الغرب يسعى لفرض سايكس بيكو جديد بالدم؛ للحيلولة دون إقامة الخلافة الراشدة الثانية… ولكن أنى له ذلك؟!
2016/07/25م
المقالات, كلمات الأعداد
2,838 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الغرب يسعى لفرض سايكس بيكو جديد بالدم؛ للحيلولة دون
إقامة الخلافة الراشدة الثانية… ولكن أنى له ذلك؟!
في مطلع القرن الماضي، تآمرت الدول الغربية على الإسلام والمسلمين والدولة الإسلامية؛ فولد تآمرها اتفاقيات سرية كاتفاقية سايكس بيكو سنة 1916م، والتي ظهرت شرورها بعد انهزام الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وكانت معول هدم الدولة الإسلامية سنة 1924م. ومنذ ذلك التاريخ، أي منذ حوالى قرن من الزمن، تتالت على الأمة الإسلامية المصائب والمآسي، وعاشت حياة الضنك، وكابدت أشد حالات الظلم والقهر والجهل، والإضلال والإفقار والإذلال، والتبعية والتشرذم والتآمر المستمر الذي لم يهدأ، والذي أدى، فيما أدى إليه، إلى غرس كيان يهود الخبيث كخنجر في قلب بلاد المسلمين لإبقاء المسلمين في حالة عداء مستمر معه، وبالتالي دوام إضعافهم بإشغالهم الدائم بعداوته، وللحيلولة دون إقامة الدولة الإسلامية من جديد؛ باعتبار أن يهود هم أعداء حقيقيون للمسلمين، وبالتالي لن يسمحوا للمسلمين بإقامتها من جديد خوفًا على كيانهم.
هذا ولا يخفى على أحد من المسلمين أن حكامهم كانوا وما زالوا هم أهم أدوات الغرب في استعماره لبلادهم؛ فهو قد جعل مهمتهم الحفاظ على عمالة الدول التي يحكمونها له… وجعلهم نواطيره في نهب خيراتهم، ورأس حربته في فرض الحكم بالكفر عبر دساتير وضعية، وفي محاربة الإسلام والحيلولة دون عودته إلى الحكم من جديد…
وهذا الغرب الكافر الحاقد اللئيم، يعلم بالفكر وبالممارسة أن الإسلام دين حي، والمسلمون إذا ما تمسكوا به تمسكًا حقيقيًا فإنهم سيعودون بإسلامهم إلى المسرح الدولي، وسيتولون قيادة العالم من جديد؛ لذلك هو عمل وما يزال على الحيلولة بين الأمة وبين الفهم الصحيح للإسلام؛ وذلك باللعب على قلب مفاهيم الإسلام من مفاهيم تعبدية خالصة لله تعالى إلى مفاهيم مصلحية تتواءم وتتعايش مع مفاهيمه، والتي تبيح ما حرمه الإسلام تحريمًا قطعيًا، تحت حجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان كإجازة الحكم بالديمقراطية، وإجازة مشاركة الكفار في الحكم بالكفر، وإجازة أن يحكم المسلمين كافرٌّ،أو امرأة، وإجازة التعامل مع المنظمات الدولية القائمة على قوانين الكفر، وإجازة الربا،… إنها سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا من الإجازات غير الشرعية التي تتماشى كليًا مع مفاهيم الغرب، والتي تجعل المسلمين مستسلمين لمفاهيمه ومنقادين لحضارته، والغرب بهذا يكرس إبعاد الإسلام عن الحكم لمصلحته، وهذه المهمة للأسف أنيطت بعلماء يسميهم المسلمون بعلماء السلاطين ومن تبعهم من العلماء، وأنيطت كذلك بحركات يسميها الغرب معتدلة… وهذا وجه آخر من وجوه عمل الغرب للحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحكم.
