الخلافة المرتقبة والتحديات (2)
2006/06/30م
المقالات
2,204 زيارة
الخلافة المرتقبة والتحديات (2)
ذكرنا في الحلقة السابقة، أن الحرب المادية التي قد تشنها دول الكفر ضدّ الدولة الإسلامية المرتقبة تتركز في ثلاثة أمور رئيسية هي: تحريض القوى العميلة من الحكام وخاصّة المحيطين بالدولة، واستخدام القواعد العسكريّة القريبة مثل قاعدة الظهران، أو الخفجة، أو النقب، أو القواعد السريّة التي لا نعلمها، وأيضاً تشكيل حلفٍ دوليّ عسكريّ عن طريق تحريض القوى الكافرة من خلال المحافل الدولية مثل هيئة الأمم المتحدة.
هذه هي أكثر الأمور التي ستستخدمها دول الكفر ضد الدولة الإسلامية عند بداية قيامها، وستعمل الدول الكافرة على تضليل الشعوب في هذه الحرب ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، سواء الشعوب الكافرة، أم الشعوب في العالم الإسلامي، والسبب هو أن الحرب الصريحة يمكن أن يرتدّ أثرها سلبياً عليها وخاصّة في البلاد الإسلامية.
أما طرق التصدّي والصمود في وجه هذا الخطر الغاشم الظالم فيمكن بيانه ضمن النقاط التالية:
1- التعبئة العامة الماديّة والمعنويّة:
أما التعبئة العامة: فيقصد بها (الحالة التي تستعّد معها أو بها الأمةُ لمواجهة أيّ خطر محدق، أي هي عمليةُ استنهاضِ الهمم والطاقاتِ وكافّة الفعاليات والقوى لدى الأمة ماديّاً ومعنوياً للوقوف والتصّدي.
وأول أمر في مسألة التعبئة هو إفهام جماهير الناس في هذه الدولة أمرين مهمين الأول: هو إفهام الناس حقيقة هذه الدولة التي قامت وأهدافها وغاياتها، وضرورة التضحية بالغالي والرخيص من أجل استمراريتها، وربط ذلك بمفهوم الثواب والعقاب، وإفهام الناس أيضاً ما يريده الكفر من حربه ضدّ هذه الدولة، وربط ذلك كله بالآيات والأحاديث التي تتحدث عن هذه الحقائق، وربطه أيضاً بسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومحاولات الكفار للقضاء على الدولة الإسلامية الأولى.
أما الأمر الثاني: فيجب على القائمين على الأمر بيان معنى القضيّة المصيريّة، وبيان أن هذه الدولة والدفاع عنها هو قضيّة مصيرية يجب على الأمة أن تتخذ إزاء ذلك إجراء الحياة أو الموت.
فتفهّمُ الأمة أن الدولة الإسلامية هي التي سترفع الأمة من حالة الذلّ والتردّي التي هي فيها، ومن حالة الفقر المدقع، ومن التبعيَّة للدول الاستعمارية، وهي التي ستدافع عن جميع مقدراتها المادية والمعنوية، وهي التي ستقوم بحماية العقيدة وأحكام الدين، لذلك فإن حمايتها هو حماية للعقيدة والدين، وحماية لكرامة الأمة وكافة مقدراتها ومقدّساتها وكرامتها، هذه الأمور يجب أن تكون مقّدمةٌ لعملية التعبئة العامة.
ويمكن إجمال ما يقومُ به صاحبُ الأمر (الخليفة) ومساعدوه ضمن النقاط التالية:
أولاً: إثارة روح الاستعداء عند جميع الرعيّة ضد الكفر ومفاهيمه ودوله، ومن أجل هذه الغاية توجّه كلّ وسائل الإعلام، ووسائل الاتصال مع الناس في بثّ الخطب الحماسيّة واللقاءات والندوات والمحاضرات المتواصلة ليلاً ونهاراً طيلة فترة التأهّب والاستنفار العام، ويركّز في هذه الحملة المنظّمة تنظيماً جيداً، على ترسيخ مفاهيم التقوى عند الأمة ومفاهيم الارتباط الوثيق بالله عز وجلّ، وحسنِ التوكّل عليه، كما يركّز أيضاً على تفهّم الأمة كيف تربطُ الأسبابَ بالمسّببات مع التوكّل على الله عز وجل.
