه مؤامرة، بل مؤامرة القرن، فماذا يسمونها؟
ألم ير هؤلاء أن بريطانيا وأميركا وفرنسا زرعت إسرائيل في قلب الأمة، وأنها ما زالت ترعاها، وتمدها بأسباب الحياة والبقاء والتفوق، وتعمل على استساغة وجودها، وتحقيق الاعتراف بها من قبل أهل المنطقة، بالتعاون مع الحكام الذين نصبوهم، والقيادات التي ما فتئوا يسخرونها لتحقيق هذه الغاية. فإن لم تكن هذه مؤامرة، فما هو تعريف المؤامرة عندهم؟
ألم يروا أن هذه الدول المستعمرة والطامعة قد جزّأت الأمة إلى أكثر من خمسين كياناً، ورسمت لهذه الكيانات حدوداً وهمية، وسمت ذلك استقلالاً، واعترفت بهذه الكيانات، وضمتها لهيئة الأمم، وجندت جيوشاً وظيفتها المحافظة على هذه الحدود وتكريس فرقة المسلمين، وقمع كل محاولة مخلصة لتغيير هذا الواقع المرير. وإلى جانب هذه الجيوش، أقاموا جيوشاً أخرى من المخابرات الجاثمة على صدر الأمة، ترعبها وتقمعها وتمنعها حتى من مجرد التظلم وقول الحق، حتى صار البعض يفر من ظلم ذوي القربى إلى أحضان أعدائه في أوروبا وأميركا.
ألم يروا أن الدول الاستعمارية حيثما استعمروا أوجدوا مشاكل متفجرة أو كامنة يسهل تفجيرها، لتبرير عودتهم أو تدخلهم في المنطقة من جديد، مثل مشاكل كشمير، ولواء الإسكندرونة، والصحراء الغربية، وجزر الخليج، وقبرص، وجنوب السودان، وتيمور الشرقية، وحلايب، واقتسام مياه الفرات ومياه النيل، وعمـلاؤهـم من الحكـام يذكون هذه الخـلافـات، ويعمـقـون الجـروح، فاختلـف العرب والعجم
على تسمية الخليج أهو عربي أم فارسي عجمي، مع أن الخليج وبلاد فارس وبلاد العرب كلها بلاد إسلامية ومياه إسلامية والأصل أن تكون جزءاً من دولة الإسلام الواحدة، حتى داخل الكيان الواحد، أوجدوا الحـسـاسـيـات بين أبنـاء المناطـق المختـلـفـة، فهذا من الضـفـة، وهذا من غـزة، وهذا من الحضر وذاك من البدو.
ألا يرون أن هؤلاء الكفار يهاجمون عقيدتنا وما انبثق عنها من نظام، ويستقبلون البعثات لمحو الإسلام من عقولهم ونفوسهم، وتنشئتهم على مفاهيمهم وحضارتهم، بل أنشأوا الجامعات ووضعوا لها المناهج التي تخدم غرضهم هذا، حتى في صرح مثل الأزهر. وأمعنوا في ذلك حتى وصلوا إلى عقول الأطفال والناشئين في المدارس فحرصوا على وضع المناهج التي تضمن تمييع شخصياتهم على الأقل، حيث يعجزون عن تحويلهم عن دينهم بأساليب التبشير الخبيثة. فيكتفون بإبعادهم عن الإسلام ولو لم يدخلوا في الكفر. كما سخّروا لهذه الهجمة الفكرية كل وسائل الإعلام بالإضافة إلى التعليم، ووظفوا الأموال الطائلة لتحقيق هذا الغرض، ونفخوا بالونات وطبولاً سموها مفكرين ومفكرات، وأنشأوا أحزاباً من التافهين والتافهات، من الذين رضوا بأن يكونوا أبواقاً لحضارتهم، وما تحمله من مفاهيم منحطة زائفة وضعية، لا تنتج إلا الشقاء لمن يحملها. وهم في كل هذا يستعينون بنواطيرهم من الظـلـمـة وأعوانـهـم.
ألا يرون أنهم يغرقوننا بالديون وهم يعلمون علم اليقين أن هذه الديون يتصرف الحكام وأعوانهم ويردونها إلى بنوك أوروبا وأمريكا في حسابات خاصة بهم، وبالتالي يزداد فقر البلاد، وأن مقدرات الأمة توظف لسداد فوائد هذه الديون فقط وهي عاجزة في كثير من الأحيان عن خدمة هذه الديون.
ألا يرون أنهم يحتفظون ببترولهم في آبارهم ويهجمون على بترولنا لنهبه بأبخس الأثمان يعينهم في ذلك نواطيرهم وأعوانهم، حتى صارت أكثر دول النفط إن لم تكن كلها، مدينة مفلسة مع أن بعضها ينتج البترول منذ أكثر من ستين عاماً؟
ألا يرون أنهم يصدرون إلينا كل سلاح قديم لا يصلح لاستعمال جيوشهم، أو أنه مشطوب من الاستعمال عندهم، فيبيعونه لنا، وبذلك يتخلصون من تكاليف تدميره، وهم يشعلون الحرائق، ويؤجـجـون الـصـراعـات لاسـتـنـزاف ثـروات الـمـنطـقـة فـي شـراء الأسـلـحـة الـتـي تـتـحـول مـع الزمـن إلـى حـديـد خـردة.
هذا غيض من فيض مؤامراتهم، ثم تقولون نظرية المؤامرة وعقدة التآمر! إن وجودكم في الأمة مظهر من مظاهر المؤامرة، وإفراز من إفرازاتها. فلا تحسبوا أن الأمة غافلة، أو أنها نائمة، إنها تغلي ولن تلبث أن تنفجر وتكسر قيودها، وتبطل ما صنع بها الكفار والمتآمرون، وتتبوأ مقعدها الذي ارتضاه الله لها، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ويرتد كيد الكافرين إلى نحورهم، ويكون ما بذلوا من جهد ومال حسرة في قلوبهم، ثم يغلبون.
أما أنت أيتها الأمة الخيرة فقد بان لك العدو، إنه الكافر وأعوانه، وتحدد الداء، وهو غياب الإسلام عن الحياة، فصار وصف الدواء سهلاً، وهو استئناف الحياة الإسلامية، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الحكم، يسلمه القادرون من أهل القوة والمنعة، إلى المخلصين الواعين من إخوانهم وأبنائهم، لترتفع راية الإسلام لعل الله يحشرهم مع الأنصار الأولين من الأوس والخزرج
1999-12-05