فَوْضَىْ الْفَتَاوَىْ وَوُجُوْبُ اقْتِصَارِهَاْ عَلَىْ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيْدَ بِهَاْ باْطِلٌ
2016/04/25م
المقالات
2,442 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
فَوْضَىْ الْفَتَاوَىْ وَوُجُوْبُ اقْتِصَارِهَاْ عَلَىْ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ:
كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيْدَ بِهَاْ باْطِلٌ
عصام عميرة – بيت المقدس
إن من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان من ذوي الحجا أن الطبيب هو الذي يعالج الأمراض البدنية، وأن المهندس هو الذي يصمم الأبنية ويشرف على تنفيذها، وأن المحامي هو الذي يوكله الخصوم ليترافع عنهم في قاعات المحاكم، وهكذا دواليك. فكل صاحب اختصاص هو الأنسب للقيام بالأعمال ذات الصلة بتخصصه. ومن هذا المنطلق فإن الفقيه هو الذي يقوم باستنباط الأحكام الشرعية ويتولى إخبار الناس بها وفق ما تقتضيه الأحوال. فيفتي في موضع الإفتاء، ويقضي في مواطن الحكم والقضاء، ويدرّس طلبة العلم في قاعات التدريس، ويناظر أقرانه من العلماء في القضايا المستجدة والخلافية، وذلك لأنه متخصص في علوم الشريعة الإسلامية، وهو الموقّع عن الله سبحانه وتعالى في أخطر منصب يمكن أن يوجد على الأرض. وهذا الأمر مما عرفته الأمة الإسلامية وعملت به جيلًا بعد جيل منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) والعلماء هم من أولي الأمر المقصودين في هذه الآية الكريمة.
ومعلوم أن من أخطر المعاصي وأشد الذنوب القول على الله بغير علم وبيان، والخوض في الشريعة بغير حجة ولا برهان، فربنا – جلَّ وعلا – يقول: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). والتصدر للفتوى أمرٌ كبيرٌ وشأنٌ عظيم، لا يجوز الإقدام عليه إلا إذا كان المرء ذا علمٍ ضليعٍ وعقلٍ سديد.. جثا بالركب أمام العلماء الربانيين، وسهر الليالي لتحصيل أدلة الوحيين، والتبصر بقواعد ومقاصد الدين، قال أبو بكر رضي الله عنه: «أيُّ سماءٍ تُظلُّني، وأيُّ أرضٍ تُقلُّني؛ إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم». ويقول عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم محدثٌ إلا ودّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا فتوى إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا». والفتوى مجالٌ عظيم الخطر كبير القدر؛ فلابد من إحكام قواعدها الشرعية وضوابطها الدينية؛ خاصة في نوازل الأمة وأيام الفتن… قال سبحانه: ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ). ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ بيتاً من جهنم، ومن أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه». متفق عليه. ويقول سحنون بن سعيد رحمه الله: «أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علمًا» ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: «إن الذي يُفتي الناس فيما يسألونه لمجنون». وقال علي رضي الله عنه: «وا برداها على كبدي (ثلاث مرات) أن تسأل الرجل عما لا يعلم فيقول: الله أعلم». ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: «إذا غفل العالم عن لا أعلم أصيبت مقاتله»، وعن عقبة بن مسلم قال: «صحبت ابن عمر رضي الله عنه أربعةً وثلاثين شهرًا، فكثيرًا ما كان يُسأل فيقول: لا أدري، ثم يلتفت إليَّ فيقول: تدري ما يريد هؤلاء؟ يريدون أن تكون ظهورنا جسرًا إلى جهنم». وأقوال التابعين في ذلك مشهورة متواترة، قال ابن حصين: «إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر». وقال أبو عثمان الحداد: «من تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له من الصواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة». ومكث سحنون متحيرًا في فتوى ثلاثة أيام، فلما قيل له: قال مسألة معضلة، قال المستفتي: أنت لكل معضلة، قال: هيهات يا ابن أخي، ليس بقولك هذا أبذل لك لحمي ودمي إلى النار». وقال ربيعة، شيخ مالك: «وبعض من يفتي هنا أحق بالسجن من السُراق». وقال مالك: «العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق»، وقال ابن القيم: «وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أشد ما أتخوَّف على أمتي ثلاثة: زلة عالم (وهذا إنما يحصل بالفتوى)، وجدل منافق بالقرآن، ودنيا تقطع رقابكم فاتهموها على أنفسكم». وصحَّ عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «يهدم الإسلام زلة عالم، وجدال منافق في الكتاب، وحكم الأئمة المضلين». وقال عطاء رحمه الله: «أدركت أقوامًا، إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وإنه ليرعد». وكان ابن المسيب لا يكاد يفتي إلا قال: «اللهم سلمني وسلم مني». وقال سفيان الثوري: «أعلم الناس في الفتيا أسكتهم عنها، وأجهلهم بها أنطقهم». وقال مالك رحمه الله: «ما أفتيت حتى شهد لي سبعون من أهل المدينة أني أهل لذلك»، ثم قال: «أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا إذا سُئل كأن الموت أشرف عليه»، ويقول أيضًا لمن سأله: «ويحك! تريد أن تجعلني حجة بينك وبين الله؟ فأحتاج أنا أولًا أن أنظر كيف خلاصي ثم أخلصك». ويقول الشافعي رحمه الله: «ما رأيت أحدًا جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه على الفتيا». وعن سحنون أنه قال يومًا: «إنا لله.. ما أشقى المفتي والحاكم!» ثم قال: «ها أنا ذا، تعلّموا مني ما تضرب به الرقاب وتوطأ به الفروج وتؤخذ به الحقوق…أما كنت عن هذا غنياً؟».
قال الشيخ حسين آل الشيخ في خطبة له في 8/2/2011م: ألا فليحذر شبابنا من فتاوى لا مصدر لها، أو من فتاوى لا يتبناها علماء الأمة ولا تجتمع عليها كلمتهم، خاصة في المسائل العامة والنوازل التي تنزل بالأمة الإسلامية اليوم، كما أن الواجب على المسلمين الحذر من الفتاوى التي تتقمص الرخص خاصة ما يقع اليوم في المعاملات الاقتصادية من فتاوى مبناها على مجرد دعوى التيسير، ومع هذا تبنى على بعض القواعد الفقهية عند الفقهاء التي هي مجرد اجتهادات يحتج لها، ولا يحتج بها… وقديماً قال العلماء المحققون: «القاعدة الفقهية التي تؤخذ من أقوال الفقهاء ليست حجة بنفسها وإنما الحجة بالدليل الشرعي». وإن الواجب على المستفتي سؤال العالم الذي تواتر عند الناس لفضله وعلمه وسيره على المنهج الصحيح، وكونه أهلاً للفتوى، لا أن يأخذ الفتوى من كل ما هب ودب.. ذكر الخطيب البغدادي أنه سمع مناديًا ينادي في المدينة المنورة: «ألَّا يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى مالك»؛ ذلك لأنه اشتهر وتواتر عند الناس بفضله وعلمه وتقواه… فالمسلم مطالب بالبحث والتحري عمن يرى فيه الأمانة والتقوى والعقل؛ فأجمل شيء لدى الإنسان هو دينه، وأعظم بضاعة تحقيق تقوى الرب جل وعلا، ومطلب ذلك لا يكون إلا بالعلم الشرعي الصحيح. أ.ه
وقد كان هذا دأب الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، إذ كانوا يجلسون للتدريس والفتوى، وكانوا يجتهدون في المسائل المستجدة، ويتورعون إلى حد بعيد عن إعطاء الأحكام في المسائل باعتبارها مسؤولية عظيمة، خشية أن يكون في القوم من هو أعلم منهم فيخرج جوابهم منقوصًا، ولو بنسبة ضئيلة، فيتحمَّلون مسؤولية الناس أمام الله في زمانهم، والأزمنة المتعاقبة بعد زمانهم، ما دامت فتواهم حية متوارثة ومعمولًا بها.