كما تُدعى الأمة جميعاً داخل حدود الدولة الإسلامية إلى الطاعاتِ المتواصلة والدعاء، لأن دعاء المظلوم مستجاب، فقد كان المسلمون الأوائل اذا حزبهم أمرٌ لجأوا إلى الله تعالى بكثرة الطاعاتِ والدعاءِ والصيام والابتهالِ المتواصل. فعندما أراد صلاح الدين، رحمه الله، تحرير المسجد الأقصى من دنس الصليبيين دعا جيشه لقيام الليل، وكثرة الدعاء والابتهال إلى الله، مع الأخذ بالأسباب كاملةً. وعندما أراد محمد الفاتح، رحمه الله، فتح القسطنطينية، أمر جنوده بالصيام ثلاثةَ أيام قبل الهجوم، وبالصلاة والتكبير ليلاً ونهاراً حتى مكّن الله تعالى له بالنصر المبين.
والأصل أن يُنتقى لهذه المهمة أفضل الناس ممّن يجيدون المعرفة الفكريّة، وفنّ إيصال الفكرة بأفضل طريقة، مثل الخطباء والكتّاب والإعلاميين المخلصين، ووجهاء الناس، وأصحاب المراكز المرموقة.
ثانياً: الدعوة العامة الموجّهة توجيهاً جيداً لجمع الإمكانيات الماديّة، ووضعها تحت تصرف الدولة. فهذه الحالة حالةٌ تهمّ كلّ فردٍ من أفراد الرعيّة، والأصل -كما ذكرنا- أن يُتّخذَ إزاءها إجراءُ الحياة أو الموت، أي أن يضحّي الإنسان بنفسه وبماله أيضاً. فالأصل في المسلم أن يبذلَ كلّ إمكاناته الماديّة المتوفرة عنده فوق حاجاته الأساسيّة من أجل التعبئة العامة. فالإنسان الذي يقدر على تقديم المال يقّدم المال، والإنسان الذي يقدر على تقديم السلاح والذخيرة يقدّم السلاح والذخيرة، والمزارع يقدّم ما يمكن من منتجات زراعيّة، وصاحب الحلال يقدّم ما عنده من حيوانات زيادة عن حاجته الأساسية، والمرأة التي تملك المصاغ الذهبيّ، الأصل أن تقدّم هذا المصاغ للدولة من أجل التعبئة العامة.
والخليفة أو القائمون على الأمر يقومون بتسجيل هذه الامكانات الماديّة لمن دفعها حتى تتمكن الدولة في المستقبل تعويض من يريدُ التعويض عن ماله.
ثالثاً: دعوة القادرين على الدفاع والحرب سواءٌ أكانوا من أبناء الجيش النظامي، أم من القوى الاحتياطيّة، أم من غيرهم ممن يجيدون فنون الحرب للمشاركة في تعبئة الناس، وتدريبهم على فنون المواجهة وفنون الحرب.
فمن يقدر على التدريب العسكري يقوم بذلك، ومن يقدر على التعبئة المعنويّة يقوم بذلك، ومن يقدر على التوجيه والنصح لمواجهة الأزمات يقوم بذلك، وهكذا.
رابعاً: تفعيل طاقات الأمة بكلّ صورها ومجالاتها الزراعيّة والصناعيّة؛ لأن الحرب يلزمها استمراريةُ الإمداد بالمعونات والعتاد والذخيرة، ويلزم الأمة كذلك بشكل عام توفير المواد اللازمة وخاصةً الضروريّة منها. ويركّز في هذا المجال على إثارة الناحية العقائدية في العمل، وفي تشويق المسلمين للعزّة والكرامة في الدنيا، وإلى الجنان في الدار الآخرة.
خامساً: بث روح المؤاخاة بين المسلمين، تماماً كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في مواجهة الحملة الشرسة من قبل قريش وقبائل العرب؛ لأن المؤاخاة تخفّفُ عن كاهل الدولة كثيراً من الأعباء في سدّ ثغرات الناس، وتوّفر الدولة ذلك في المواجهة الحتمية مع الكفار.
هذا باختصار ما يمكن أن يفعله صاحب الشأن من (أمور التعبئة العامة الداخلية) لمواجهة الأخطار والاستعداد على أحسن وجه.
2- المناورات السياسية، وحسن إدارة الأزمات:
المناورات السياسيّة هي أفضل الأمور في صدّ التحدّيات الخارجيّة، ويقصد بالمناورات السياسية من قبل الخليفة أو القائمين على الأمور من مساعديه: (إبراز الأعمال والأقوال والتصرفات، وفي نفس الوقت إخفاء الأهداف والمرامي المرجوّة). فالإبداع في إظهار الأعمال والأقوال وإخفاء الأهداف والغايات له أثرٌ كبيرٌ في التخذيل عن الدولة، وخاصّةً أن الدول الكافرة يمكن اختراقها، ويمكن التمويه عليها.
