مؤتمرا أنطاليا وبروكسل للمعارضة السورية:
محاولة جادة لخطف الثورة السورية
انعقد في أنطاليا في تركيا يومي الأربعاء والخميس في 1و2/6/2011 «المؤتمر السوري للغيير» في محاولة لقيادة الثورة السورية في إسقاط النظام السوري. ولتشكيل رؤية جديدة قائمة على دستور جديد. وجاء في البيان الختامي يوم الجمعة في 3/06 أن «المجتمعين يلتزمون برحيل الأسد وإسقاط النظام» وداعياً إلى «الدولة المدنية القائمة على ركائز النظام البرلماني التعددي» وأكد البيان أن «سوريا المستقبل ستكون دولة مدنية تقوم على مبدأ فصل السلطات، وتعتمد الديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع». وكخطوة عملية لأخذ قيادة الناس قام المجتمعون بـ «انتخاب هيئة استشارية تنفيذية تضع خطوة عملية لحشد الدعم للداخل»، وتتكون هذه الهيئة الني تطرح نفسها وكأنها حكومة منفى من (31) عنصراً: (4) عن الإخوان المسلمين و(4) عن إعلان دمشق، و(4) عن الأكراد، و(4) عن العشائر، والـ(15) المتبقين للشباب الذين أكدوا أنهم لا ينتمون إلى حزب أو تنظيم».
إن هذا المؤتمر الذي جمع مكونات مختلفة التوجه هو محاولة جادة لخطف الثورة السورية ووضعها في مكان آخر عبر تشكيل قيادة لها تكون ناطقة باسمها ومحددة لأهدافها، ومترجمة لمشروعها المستقبلي بتحديد دستور جديد لها يعين شكل سوريا الجديدة وأنظمتها… ويمكن القول إن مثل هذه المؤتمرات تلعب دوراً خطيراً، وعادة ما تقف الدول الكبرى وراءها، وتضع لها أجندتها، وتوعز لأتباعها من المكونات الداخلية للاشتراك فيها، ولأتباعها من الدول لرعايتها، ولسائر وسائل الإعلام التابعة لها لتقوم بدورها الإعلامي الخطير في التسويق لها. لذلك يجب الحذر كل الحذر من مثل هذه المؤتمرات؛ لأنها أسلوب من أساليب إبقاء الحكم في يد الدول الكبرى الفاعلة على المسرح الدولي ولو تغير رئيسه ومعه فريق حكمه، أو انتقاله إلى الدولة الكبرى الأخرى المنافسة لها.
وهذا ما يجري في هذا المؤتمر، فالنظام السوري الذي أحرق ورقته بيده، وأصبح بحكم المنتهي نتيجة الإجرام الوحشي وغير العقلاني والمكشوف أمام الجميع بحق شعبه، أصبح لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أن يدافع عنه أحد من الدول، وصار هم أميركا أن لا يخرج الحكم في سوريا من يدها، لذلك كانت الدعوة لعقد هذا المؤتمر من تركيا، وفي تركيا وهي الأقرب إلى سوريا جغرافياً، والأقرب إلى أميركا تبعية، لتساهم في نقل السلطة من يد إلى يد وعدم وقوعه في يد أخرى، خاصة وأنه لا يوجد في الداخل السوري أحد يمكنه أن يلعب الورقة الأميركية غير هذا النظام.