إن جميع ما تقدم وغيره من الأقوال النفيسة في هذا الباب يعتبر كلمة حق ينبغي للمسلمين على مر العصور أن يلتزموها، وأن لا يسمحوا أبدًا بالنيل من قدرها وشرفها ومكانتها، وقد دلت النصوص الشرعية دلالة قطعية عليها. إلا أن كلمة الحق هذه قد اعتراها من التزييف ولحقها من التحريف ما كان جديرًا بأمة الإسلام أن تنبذه وتتصدى له بكل ما أوتيت من قوة، لو أخذ القوس باريها، وكان على الناس إمام عادل. ولكن لغياب سلطان الإسلام، دولة الخلافة الإسلامية، الحافظة للدين، وفقدان منصب شيخ الإسلام، صار الحكام الجدد في دويلات الضرار التي قامت في العالم الإسلامي على أنقاض الخلافة الإسلامية العثمانية، يوظفون العلماء وما يطلق عليهم الشيوخ أو المشايخ ومسميات أخرى لم تكن معروفة ،كإمام الحضرة ومفتي الديار، ووزير الأوقاف، والحجة، والآية، وغير ذلك، يوظفونهم في مناصب الإفتاء والاجتهاد، ويسخرون لهم الإعلام الواسع، ويفرضون آراءهم وأقوالهم بقوة القانون الجائر، وسطوة أجهزة الأمن الظالمة. وليس ذلك من أجل أن يقوموا بما هو مطلوب منهم بتوجيه الناس الوجهة الصحيحة في دينهم ودنياهم، بل ليصدروا لهم الفتاوى المفصلة على مقاس الحكام الأشرار وأسيادهم الكفار؛ لمنع الناس من تسيير أعمالهم وفق شرع الله الذي نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنظيم حياتهم وَفقه، بل بغرض بقاء حالهم الفاسد على ما هو عليه من الفرقة والتجزئة، وبقاء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله في عروشهم الظالمة، وحصر صلاحية إصدار الفتاوى والاجتهادات الفقهية في أولئكم العلماء الموظفين، ومنع غيرهم من الولوج في هذا الباب ولو كانوا من أهل الاختصاص في الشريعة، ومن أصحاب الباع الطويل في الدعوة الإسلامية، ويملكون أدوات الاجتهاد وآلياته، ومؤهلين لإصدار الفتاوى بشكل أدق وأنقى، وأقرب إلى ما جاء به الوحي، وبالدليل الأقوى، والمـَـلَكة الأتقى. والسبب أنهم ليسوا موظفين دينيين رسميين، كما هو حال أرباب المناصب المعينين.
وهنا تبرز بوضوح مسألة الحق الذي أريد به الباطل، فلم تكن الفتاوى يومًا مقتصرة فقط على العلماء المعينين في وظائف دينية لدى الحكام طيلة عهود الدولة الإسلامية، بل كان هناك علماء ربانيُّون يفوقون في شهرتهم وفقههم وعلمهم أولئك النفر من العلماء المقربين من الحكام والسلاطين. ومن الأمثلة أبي حازم سلمة بن دينار الذي كان يعيب على نظيره الإمام الزهري أنه موظف ديني لدى السلطان (الخليفة)، وكان لا يأكل من طعامه كونه خالط السلطان! وجاء في كتاب «ترتيب المدارك» للقاضي عياض: قال الإمام مالك رحمه الله: دخلت على أبي جعفر (المنصور) بالغداة حين وقعت الشمس بالأرض، وقد نزل عن سريره إلى بساطه فقال لي: حقيق أنت بكل خير، وحقيق بكل إكرام، فلم يزل يسألني حتى أتاه المؤذن بالظهر فقال لي: أنت أعلم الناس، فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين قال: بلى، ولكنك تكتم ذلك، فما أحد أعلم منك اليوم بعد أمير المؤمنين، يا أبا عبد الله، كنية الإمام مالك، ضع للناس كتبًا، وجنِّب فيها شدائد عبد الله بن عمر، ورخص ابن عباس، وشواذ ابن مسعود، واقصد أوسط الأمور، وما اجتمع عليه الأمة والصحابة، ولئن بقيت لأكتبنَّ كتبك بماء الذهب، فأحمل الناس عليها. فقلت له: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورَوَوا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به ودانوا له من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدعِ الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم، فقال: «لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به». انتهى
فالخليفة أبو جعفر المنصور، ولي الأمر الحقيقي، أراد جمع الناس على فقه الإمام مالك رحمه الله فرفض الإمام طلبه، وحكام اليوم أجبروا الناس على فقه يفصل الدين عن الحياة، ويوازن بين المصالح والمفاسد، بل بين المفاسد والمفاسد، فسارع العلماء إلى الإذعان والسمع والطاعة لمن أطلقوا عليهم زورًا وبهتانًا أولياء أمر! قيل: إن بعض الأمراء أرسل إلى أبي حازم، فأتاه وعنده الزهري والأفريقي، وغيرهما، فقال: تكلم يا أبا حازم. فقال أبو حازم: إن خير الأمراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الأمراء.
