النُّصْرَةُ هِي الطَرِيْقُ الشَّرْعِيُّ لاستلام الحُكْم بالإسلام وواجِبُ أَهْلِ القُوَّةِ
2016/04/25م
المقالات
2,911 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
النُّصْرَةُ هِي الطَرِيْقُ الشَّرْعِيُّ لاستلام الحُكْم بالإسلام
وواجِبُ أَهْلِ القُوَّةِ
وَهَذا نِدَاءٌ حَارٌّ حَرارَةَ الدَّمِ المـَسْفُوْكِ فِيْ رُبوعِ بِلادِنا
إلى كُلِّ مَنْ يُهِمُّهُ أَمْرُ الْمُسْلِمِيْنْ
عبد الرؤوف بني عطا -أبو حذيفة – الأردن
ما إن تُذكر كلمة النُصرة حتى يتبادر لأذهاننا نحن المسلمين تلك الأعمال التي كان يقوم بها رسولنا الكريم بعرض نفسه على قبائل العرب طالبًا منها الحماية والمنعة والنُصرة، كما ورد في سيرته عليه الصلاة والسلام، فما معنى النُصرة؟ ومن يطلبها؟ وممن تطلب؟ ولماذا تطلب؟.
والنُصرة لغة هي المـساعدة والعَوْن والتَأْييد والحماية كنُصرة المظْلومين، ولا تطلب إلا من أهل القوة والمنعة القادرين على عون صاحب الدعوة وتأييده وحمايته. وقد تتحقق النُصرة بمجرد إعلان أهل القوة والمنعة وقوفهم إلى جانب صاحب الدعوة الذي يطلب مناصرته في أغلب الحالات كنصرة المظلوم مثلًا، إلا أن النُصرة المطلوبة من أهل القوة والمنعة إذا كانت من أجل مُناصرة فكرة لنشرها وحمايتها بخلق الأجواء المناسبة التي تساعدها على الانتشار فإنها، وإن كانت تتحقق بمجرد الإيمان بفكرة الدعوة وطريقتها، تبقى مطلوبة ومستمرة إلى أن تبلغ الدعوة غايتها وتحمي نفسها بنفسها، لابل إن أهل النصرة في هذه الحالة ينصهرون في الفكرة ذاتها فيصبحون جزءًا منها تمامًا، كما حصل مع قبيلتي الأوس والخزرج الذين كانوا هم أهل النصرة لدعوة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، فإنهم في بداية الأمر كانوا يُسمَّون الأنصار وسُمي صحابة رسول الله القادمين معه من مكة بالمهاجرين، حتى اشتد عود هذه الدعوة وأصبحت دعوة قوية اسمها الإسلام ودولتها الخلافة، فلم يعد هناك ضرورة لتداول هذه التسميات إلا من ناحية تأريخية أو توثيقية، فلا أنصار ولا مهاجرين بعد ذلك بل مسلمين انصهروا في فكرة الاسلام كما انصهر فيها غيرهم من قبائل العرب والعجم.
أما النصر فيعني الفتح والفوز، وغالبًا ما يكون في حالات الحروب والمعارك التي قد يتطلبها حمل دعوة ما إلى الآخرين. على أن النصرة وإن كانت مناصرة للفكرة بالإيمان بها وحملها للناس، وهو انتصار لها على الصعيدين الفكري والسياسي، وهو بذات الوقت قد يترتب عليه إدارة حروب أو معارك هنا وهناك لتذليل الحواجز أمام انتشارها، نقول هذا للتفريق بين النصرة لدعوة وليدة تحتاج ممن ينتصر لها أن يؤمن بها ويحملها للغير مهما كلفه ذلك، وبين النصر المرجو حصوله نتيجة تطور الصراع الفكري والسياسي ليصبح صراعًا عسكريًا تتقابل فيه قوتان تسعى كل منهما إلى هزيمة الآخر في الميدان.
