التسليم بالواقع وخطورته على الأمة
2006/07/31م
المقالات
1,869 زيارة
التسليم بالواقع وخطورته على الأمة
تداعت علينا الأمم كما تداعت الأكلة على قصعتها، والذئاب انهالت من كل صوب تنهش المسلمين دون أن يردعها رادع القتل والتشريد والتذبيح في كل بقاع الأرض: في الشيشان، أفغانستان، البوسنة والهرسك، العراق، فلسطين، الجزائر… المسلمون في كل مكان يستغيثون، وأصوات المقهورين تتعالى، فهل من مغيث؟ حالنا يتحدث عن نفسه أننا المستضعفون في الأرض، الكل يعمل على تدمير هذه الأمة، ومنهم رويبضات ضعاف من أبناء جلدتنا…
إن من نسميهم حكاماً يعملون على تمزيق ما تبقى منا، ينفذون قبل أن يُطلب منهم وقبل إشارة من بوش. يتهافتون على مصالحة يهود والتطبيع معهم، فما هو الحل؟ وهل من مجيب؟
قد يقول قائل: إن الحل في الخضوع والاستسلام والانقياد لما تمليه علينا حكومات الشر بالسمع والطاعة فقط لا غير، والبعض يقول إننا يجب أن نسلم بالواقع ونرضى به.
أما الخضوع والاستسلام فإنه الشر بعينه، وغضب من الله علينا إن رضينا. فتعالوا بنا أيها الإخوة نتصفح التاريخ ونرى كيف أن المسلمين لم يسلموا أبداً بالواقع، ولم يحدث على مدار الخلافة الإسلامية الراشدة أن أحداً استسلم للواقع.
أما حبيبنا وقدوتنا المصطفى، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الأسوة والقدوة الحسنة الذي أمرنا الله باتباعه وترسم خطاه، فلم نعهد عليه أبداً أن سلم يوماً بالواقع، بل على العكس من ذلك كان متحدياً سافراً لا يخشى في الله لومة لائم، والدليل على ذلك أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عرض عليه أن يكون حاكماً على العرب كافةً “ملكاً” على أن يترك ما جاء به، ولما قال له عمه أبو طالب: «إن العرب قد ائتمروا على قتلك، فانظر يا بن أخي ماذا ترى؟» فما كان جوابه عليه الصلاة والسلام إلا أن قال: «والله يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته…».
ثم كان من بعده الصدّيق (رضي الله عنه) كان صلباً لا يسلم بواقع ولا يعانق ظروفاً فتسيره حيث تشاء، بل لم يجعل الظرف هو الحكم والمقياس فيجاريه. فقراءة الواقع كانت تقول: إن تسيير جيش أسامة خطر على المسلمين، إذ معظم القبائل في الجزيرة ارتدت عن الإسلام، والمنافقون واليهود في المدينة، وإفراغ المدينة من الجيش خطر كبير، وبالرغم من كل ذلك رفض، رغم إصرار عمر وبعض الصحابة، ولكنه سلم بالحكم الشرعي، سلم بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبه الأخير منه بتسيير الجيش.
ولو جئنا لسيف الله المسلول “خالد” عندما حشد الروم للمسلمين جيشاً يثير الرهبة في النفوس بعدده وعتاده، وقبيل المعركة خرج قائد الروم يخاطب خالداً قائلاً له: «قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع، فإن شئتم أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير وكسوة وطعام وترجعون إلى بلادكم، وفي العام القادم أبعث إليكم بمثلها، ولكن لا تقاتلونا» لكن خالداً رد ّ عليه بغضب قائلاً إنه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت، «ولكننا قوم نشرب الدماء، وقد علمنا أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم فجئنا لذلك».
انظر أيها المسلم كيف أن هذا البطل لم يسلم بالواقع ولم يتدرج فيه، رغم أن الواقع يحتم عليه الرجوع وعدم القتال بهذه العدة والعتاد، مقابل عتاد الروم وعدتهم، ولكن ريح الجنة عبقت بالمكان، والجهاد في سبيل الله فرض لابد أن يصان؛ فكانت راية الإسلام عاليةً خفاقةً.
هؤلاء هم المسلمون حقاً، هؤلاء هم الرجال الرجال الذين لم يسلموا بالواقع ولم يجعلوه مفكراً عنهم ويستنبط لهم الأحكام الشرعية.
وكم من شبيه بالعالِم يخرج علينا بفتاويه الضالّة المضلّة أن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الزمان والمكان. وكما هو معلوم فإن الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو الوضع أو التخيير، ولم يكن حكراً على مكان أو زمان، بل هو ثابت في كل زمان ومكان، فقد خرجوا علينا بهذه الفتاوى الضالة، فما كان من المسلمين إلا أن أذعنوا ورضوا بالواقع كما هو من غير تبديل ولا تغيير (بالفساد والإفساد الذي فيه). فهذه أمثلة للرضى بالواقع فما نتائجه:
– سقطت الخلافة على يد الكافر كمال أتاتورك فرضينا بالواقع.
– احتلت بريطانيا ومن ورائها دول أوروبا الكافرة بلاد المسلمين وقسمتها ورضينا بالواقع.
– ثم جاء يهود، فاحتلوا فلسطين وحكموها بالحديد والنار، وكونوا ما يسمى بـ(إسرائيل). قتلوا النساء والأطفال والشيوخ، شردوا أهلنا، وهدموا بيوتنا، وأسروا رجالنا، واقتلعوا أشجارنا… ثم انطلقنا نهرول مادين لهم يد السلام “سلام الشجعان” كأن ما بالأمس لم يكن؛ وذلك لأن المسلمين سلموا أن (إسرائيل) “الكيان المسخ” بواقعها التي هي عليه لا تقهر، وأن جيشها لا يهزم، واستكانوا ورضوا بالواقع.
– إلى متى نرضى بالواقع ونسكت عما يحدث؟! إلى متى نهزم في أنفسنا؟! إلى متى السكوت على القهر والظلم والطغيان؟!
لنغير ما نحن فيه؛ لترد الحقوق إلى أصحابها، وحق الله أن تعلو راية الحق، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، في ربوع الدنيا، ويعيش الناس في أمان واطمئنان في ظل خلافة الإسلام.
أم علي – غزة – فلسطين
2006-07-31