هذا وقد أنتجت طريقة العلماء الأوائل شخصيات علمية واعية وجريئة في قول الحق والتصدي للباطل ونصح الأئمة، لا يخافون في الله لومة لائم، كأمثال سعيد بن المسيب، وأبي حنيفة النعمان، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير لا يتسع المقام لمجرد ذكر أسمائهم، فضلًا عن التنويه ببعض مواقفهم نصرة لله ولرسوله وللشريعة. جاء في كتاب: «السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية» للإمام ابن تيمية: دخل أبو مسلم الخولاني، على معاوية بن أبي سفيان، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل السلام عليك أيها الأمير، فقال السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل الأمير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم، فإنه أعلم بما يقول، فقال: إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها، وداويت مرضاها، وحبست أولاها على أخراها وفاك سيدها أجرك، وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداوِ مرضاها، ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها.
ولما سيطرت طريقة العلماء المتأخرين الذين باعوا دينهم بدنيا الحكام الفسقة، خرج علينا إنتاج مِعوجٌّ من خريجي المعاهد الشرعية، ممن يرَوْن فصل الدين عن السياسة وعن الحياة عقيدة راسخة، بل من لوازم حمل الدعوة، واستشرى هذا الوباء في الأمة الإسلامية، وصار مدعاة للقعود عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوجد سواتر كثيفة بين الدعاة المخلصين وبين الناس، بل قد صار أولئك النفر من علماء السلاطين سيفًا مسلَّطًا على حملة الدعوة المخلصين الجادين، والهادفين لإقامة دولة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة. فكانوا بفعالهم تلك حراسًا لباطل الحكام، وجسورًا يمررون على الناس فوقها ضلالاتهم، وقدورًا يطبخون فيها الشريعة الإسلامية والديموقراطية الكافرة، لتفوح منها روائح تزكم الأنوف، وأطعمة تأباها الأذواق السليمة.
وفي هذا المقام نذكر أنفسنا أولًا، ونذكر علماءنا الأجلاء بأن يخرجوا أنفسهم من هذا النفق المظلم الذي أدخلهم الحكام فيه، وأن يحتاطوا لدينهم ولأنفسهم وأمتهم باتباع الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله عز وجل، ألا وهو الانعتاق من ربقة التبعية الوظيفية التي تسهل باطل الحكام، وتنال من مستوى الشريعة الإسلامية لصالح شرائع الكفر، حتى لا تتم هذه الجرائم التاريخية على أيديهم، فلا يسجلهم التاريخ في قائمة المتخاذلين عن نصرة دين الله، والمتقاعسين عن قيادة خير أمة أخرجت للناس إلى بر الأمان، ألا وهو تطبيق الشريعة الإسلامية في دولة واحدة، على رأسها إمام واحد مبايع على السمع والطاعة للحكم بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تلكم الدولة التي وعدنا الله سبحانه وتعالى بها في قوله: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وبشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «…تكونُ النبوةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ ثم يرفعُها إذا شاء أن يرفعَها، ثم تكونُ خلافةٌ على منهاجِ النبوةِ فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ ثم يرفعُها إذا شاء أن يرفعَها، ثم تكونُ مُلكًا عاضًّا فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ ثم يرفعُها إذا شاء أن يرفعَها، ثم تكونُ خلافةٌ على منهاجِ نبوةِ، ثم سكت…». الهيثمي عن النعمان بن بشير ورجاله ثقات.
( إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ )q
2016-04-25