أفيقي أمة الإسلام
2006/07/31م
المقالات
2,156 زيارة
أفيقي أمة الإسلام
إن الأمة الحية، هي الأمة التي تحوز على مبدأ ووجهة نظر خاصة لها في الحياة، تطبق هذا المبدأ في حياتها، وتسعى لنشره في العالم أجمع، وتبقى كذلك ما دامت محافظة على مبدئها كاملاً، فإذا ما عصفت بها العواصف، وتخلت عن بعضه أو عن جزء منه، فإنها تبدأ بالتهاوي والسقوط، وتذهب حيويتها في مهب الريح، وتصبح في ذل ما بعده ذل، وهوان ما بعده هوان.
وهذه هي حال الأمة الإسلامية اليوم، فبعد أن كانت الأمة الإسلامية التي هي خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وحاملة لواء الجهاد لنشر الدعوة الإسلامية، بعد أن كانت دولتها دولة الخلافة الإسلامية، هي الدولة الأولى في العالم، حاملة لواء العدل والرحمة، لواء الدين الإلهي الحق، الدين الإسلامي الذي به إنارة دروب ومصائر شعوب وقبائل وقوميات، الدين الذي جعلهم أمة واحدة من دون الناس، إخوة متحابين في الله، قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [الحجرات 10]، كما جعل التفاضل بينهم على أساس التقوى والإيمان، قال تعالى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات 13] وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن ربكم واحد، وأباكم واحد، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى» (رواه الطبراني)، ومفهوم السعادة نوال رضوان الله، ومقياس أعمالهم الأحكام الشرعية من حلال وحرام ومندوب ومكروه ومباح، ومفهوم لديهم أن الدين يجب أن يؤخذ كاملاً متكاملاً، ولا يطبق إلا كاملاً متكاملاً عن طريق الدولة. قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [النساء 65]، وقال تعالى أيضاً: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) [المائدة 49]، وقال: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) [آل عمران 19] فالصحابة، رضوان الله عليهم، بانشغالهم لاختيار وبيعة خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يحكمهم بالإسلام عن دفنه صلوات الله وسلامه عليه، ومحاربة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أمير المؤمنين، حاكمهم وخليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمرتدين عن الإسلام، بسبب رفض البعض للصلاة والبعض الآخر للزكاة، لخير دليل على أن هذه الأمة، كانت فاهمة لدينها، وواجبها نحوه، فكان همها الأكبر تطبيق شريعة هذا الدين على نفسها أولاً بوجود الدولة المطبقة للشريعة، والحامية لها وللأمة، ومن ثم حمل هذا الدين لبقية شعوب العالم عن طريق الجهاد، ذروة سنام الإسلام. قال تعالى: ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [التوبة 29]. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» (رواه البخاري ومسلم).
هذه الأمة التي كانت تبيع الدنيا وما فيها من متع وملذات، في سبيل إعلاء كلمة الله ومرضاته، تضحي بالأموال والأنفس في سبيل رفعة دينه وتمكينه في الأرض، أصبحت الأمة إذا أرادت أن تفكر، فكر لها الغرب، كأنها قاصر لم تبلغ سن الرشد بعد، وإذا أرادت أن تحكم نفسها تستورد الحكام من الغرب، وإذا أرادت الصلاح استعانت بالغرب، كأنه قبلتها، بأحكامه وأفكاره ثقافته وحضارته، والله تعالى يقول: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ) [النساء 144] وقال تعالى أيضاً: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) [الممتحنة 1] فالغرب وتقليده هو المبتغى والأساس الذي يجب أن تسير بحسبه، إذا أرادت الرفعة والنهوض، هكذا أوحى لها الغرب، وهذه القاصر المطيعة، ارتمت بين أحضانه، فانقلبت الموازين الأذواق، فكانت الطامة الكبرى على هذه الأمة، إلا من رحم ربي.
فبانقلاب الموازين، أصبح الحرص على الحياة، القاعدة التي تسير الأعمال بحسبها، فبعد أن كانت المرأة أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، أصبحت سلعة رخيصة للاستمتاع صباح مساء، فذهب الحياء في مهب الريح، وكثر التبرج والسفور، وصار الاختلاط هو الأصل دون قيد أو شرط، والله تعالى يقول: ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) [النور 31] وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما» (عن عمر بن الخطاب، مسند أحمد).
شرعت الأبواب أمام اللاهثين لإشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية، كيف؟ ليس مهماً، المهم هو الإشباع. غاب عنهم أن الإنسان بطبعه شره طماع، لا يقنع، ولا يملأ عينيه إلا التراب، والله تعالى يقول: ( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ) [المعارج 19-21]. أطلق العنان لما يسمى بالحريات، ونسوا أن المسلم مقيد بالأحكام الشرعية، قال تعالى: ( وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [الحشر7].