ولعل أكثر ما يؤكد هذا الكلام ويصدقه هو انعقاد مؤتمر آخر في 4و5/ 6/2011 أي بعده بيومين فقط، في بروكسل في أوروبا المنافس الدولي لأميركا في استعمارها للمنطقة. وقد حاول هذا المؤتمر أن لا يبدو شديداً ضد النظام السوري الحالي إلا أنه ظهر واضحاً أنه سيعتمد على ملاحقة النظام السوري من حيث ارتكابه لجرائم إنسانية عبر محكمة الجنايات الدولية التي يسيطر عليها الأوروبيون ويسخرونها لمصالحهم. وفي محاولة واضحة لإفشال مؤتمر أنطاليا وإفشال المسعى التركي لاستيعاب الثورة صرّح أحد منظمي المؤتمر عن «الائتلاف الوطني لدعم الثورة السورية» باسم حتاحت قائلاً: «تأييداً لثورة الشباب السوري في الداخل اجتمع معارضو النظام السوري الأحد الفائت في أنطاليا بتركيا، واليوم في بروكسل، وغداً في أمكنة أخرى لدعم الثورة» وهذه إشارة واضحة لتجاوز مؤتمر أنطاليا واعتباره مؤتمراً عادياً كغيره من المؤتمرات التي ستعقبه خاصة وأن الإخوان المسلمين كانوا حاضرين في المؤتمرين، وكانوا في مؤتمر بروكسل أقوى تمثيلاً…
وإننا أمام هذين المؤتمرين، ومثلهما من المؤتمرات التي يمكن أن تعقد لاحقاً، نسجل نقاطاً هامة لا بد من الوعي عليها من مسلمي الداخل في سوريا حتى لا تخطف ثورتهم منهم، أو تلتقطها أيدٍ غير أمينة، أو تلتقمها الدول الأخرى… وحتى تبقى ثورة شعبية تمثل تطلع الناس حقيقة، ويمثلها ممثلون حقيقيون، ومن هذه النقاط:
-
إن ما دعا إليه مؤتمر أنطاليا من «إقامة الدولة المدنية القائمة على النظام البرلماني» وأن «سوريا المستقبل ستكون دولة مدنية تقوم على مبدأ فصل السلطات، وتعتمد الديمقراطية» ثم ما جاء في تفاصيل كتابة هذه العبارات في البيان الختامي أن من يسمي نفسه «ائتلاف القوى العلمانية السورية» كان قد أصر على تضمين الدستور الجديد إشارة صريحة إلى «فصل الدين عن الدولة» ثم وتجنباً للجدل انتهوا إلى صيغة توفيقية (غير موفقة) تدعو إلى الدولة المدنية المقصود بها الدولة العلمانية التي لا تقوم أحكامها على الدين الإسلامي تحديداً. وأدلى بمثل هذا الكلام بعض المؤتمرين في مؤتمر بروكسل من الدعوة إلى تحقيق المواطنة بالتساوي، وتحقيق حكم ديمقراطي حقيقي، حتى إن أحدهم كان صريحاً عندما قال: أنا مسيحي ويجب أن يكون لنا نصيب في الفسيفساء السورية، ونحن لا نقبل أن يكون حكماً إسلامياً… والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمثل هذا الكلام حقيقة ما عليه الناس في الداخل، الذي يعلن الواحد منهم أنه قبل أن يخرج في المظاهرة فإنه يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يخرج حتى يكون مقتله شهادة في سبيل الله؟ وهل يتوافق هذا المطلب مع خروج المظاهرات من المساجد، ومن دعوة الخطباء والعلماء إلى مواجهة النظام السوري والصبر على أذاه حتى يتم التغيير؟ وهل يتوافق مع اعتراف الجميع من أن معظم مساجين النظام السياسيين هم من الإسلاميين؟ إنه من الواضح أن الذي يقف وراء هذا المطلب هو الخوف الشديد من إسلام الحكم من أن يفرض نفسه على أجندة التغيير في سوريا، وعليه يكون الخوف مبرراً والدعوة إلى إبعاده قوية، ثم إن هؤلاء الذين يطالبون صراحة بعدم القبول بإسلامية الحكم في سوريا الجديدة ماذا يملكون؟ ومن يمثلون؟ إنهم لا يمثلون أكثر من أنفسهم إلا قليلاً، وإن هذا يجب أن يواجهه المسلمون في الداخل والخارج بصراحة مطلبهم بتحكيم الشريعة الإسلامية حصراً، ليس لأنها دين المسلمين وشريعتهم فحسب، بل لأن الشريعة الإسلامية هي شريعة إنسانية تعالج مشاكل الإنسان كإنسان بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو لونه أو حتى دينه، إن قولهم إن «الشعب السوري يتكون من قوميات عديدة» فإن الإسلام بشريعته الإنسانية يستوعب كل هذه المكونات. ثم إن ما ذكروه من «قوميات عديدة: عربية وكردية وشركس وكلدوأشورية وأرمن» فإن هذا ذر للرمال في العيون. فالعرب والكرد والشركس مسلمون. والمسلمون في سوريا يمثلون حوالي 90% من مكونات الشعب السوري، ومن الطبيعي أن يختاروا الإسلام والحكم بالإسلام كونه فرضاً عليهم من الله سبحانه وتعالى، والمطلوب من الآخرين أن يحترموا هذا الخيار كونه يمثل خيار الأكثرية بنظرهم.
