«أحمد شوقي يرثي الخلافة»
1988/03/02م
المقالات
14,298 زيارة
بعد هدم دولة الخلافة الإسلامية في 3 آذار 1924م
بعد أن ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية في سنة 1924، وأزيل الإسلام من الوجود السياسي ومن المجتمع في الأرض كلها، كان من المنتظر طبيعياً أن يهتز العالم الإسلامي كله لإلغائها وأن تحصل رجّة عنيفة في كل مكان من أجلها لكن الواقع أنه لم يحصل شيء من ذلك، وما جاوز التأثر سوى أفراد قلائل…
وكان شعب الهند، أكثر أبناء الأمة الإسلامية تأثراً على زوال الخلافة الإسلامية. وظهر في مصر تأثر على أفراد ظهر في قصائد بعض الشعراء ومن بينهم الشاعر أحمد شوقي، كما ظهر في محاولة عقد مؤتمر للخلافة في السنة التي ألغيت فيها سنة 1924.
لقد كان الشاعر أحمد شوقي ـ رحمه الله ـ من أكثر الشعراء تأثراً على الخلافة، بعد هدمها، وبرز تأثره في قصيدته التي قالها في رثاء الخلافة والتي قال فيها:
عادت أغاني العرس رجعَ نواحِ
|
ونعيتِ بين معالم الأفراح
|
كفنتِ في ليلِ الزفاف بثوبه
|
ودفنت عند تبلج الإصباح
|
شيعتِ من هلع بعبرة ضاحك
|
في كل ناحية، وسكرة صاح
|
ضجت عليكِ مآذن ومنابر
|
وبكت عليكِ ممالك ونواح
|
الهند وَالِهة ومصر حزينة
|
تبكي عليكِ بمَدمَعٍ سحَاح
|
والشام تسأل والعراق وفارس
|
أمحا من الأرض الخلافة ماح؟
|
وأَتت لكِ الجمعُ الجلائل مأتماً
|
فقعدنَ فيه مقاعدَ الأنواح
|
يا للرجال لحرّة موؤودة
|
قُتلت بغير جَريرة وجُناح
|
ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان أن الذين داوت حربهم لأعداء المسلمين جراح الخلافة التي أصيبت بها، هؤلاء قد كان صلحهم مع الحلفاء قتلاً للخلافة وإلغاءً لها وأنهم قد هتكوا بأيديهم أعظم فخر لهم ومزقوه، أنهم نزعوا خير ما يُتجلى وخلعوا أفخر ما يُلبس، وبين عشية وضحاها بأسرع مما يتصور العقل أطاحوا بمجد الدهر الذي عمروه في قرون فيقول:
إن الذين أَسَتْ جِراحَك حربُهم
|
قتلك سَلمُهُمو بغير جِراح
|
هتكوا بأيديهم مَلاءَة فخرهم
|
موشّية بمواهب الفتّاح
|
نزعوا عن الأعناق خير قلادة
|
ونَضَوا عن الأعطاف خير وشاح
|
حسَب أتى طولُ الليالي دونه
|
قد طاح بين عشيّة وصَباح
|
ثم يتحدث عن رابطة الخلافة كيف أنها فصمت عراها وقد كانت أكبر علاقة تصل الأخ بأخيه وتجمع الأرواح إلى بعضها، وأنها كانت تنظم المسلمين بنظام واحد وصف واحد في جميع الأحوال، وبين أن هذا العمل إنما فعلة شرير سيء الخلق قليل الحياء فيقول:
وعلاقة فُصمت عُرى أسبابِها
|
كانت أبرَّ علائِق الأرواح
|
جمعة على البِرّ الحضورَ وربما
|
جمعت عليه سرائرَ النُزّاح
|
نظمَت صفوفَ المسلمين وخطوَهم
|
في كل عدوة جمعةٍ ورَواح
|
بكتِ الصلاةَ وتلك فتنةُ عابِثٍ
|
بالشرعِ عِربيدِ القضاءَ وَقاح
|
ثم يعلن أن ما فعله هذا الشرير الوقح إن هو إلا كفر براح أي كفر واضح يرتكب جهاراً. وهو يشير هنا إلى الحديث الشريف في شأن طاعة الخلفاء الظالمين «قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف، فقال: لا، ما أقاموا الصلاة، إلا أن تروا كفراً بواحاً» فالشاعر يقول إن ما فعله هذا العربيد من إلغاء الخلافة كفر براح أي ينابذ عليه بالسيف فيقول:
أفتى خُزُعبَلة وقال ضلالةً
|
وأتى بكفرٍ في البلاد بَراحِ
|
ثم ينحى باللائمة على الأتراك لسكوتهم عنه فيقول: هؤلاء الذين ألغيت الخلافة فيهم ولم يفهموا معنى الغائها إنما خلقوا للحرب، فلا يتكلمون إلا بالحرب ولا يسمعون إلا بلغة الحرب. ويقصد من ذلك الطعن بفهمهم لمعنى هذا الأمر الفظيع الذي أوجده فيهم فيقول:
إن الذين جرى عليهم فقهُه
|
خُلقوا لفقهِ كتيبة وسلاح
|