وهناك وجه آخر سلكه الغرب للحيلولة دون عودة الإسلام إلى واقع الحياة خوفًا من أخذ القيادة منه، وهو محاربة الدعوات التي تنشأ بين المسلمين لإقامة شرع الله في الأرض، وبالأخص منها حزب التحرير، الذي يعتبره الغرب غاية في الخطورة، ويحاربه محاربة لا هوادة فيها، ولعل من أشد أنواع المحاربة هو إشهاره سلاح التعتيم عليه؛ خوفًا من أن يؤدي الهجوم عليه إلى إظهاره وبالتالي إلى التفاف المسلمين حوله وتبني مشروعه. ولكنه في الوقت نفسه يأمر الأنظمة الحاكمة العميلة له بالتضييق على عمل هذا الحزب وإيقاع أشد العقوبات بشبابه… كل ذلك لما يعلم من خطورة دعوته عليه. وليحول دون عودة الإسلام إلى مسرح الحياة لقيادة البشرية.
ولكن بالرغم من كل أعمال الغرب الدؤوبة في إقصاء الإسلام عن الحكم واللعب بمفاهيمه وتجنيد جيوشه العسكرية والفكرية والثقافية لتضليل المسلمين وحرفهم عن بوصلته، ولمنع الإسلام من العودة إلى مسرح الحياة… وطيلة قرن من الزمن، إلا أن المسلمين، والحمد لله وحده، لم يتأقلموا مع واقع ما فرضته عليهم اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة من شرذمة وتقسيم لبلادهم ولشعوبهم، بل ظلت تهزهم محاولات التآمر عليهم معًا، وظلت تجمعهم المصائب التي يحيكها الغرب ضدهم معًا، وبقوا أمة واحدة… فقضية فلسطين كان موقف المسلمين منها جميعًا واحدًا، ولم تصبح قضية أهل فلسطين فقط بالرغم من محاولات الغرب التآمرية مع عملائهم من الحكام لجعلها كذلك… وعندما قامت الثورة في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي كان تأييد المسلمين، كل المسلمين، لها كاسحًا، بغض النظر عن إدراكهم أو عدم إدراكهم لحقيقة الموقف الدولي فيها… ولعل أظهر وجه على وقوف المسلمين موقفًا واحدًا من قضاياهم هو موقفهم من حكامهم المفروضين عليهم من الغرب، والذي عبروا عنه تعبيرًا واحدًا، تجلَّى بالثورة على هؤلاء الحكام ومن وراءهم؛ ما جعل الغرب يدرك أكثر وأكثر أن المسلمين يعيشون جبرًا عنه كأمة واحدة بالرغم من كل محاولاته الجادة لفصلهم وإثارة العداء بينهم؛ وهذا ما جعله يزيد جنونًا… فقد كان هذا أظهر دليل لمسه الغرب على أن المسلمين لم يتخلوا عن كونهم أمة واحدة في يوم من الأيام؛ فهذه الثورات ما إن قامت في بلد غير متوقع عند الغرب أن تقوم فيه مثل تونس، حتى كرَّت من بعدها سبحة الثورات، وظهر وكأن المسلمين يعيشون في بلد واحد، ما اضطر الغرب إلى أن يوقفها بالمكر والخديعة كما حدث في مصر، وأن يحرفها بالتآمر وبالصراع الدولي على المصالح بين دول الغرب كما يحدث في اليمن وليبيا، وبالقوة كما يحدث في سوريا… وهذا ما جعل حكام المسلمين الجبريين الآخرين يضعون أيديهم على رؤوسهم؛ خوفًا من أن تحصد رؤوسَهم سكينُ شعوبهم، ويغذون السير مع الغرب في ما يقوم به من الحيلولة من عودة الإسلام إلى الحكم تحت ذريعة محاربة الإرهاب الواهية…
لقد ظهر لكل ذي عينين أن الغرب كان وما يزال يخاف أكثر ما يخاف، من أن يصل المشروع الإسلامي إلى الحكم من خلال هذه الثورات؛ وهذا ما حدث في مصر حيث أوصلت الانتخابات الإخوان إلى الحكم، بغض النظر عن أهليتهم لهذا الأمر أو عدم أهليتهم. وقام وما يزال يقوم في سوريا بإجرام ما بعده إجرام؛ لمنع قيام كيان جامع للمسلمين على أساس دينهم، وبمعنى آخر للحيولة دون إقامة خلافة إسلامية تجمع المسلمين، كل المسلمين، على صعيد واحد… فهذا لا يطيقه الغرب ولا يسمح به أبدًا. ولكن الله غالب على أمره. فالأمة موعودة بهذا الخير من رسولها الصادق المصدوق.