ومن واقع استقراء سيرة رسولنا الكريم في حمله للدعوة نجد أنه سار بدعوته على مراحل ثلاث حتى استطاع بإذن الله أن يقيم فرض الحكم بما أنزل الله، وبما أننا نؤمن بأن الحكم بما أنزل الله فرض على المسلمين، فإن طريقة أداء هذا الفرض لا بد أن تؤخذ من طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام تمامًا كما نتعامل مع أي فرض فرضه الله علينا، فقد فرض الله الجهاد وإقامة الحدود، وعلمنا رسولنا الكريم كيف نجاهد، وكيف نقيم الحدود، والنصوص في ذلك كثيرة، فالفرض يفرضه الله سبحانه، وطريقة أداء الفرض يبينها لنا رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز لأحد غيره أيا كان أن يبتدع طريقة لأداء الفروض تخرج عن الطريقة التي بيَّنها رسولنا الكريم، فكيف نقوم بأداء فرض الحكم بما أنزل الله في واقع لا يحكم بما أنزل الله؟! فمن واقع استقراء سيرة رسولنا الكريم نجد أنه عليه الصلاة والسلام في حمله للدعوة لتصل إلى سدة الحكم سار في مراحل ثلاث لا رابع لها:
الأولى: مرحلة التثقيف لمن يؤمن بدعوته عليه الصلاة والسلام، فقد بدأ يبلغ دعوته إلى الناس في محيطه القريب بشكل فردي حتى بدأ بعض الرجال والنساء يؤمنون برسالته ودعوته؛ فبدأ يعلمهم ويثقفهم بمضمون ما ينزل عليه من ربه، واتخذ لذلك دار الأرقم ليعلمهم هذا الدين الجديد وذلك وفق ما أمره الله…
الثانية: مرحلة التفاعل مع المجتمع المكي حوله، بدأت هذه المرحلة عندما أصبح لدى رسولنا الكريم كتلة مؤمنة بهذه الدعوة، حيث صدعت هذه الكتلة بالعمل جهرًا في مكة؛ وذلك بناء على أمر الله له ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) فسار الصحابة في مكة بصفين مهلِّلين مكبِّرين معلِنين عن ولادة هذه الكتلة التي تحمل دعوة الإسلام، فبدأت مرحلة التفاعل والكفاح مع المجتمع المكي، مع استمرار التثقيف بجانبها، وبدأ طلب النصرة في أواخر هذه المرحلة، حيث كانت بأمر من الله تعالى عندما تجمد إحساس المجتمع المكي أمام الدعوة، فأخذ رسولنا الكريم يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج طلبًا للنصرة والحماية والمنعة حتى يبلغ عن ربه…
الثالثة: استلام الحكم وإقامة الدولة؛ وذلك بعد أن منَّ الله على رسوله صلى الله عليه وسلم باستجابة الأنصار لنصرة رسول الله ودينه، ثم بايعوه صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، ومن ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأقام الدولة.
هذه باختصار هي الطريقة الشرعية التي بينها لنا رسولنا الكريم والواجبة الاتِّباع للوصول إلى إقامة الحكم بما أنزل الله، وحيث إن موضوعنا هو النصرة التي تتلوها الهجرة، كان لا بد من الرجوع إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم للتثبت من أن ما نقوله مطابق لكيفية عمله عليه الصلاة والسلام، فهو الأسوة والقدوة والمثال، فقد كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة هادفًا لإقامة دار الإسلام، فسار في خطوات محددة واضحة المعالم ليقتدي به من خلفه حينما تغيب دار الإسلام عن الوجود، ويكون واجبًا حينها العمل لإيجادها، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته وفي أحاديثه التي بشرت أيضًا بعودة الخلافة ودار الإسلام من جديد.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي السنة العاشرة للبعثة، أي قبل الهجرة بثلاث سنين، وبعد أن توفي عمه أبو طالب الذي كان يوفر له لونًا من ألوان النصرة والحماية تمكن من خلالها أن يقوم بحمله للدعوة وهو آمن، ولما أن تجمد في وجهه مجتمع مكة فما أثرت فيه دعوة الإسلام، وما وجد فيه رأي عام على الإسلام وأفكاره، جاءه أمر الله عز وجل بطلب النصرة، فقد جاء في سيرة ابن هشام تحت باب: «سَعْيُ الرّسُولِ إلَى ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النّصْرَةَ»: «قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مِنَ الأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلَى الطّائِفِ يَلْتَمِسُ النّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَرَجَاءَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ».
وفي فتح الباري لابن حجر ومثله في تحفة الأحوذي والكلام لابن حجر،وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِم وَأَبُو نُعَيْم وَالْبَيْهَقِيُّ فِي «الدَّلائِل» بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنِ اِبْن عَبَّاس حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِب قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيّه أَنْ يَعْرِض نَفْسَه عَلَى قَبَائِل الْعَرَب، خَرَجَ وَأَنَا مِنْهُ وَأَبُو بَكْر إِلَى مِنًى، حَتَّى دَفَعَنَا إِلَى مَجْلِس مِنْ مَجَالِس الْعَرَب… ».