-
لقد جاء في البيان الختامي «رفض التدخل الأجنبي» ومن المعلوم أن خطر التدخل الأجنبي أول ما يكمن في الأفكار وفي صياغة الدستور وفي فرض العناوين التي تناسب هذا الأجنبي ومن ثم تبنيها من قبل المؤتمرين. وإننا نرى أن الدعوة إلى النظام البرلماني، وتحقيق الديمقراطية، والدولة المدنية، هي شكل صارخ من أشكال التدخل الأجنبي والرضوخ له.
-
إن انتخاب هيئة استشارية تنفيذية وتحديد أعضائها ونسب التمثيل فيها يعطي لهذه الهيئة صفة القيادة المستقبلية، ويراد من ورائها كما قلنا خطف الثورة إلى مكان بعيد غير ما عليه الناس وما يريدونه.
إننا نتوجه إلى أهل سوريا عامة، ليس بخطاب طائفي، وإنما بخطاب إسلامي يحمل الرحمة لكل مكونات الشعب السوري على قدم المساواة في الحياة الدنيا، ثم عند الله يوم القيامة كل بحسب دينه وعمله. وإن ما قدمه الإسلام من نموذج في التطبيق ملأ أسماع العالم وشهد له العدو قبل الصديق. ولولا أن الإسلام متسامح بأحكامه إنساني بمعالجاته لما بقي مسيحي ولا بوذي ولا يهودي ولا كلدوأشوري في مناطق المسلمين، بل لأسلموا جميعاً.
أيها المسلمون في سوريا
إنها لحظات مصيرية تقدمون فيها الثمن غالياً من أجل التغيير، وإن الثمن الغالي هذا سيفقد قيمته إذا لم تتخذوا الإسلام لكم مطلباً في الحكم. وهذه فرصة يندر أن تتكرر فلا تفوتوها، ولا تستجيبوا لغير الله سبحانه ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا تستحيوا إلا من الله في مطالبتكم بتحكيم الشريعة، فإن الله سبحانه سائلكم ماذا فعلتم بقولي لكم : (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
أيها المسلمون في سوريا
ألا فلتعلموا أنكم بحاجة إلى الإسلام لتتخذوه منهج حياة لكم، وليس ذلك فحسب، بل إن العالم كله ينتظر الخلاص من رجس العلمانية والرأسمالية التي ضاقت الأرض ومن عليها منها. كذلك ندعوكم لأن تحملوا مع حزب التحرير المشروع الإسلامي العظيم في الحكم القائم على نظام الخلافة الراشدة التي يحتاجها الناس كل الناس في العالم أجمع، بعد أن ثبت فشل الرأسمالية وظلمها وتوحشها والتي لم تحمل بذور فنائها لنفسها فحسب، بل حملت بذور فناء الحياة البشرية كلها. قال تعالى:(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) وإنه لمن المعلوم أن الدين الإسلامي هو دين بعقيدته وشريعته وعباداته وأحكامه، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.