مشروع «الشرق الأوسط الجديد» مشروع لتفتيت المنطقة: وجوب تحرك أهل المنطقة لإحباطه
2011/02/01م
المقالات
1,880 زيارة
مشروع «الشرق الأوسط الجديد» مشروع لتفتيت المنطقة:
وجوب تحرك أهل المنطقة لإحباطه
منذر عبد الله
حينما خرجت أميركا من عزلتها بعد الحرب العالمية الثانية، تبنت سياسة وراثة المستعمرات الأوروبية (خاصة البريطانية والفرنسية)، وجاءت إلى منطقة العالم الإسلامي تحت شعار «القضاء على الاستعمار» و«حق الشعوب في تقرير المصير». وقد ركزت أميركا منذ مجيئها إلى المنطقة على الانقلابات العسكرية، واعتمدت على حكام عسكريين أقوياء (كما في مصر، وسوريا، والعراق، وباكستان..).
وتبنى عملاء أميركا شعارات “القومية” و”الوحدة” و”الاشتراكية” (كما في مصر وسوريا والعراق)، في فترة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. ثم غيرت أميركا من أسلوبها الاستعماري، فبدأت بتبني “تحكيم الشريعة” و الشعارات الإسلامية، كما في إيران (الخميني)، باكستان (ضياء الحق)، السودان (البشير)، وأفغانستان (طالبان)، وتركيا (أردوغان).
وكانت أميركا تعتمد في وسائلها على بسط نفوذها في الدول القوية ذات الثقل العسكري والسياسي والاقتصادي في إقليمها، من مثل مصر وباكستان وإيران وإندونيسيا وتركيا، ثم غيرت من وسائلها في بسط الهيمنة والنفوذ، فبدأت بتبني سياسة “حماية الأقليات” لتفتيت الكيانات الأكبر بذريعة الدفاع عن حقوق الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية، أما الدينية منها فهي تلعب بورقة الدفاع عن قضية نصارى جنوب السودان، ونصارى تيمور الشرقية، والعرقية منها تبنت قضية الأكراد في تركيا والعراق، وقضية البربر في الصحراء الغربية، ثم تبنت قضية الأفارقة في دارفور السودان، وأما المذهبية فتبنت الشيعة في إيران ولبنان، وحقوق الشيعة في العراق والسعودية. ومن هذا المنطلق يُصدر الكونغرس الأميركي تقريراً سنوياً حول أوضاع الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية، وكذلك تفعل الخارجية الأميركية، وفق معايير “حقوق الإنسان”، حول الحقوق الدينية والسياسية والرعوية للأقليات. هذا وقد أعادت أميركا استخدام شعار “حق تقرير المصير” ولكن ليس ضد المستعمِر الأوروبي كما كان من قبل، بل ضد النظم السياسية المركزية (أنقرة، جاكرتا، بغداد، الخرطوم)، أي ليس حق تقرير المصير للشعوب، بل حق تقرير المصير للأقليات المضطهدة؛ وذلك من أجل مزيد من التفتيت لدول وشعوب المنطقة.
والسبب في تحول السياسة الأميركية، من الاعتماد على دول قوية متماسكة، إلى كيانات هزيلة ضعيفة، هو تنامي الخوف من قيام دولة إسلامية تمتلك مقدرات ذاتية: عسكرية واقتصادية وديمغرافية وجغرافية، وتتمتع باستقرار سياسي وأمني داخلي. وهو ما يجعل من هذه الدولة قوة إقليمية فور نشوئها، وبالتالي تصبح خطراً حقيقياً يهدد المصالح الأميركية خصوصاً، والمصالح الغربية عموماً. وهو ما يفسر تواطؤ الدول الغربية الأخرى (أوروبا وأستراليا وكندا) مع السياسة الأميركية ودعمها أحياناً في المحافل الدولية، رغم ما بينها من صراع وتنافس على المصالح (كما في قضية تيمور الشرقية وجنوب السودان).