فالأمر بطلب النصرة وتوقيته جاء من الله عز وجل كما يظهر من كلام علي (رضي الله عنه) فيما ورد آنفاً، فالتوقيت جاء بعد فقده صلى الله عليه وسلم الحماية، فلم يعد آمنًا، وما عادت قريش تتركه يبلغ دعوة ربه، وفي الوقت ذاته فإنه لم يكن من أمل هناك لأن يقوم مجتمع مكة بتسليم الرسول صلى الله عليه وسلم سلطانه حيث لم يكن موجودًا فيه رأي عام مؤيد للإسلام… فجاء الأمر بطلب النصرة حينها ليبعث الأمل في الدعوة حتى تصل إلى مكانها الذي ينبغي أن تقتعده، حيث الحكم والسلطان والتطبيق الشامل لأحكام الإسلام، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف، وكانت حينذاك تعد من الكيانات القوية القائمة في الجزيرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وتقصد فيها سادتها وأشرافها، والتقى بثلاثة منهم وكلمهم في أمر الإسلام والنصرة، ثم عاد منها بعد أن يئس من خيرها وعدم استجابتها لما طلب، وكانت ثقيف البداية حتى إذا ما عاد إلى مكة ونزل في جوار المطعم بن عدي، بدأ يطلب النصرة من زعماء قبائل العرب القوية في المواسم، والذين هم بمثابة رؤساء الدول في وقتنا. جاء في ابن هشام في باب عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل، «قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَكّةَ، وَقَوْمُهُ أَشَدُّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ خِلاَفِهِ وَفِرَاقِ دِينِهِ إلاّ قَلِيلاً مُسْتَضْعَفِينَ مِمّنْ آمَنَ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ فِي الْمَوَاسِمِ إذَا كَانَتْ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ، وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُصَدّقُوهُ وَيَمْنَعُوهُ حَتّى يُبَيّنَ (لَهُمْ) اللّهُ مَا بَعَثَهُ بِهِ»
وتروي السير أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي كل من كان له شرف ومكانة وقوة من القبائل في منازلهم في المواسم، جاء في ابن هشام تحت باب:» عَرْضُ الرّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى الْعَرَبِ فِي الْمَوَاسِمِ»: «قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، كُلّمَا اجْتَمَعَ لَهُ النّاسُ بِالْمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إلَى اللّهِ وَإِلَى الإِسْلاَمِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللّهِ مِنْ الْهُدَى وَالرّحْمَةِ، وَهُوَ لا يَسْمَعُ بِقَادِمِ يَقْدَمُ مَكّةَ مِنْ الْعَرَبِ لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ، إلا تَصَدّى لَهُ فَدَعَاهُ إلَى اللّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ»، وتذكر السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى كلبًا في منازلهم فما قبلوا منه، وأتى بني حنيفة أهل اليمامة في منازلهم فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردًا منه، وقد أتى بني عامر بن صعصعة فأبوا عليه إلا أن يعطيهم الحكم من بعده فرفض صلى الله عليه وسلم ذلك، وأتى كندة من أهل اليمن في منازلهم فطلبوا الحكم من بعده أيضًا فرفض صلى الله عليه وسلم ، وأتى بكر بن وائل في منازلهم فأبوا منعته لجوارهم فارس، وأتى ربيعة في منازلهم فما أجابوه، وأتى بني شيبان وقد كانوا يجاورون فارس في منازلهم فعرضوا عليه النصرة من جهة العرب دون الفرس، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم لهم: «ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه»، واستمر صلى الله عليه وسلم في طلبه للنصرة رغم عدم استجابة عدد كثير من القبائل له، فما كلَّ ولا ملَّ ولا حادَ عن عمله هذا لغيره، جاء في زاد المعاد عن الواقدي «قَالَ: «وَكَانَ مِمّنْ يُسَمّى لَنَا مِنْ الْقَبَائِلِ الّذِينَ أَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَاهُمْ وَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ بَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَة، وَمُحَارِبُ بْنُ حصفة، وَفَزَارَةُ، وَغَسّانُ، وَمُرّةُ، وَحَنِيفَةُ، وَسُلَيْمٌ، وَعَبْسُ، وَبَنُو النّضْر،ِ وَبَنُو الْبَكّاءِ، وَكِنْدَةُ، وَكَلْبٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ كَعْبٍ، وَعُذْرَةُ، وَالْحَضَارِمَةُ، فَلَمْ يَسْتَجِبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.» وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلبه للنصرة حتى أذن الله سبحانه وتعالى بنصرة دينه، قال ابن إسحاق فيما يرويه ابن هشام في سيرته: «فَلَمّا أَرَادَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ؛ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَوْسِمِ الّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النّفَرُ مِنْ الأَنْصَارِ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلّ مَوْسِمٍ. فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللّهُ بِهِمْ خَيْرًا.» فأسلم أولئك الرهط، وذهبوا ليصلحوا ما بينهم وبين الأوس، ثم قدموا في العام الذي يليه وكانوا اثني عشر، واجتمعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة، وكانت بيعة العقبة الأولى. وبعد أن تهيأ مجتمع المدينة على يد مصعب الخير، قدموا عليه وقدم من أسلم من سادتهم وأشرافهم لينصروه، فاجتمعوا وبايعوه بيعة العقبة الثانية فكانت بيعة على الحرب، جاء في سيرة ابن هشام في قوله صلى الله وعليه وسلم في البيعة: «ثُمّ قَال: أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ. قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ: نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ (نَبِيًّا) لَنَمْنَعَنّك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، فَنَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا (عَنْ كَابِرٍ)» فتمت بذلك كلمة الله وقامت للإسلام دولة.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب النصرة لتحقيق أمرين: أحدهما منع الأذى عنه وحمايته حتى يستطيع تبليغ رسالة ربه، وثانيهما إيصال الإسلام إلى الحكم وإقامة الدولة،
إن هذا الطلب الحثيث من الرسول صلى الله عليه وسلم للنصرة لما أمره ربه سبحانه وتعالى بذلك، ومداومته على الفعل وصبره عليه وعدم حيده عنه رغم ما لاقاه من صد ورد وأذى، يدل على أن الطلب من الله كان جازمًا في طلب النصرة، وبالتالي فهو فرض واجب، وهو من طريقة العمل لإقامة الدولة واستئناف الحياة الإسلامية من جديد، ولا يجوز الحيد عنه، ويكون في أيامنا من الحزب السياسي الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية وفق طريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم بطلبها من أهل القوة في زماننا، وهو ما يصدق على الجيوش في بلاد المسلمين، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتقصد القبائل باعتبارها الكياني، وكان يسأل عن القوة والمنعة فيها، وكان يطلب منها قبل ذلك الإسلام كشرط أساس لنصرة الإسلام، وهذا ما ينطبق على الجيوش في بلاد المسلمين أو على قبائل قوية في بعض المناطق باستطاعتها تغيير الحكم.
وطلب النصرة من قبل الحزب الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية عمل سياسي، إذ إن من يقوم بالعمل المادي هم أهل النصرة القادرين على ذلك، وبوصفه كذلك فإنه تحشد له الطاقات الممكنة، وينبه أهل القوة بشتى الوسائل لإعطاء النصرة عن طريق ضغط الأمة عليهم لتحملهم مسؤوليتهم العظيمة. إن طلب النصرة بالرغم من كونه واجباً ومن الطريقة، فهو يبدأ بعد تهيئة القاعدة الشعبية ووجود رأي عام على أفكار الإسلام الأساسية وعدم القدرة على التغيير الطبيعي حين تفقد المجتمعات تلك الإرادة وتسلبها منها الأنظمة، وينتهي هذا العمل باستلام الحكم وتطبيق الإسلام تطبيقًا جذريًا انقلابيًا.
ولكون طلب النصرة بهذه الأهمية العظمى، إذ هو من أعظم الأحكام الشرعية لما يترتب عليه من قيام دولة الإسلام بعد غيابها، ورفع راية الله خفاقة بعدها، ويقضي على الظلمات المركب بعضها فوق بعض: من حكم بغير ما أنزل الله، وتسلط للرأسمالية وما تبعها من مآسٍ وويلات ومصائب جليلات، ولكونه يتعلق بفئة مخصوصة هي تلك التي تملك القوة والمنعة للتغيير ونصرة الدعوة، فإن المسؤولية حينها تكون عظيمة جليلة على أولئك الذين يتوقف على استجابتهم التغيير، فأجرهم عظيم إن هم استجابوا، وأي أجر أعظم من الجنة.