أمام هذا الواقع الذي يقلق الغرب أشد القلق، يطرح اليوم هذا الغرب الكافر المجرم اللئيم، وعلى رأسه أميركا، مشروع سايكس بيكو جديد، يعتمد فيه أكثر ما يعتمد على إعادة تفتيت الأمة من جديد، بإقامة شراذم دول على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، تكون متناحرة متعادية على الدوام، بحيث لا يتوقع لها أن تتوحد مستقبلًا فيما بينها… مستغلًا الأكراد الذين يعتبرون أنفسهم ضحية سايكس بيكو الأول، مثيرًا للناحية المذهبية بين السنة والشيعة بأبشع صورة لها، ومستخدمًا لقيادتها طرفي صراع؛ بحيث يقوم كل طرف بدوره على أفضل وجه في خدمته، إيران من جهة، ودول الخليج وعلى رأسها السعودية من جهة أخرى… ولا يخفى ما يحدث بين الحين والحين من تهجير للنصارى من بلاد المسلمين عن طريق المجازر المتنقلة لهم… وهكذا حتى لن يبقى للغرب أدنى مجال يمكن استغلاله في هذا المجال إلا واستغله…
إن الغرب، وعلى رأسه اميركا، يعمِّد مخطط فرض سايكس بيكو جديد على المسلمين بالدم، وهو بات مفلسًا حضاريًا، ولم يعد يملك إلا سطوة القوة المادية، وهو يستعملها بشكل بعيد جدًا عن كل ما هو إنساني أو أخلاقي… ولم يعد يملك إلا التحكم بشرذمة هالكة من الحكام الذين لا عهد لهم ولا شرف، والذين ما نصَّبهم على رقاب المسلمين إلا بعد أن أخذ المواثيق عليهم أن يكونوا أعداء لشعوبهم ولدينهم، وخدمًا له، ونواطير لمصالحه…
ولكن أنَّى للغرب أن يمنع أمر الله إذا أتى؟! وأنَّى له أن ينجح في مسعاه المجرم هذا والأمة أصبحت واعية على كل ألاعيبه وإجرامه؟! فهي لم تعد غافلة عما يرتكبه بحقها من مكر وإجرام، وهي تختزن في ذاكرتها ذلك الإجرام الذي فاق كل تصور، وستحاسب حكامه وحكامها حسابًا عسيرًا بعون الله، وستهدي شعوبه المكتوية بناره والظمأى إلى الحق بإذن الله.
إن المسلمين يدركون أن الإسلام هو دينهم الحق، وهم باتوا يعلمون أن سبب انحطاطهم كان من ضعف ثقتهم بدينهم في يوم من الأيام، وأن الروح قد رجعت إليهم من جديد بعودة الثقة بدينهم إليهم، وأنه ما من أمر سيقف في وجه عودتهم إلى دينهم، وفي عودة دينهم إلى مسرح الحياة. وإن الصراع بين المسلمين والغرب هو صراع حضاري ويتعلق بالقيم، وليس ماديًا فحسب، وليس مقصورًا على الوصول إلى إسقاط الحكام، بل يتعداه إلى الصراع الفكري بين الحق الذي هو الإسلام قطعًا، وبين الراسمالية التي هي الباطل قطعًا. وإن ما يصيب المسلمين من عنت وضنك فإنه ثمن يدفعونه اليوم جراء ما فرطوا فيه من دينهم منذ حوالى القرن، ولكنه ثمن لن يذهب هدرًا إن شاء الله إذا كان الهدف منه إقامة حكم الله بإقامة الخلافة الراشدة التي تكون على منهاج النبوة.
إن الغرب على موعده في منع المسلمين من إقامة الخلافة، وعلى موعده في فرض مخططه الجهنمي على المسلمين، والمسلمون على موعدهم مع قول رسولهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» فأي الموعدين هو الحق، والذي سيحلُّ قريباً؟!.
قال تعالى من سورة النور: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ )
إن قرنًا من العذاب قد حلَّ على الأمة الإسلامية، وآن له أن يحل عنها، وإن الغرب في حربه الشعواء على المسلمين يرسم نهايته بيده، ويحفر قبر حضارته بإجرامه، وسينتهي قرن ظلمه إلى غير رجعة بإذن الله، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ﴾.
2016-07-25