ولذلك فإن دعم أميركا لحركات انفصال متعددة يُمكّنها من إقامة جيوب استعمارية من أهل المنطقة، فإنما هو بغية منع قيام دولة إسلامية جامعة، أو بغية استنزاف الدولة الإسلامية المرتقبة داخلياً في حروب دينية أو طائفية أو مذهبية أو عرقية… إذا ما قامت وفي حال قررت أميركا التدخل عسكرياً، فمن شأن هذه الجيوب (الدينية والعرقية والمذهبية) أن تُمكّن أميركا من أمرين، هي في أمس الحاجة لهما، خاصة بعد حربي أفغانستان والعراق:
الأول: تأمين غطاء «قانوني» وغطاء أخلاقي أمام الشعب الأميركي والرأي العالم العالمي، في حال قيام زعماء هذه الجيوب بطلب التدخل والحماية، من مجلس الأمن أو حلف الناتو.
الثاني: تأمين غطاء دولي لإقامة تحالف دولي أو شبه دولي، بحيث يتأتى لأميركا من حشد حلفائها للقتال معها، وتجنب خوض حرب وحدها دون غطاء أو دعم دولي، خاصة من مجلس الأمن. فإن تحولت حركات الانفصال إلى حكومات معترف بها دولياً، وحازت عضوية هيئة الأمم المتحدة، وأصبحت الجيوب الاستعمارية أنظمة معترف بها دولياً ككيانات مستقلة، فمن شأن ذلك أن يسهّل على أميركا والغرب عموماً التدخل السياسي والعسكري بأقل التكاليف، بل يمكنها من تسخير هذه الأقليات في حروب بالوكالة.
ويظهر على أميركا أنها تعمل جادة لتنفيذ سياستها الجديدة في إعادة صياغة المنطقة وهو ما أسمته “الشرق الأوسط الجديد” وهو يقوم على إثارة القلاقل والفتن، وهو ما أطلقت عليه وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس “بالفوضى الخلاقة”، وسيكون من أهم ركائز هذه السياسة الاعتماد على ورقتين تقوم بافتعالهما لخدمة هذه السياسة الجديدة وهما: اضطهاد المسيحيين،واستغلال النزاع المذهبي بين الشيعة والسنة، مع عدم إغفال الناحية العرقية.
أما فيما يتعلق بتفعيل هاتين الورقتين في السنوات الأخيرة، فقد نجحت أميركا بتوظيف المذهبية والخلاف السني الشيعي بشكل فعّال ومدمر في احتلالها للعراق، ونستطيع أن نجزم أنه لولا هذا الاختراق والتوظيف للمذهبية لما تمكنت أميركا من احتلال العراق أو البقاء فيه، بل إن بعض القوى الشيعية وعلى رأسها إيران وأتباعها في العراق اعتبروا الهجمة الأميركية على أفغانستان والعراق فرصة ذهبية وتاريخية تلاقت فيها مصالحهم مع أميركا رغم كل ما تدعيه إيران من العداء لها في دعايتها، إلا أنها لم تستطع أن تخفي انسجامها مع تلك السياسة، بل فاخر بعض المسؤولين الإيرانيين بالقول “لولا المساعدة التي قدمتها إيران لما تمكنت أميركا من احتلال أفغانستان و العراق” .
يقول فالي نصر عضو مجلس العلاقات الدولية في واشنطن في كتابه» الصحوة الشيعية»: «مع انهيار نظام صدام حسين في العراق، شجعت إدارة بوش وساعدت على انطلاق وتقوية الأغلبية الشيعية في العراق بشكل واسع قد يخل بالتوازن الطائفي في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط لسنوات طويلة قادمة، هذا التطور أثار قلق بعض الحكومات العربية السنية، ولكن هذا التطور قد يمثل فرصة لواشنطن لبناء جسور وعلاقات قوية مع الشيعة في المنطقة.