وبعد استقرائنا لسيرة رسولنا الكريم في موضوع النصرة واستلام الحكم فإنه لا يفوتنا أن نتوجه لقيادات الحركات والجماعات والأحزاب والتنظيمات الإسلامية وشبابها بقولنا: أثبتت وتُثْبِتُ الأحداث السياسية التي جرت وتجري في منطقتنا دائمًا حقيقةً واضحةً وضوحَ الشمس الا وهي: « إنّ الدول كلها عدوة للإسلام « وبالتالي فهي عدوة لكل المسلمين الذين يلتزمون بإسلامهم كمنهج حياة في أي مكان على وجه الأرض.
وهذه الحقيقة تظهر ساطعةً كالشمس في رابعة النهار، إذا كانت هذه الأحداثُ تدور في فلسطين أو حولها ولا أدل على هذه الحقيقة مما يجري هذه الساعات من حرب الإبادة في الشام التي تتكالب عليها قوى الكفر وأعوانهم من الداخل والخارج، وهذه الحقيقة وُلِدت قبل الحرب العالمية الأولى حين تكالبت على دولة الخلافة الإسلامية (العثمانية) كل قوى الكفر واستطاعوا أن يهدموا الخلافة، وقسموها إلى أجزاءٍ، وسمُّـوا كل جزء منها دولةً؛ فأصبح في عالمنا الإسلامي حينذاك دويلات متعددة، بموجب اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة…
فيا قادة الحركات والجماعات والأحزاب والتنظيمات الإسلامية، يا أيها الشباب أعضاء هذه الحركات والجماعات والأحزاب والتنظيمات، هل ثَـمَّة منكم من يختلف مع هذه الحقيقة؟! ظني أنه ليس فينا واحد يمكن له أن يختلف مع هذه الحقيقة. فإذا كان ظني في محله، أليس اتفاقنا هذا نفسه هو حافزٌ للتوحد والتخندق في خندق واحد، ألا وهو خندق الإسلام؟! فندور مع الإسلام حيث يدور؟! وهنا فإنني أجزم أنكم جميعًا تتفقون معي أنْ: «نعم» هذا أملنا جميعًا، فإذا كانت كل الدول عدوةً للإسلام والمسلمين، فإن التوحد ضرورة حتمية لنا، فنحن الإسلام ونحن المسلمون المعنِيِّون بعداوتهم.
ولكن كيف لنا أن نتوحد ونحن نختلف في منطلقاتنا الفكرية ورؤيتنا للإسلام كدين منه دولة؟، بل كيف لنا أن نتوحد وتحت أي راية نتوحد؟، ومن سيكون زعيمنا؟، بل كيف لنا أن نتوحد ونتخلى عن آرائنا بعضنا لبعض؟
وإنني، مخلصًا دعوتي هذه لله ولله وحده، سأجيب على هذه الأسئلة المشروعة بإخلاص أرتجي به رضى الله ورسوله والمؤمنين وعزة الإسلام والمسلمين. فاللّهم يَسّر أمري واحْلُل عُقدةَ حروفي وكلماتي، واشْدُدِ اللّهم أزر دعوتي باستنادي إلى الدليل الشرعي الأقوى فيما سأطرحه من حلول لما قد يعترضنا من معضلات قد تُشكِل على الفهم.
كما إنني أناشدك الله أخي مهما كان توجهك ومنطلقك أن تُخلص النيّة لله بأنك ستبحث في الأمر معي عما يرضي الله ورسوله، وأن تلتزم مسلك أصحاب المذاهب الأربعة الذين حسموا منهج الاختلاف فيما بينهم عندما أعلنوا على الدوام أنه إذا صح الحديث فهو مذهبي وإلا فاضربوا برأيي عرض الحائط؛ لأن البحث هنا بحث في شكله ومضمونه بحث شرعي، آخذين بعين الاعتبار أن رأي أحدنا ليس ملزمًا للآخر إلا في حالة أن الدليل الشرعي الداعم لهذا الرأي أو ذاك هو الدليل الشرعي الأقوى، الواجب الالتزام به، فالأصل بيننا أن رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، فالله الله في إخلاصنا النية والعمل لله وحده, لأن وِحْدَةَ صفنا واجب شرعي، فإخلاصنا هو أول خطوة باتجاه توحدنا صفًا واحدًا لنكون فعلًا خير أمة أخرجت للناس.
