انكشاف الحضارة الغربية وراء فكرة اللعب بورقة «الإسلام المعتدل»
2006/06/30م
المقالات, كلمات الأعداد
1,968 زيارة
انكشاف الحضارة الغربية
وراء فكرة اللعب بورقة «الإسلام المعتدل»
تشهد أميركا، ومعها الدول الغربية، إفلاساً فكرياً وانكشافاً يعرض حضارتها للتهاوي والسقوط. وهي في حربها التي أعلنتها ضد الإسلام والمسلمين تحت دعوى محاربة الإرهاب إنما تهدف إلى ضرب حضارة الإسلام وتشويه صورته، وتقبيح صورة المسلمين العاملين على نهضته، وتهدف إلى اللعب بأفكاره وأحكامه لحرف المسلمين عن الفهم الصحيح الذي يؤرقها ويشكل تهديداً حقيقياً له. وهي لم تترك في هذه الحرب سبيلاً، مهما كان لاحضارياً، يؤدي إلى انتصارها إلا سلكته، وقد حشدت من أجل ذلك كل قواها المادية والعسكرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية… وهي في اتباعها للأساليب اللاحضارية بحق المسلمين من قتل وتعذيب وتشويه للحقائق وإفساد وإخفاء لأهدافها الاستعمارية التي أصبحت مكشوفة إنما تمارس عملية إسقاط حضارتها بنفسها. فقد ظهر فساد ما هي عليه، وكذب ما تدعيه لكل الدول والشعوب، فلا هي حامية للحريات، ولا هي داعية وداعمة للسلام العالمي، ولا هي تريد العدل ونشر القيم، فكل هذا ادعاء وكلام في هواء، فقد أعلن بوش منذ أوائل حكمه أنها حرب صليبية على الإسلام وذكر في تقرير إلى الكونغرس في 20/9/2002م تحدث فيه استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة ما نصه: «ولن ننسى أبداً في حربنا ضد الإرهاب بأننا نقاتل في نهاية المطاف من أجل قيمنا الديمقراطية وطريقة حياتنا».
إن معركة الحضارة بين الإسلام والغرب قائمة ومشتعلة مهما حاولت أميركا ودول الغرب إنكار وجودها. فمصلحة إبليس الغرب تقضي بالتمويه والتلبيس… ولكن أنى لهم أن يخفوا الشمس بغربالهم، فحربهم صليبية على رؤوس الأشهاد، ومن مظاهرها: إساءاتهم للقرآن الكريم وللرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهجومهم على الخلافة وعلى العاملين لها من قبل بوش وزمرة حكمه، وبلير ووزير داخليته.
وأميركا، ومعها الغرب الأوروبي، قامت ومازالت تقوم باستخدام حكام المسلمين المفروضين عليهم في هذه الحرب القذرة ما يجعل هؤلاء الحكام شركاء كاملين… وهؤلاء الحكام بدورهم قاموا ومازالوا يقومون باستخدام من تحت أيديهم من العلماء الرسميين الموظفين لينفذوا ما تطلبه منهم السفارات الغربية التي تنفذ سياسات دولها، وهذا يعني فيما يعنيه أن ما يقوم به هؤلاء الحكام وتابعوهم من العلماء الرسميين الذين كانوا يسمون من قبل بـ«علماء السلاطين» والذي سماهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلماء السوء إنما هو تنفيذ لأوامر صدرت أول ما صدرت في مراكز القرار في أميركا والدول الغربية التي تحارب الإسلام، ثم انتقلت إلى السفارات، لتنتقل بعدها إلى الحكام العملاء، ثم لتنتقل بعدها إلى هؤلاء العلماء الرسميين، فيما يشبه سلسلة يراد من ورائها تطويق صحوة المسلمين وخنقها… ومن مظاهر هذه الأوامر الخفية ما سمعناه ونسمعه من الدعوة إلى تطوير الخطاب الديني، وتأهيل الخطباء والوعاظ، وإصلاح المدارس الدينية، والتدخل في المساجد الذي وصل إلى حد إعلان وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي صالح آل شيخ فرض رقابة إلكترونية على مساجد المملكة السعودية، و«تصوير المسجد ومعرفة جميع محتوياته ومكوناته، ورؤية الإمام والمؤذن ومن يرتاده من المصلين». وكذلك إعلان وزير الداخلية التونسي الهادي مهنّي في سعيه لترشيد ارتياد المساجد، أي محاصرة المساجد ومراقبتها، عن إقرار تخصيص بطاقة مغناطيسية لكل مصلٍ تحمل صورته وعنوانه واسم المسجد الذي ينوي ارتياده، وأن على أئمة المساجد أن يتأكدوا من أن جميع المصلين داخل المساجد يحملون هذه البطاقة، وطرد كل مسلم لا يحملها… كذلك عمل هؤلاء الحكام، بتوجيه من الغرب، على تطوير منظمة المؤتمر الإسلامي والسعي إلى اعتبارها مرجعية للفتوى على مستوى العالم الإسلامي كله؛ وذلك من أجل ضبط الفتاوى بما يتناسب مع سياسات دولهم التابعة للغرب وحضارته… وكذلك كثرت المؤتمرات المشبوهة بين من يسمونهم بالأئمة والحاخامات ورجال الدين النصارى… وكذلك فتح هؤلاء الحكام الباب واسعاً أمام العلمانيين ليهاجم بعضهم الإسلام بوقاحة لم تكن معهودة من قبل، من غير أن يرد عليهم أحد من العلماء الرسميين وذلك كما حدث ويحدث في المغرب… وكذلك شجع ويشجع هؤلاء الحكام ما يعرف بفوضى الفتاوى وذلك بغية نزع الثقة من أحكام الإسلام، فظهر على سبيل المثال من يسمون بالقرآنيين الذي يعتبرون القرآن الكريم وحده هو المصدر الوحيد للتشريع وإنكار باقي المصادر بما فيها السنة، وخرج الترابي بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان…