ويزعم الكاتب نفسه أن إدارة بوش كانت تتصور أن تبنّي الشيعة في العراق ودعمهم سيكون سلاحاً فعالاً في اتجاهين، أولهما: لإحداث الشرخ الداخلي السني الشيعي. والثاني: إيجاد زعامة ورأس آخر للشيعة في المنطقة تزاحم إيران وتحجمها. فهو يقول: “ثبت أن رؤية الرئيس بوش لحرب العراق كانت خاطئة، حيث تصور أنها ستكون طريقاً غير مباشر لتغيير الزعماء ورجال الدين في إيران، وأنها ستكون عاملاً مؤثراً في زيادة الضغط على إيران بخصوص برنامجها النووي، ويضيف أنه قد صار من “البيّن للجميع الآن أن إيران أصبحت أقوى بالنسبة إلى الولايات المتحدة عما كانت عليه عشية حرب العراق”. ويشير إلى أن إيران سارعت من البداية لتعزيز حضورها في العراق، فيقول:”فمنذ عام 2003م لعبت إيران دوراً بنّاءً في العراق، حيث كانت الدولة الأولى في المنطقة التي تقوم بإرسال وفد رسمي إلى بغداد لإجراء محادثات مع مجلس الحكم العراقي؛ وذلك للتعرف على السلطة الجديدة التي وضعتها الولايات المتحدة في العراق. وقد عرضت إيران الدعم المالي على العراق، كما عرضت المساعدة لإعادة بناء البنية والطاقة والكهرباء في العراق. وبعد أن قام رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري بتشكيل حكومة انتقالية في بغداد في إبريل/ نيسان 2005م زارت وفود عراقية رفيعة المستوى طهران، وتم التوصل لبعض الاتفاقيات مع إيران، وتم التفاوض على تقديم بليون دولار كمساعدات إيرانية للعراق وبعض الصفقات التجارية مثل تصدير الكهرباء وتبادل النفط العراقي الخام”.
ويؤكد نصر أنه “خلال السنوات الثلاث الأولى للاحتلال، كان عند الشيعة استعداد كبير للمشاركة في العملية السياسية ومقاومة استفزازات السنة وتمردهم؛ لأن الشيعة اعتقدوا بأن تأييد السياسة الأميركية سوف يخدم مصالحهم”،و على رأس هؤلاء كان عبد العزيز الحكيم الذي قال: “إن الاستراتيجية الأميركية هي الأقرب إلى رؤيتنا”.
لقد أدت هذه السياسة الأميركية إلى إثارة الذعر لدى عملاء بريطانيا في دول الخليج واليمن والأردن ولبنان وحتى في مصر حيث النظام يتبع أميركا، وبرز ذلك فيما صدر عنهم من مواقف وتصريحات:
– صرح الملك عبد الله بن عبد العزيز في يناير/كانون الثاني 2006م: “إننا واعون لحجم الانتشار الشيعي وأين وصل في مداه”.
– وصرح أمير الكويت “أن الانتشار الشيعي لن يحقق أهدافه؛ لأن السنة محصنون ضد أي محاولة تقوم بها الطوائف الأخرى للاختراق أو لإنقاص سلطتهم التاريخية».
– وصرح وزير الخارجية السعودي “إن أميركا سلمت العراق إلى إيران على طبق من فضة”.
– وحذر ملك الأردن في أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول 2004م من الهلال الشيعي من إيران إلى لبنان.
– وأعلن النظام اليمني أن إيران تقدم دعماً للحوثيين في الشمال، خاصة في آخر حرب جرت الصيف الماضي.
– وصرح الرئيس مبارك في إبريل/ نيسان الماضي قائلاً: “إن الشيعة موالون لإيران وليس للدول التي يعيشون فيها”.
منذ العام 2006م أدركت أميركا أنها لا يمكن أن تفصل شيعة العراق عن إيران، ولا تستطيع أن تمسك الوضع دون تعاون إيران؛ فازداد التعاون الإيراني الأميركي في العراق، وأُعطيَ الضوء الأخضر لنفوذ ودور إيراني في العراق. ولكن أميركا أدركت أيضاً حاجتها لطمأنة بعض دول المنطقة بخصوص الوضع في العراق، فعملت في نفس العام على إقناع السنة في المشاركة في العملية السياسية، واستخدمت الجامعة العربية والنظام السوري والسعودي لتحقيق ذلك. ولكي تتمكن أيضاً من محاصرة المقاومة العراقية و عزلها.
إن اميركا لم تخفِ نواياها الخبيثة في تمزيق العراق و تفتيته إلى دول طائفية و عرقية ومذهبية، ففي العام 2007م أصدر الكونجرس الأميركي قراراً يوصي فيه بتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات في إطار نظام فدرالي شكلي فضفاض، وصدر القرار بأغلبية 75 صوتاً من أصل 100 صوت، ومن الجدير ذكره أن عرّاب ذلك القرار كان نائب الرئيس الحالي جوزيف بايدن.