وبين يدي إجاباتي سأسوق بعض الحقائق التي نعيشها ونلمسها، زيادة على الحقيقة الأولى:
1- كل الدول عدوة للإسلام والمسلمين، وهذه هي الحقيقة الأولى.
2- نحن أبناء الحركات والجماعات والأحزاب والتنظيمات الإسلامية نشكل غالبية الأمة الإسلامية الحية خصوصًا إذا ما أضفنا لنا أولئك المسلمين الملتزمين دينيًا، والذين يتمنون أن يعيشوا وفق أحكام الإسلام في كل شؤون حياتهم، وهذه هي الحقيقة الثانية.
3- نحن أبناء الحركات والجماعات والأحزاب والتنظيمات الإسلامية متفقون في كل شيء، ولكننا نختلف حول شيء واحد أشرنا اليه في النقطة الأخيرة، فلا خلاف بيننا على الصلاة والزكاة والحج كأحكام، كما أنه لا خلاف بيننا على العقيدة، ولا خلاف بيننا كذلك على أن الحكم بما أنزل الله فرضٌ، بدليل قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) وقوله تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) والأدلة على هذا الفرض كثيرة كما تعلمون، وهذه هي الحقيقة الثالثة .
4- نحن أيضًا متفقون على أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة, فليس ملكيًا ولا جمهوريًا ولا ديمقراطيًا ولا شيوعيًا ولا إمبراطوريًا, بل هو نظام الخلافة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا « ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا ، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ». وحديثه عليه الصلاة والسلام: « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، أما وإنه لا نبيَّ بعدي، فيكون فيكم خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول» وهذه هي الحقيقة الرابعة.
5- الإسلام كدين موجود في الأرض الآن يحمله المسلمون كأفراد وجماعات، ومدون في بطون الكتب، ولكن ليس هناك دولة تحمل الإسلام كدولة تحميه كعقيدة ونظام، وتحمي المسلمين من أي عدوان مهما كان نوعه، وهذه هي الحقيقة الخامسة.
6- إن نصرة الإسلام لا تكون بالتبرع بالدم والمال وإبداء المشاعر أو البكاء حسرة أو بكيل الشتائم والسباب لليهود والأميركان وغيرهم، بل إن نصرة الإسلام تكون بتحريك الجيوش المربوطة على موائد الترف والتخمة، ولكن تحريك الجيوش يحتاج إلى أن تكون هذه الجيوش أصلًا جيوشًا لنظام إسلامي مؤسس لحماية بلاد المسلمين وأهلها؛ ذلك أنه يمكن أن ترى ملكًا أو رئيسًا أو أميرًا يبادر بالذهاب إلى المستشفيات ليتبرعوا بدمائهم للمصابين تحت عين الكاميرات، لكنهم في ذات الوقت يحمون (إسرائيل) وأعوانها بمنع جيوشنا من التحرك لتحرير أرضنا ورفع الظلم عن أهلنا. فأي تلاعب بمفاهيم المسلمين هذا؟! والغريب أن الأمة كلها تعرف أنهم كذابون أفاكون، وأنهم شركاء لأعداء الإسلام في عدوانهم علينا في كل مكان، وهذه هي الحقيقة السادسة.
7- الشيء الوحيد الذي نختلف عليه نحن أبناء الحركات والجماعات والأحزاب والتنظيمات الإسلامية هو كيفية بناء دولة الاسلام، أو كيفية الوصول للحكم بما أنزل الله، وهذه هي الحقيقة السابعة التي هي جوهر موضوعنا وتساؤلاتنا ومحور إجاباتنا فيما يلي.
فكيف لنا أن نتوحد ونحن نختلف في منطلقاتنا الفكرية ورؤيتنا للإسلام كدين منه الدولة؟! وللإجابة على ذلك فإننا نقول: إن هذا الاختلاف هو وَهْمٌ مُصطنع خصوصًا إذا عرفنا ما سبق واتفقنا عليه، لا سيما وأننا متفقون على أن الحكم بما أنزل الله فرض علينا جميعًا، وأن الإسلام غير مطبق في واقعنا الآن، فكلنا يؤمن أن الإسلام هو عقيدة ونظام حياة، وأن الله يطلب منا أن نحتكم في كل شؤون حياتنا إليه، وأن لا نحتكم لغيره في شيء، والأدلة على ذلك كثيرة في كتاب الله كما أسلفنا. إذًا فمنطلقاتنا موحدة بطبيعتها إذا صدقنا النية والتوجه أننا نريد إقامة دين الله في حياتنا.