ومسألة الإبداع هي مسألةٌ لا يمكن ضبطها في نقاط محددّة لأنها تفعل بما يتناسب مع الوقائع والأحداث، ولكن يمكن القول إنها ضمنَ دائرة الصدق والالتزام بأحكام الإسلام الخاصة بالكفار في الحرب.
ويجب أن يُختار لهذه الغاية المبدعون في السياسة وفي النظرة السياسيّة، وفي معرفةِ سياسات الغرب خاصّة، ومعرفة أهدافه ومراميه.
وقد أحسن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) -وهو المعلم لنا- في المناورات السياسية، في إظهار أعمالٍ معيّنةٍ وإخفاء الأهدافِ والمرامي البعيدة، مثل ما حصلَ في معاهدة الحديبية، حيث كان الظاهر من فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعل صحابته أنه يريد العمرة، وذلك بإظهار لباس الإحرام، وسَوْقِِ الهدي، ولكنّ الحقيقة كانت خلاف ذلك، حيث كان الهدفُ هو المعاهدة، من أجل فصل الحلف القائم بين قريش وبين اليهود.
أما حسنُ إدارة الأزمات، فهذا يتوقّف على قدرةِ صاحبِ الشأن في تأليبِ الأمة أولاً ضدَّ الكفّار، وفي رصّ الصفوف الداخليّة، وفي إثارةِ مشاعرِ الأمة في عمليّة التعبئة العامّة بكل صورها وأشكالها.
3- حسن الخطاب للشعوب الإسلامية، والشعوب الكافرة:
لقد ذكرنا في بداية الموضوع أنّ الدول الكافرة ستعمل كلّ ما بوسعها لحشد الرأي العام الدوليّ، وتأليب الدول المجاورة بما فيها من شعوبٍ إسلامية، وستعمد الدول الكافرة في هذا الأمر على الكذب والتضليل والدعاية ضد الدولة الإسلامية.
من هنا يأتي حسن الخطاب للشعوب لبيان الحقائق، ويكون ذلك ضمن الوسائل والأساليب الآتية:
أولاً: إيجاد محطّاتٍ للبثّ الإذاعيّ والتلفازي وتوجيهها إلى الدول المجاورة، وإذا ما حصل تعطيل أو تشويشٌ لهذه المحطّات، تعمل الدولة على إيجاد محطّاتٍ سريّةٍ بديلة، وإن أمكن إيجادها حتى داخل الدول المجاورة.
ثانياً: استخدام كافّة الوسائل الممكنة في إيصال رسالة الدولة، وبيان حقيقة الذي حدث، وبيان كذب الكفار ضدّ هذه الدولة وأضاليلهم. وذلك عن طريق الإنترنت والبيانات، والاتصال مع الشخصيات المؤثرة داخل الدول المجاورة، وإذا أمكن إقامة ندوات أو دروس أو خطب من خلال المساجد أو النوادي أو غير ذلك.
والحقيقة أن مسألة إيصال الخطاب لشعوب البلاد الإسلامية يخضع للظروف الممكنة ولا يمكن حصره في وسيلةٍ أو اثنتين، ولكن يمكن حصر طبيعة الخطاب الموجّه ضمن النقاط التالية:
1- بيان حقيقة الدولة الإسلامية التي قامت؛ لأن الإعلام المعادي سيحاول إلصاق كافّة التهم بهذه الدولة الناشئة، تماماً كما حاول سادات قريش تشويه صورة الدولة الإسلامية في أعين العرب، مثل الدعاية التي بثّوها وهي أنّ الدولة الإسلامية تنتهك حرمة الأشهر الحرم، أو إنها تقطعُ طرق التجارة، أو إنها تهدف للقضاء على الكيانات المجاورة، والسيطرة على ثرواتها، إلى غير ذلك من افتراءات ألصقها زعامة قريش بالدولة الإسلامية في المدينة المنورة.
لذلك يجب أن يكون البيان والتوضيح للشعوب الإسلامية المجاورة سريعاً جداً؛ لأن التأخّر فيه يعني تمكّن قادة الدول المجاورة من بثّ سمومهم، وتأليب الجيوش، وحتى أبناء الشعوب على هذه الدولة الناشئة. فَيُبيّنُ على وجه السرعة وبكلّ الوسائل المتاحة والمتوفرة حقيقة الحكام وتآمرهم مع الدول الكافرة للقضاء على الدولة الإسلامية.