ولو ألقينا نظرة على المنطقة لوجدنا أن تفاعلات هذا التوظيف للمذهبية يثمر اضطراباً كبيراً في المنطقة، من لبنان إلى باكستان واليمن والبحرين وفي شرق السعودية،وقد تباكت الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي الدولي عن الحريات الدينية الذي صدر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي على حال الشيعة هناك وما يتعرضون له من اضطهاد، حيث يقول تقريرها: “في الدمام التي يوجد بها عدد كبير من الشيعة هناك مسجد واحد لهم، و أن تسعة من أماكن العبادة المخصصة للشيعة في الخبر والأحساء قد أغلقت”.
أما ما يتعلق بأداة التفتيت والفتن الثانية وهي اضطهاد المسيحيين، فإن هذا الاستخدام ليس بجديد، وإن كان الوقت الحاضر يشهد تفعيلاً كبيراً له، فإن عدنا للتاريخ نجد أن من المزاعم التي استخدمت في الحروب الصليبية على المنطقة الادعاء باضطهاد المسيحيين ومنعهم من الحج إلى مهد المسيح عليه السلام، وكان من الأدوات التي استخدمت ضد الدولة العثمانية في أكثر من منطقة بما فيها لبنان، حين أثارت الدول الغربية فتنة بين النصارى والدروز في منتصف القرن التاسع عشر لتبرير تدخلها لحماية تلك الأقليات. أما في وقتنا الحاضر فقد تمكنت أميركا من فصل تيمور الشرقية عن إندونيسيا، معتمدة على فكرة اضطهاد النصارى هناك، وبتواطؤ من النظام الإندونيسي الذي عمل على تأجيج الصراع بدلاً من احتوائه و السيطرة عليه. وهذا أيضاً وللأسف ما يجري الآن في السودان، حيث أشرفت المؤامرة هناك على تحقيق أهدافها عبر استفتاء شكلي محسومة نتائجه سيؤدي إلى فصل الجنوب عن الشمال ليكون ذلك مقدمة لانهيار كامل للسودان يؤدي إلى السير قدماً في عملية التفتيت في المناطق الأخرى في دارفور والنيل الأزرق وكردوفان.
أما العراق فهو لم يسلم من عمليات التفتيت على الأساس الديني (إضافة إلى التفتيت المذهبي والعرقي) في ظل الاعتداءات المستمرة على المسيحيين هناك من جهات مشبوهة مجرمة تخدم المخطط العام للمنطقة التي تنفذه الولايات المتحدة. ولقد تعالت أصوات تنادي بحكم ذاتي للمسيحيين في العراق يوفر لهم الحماية من عمليات القتل و التهجير، وإن كان الطرح الحالي الذي يُعمل له هو إنشاء محافظة خاصة بهم في منطقة محافظة نينوى، قال النائب المسيحي رئيس كتلة الرافدين -يونادم كنا- إن اجتماع أربيل الذي عقد آخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي والذي ضم القوى المسيحية، «طالب بإنشاء محافظة من الأقضية الشرقية التي تتبع حالياً لمحافظة نينوى، وهي أقضية تكليف والحمدانية وشيخان والقوش» وقال: «إن هذه الأقضية تضم أكثر من نصف مليون نسمة ، ومساحتها تبلغ حوالى 5000 كلم2». وقال: «صحيح إن معظم سكان هذه المناطق مسيحيون، لكن فيها كل مكونات الشعب العراقي من شبك وكرد وأيزيديين وبالتالي فإنها ستكون محافظة تجمع الموزاييك العراقي».
ومن الجدير ذكره أن الرئيس العراقي جلال الطالباني كان قد أعلن أنه يؤيد إنشاء محافظة للمسيحيين في سهل نينوى.