كثر البحث عن السعادة الدنيوية الزائلة، مع أن السعادة الحقيقية في السعي الدؤوب لإرضاء الله، أصبح الحب الأول للدنيا الفانية، ومتعها الزائلة، مع أن الحب الحقيقي يجب أن يكون لله ورسوله والمؤمنين. والله تعالى يقول: (قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) [التوبة 24].
ماذا أصاب هذه الأمة؟! أين العقول النيرة؟ أين القلوب المؤمنة؟ أين الحماة لهذا الدين؟ إلى متى سيظل التخلف هو العنوان، والذل هو المفتاح، والركون إلى المصالح الدنيوية هو السبيل، والغاية هي نيل رضوان الكفرة الفجرة؟
أين الآخرة من النفوس؟ لم يحن وقتها بعد، ويوم الله يعين الله.
من أين يأتي المال؟ ليس مهماً، المهم أنه موجود. أين سيصرف؟ للاستمتاع. أين ينمى؟ البنوك كثيرة، والشركات المساهمة أو الوهمية كثيرة، والطرق غير الشرعية هي الوسيلة الأنجع لنمائه وكثرته.
حق الله -حق الله- حق الله، العمر طويل وسيأتي الوقت لأدائه، المهم الآن حق هذا وذاك.
متى التوبة؟ الموت لا يمهل! لم يحن الوقت بعد فالمغريات كثيرة، ولم نأخذ القسط الوافر والكافي منها فلننتظر.
لماذا كل هذا التمسك بالدنيا؟ لماذا كل هذه القصور والانهماك في إبدالها وتزيينها كل حين؟ وهل نسينا القبور التي لا تتسع إلا لجسدنا وعملنا؟!
فالحذر يا أمة الإسلام من الوقوع في شباك هذه الدنيا الغرور، ومتاعها الزائل. فبداية السقوط في الهاوية دائما يكون من الصغائر التي لا يحسب لها أي حساب، فلتكن مخافة الله هي المحرك، وطلب رضوانه هو الغاية، وبلوغ جنته هو المبتغى، والابتعاد عن ناره هو الهدف، ولتكن النظرة للدنيا على أنها سبيل يداس بالأقدام، للوصول للغاية والهدف بأمان، لا أن تكون غاية وهدف، لأنها بذلك تخدعنا وتوصلنا إلى الهاوية، ولا يجب أن يغيب عنا قوله تعالى في سورة الحديد: ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ).
كما يجب علينا أن نأخذ الدروس والعبر من الرسول وصحبه في مواقفهم من الدنيا والآخرة.
فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما عرضت له الدنيا من قبل قريش عن طريق عمه أبو طالب، أجاب عمه قائلا: «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته إلا أن يظهرني الله أو أهلك دونه» أو كما قال.
وهذا أبو عبيدة عامر بن الجراح الذي تصدى له أبوه يوم بدر وهو على شركه، وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما كثر تصديه له قصده أبو عبيدة فقتله، وفيه نزلت ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [المجادلة 22].
وصهيب الذي تخلى عن جميع ما يملك من أموال وتجارة وذهب للمشركين في سبيل فراره بدينه ونفسه من قريش يوم هاجر للمدينة، و حنظلة الغسيل الذي ترك زوجه يوم عرسه عند سماعه نداء الجهاد فلبى نداء ربه خالعاً ثوب الخوف والمتعة، حتى إنه من شدة لهفته لإجابة النداء خرج وهو جنب؛ ولذلك غسلته الملائكة حين استشهاده.
وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة اللذان تخليا عن زعامتهما للأوس والخزرج، تخليا عن السلطان والرياسة، للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهما لا يعرفانه ولا يعرفهما طالبين بذلك رضى الله ونوال جنته.
وهذه المواقف غيض من فيض، هكذا كان أجدادنا وسلفنا الصالح، فأين هي مواقفنا نحن أمة محمد، ماذا اعددنا لإعزاز ديننا، لاستعادة مجدنا السليب، لإعادة دولتنا. أما آن لنا أن نرجع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، أن نضحي بالغالي والنفيس، وأن نضع أيدينا بأيدي إخواننا المخلصين العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية كي نعيدها خلافة راشدة على منهاج النبوة!
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم عجل بالفرج ويسر لنا نصرة دينك، اللهم عجل بالخلافة حتى تنتقم من الطغاة وزبانيتهم فإنهم باعوا الأمة في سوق النخاسة وتآمروا على قضاياها، اللهم صب عليهم عذابك صباً، واقصم ظهورهم، واقطع دابرهم، ومكّنا من رقابهم، وانصرنا عليهم، واشفِ صدورنا منهم، وأكرمنا بفتح قريب، إنك على كل شيء قدير.
أم أكرم – فلسطين
2006-07-31