كلمة الوعي: اجتماع كلينتون ـ الأسد
1994/01/31م
المقالات, كلمات الأعداد
2,188 زيارة
أطراف كثيرة تنظر إلى الاجتماع القادم (16/01/94) في جنيف بين الرئيسين الأسد وكلينتون باهتمام. كلينتون نفسه يأمل أن يحرز كسباً ليوظفه في تغطية ضعفه كرئيس وتغطية فضائحه الجنسية والمالية. والبابا (الفاتيكان) يأمل حصول اتفاق بشأن السلام بين سوريا وإسرائيل ليوظفه في دعم اعترافه بإسرائيل وتراجعه عن قرار تدويل القدس وليستفيد منه في تسهيل زيارته إلى إسرائيل ولبنان. ومنظمة عرفات تأمل أن يحصل اتفاق في الاجتماع لتسير سوريا في الصلح وتوقف دعمها للمعارضة الفلسطينية المسماة بالمنظمات العشر. والأردن يأمل حصول الاتفاق ليأخذ ضوءاً أخضر بتوقيع اتفاقاته الجاهزة مع إسرائيل. ولبنان يأمل حصول اتفاق بين كلينتون والأسد علّ ذلك يساعد في حل المشاكل اللبنانية. والدول العربية تأمل ذلك من أجل أن لا يلومها أحد لأنها رفعت حالة المقاطعة بينها وبين دولة اليهود وصارت تستقبل وفودها وتريد أن تستقبل بضائعها. وإسرائيل نفسها تحبذ حصول اتفاق بين كلينتون والأسد شرط أن يكون الاتفاق كما تريده هي: أي أن يُبْقيَ لها وجوداً عسكرياً، وليس فقط مدنياً، في قسم من الجولان.
قد يبحث الرئيسان في الاجتماع أموراً كثيرة ولكن المهم هو أمر واحد: هل تنسحب إسرائيل من الجولان أو لا تنسحب؟
إسرائيل مصرّة على عدم الانسحاب الكامل. وسوريا مصرّة على انسحاب إسرائيل الكامل. واصطدمت المفاوضات بهذه العقبة. وحاولت إسرائيل الالتفاف على الموضوع فعرضت استئجار الجولان. ورفضت سوريا. وحاولت إسرائيل اللعب على الألفاظ فقالت: الانسحاب في الجولان وقالت: إعادة الانتشار. ولكن سوريا رفضت.
والسؤال: ما هو موقف أميركا من مسألة انسحاب إسرائيل من الجولان؟
المتتبع للمسألة يرى أن الإدارة الأميركية ما قبل كلينتون كانت تضغط من أجل الانسحاب (العسكري) الكامل من الجولان. ولكن مع كلينتون تبدل شيء من الأمر. وقد ظهر هذا التبدل في أمور أخرى غير الجولان، منها:
1- دفع عرفات إلى إغفال المفاوضات التي بدأت في مدريد واستمرت في واشنطن بناء على ضمانات معينة من راعيي المؤتمر وطبقاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن خاصة 242 و338. وجعله يتفق سراً في أوسلو دون أية مرجعية، ودون مفاوضات. وهكذا حصل الاتفاق والتوقيع ثم هو الآن يحاول التفاوض، على قاعدة وضع العربة أمام الحصان.
2- دفع الفاتيكان إلى الاعتراف بإسرائيل وإغفال المطلب الذي كانت يتمسك به الفاتيكان بشأن تدويل القدس. فتكون الإدارة الأميركية الحالية أسقطت عملياً قرارات الأمم المتحدة السابقة التي شاركت الإدارات السابقة بإقرارها وهي المتعلقة بتدويل القدس وعودة لاجئ 1948 وعودة لاجئ 1967، وإلغاء أية تغييرات في الأرض المحتلة من مصادرة أراضٍ أو إنشاء مستوطنات، والانسحاب من كل الأرض المحتلة في 1967… الخ.
أما بخصوص الجولان فإن إدارة كلينتون حاولت إقناع سوريا أن تتفاوض مع إسرائيل سراً دون قيود أو شروط، أي دون الارتكاز إلى مرجعية مدريد، وذلك على غرار اتفاق أوسلو. وهذا يبرز نية أميركا في إسقاط مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الجولان. ولكن سوريا رفضت التخلي عن مرجعية مدريد.
وزير خارجية أميركا، كريستوفر، طلب من سوريا الذهاب إلى الجولة رقم 12 من المفاوضات الثنائية كي لا تبقى المفاوضات متوقفة مما يحرج كلينتون. وأعطى كريستوفر إلى سوريا كلاماً غامضاً هو أن أميركا «تدعم شمولية الحل وقرارات مجلس الأمن»، وكانت صحيفة «الواشنطن بوست» ذكرت أن كلينتون سيقدم هدية للأسد.