يجب أن يكون واضحاً أن ما يجري في السودان والعراق ومصر بخصوص المسيحيين يشكل جزءاً من سياسة عامة تعتمدها أميركا وتسير معها في تنفيذها بقية دول الغرب. ولقد كان للمؤتمر الذي عقد في الفاتيكان في أول تشرين الأول / أوكتوبر من العام المنصرم دور رئيس في تفعيل هذه الخطة، والذي خُصص لبحث مسألة وضع نصارى الشرق، وسوف نتطرّق إلى شيءٍ مما صدر من مواقف أثناء وبعد انعقاد ذلك المؤتمر، وإلى عدد من المواقف والتصريحات التي صدرت عن الفاتيكان الذي يرتبط بالسياسة الأميركية ويدور في فلكها؛ لنرى بوضوح كيف أن الأمور وبشكل منهجي ومنظم تدفع باتجاه محدد نحو التصعيد والفتنة مقدمة لتوظيف ذلك في عملية التفتيت في المنطقة التي تهدف إلى إقامة المزيد من البؤر، والتي تُوظَّف لخدمة أهداف الغرب في بلاد المسلمين:
– في زيارة بابا الفاتيكان إلى قبرص في حزيران من العام الماضي حذر في ورقة عمل صدرت عن الفاتيكان من انطلاق تيار العنف الناجم عن صعود الإسلام السياسي الذي سيهدد المسيحيين. وقال»إن صعود الإسلام السياسي في المنطقة العربية وتركيا وإيران يشكل تهديداً للجميع، وأشار إلى أن ذلك سيؤدي إلى اضطهاد المسيحيين ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، رغم أنهم موجودون في المنطقة قبل الاسلام. وكان بابا الفاتيكان قد بدأ فترة ولايته بالتهجم على الإسلام و إثارة الفتن بين المسلمين والمسيحيين.
– صدر عن مؤتمر السنودس -الذي عقد في شهر تشرين الأول/ أوكتوبر من العام الماضي في الفاتيكان، وكان مخصصاً لبحث وضع المسيحيين في الشرق- كلام في نفس هذا الاتجاه حين أعلن: «إن المسيحيين في الشرق، وخاصة في مصر، يعانون من القمع، الأمر الذي يدفعهم للهجرة إلى أوروبا وأميركا وأستراليا وكندا، داعياً إلى وقف ما أسماه بنزيف الهجرة، وطالب المؤتمر بدعم الغرب لهم حتى يتوقفوا عن الرحيل من”أرض الأجداد”».
– وفي نفس المؤتمر طالب بطرس مرياني رئيس أساقفة حلب وسوريا والأرمن، المؤتمر أن ينظر إلى حالات اضطهاد المسيحيين في كل دولة على حدة حتى يصبح فعالاً من وجهة نظره، مؤكداً أن التحديات التي يواجهها المسيحيون في الدول الإسلامية منذ مئات السنين هي نفسها تلك التحديات التي يواجهونها اليوم، وتتلخص في الترحيل القسري، في حين تقف الكنائس الغربية موقف المتفرج وهي تشاهد ما أسماه موت المسيحيين في الشرق.
– وأثناء المؤتمر أيضاً أجاب البطريرك الماروني نصر الله صفير حول أهم التحديات التي تواجه المسيحيين في الشرق قائلاً إنها “قلة عدد المسحيين الذي يتناقص يوماً بعد يوم، وتعاظم التعصب لدى الطوائف غير المسيحية”. وأردف قائلاً “إن الأصولية تضيق ذرعاً بالأديان وبالحرية الدينية، ولا تتورع عن الحد من الحرية الدينية؛ ولذلك تتكثف هجرة المسيحيين”.
– وفي منتصف كانون الأول/ ديسمبر الفائت اجتمع رئيس البرلمان الأوروبي جيرسي بوزيك بعدد من أساقفة لبنان و العراق، وأكد في ذلك اللقاء على أهمية المؤتمر الذي سينعقد هذا العام في لبنان للبحث بوضع المسيحين في الشرق وخاصة في العراق. وأثناء هذا اللقاء حذر رئيس الرابطة المارونية في بروكسيل مارون كرم، والذي كانت له اليد الطولى في انعقاد هذا اللقاء مع البرلمان الأوروبي، حذر “من أن فوضى الإرهاب إذا عمت فإن أوروبا لن تكون في مأمن”.