2- إذا أصّرت بعض الدول المجاورة على تسيير جيوشها نحو حدود الدولة الإسلامية، فإن الدولة الإسلامية تقوم في هذه الحالة بتوجيه الخطاب إلى الشعب المسلم من أبناء هذه الدول للوقوف بشدّة في وجه القادة السياسييّن والعسكرييّن، كما يوجّه الخطاب بالأساليب والوسائل الممكنة إلى المخلصين من أبناء الجيش، ويكون الخطاب عقائديّاً عاطفيّاً مؤثّراً، تُبيّنُ فيه عقوبة من يقف في وجه الإسلام في الدنيا والآخرة، وعقوبة من يقتل مسلماً يدافع عن الإسلام وأمة الإسلام، ويُدعى أفراد الجيش بعد هذا البيان للتمرّد على الأوامر العسكرية، والفرار من مواجهة المسلمين.
3- تذكير الشعوب الإسلامية بالويلات والمصائب التي جرّها الحكّام العملاء عليهم، من ذلّ وتبعيّةٍ على الأمة الإسلامية، ومن نهبٍ لثرواتها وخيراتها. ويوجّه الخطاب للشعوب بطريقةٍ تثير فيها البغض للدول العميلة، كما تُذكّر الشعوبُ أيضاً بمعنى الانعتاق من الذلّ والتبعية الاستعمارية.
4- بعد زوال موجة العاصفة وخطرها المنبعثة من الدول المجاورة، يُوجّه الخطابُ لإسقاط هذه الحكومات العميلة، والانضمام للدولة الإسلامية الجديدة، والخطاب هنا نوعان: خطابٌ للحكام لنفض الذلّ عن أنفسهم، ذلّ التبعية الاستعمارية، وعدم مواجهة الشعوب فيما تصبُو إليه من الانضمام للدولة الإسلامية، وتذكيرهم بما حصلَ مع حكامٍ سابقين قامت عليهم الشعوبُ وخلعتهم كما يُخلَعُ النعل من القدم، فرفضتهم الدول الكافرة بعد أن لفظتْهم الشعوبُ من بني جلدتهم. فيذكّرون مثلاً بما حصل بشاه إيران حين قام عليه الشعب، وفرّ إلى دول أوروبا، ثم لم يجد له مكاناً في نهاية المطاف يدفن فيه. ويذكّر هؤلاء الحكام أن أفضل طريقة فيها النجاة هي الانعتاق من التبعيّة الاستعمارية، والانضمام لجسم الدولة الإسلامية، فإذا رفض الحكام ذلك -والأرجح أن يرفض قسمٌ منهم على الأقل إن لم يكن جميعُهم-، فإن الخطابَ في هذه الحالة يوجّه لأبناء الجيش وللشعب معاً للقيام على هؤلاء الحكام قومة رجل واحد، وإسقاطهم ودوسهم بالأقدام، كما يداس الجُعل الصغير.
5- يوجّه الخطاب الإسلاميّ الحماسيّ لكافّة أبناء الحركات الإسلامية في الدول المجاورة للابتعاد عن أضاليل الحكام، وأكاذيبهم، وللوقوف مع المخلصين من القائمين على إسقاط الحكومات، والانضمام لجسم الدولة الإسلامية، كما يطلبُ منهم في هذا الخطاب الانضمام إلى العاملين في كافة البلاد الإسلامية لحمل هذه الرسالة.
ويركّز في الخطاب الموجّه لأبناء الحركات الإسلامية على أمور منها:
أ) وجوب الانضمام لجسم الدولة الإسلامية، والعملِ من أجل هذه الغاية؛ لأن وحدة بلاد المسلمين فرض.
ب) وجوب الوقوفِ ضد الحكّام العملاء؛ لأنهم حربٌ على كلّ المسلمين ومنهم أبناء الحركاتِ الإسلامية قاطبة.
ج) إثارة موضوع وحدةِ العمل الإسلاميّ في هذا الموقف لأنه أمرٌ لا خلاف فيه بين أيّ مسلمٍ وآخر.
هذا ما يتعلق بحسن الخطاب للشعوبِ في بلاد العالم الإسلاميّ، أما الخطابُ للشعوبِ في بلاد الكفار فيركزُ فيه على ثلاثة أمور:
الأول: بيانُ فساد وزيفِ المبدأ الرأسماليّ.
الثاني: بيانُ فساد سياسة الدول القائمة على أساس المبدأ الرأسماليّ، ومنها أهدافها في القضاءِ على الدولة الإسلامية.
الثالث: بيانُ حسنِ المبدأ الإسلاميّ وأهدافه في إسعاد البشريّة، ومن ذلك أهدافُ الدولة القائمة على أساس هذا المبدأ.
[يتبع]
2006-06-30