إسرائيل ما زال موقفها الإصرار على عدم الانسحاب الكامل، ففي 04/01/94 قام وزير الإسكان الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر بتدشين حي سكني جديد في مستوطنة كتزرين (كبرى المستوطنات اليهودية في هضبة الجولان)، وسترسل إسرائيل وفداً من مستوطني الجولان إلى جنيف يوم 16/01/94 لتذكير كلينتون بمطالب اليهود في الجولان. وقررت زيادة سبعة ملايين دولار على ميزانية الإسكان في الجولان لسنة 1994. وإسرائيل تتذرع بأن قرار 2423 ينص على أن تنسحب (من أراضٍ) وليس (من الأراضي)، وينص على أن يكون الانسحاب إلى «حدود آمنة» وتتذرع بأن انسحابها من كل الجولان لا يبقي حدودها آمنة. أي هي تفسر قرار 242 على هواها. وأميركا تعتبر أن القرار يحتمل هذا التفسير كما يحتمل غيره. فموقف أميركا يبقى غامضاً.
وكانت أميركا قد طلبت من سوريا (قبل إدارة كلينتون) تلبية بعض الشروط لقطع الطريق على تفسيرات إسرائيل وقطع حجتها في البقاء في قسم من الجولان، من ذلك: أن لا يعود الجيش السوري إلى المناطق التي تنسحب منها إسرائيل بل تنزل فيها قوات أميركية (ودولية)، وأن يكون الانسحاب الإسرائيلي على مراحل متباعدة، وأن يجري التفاوض على بقاء المستوطنات اليهودية في الجولان بإشراف القوات الدولية (طيلة مدة وجودها) ثم بإشراف سوريا بعد استتاب السلام وانسحاب القوات الدولية [ونحن نفهم طبيعة نوايا واستراتيجية أميركا بأنها ستوجد المبررات لعدم الانسحاب وللبقاء الدائم في الجولان إذا نزلت فيه]. ورغم استعداد سوريا لذلك وللسلام الكامل مقابل الانسحاب الكامل، ولكن إسرائيل تصرّ على البقاء عسكرياً في جزءٍ من الجولان.
أمام الإصرار والعناد الإسرائيلي، وأمام رغبته الجامحة لتحقيق نجاح في مسألة السلاح بين اليهود والعرب صار كلينتون يطمع في تنازل جديد من سوريا، فقرر أن يجتمع بالأسد، ولا ندري ما هي وسائل الإقناع التي سيحملها معه. ولكنّا إذا عدنا إلى تصريحات الأسد في هذا الشأن، وإذا لاحظنا تصريح عبد الحليم خدام الأخير (في دمشق في 04/01/94) نجد أن سوريا لن تتنازل عن شيء من الأرض بشكل دائم. فقد قال خدام: لو بقي الصراع مع إسرائيل «مائة قرن لن نتنازل عن ذرة واحدة من الأرض» وقال بأن الأميركيين «يعرفون ذلك. إن مسألة الأرض غير قابلة للبحث إطلاقاً». وأضاف: إن الاعتراف والتطبيع يدخلان في «إطار مفهوم السلام وهو موضوع التفاوض الآن». وحين سئل عن توقعاته لنتائج القمة السورية ـ الأميركية قال: «لا أعتقد أن أحداً منا يتوقع ما سيجري طالما أن الاجتماع لم يتم، وفي تصورنا أنه إذا كانت هناك موضوعية في التفكير والمناقشة يجب الوصول إلى نتائج إيجابية».
نحن، في «الوعي»، متأكدون أنه لا توجد عند أميركا، وخاصة إدارة كلينتون، موضوعية في التفكير والمناقضة، لا سيما عند يدور الموضوع بين العرب واليهود. ولذلك فلا نتوقع نتائج إيجابية. بمعنى حصول تفاهم [الإيجابية شرعاً هي عدم الصلح مع اليهود الغاصبين].
هناك من ظن، بعد زيارة كريستوفر لدمشق قبل شهر، أن الاتفاق بين أميركا وسوريا قد تم، ومن ثَمّ فإن العقبة بين سوريا وإسرائيل قد أٌُزيلت، وظنوا أن قدوم حسن حبيبي من طهران إلى دمشق هو من أجل البحث في كيفية احتواء «حزب الله» في جنوب لبنان. وإمعاناً في التضليل فإن إسحاق رابين (رئيس وزراء اليهود) يصرّح بأن سوريا قد توقع اتفاقاً معه قبل الأردن ولبنان. وحين سألته إذاعة اليهود عن موقفه إذا عرض عليه سلام كامل مقابل انسحاب كامل قال: «إذا عرض نبحثه. ولكني تحدثت حتى الآن عن انسحاب في الجولان وليس من كامل الجولان. وهذا هو موقفي».
لن يحصل كلينتون على ورقة تين يستر بها فضائحه أو عجزه السياسي. والاتفاق الذي سرقه عرفات بمعونة أميركا وفي غفلة من أهل البلاد سيبقى عاراً على عرفات وعلى مؤيديه. أما النظام الأردني فهو صديق صدوق لليهود من زمن بعيد، والآن تساومه إسرائيل على استئجار أراض زراعية في الضفة الشرقية. وأما حكام العرب الذين صاروا يتسابقون لاستقبال الوفود الإسرائيلية فحسابهم عند شعوبهم وعند ربهم. والساحة الحقيقية بين المسلمين والغاصبين اليهود هي ساحة قتال وليست ساحة مفاوضات
1994-01-31