– أما بخصوص ما يجري بمصر فهو بالتأكيد محطة من محطات التآمر على المنطقة والسعي لإثارة الفتن مقدمة لتقسيم مصر باقامة دولة للأقباط فيها، وإن أداء النظام المصري مريب جداً في هذا الخصوص، و هو يتصرف بنفس الطريقة التي تصرف بها نظام البشير العميل لأميركا في دفع الأمور نحو الانفصال. ورغم أن نظام مبارك يحارب الإسلام ليل نهار، إلا أنه تعمّد أكثر من مرة استفزاز الأقباط وإثارتهم، ومن الأمثلة على ذلك قضية الكنيسة التي عمل على إيقاف بنائها بأسلوب استفزازي أدى إلى صدامات كبيرة غير مألوفة في مصر خلال العام الماضي، وكذلك مسألة تدخل القضاء المصري بتشريعات تتعلق بالأحوال الشخصية الخاصة بالأقباط بشكل يناقض خصوصيتهم، وذلك بإصدار المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة حكماً نهائياً بإلزام بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا شنودة الثالث بمنح المطلّقين تصريحاً بالزواج الثاني. وبمجرد صدور الحكم، أعلن شنودة الثالث رفضه له وعدم إلزامه للكنيسة، مؤكداً أن أحداً لا يستطيع أن يجبر الكنيسة على مخالفة تعاليم الإنجيل، وطلب من القضاء عدم التدخل في الأمور الدينية، مهدداً بـ«شلح» أي كاهن يُقدم على تزويج قبطي مطلّق. وأيد المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الذي يضم 120 أسقفاً في الداخل والمهجر والذين تم استدعاؤهم على نحو عاجل موقف البابا شنودة.
– وفي إطار التصعيد في الساحة المصرية حصل العام الماضي هجوم بالرصاص على إحدى الكنائس أثناء خروج الناس منها بعد احتفالهم “بعيد الميلاد” ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص وإصابة آخرين.
– وجاءت تصريحات بيشوي الاستفزازية وهو الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية في مصر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي لتصب الزيت على النار حين قال: “إن المسلمين في مصر ضيوف على المسيحيين أهل البلد، واتهم المسلمين أيام عثمان (رضي الله عنه) بتحريف القرآن بإضافة آيات تدعو إلى عداء النصارى”.
– وفي نفس الفترة الحساسة المتوترة في مصر والمنطقة في تشرين الثاني من العام الماضي، جاء تقرير الخارجية الأميركية حول وضع الحريات الدينية في العالم ليدفع الأمور نحو مزيد من التحريض والتوتر الذي يمهد لمشروعها في المنطقة ومصر، حيث ورد فيه انتقاد لمصر واتهمها بممارسة التمييز الديني ضد المسيحيين. رغم ما يعلمه القاصي والداني حول تبعية نظام مبارك الكاملة لأميركا. فهو إن كان يمارس اضطهاداً بالفعل فهو إنما يفعل ذلك تمهيداً للأرض والأجواء خدمةً لمشروع أسياده، وذلك كما فعل نظام البشير في السودان الذي كان أعلن الجهاد على الجنوبيين وجعلها حرباً بين مسلمين ومسيحيين؛ ليثير عندهم العصبية الدينية، ويساعد على توسيع الشرخ وتمكين الغرب من التدخل لحماية النصارى، بدلاً من أن يتصرف كدولة حريصة على شعبها ترعاهم رعاية إنسانية كريمة تشعرهم أنهم جزء من هذه البلاد ويستوون مع غيرهم بالحقوق والواجبات، وهو الأمر الذي يقطع الطريق على الجماعات الانفصالية المأجورة ويعزلها، ولكنه فعل عكس ذلك خدمة لأميركا وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، وهو اليوم يعلن بعد كل ذلك بزيارته الأخيرة للجنوب أن ما يفعله في تنفيذ اتفاق الخيانة نيفاشا وإعطاء الجنوبيين فرصة التصويت على تقرير المصير إنما يفعله عن قناعة لديه ولدى حزبه وليس مجبراً على ذلك.