إن حَدّثوا نطقوا بخُرْسِ كتائب
|
أو خوطبوا سَمِعوا بصمّ رماح
|
ثم يعتذر عن مهاجمته لمصطفى كمال وقد كان يمدحه بأنه إنما يسير مع الحق حيث كان، والحق أولى من الرجال حرمة وأحق منهم بالنصر، والرجل مهما عظمت شخصيته فإنه يهزم إذا ما هوجم بالحق. فيقول:
استعفرُ الأخلاقَ لستُ بجاحد
|
من كنت ادفعُ دونه وألاحى
|
مالي أُطوِّقه المَلامَ وطالما
|
قلّدتُه المأثروَ من أَمداحِي
|
هو ركنُ مملكةٍ وحائطُ دولةٍ
|
وقريعُ شهباءٍ وكبش نِطاح
|
أأقول من أحيا الجماعة ملحدٌ
|
وأقول من ردّ الحقوقَ إِباحي؟
|
الحق أولى من وليِّك حرمةً
|
وأحق منك نصرةٍ وكِفاح
|
فامدح على الحق الرجالَ ولُمهُمُو
|
أو خلِّ عنكَ مواقفَ النُصّاح
|
ومن الرجال إذا انبريت لِهدْمِهِم
|
هَرَمٌ غليظُ مناكبِ الصُفّاح
|
فإذا قذفتَ الحق في أَجْلادِه
|
ترَك الصراعَ مُضعضَع الألواح
|
ثم يطلب أداء النصيحة لمصطفى كمال لعله يرجع عن غيه فقد أزال الإسلام عقيدة وشريعة من الدولة ومن شؤون الحياة ووضع مكانه نظام الكفر النظام الرأسمالي والشريعة الغربية وعيدة الكفر عقيدة فصل الدين عن الدولة، فيقول:
أدّوا إلى الغازي النصيحةَ ينتصح
|
إن الجواد يثوب بعد جُماح
|
إن الغرورَ سقى الرئيسَ براحِه
|
كيف احتيالُك في صريعِ الراحِ
|
نقَلَ الشرائعَ والعقائدَ والقرى
|
والناس نقلَ كتائب في الساحِ
|
ثم يهاجم الأتراك لأنهم تركوا مصطفى كمال يفعل ما يشاء، فقد رفعوه إلى مصاف الآلهة في التعظيم واطلقوا يده فيهم حتى تناول كل ما حرّم الله، واغتر بطاعة الجماهير له، وأن ذلك قد كان لأن الأمة لم تكن في ذلك الوقت واعية، والأمة غير الواعية لا تدرك قيمة المجد ولا تستميت بالمحافظة عليه ولا تعطى منه إلا السراب اللماع، فيقول:
تَركَته كالشبح المؤلّة أمّة
|
لم تسل بعدُ عبادةَ الأشباح
|
هم أطلقوا يده كقيصرَ فيهمو
|
حتى تناول كلّ غيرِ مُباح
|
غرّته طاعاتُ الجموعِ ودولة
|
وجد السواد لها هوى المرتاح
|
وإذا أخذت المجد من أمّية
|
لم تُعطَ غير سرابِه اللمّاح
|
ثم يختتم القصيدة في تحذير المسلمين من عاقبة الغاء الخلافة وينهى عن اعطائها للشريف حسين الذي خان الأمة الإسلامية وحارب الجيش الإسلامي إلى جانب الإنجليز الكفار ويعطي نبوءة فيما سيحصل من جراء الغاء الخلافة بإنه سيكثر دعاة الكفر والضلال لتحويل المسلمين عن دينهم وسيشهد المسلمون في كل بقعة من بقاع البلاد الإسلامية فتنة للمسلمين عن إسلامهم وتحويلاً عن الحق إلى الباطل وعن الهدى إلى الضلال وسيكون الدليل لكل شخص المال والإرهاب أي الوعد والوعيد. فيذكر أولاً نصرته للخلافة في كل أيامه ثم يخلص للنبوءة، فيقول:
من قائلٌ للمسلمين مقالةً
|
لم يوحها غير النصيحة واحِ
|
عهدُ الخلافةِ فيَّ أولُ ذائدٍ
|
عن حوضِها بيَراعةٍ نضّاح
|
حبّ لذات الله كانَ ولم يزَل
|
وهوى لذاتِ الحق والإصلاح
|
إني أنا المصباح لست بضائع
|
حتى أكون فَراشَة المصباح
|
غزوات أدهم كُلّلت بذوابلي
|
وفتوحُ أنور فُصِّلت بصفاحي
|
ولت سيوفهما وبان قناهما
|
وشبا يراعي غير ذات براح
|
لا تبذلوا بُرْدَ النبيّ لعاجز
|
عزْل يدافَع دونه بالرّاحِ
|
بِالأمس أوهى المسلمينَ جِراحةٍ
|
واليوم مدَّ لهم يدَ الجَرّاحَ
|
فلتَسمعُن بكل أرضٍ داعياً
|
يدعو إلى الكذاب أو لسَجَاح
|
ولَتشهدُن بكل أرضٍ فتنةً
|
فيها يُباع الدينُ بيعَ سَمَاحِ
|
يُفتى على ذهبِ المعزّ وسيفِه
|
وهوى النفوسِ وحقدِها المِلحاحِ
|
أي أن المعز لدين الله الفاطمي حين دخل القاهرة مد الذهب والسيف وقال هذا حسبي وهذا نسبي، فقالوا له أنت ابن بنت رسول الله، فيقول الشاعة أنه سيفتى على ذلك أي على المال والخوف.
1988-03-02