استدراج الله للطغاة آيات ومفارقات
2011/06/01م
المقالات
2,239 زيارة
استدراج الله للطغاة آيات ومفارقات
تتضمن الأحداث الكبيرة الجارية في العالم العربي عبراً كثيرة على رأسها مخافة الله، وأن يبقى المرء إلى جانب الحق مهما تعرض لامتحانات وابتلاءات، وأن لا يحيد عنه أمام الظالم مهما تزيا بأثواب الجبروت والقدرة وتزين بأثواب العظمة والرهبة، فالحق أحق أن يتبع، وأمر الكون وما يقع فيه أولاً وأخيراً بيد الله تعالى القائل : (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وأما الظلم فمرتعه وخيم مهما طال أمده، يقول رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» (رواه مسلم). في هذا السياق فإننا يمكن أن نلحظ مجموعة من المفارقات بشأن هلاك حكامنا، تأتي في ظلال الآية الكريمة (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)، والتي يمكن قراءتها على النحو الآتي:
الثورة عليهم وهم في أشد حالاتهم بأساً: مدهش حقاً أن تثور الشعوب على هؤلاء الحكام وهم في قمة الهيمنة على مقدرات الأمة وثرواتها، يتعاملون مع شعوبهم كعبيد ومع دولهم كضياع خاصة لهم من غير أي مبالاة بمصالح الناس أو مشاعرهم، معتبرين توريث الحكم لأنجالهم حقاً طبيعياً لهم، وأن مخالفتهم آراءهم السفيهة تستوجب السحق أو الاعتقال أو النفي، انسجاماً منهم مع حال فرعون (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).
تغييرهم جهاراً نهاراً: أتت ثورة الشعوب المسحوقة على الحكام في رابعة النهار من خلال تظاهرات سلمية وبدعوات علنية (بالصوت والصورة) للخروج على الحكام وخلعهم، مع تعيين الزمان والمكان. خرج الناس بصدور عارية ليواجهوا الرصاص الحي ويهزموا آلة القمع بصبر وعزيمة وقوة شكيمة، جعلت زبانية الطغاة وأجهزتهم تتضعضع وتتفكك وتنهار.
استنساخهم نفس الأخطاء: تساقط الحكام تباعاً على مرأى من بعضهم البعض كأحجار الدومينو. ولم يفدهم شيئاً أن يهوي أحدهم أمام ناظري الآخر. وبدل أن يعجل هؤلاء بتدبر أمورهم وإجراء إصلاحات أو تغييرات حقيقية تقيهم غضب شعوبهم، فإذا بهم على العكس، يرتكب كل منهم كافة أخطاء الآخر، من غير أن يتعظ بشيء، ليسقط لاحقاً مثل نظيره.
زعمهم أنهم بمأمن: ادعاء كل منهم اختلافه عن الذي سبقه بالسقوط، هازئاً بمن يعظه بالتغيير والإصلاح قبل فوات الأوان، معتبراً أنه بمأمن وشتان ما بينه وبين الآخرين، رغم أنهم في الظلم والقهر والفساد والاستبداد والنهب والتبعية سواء، شياطين في جثمان إنس. كما أن الشعوب هنا وهناك هي نفسها، جزء لا يتجزأ من أمة واحدة: عقيدتها وحضارتها ومعاناتها وتطلعاتها واحدة.
حياكة الخدع والأكاذيب: يبقى الطاغية منكراً لسوء فعاله ولرغبة الأمة العارمة في الخلاص منه ومن زبانيته ومن سياساته، حتى تنطلق الاحتجاجات والتظاهرات، فيسارع حينها بمحاولات خداع الناس مدعياً بأنه ينتهج الإصلاح فيما هو أس الفساد، محذراً من حرب أهلية فيما هو يؤجج نيرانها ليل نهار، واصفاً الثائرين عليه بالخارجين على القانون والمرتبطين بأجندات دولية فيما هو متآمر وخائن لا يأبه بقانون أو خلق!
عجز الطغاة وسرعة تقهقرهم: ظهر للعيان أن هؤلاء الحكام أعجز من أن يقووا على مواجهة الأمة عندما تتصدى لهم، بالرغم من كل ما نهبوه من أموال، وما بنوه من قصور محصنة وأجهزة قمع وإرهاب، وما يمتلكونه من آلات دعاية وتضليل. كما تخلت عنهم الدول الكبرى حينما استيقنت أنهم باتوا عبئاً عليها، ولم يفدهم كل أبواق الدجل من علماء السلطة ومثقفيها المسترزقين والمستوجلين، الذين أجروا مكانتهم وأقلامهم وألسنتهم للباطل لقاء ثمن بخس أو أمان زائف. ليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
2011-06-01