– ومن الأدلة على تواطؤ النظام المصري أنه، ورغم التهديدات التي نسبت إلى ما يسمى دولة العراق الإسلامية بحق أقباط مصر بذريعة إعادة السيدتين اللتين أسلمتا وسلمتهما الحكومة المصرية إلى الكنيسة بعد لجوئهما إلى المسلمين فراراً من زوجيهما، نعم رغم تلك التهديدات والجو المتوتر أصلاً لم تُتخذ الإجراءات المطلوبة لحماية الكنائس في فترة الأعياد.
– وعلى إثر الهجوم المشبوه والمستنكر الذي تعرضت له الكنيسة في الإسكندرية ليلة رأس السنة الميلادية قامت عناصر مشبوهة بشكل منظم بالاعتداء على مساجد المسلمين والتعرض لممتلكاتهم، بل وصل الاستفزاز إلى درجة التعرض لبعض المنقبات في الشوارع حسب ما ذكرت بعض وسائل الإعلام. مع العلم أن الموقف الرسمي من رأس الكنيسة القبطية هو موقف رافض لأي تدخل أجنبي وملتزم بالولاء للنظام في مصر.
بعد هذا الهجوم المشبوه سارع الفاتيكان إلى الدعوة إلى تأمين حماية دولية للمسيحيين ما دفع شيخ الأزهر للرد عليه. كما طالبت إيطاليا الاتحاد الأوروبي بوضع مسألة حماية المسيحيين على جدول أعمال القمة الأوروبية. رغم أن منطقتنا تسيل فيها دماء الأبرياء كالأنهار من أفغانستان إلى الصومال، ومن العراق إلى فلسطين، دون أن يحرك أحد ساكناً، وكذا الحال في نيجيريا، وما يتعرض له المسلمون في كشمير، فالمحرك بالتأكيد ليس الدماء البريئة وحقوق الإنسان، وإنما الأجندة الخبيثة الخفية التي تفجر وتقتل وتتدخل بذريعة الحماية للأقليات.
وإننا نتوجه إلى المسلمين في كل مكان من العالم، لنقول لهم: اتقوا الله وكونوا على مستوى إسلامكم، كونوا إخوة متحابين، وانبذوا العصبية المقيتة، ولا تجعلوا لأميركا ودول الكفر سلطاناً عليكم، رصّوا صفوفكم ولا تسمحوا لها أن تفرق بينكم إن كنتم مؤمنين، إنكم أمة واحدة من دون الناس أجمعين، فلا سنة ولا شيعة، ولا أكراد ولا تركمان… بل مسلمون فحسب، وإلا فإن مصيركم وأمنكم واستقراركم وثرواتكم ستبقى بيد أعدائكم، ولن ينال أحد منكم سلطة ولا ثروة ولا أماناً، بل التبعية لمن ازدرى دينكم وأساء إلى كتاب ربكم وأعلنها حرباً على الإسلام و المسلمين. إنكم تعلمون جميعاً أن أميركا ومعها الحلف الأطلسي جعل الإسلام عدواً له، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) [الممتحنة 1] فهل يعقل أن توالوا أعداءكم على أنفسكم؟ اعلموا أيّها المسلمون أنّكم أمام مفترق طرق، فإما أن نتخذ تجاه سياسات الغرب موقفاً واحداً موحداً يرضي الله سبحانه وتعالى كأمة واحدة وجسد واحد، فنضع حداً ونهاية لعبثه في بلادنا فنقطع يده ونقضي على أدواته من الحكام ونقيم دولة الخلافة التي يتحقق فيها السيادة للشرع والسلطان والأمة، وتحكم بين الناس بالعدل والقسط كما أمر الله، وإما هو الذل والهوان والتبعية و الخسران المبين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات 10].