ثم لم يكتفِ الغرب بهذا، وفي خطوة تكشف على أنه لم يستطع أن يمسك بزمام الأمور في حربه على الإسلام، أظهر سياسة جديدة تقوم على امتطاء الحركات الإسلامية المعتدلة عن طريق إيصالها إلى الحكم، وشرطه فيمن يقبل بهذا العرض الوظيفي المغري أن يقبل باللعبة الديمقراطية وبالتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات وبنبذ العنف والإرهاب. فقد أصدر ريتشارد هاس مدير التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية دراسة ختمها بتوصية يدعو فيها واشنطن «للقبول بمعضلة الديمقراطية المتمثلة في وصول حزب إسلامي للحكم عبر الانتخابات» وكذلك قدمت زينو باران، مديرة قسم الأمن الدولي وبرامج الطاقة في مركز نيكسون توصية للكونغرس الأميركي قالت فيها: «إن أفضل الحلفاء في هذا الصراع هم المسلمون المعتدلون، ويجب إعطاؤهم مساحة سياسية كي لا يبقى الإسلام أسيراً في أيدي المتطرفين، بينما يبقى المسلمون المعتدلون على الهامش، وليس بإمكان الولايات المتحدة ولا الدول الأوروبية أن تخوض معركة أفكار داخل الإسلام، ولكن بإمكانهم أن يدعموا المعتدلين الحقيقيين كي يستطيع هؤلاء، وكما قال الرئيس الإندونيسي الأسبق -عبد الرحمن وحيد- في مقال حديث «نشر التفسير الصحيح للإسلام، وبالنتيجة إثبات عدم صحة الأيديولوجية المتطرفة». هذا وقد طالب تقرير قدمه المجلس العلمي للسياسات الحكومية في هولندا حول التعامل مع الحركات الإسلامية «بضرورة تعديل التوجهات في التعامل مع الإسلام»… ويضيف التقرير أن: « الحركات الإسلامية السياسية تضم أيضاً حركات تقدمية ومفكرين يشددون على روح النص القرآني أكثر من تفسيره الحرفي، والذين يلتمسون غالباً التأسيس للديمقراطية وحقوق الإنسان بناء على أرضية إسلامية».
ثم إننا بدأنا نرى على أرض الواقع تبني الدول الغربية وعلى رأسها أميركا لمثل هذه التوجيهات حيث جرى إيصال 45 نائباً من جمعية العدل والإحسان المغربية إلى البرلمان وهم يتوقعون المزيد، وكذلك إيصال 80 نائباً من الإخوان في مصر، و كذلك إيصال حماس، في ورطة اعترف بها أصحابها، إلى السلطة، حيث جرى محاصرتها في خطة باتت أكثر من مكشوفة تشترك فيها دول الغرب ومعهم روسيا ويهود قبل كل شيء، بالإضافة إلى الأنظمة القابعة على قلوب المسلمين، الخائنة لله ولرسوله، والموالية للكفار فقط والمطلوب منها أن تضغط على حماس لتقبل بمبادرة الملك السعودي خادم الحرمين الشريفين التي عرضها في بيروت، وكذلك ما نسمع عنه في الأردن من أن جبهة العمل الإسلامي تهيئ نفسها للوصول إلى البرلمان أو الحكم بحسب ما يسمح لها النظام الأردني المرتبط بيهود ارتباطاً مصيرياً.
أيها العلماء الرسميون وعلماء الحركات الإسلامية
لقد تقهقر الغرب أمام صمود المسلمين، وإن الغرب لم تتهاوَ حضارته عن ضعف في القوة المادية بل هو قوي وقوي جداً فيها، وإنما سقط وأسقط نفسه بفعل إفلاسه الفكري وممارساته اللاحضارية التي تكشف زيف حضارته، وبفعل صمود المسلمين وتمسكهم بإسلامهم فهو الآن في مأزق لا يملك الخروج منه إلا باستخدام الحركات الإسلامية واللعب بورقتها… لقد ذهب الاستغفال الغربي للمسلمين إلى هذا الحد، فهل ترضون بأن تكونوا أدوات بيد أعداء الله، أن تكونوا في صف من لا خلاق لهم في الآخرة؟! أترضون أن تمدوا أيديكم إلى اليد التي ارتكبت أبشع أنواع المجازر بحق المسلمين وانتهكت حرمات مساجدهم ودينهم بشتم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحقير كتاب الله عزّ وجلّ؟! إنه لا يجوز ذلك قطعاً، مهما وضعتم من تبريرات، فإن التبرير من خلق اليهود والاستمساك بشرع الله من خلق المسملين قال تعالى: ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم) [الزخرف 43].
أيّها المسملون
إن الحضارة الغربية تخسر بالنقاط، ولكن لن يقضي عليها بالضربة القاضية إلا مشروع الخلافة الراشدة، ذلك المشروع الذي تتهيأ له الظروف بفضل الله وكرمه، وإنها لساعات قليلة يحتاج فيها المسلمون إلى المبدئية والصبر حتى يزهق الباطل ويظهر الحق ويظهر معه الخير، ليس لأهله فقط بل للعالم أجمع، وإننا ندعوكم إلى العمل مع أصحاب المشروع العالمي الإسلامي، مشروع الخلافة الراشدة الثانية ليستقيم أمركم وأمر البشرية جمعاء على أمر الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) [القصص 5].
2006-06-30