حتى لا نضطر للقيام بثورة أخرى
2011/04/01م
المقالات
1,717 زيارة
حتى لا نضطر للقيام بثورة أخرى
رفع الشباب في مصر كما في تونس شعار إسقاط النظام، وأبدوا شجاعة فائقة في التصدي لبطش أجهزة الرعب حتى تمكنوا من خلع مبارك في مصر ودفع بن علي للفرار من تونس. لكن هل تحققت أهداف الثورة في أي من البلدين؟ وهل سقط النظام حقاً، أم ثمة حاجة لتصويب هذه الثورات ودفعها في الاتجاه الصحيح لاستكمال عملية التغيير؟ للمساهمة في توضيح هذا الشأن فإننا نضع المجهر على بعض المفارقات الواقعة في البلدين على النحو الآتي:
المفارقة الأولى: إنه لا يبدو أن هناك حماساً لإنجاز عملية التغيير وتحقيق تطلعات الشعوب في مواقف الذين تسنموا زمام الأمور فعلياً وخلفوا النظام السابق في الحكم. فكل ما جرى حتى هذه اللحظة من تعيينات جديدة في الحكومة أو تعديل لبعض مواد الدستور وملاحقة واعتقال بعض رموز النظام والحجز على ممتلكاتهم واستبدال جهاز أمن الدولة بشبيه له، كل ذلك جرى ويجري بالتدريج البطيء وتحت ضغط الشارع الذي يكاد ينفجر، وعلى وجه لا يغير شيئاً في جوهر نظام الحكم القائم الذي ثار الناس عليه.
المفارقة الثانية: إن التوجهات العريضة والسياسات العامة للنظام السابق هي نفسها ما زالت قائمة. فالتبعية للغرب ما زالت واضحة المعالم، والعلاقات الأمنية والاقتصادية مع (إسرائيل) ما زالت فاعلة، فضلاً عن الإصرار على إقصاء الإسلام عن الحكم ومنع العاملين على أساس الإسلام من واجبهم في الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية.
المفارقة الثالثة: تقتصر المحاسبة حتى الآن على الجرائم ذات الطابع الفردي، أي اختلاس ورشوة وثراء غير مشروع الخ، فيما لم يتم تعرض الحكام الجدد للجرائم السياسية التي ارتكبها أسلافهم، وهي الأشد فداحة وخطراً على البلاد، والتي أدت إلى إذلال وإفساد وإفقار المجتمع بشكل منهجي، وإلى إخضاع مقدرات البلاد لخدمة الدول الأجنبية عدوة الأمة.
المفارقة الرابعة: إنه من العجز أن تنتج ثورة شعب مصر (على ضخامتها) مجرد تحسينات شكلية هامشية في الداخل ومجرد محاولة خجولة لرفع أسعار الغاز التي ما زالت تنتفع به مغتصبة فلسطين المسماة بـ(إسرائيل) بأبخس الأثمان في الخارج؟ حيث كان يجب اتخاذ إجراءات حازمة في هذا الشأن تتجاوز إيقاف إمدادات الغاز من أصله، فضلاً عن وجوب إسقاط اتفاقية كامب ديفيد، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع هذا الكيان الغاصب، والعمل على تحرير فلسطين كاملة.
المفارقة الخامسة: هل سيبقى الشعب قادراً ومنشغلاً طيلة الوقت بملاحقة كل جزئية من التغييرات المفترضة، من خلال الاعتصام والمظاهرات؟ وهل نريد عند كل مراجعة سياسية أو محاسبة لأي خلل نشاهده أو فساد نلحظه أو مظلمة ترتكب أن نتداعى إلى مظاهرة أو اعتصام؟ هل يبني هذا المسلك البلد من جديد على أسس صحيحة، أم أنه يمنح معارضي الثورة فرصة اتهام رجالاتها بتعطيل العمل في البلاد والإضرار بمصالحها وتعريض أمن البلاد واستقراره للخطر، وبالتالي تبرير الانقلاب على هذه الثورات وإخضاعها لرغبات الحكام الجدد!
وعليه فإن الحل يكمن في أن يندفع الشعب وقواه الحية إلى الاتجاه نحو جوهر عملية التغيير، أي إجراء عملية تغيير جذرية حقيقية تنتج نظام حكم صحيح ودستوراً ينظم علاقات الأمة وشؤونها داخلياً وخارجياً بحسب عقيدتها وشريعتها وهويتها الإسلامية. فهذا هو الكفيل بتغيير وجهة المجتمع وقيمه والدولة ودورها ووضعهما في الاتجاه الصحيح. فهذا هو الذي يضع الجميع أمام مسؤولياتهم ويوضح دور أجهزة الدولة وصلاحيات كل مسؤول وآليات محاسبته على أساس معايير واضحة تفهمها الجماهير وتؤمن بها. وإلا ستضطر الأمة لإجراء ثورة أخرى أكثر وعياً وإدراكاً لمعنى التغيير ومقتضياته.
2011-04-01