وإننا نتوجه إلى الناس جميعاً وإلى شعوب المنطقة، مسلمين وغير مسلمين، لنقول لهم: ألا يستفزنّكم شياطين الأرض من الأميركيين وعملائهم، واحذروا من الوقوع في الفتنة، فهي والله لا تخدم إلا مصالح المستعمرين. انظروا، هل وفّر المكر الأميركي في العراق أحداً من المسلمين وغير المسلمين؟ ألم يصطلِ الجميع هناك بنار الفتن الأميركية الخبيثة؟ ماذا جلب الاحتلال الأميركي للعراق غير الدمار والفوضى والكراهية والحرب الداخلية بين أبناء البلد الواحد ليثبت أقدامه فيها بعد أن عاش أهل العراق مع بعضهم البعض مئات السنين في تآلف واطمئنان؟ ثم هذا لبنان، ماذا جنى أهله وخاصة من غير المسلمين من مشاريع الغرب وتدخلاته في هذا البلد بحجة حمايتهم بعد إثارة الفتن بين طوائفه منذ أكثر من مائة سنة، فقد أسس الغرب لنظام طائفي بغيض جعل أهل البلد في حالة صراع دائم على السلطة، واتخذهم أدوات لتنفيذ مشاريعه في المنطقة، فأصبح لبنان ساحة للصراع الدولي والإقليمي، وصندوق بريد تكتب رسائله بالدم هنا وهناك؟ هل عرف النصارى وغيرهم أماناً أفضل من الذي عاشوه في ظل النظام الإسلامي قبل تدخل الدول الغربية في بلاد المسلمين؟ وهل الحضارة الغربية الظالمة التي تحطم الإنسان وتقضي على كرامته وتحوله إلى وحش لا يرحم، والتي تنشئ مجتمعات لا وجود فيها للقيم الإنسانية والروحية والأخلاقية، وحيث تنتفي فيها الفضائل والأخلاق، هل تلك الحضارة هي التي تكفل العيش الكريم لأصحاب الأديان والناس بشكل عام؟! إن المسيحية وكنائسها كانت أول الضحايا لتلك الفلسفة المادية التي نشرت الانحلال وفرضت على الكنيسة القبول بالشاذين. نقول للجميع: تمسّكوا بالحقائق الناصعة التي لا يمكن أن يضل من شهدها أو شهد عليها، وهذه الحقائق تتمثل بالآتي:
1- عاش المسلمون وغيرهم في هذه البلاد مئات السنين في ظل نظام إسلامي عادل لا يعرف التمييز بين الناس، بل ينظر إليهم جميعاً على أنهم عيال الله، ولم يعرف فكرة الأقلية والأكثرية الموجودة في النظام الديمقراطي. فالذي يحكم ليس الأكثرية حسب أهوائها كما هو الحال الآن في أوروبا في اضطهادها للمسلمين ومنعهم من إقامة شعائر دينهم -منع ارتداء الحجاب ثم النقاب، ثم منع اقامة المساجد ثم الإساءات المتكررة للمسلمين- بل الذي يحكم هو التشريع والنظام الرباني والذي لا يحابي أحداً وينظر للناس نظرة واحدة.
2- إن الغرب منذ تدخل في بلادنا لم يجلب لنا إلا الفتن الإثنية والوطنية والدينية والمذهبية، ولم تعرف منطقتنا استقراراً؛ وذلك ليبقى متحكماً فيها فينهب ثرواتها و يبقيها تابعة لنفوذه.
3- إن المطلوب اليوم هو أن يتمتع الجميع بالوعي على مشاريع الغرب وأساليبه الخبيثة، وأن يتحصنوا من الوقوع فيها مهما اشتدت الاستفزازات والفتن، فالعاقل من اتعظ بغيره.
4- إن حكام المنطقة جميعاً ليسوا مؤتمنين على أمن شعوبهم، ولا على استقرار بلادهم، بل إنهم من أفتك أدوات الغرب في تمزيق البلاد وإثارة الفتن.
5- يجب أن يدرك الجميع أن الضمانة الوحيدة للاستقرار والعيش بطمأنينة يكون بقطع يد الغرب، والضرب على يد عملائه الذين يثيرون الفتن، والعمل على استعادة الأمة لسلطانها المغتصب، وانتزاعه من حكام العمالة الذين رهنوا كل شيء لإرادة الأجنبي وإعادة التوازن للمنطقة برمتها، وملء الفراغ الكبير الذي شكله سقوط الخلافة الإسلامية، وذلك باستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية التي تمثل وحدها دولة الإنسان، فتمكنه من العيش بكرامة بما ينسجم مع فطرته؛ ما يؤدي إلى الاستقرار والطمأنينة لدى شعوب المنطقة والعالم أجمع.
قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات 13].
2011-02-01