وكيف لنا أن نتوحد وتحت أي راية نتوحد ومن سيكون خليفتنا؟ وللإجابة على ذلك فإننا نقول: إنه إذا صدقنا النية في أن الحكم لا يكون إلا لله وحده، وأن نظام الحكم بالإسلام هو نظام الخلافة كما سبق واتفقنا؛ فإنه يسهل علينا أن نختار من بيننا من نبايعه إمامًا أو خليفة للمسلمين، فهذا لا يحتاج منا إلاَّ أن نصدق النية إرضاءً لله سبحانه، ونسوق مثالًا على ذلك، فإن المسلمين عندما ينادي المنادي للصلاة تجدهم يتوجهون إلى بيوت الله لأداء الصلاة، فإذا ما قامت الصلاة ولم يكن في هذا المسجد إمام معين، فإنهم وخلال لحظات سريعة يقومون باختيار إمام لهم يتقدمهم بين يدي الله فيكبر ويكبرون وراءه جميعًا ويؤدون فرضهم بدون أدنى اختلاف، أقول هذا للتدليل على أن الحكم بما أنزل الله فرض كما هي الصلاة والزكاة والحج فروض، فإذا ما تقدمنا لإقامة الحكم بما أنزل الله تعالى تَعَبُدًا لله نرجو منه قبولها كما نتقدم تمامًا في المسجد مصطفِّين بخشوع وانتظام عز نظيره في الدنيا، فإن كنا كذلك فلن نختلف بإذن الله، ولن يساور أياً منا شعور أو رغبة في أن يكون هو الإمام أو الخليفة، وستجد من بيننا من يتمنّع عن التقدم خوفًا من تحمل مسؤولية المسلمين أمام الله، فالأمر جدُّ مخيف لمن يخاف الله ويتقيه، ولن نختلف على الراية ما دامت راية العقاب، راية رسولنا الكريم، تجمعنا. فإمامة المسلمين ليست زعامة دنيوية وقصور فارهة ووجاهة وأموال نجمعها كما يفعل الحكام اليوم، بل هي مسؤولية أمام الله، وإخلاص له سبحانه، وخضوع وتذلل لله العزيز الحكيم، نرجو منها عز الإسلام والمسلمين في الدنيا ورضوان الله وجناته في الآخرة، وذلك الفوز العظيم.
نحن أيها الأحبة أمة تختلف بنظام حكمها عن الأمم الأخرى، فالخليفة في نظامنا الإسلامي لم يكن يشبع إلا بعدما تشبع رعيته، وتذكرون قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو أن بغلة عثرت في أرض العراق لسئل عنها عمر». فلتَثِقُوا بأمتكم وبرجالها، ولتخلصوا النية في أن الهدف أن يصل الإسلام إلى الحكم، وليس الهدف في أن يصل تيار بعينه أو شيخ بعينه، نريد إمامًا كإمام المسجد نصلي وراءه ولا نختلف عليه، إمامًا يكون فقيهًا في الفرض الموكل اليه. أما كيف لنا أن نتخلى عن مواقفنا وآرائنا فهذه أسهل من سابقاتها إن نحن أخلصنا النية في أن العمل المطلوب تأديته، وهو الحكم بما أنزل الله، هو طاعة لله وامتثال لأمره. فإذا وضعنا هذا أساسًا، فإن التخلي عن بعض آرائنا لبعضنا لا يكون تخلي طائفة لطائفة أو زعامة لزعامة، بل هو تخلٍّ منا جميعًا لرسول الله ومنهجه ورايته، وقد سبق أن بيَّنَّا الكيفية الشرعية للوصول إلى الحكم، كما علمنا إياها رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
أما كيف نبني دولتنا الإسلامية، فهو كذلك كما علمنا إياه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو على النحو التالي: أن نتعلم ديننا تعلمًا ثقافيًا سياسيًا لنصنع رجالًا أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي… ثم ندعو الناس وبشكل واضح وصريح إلى ترك أنظمة وأفكار الكفر والدخول في كنف الإسلام كدين ونظام حياة نقارع الحجة بالحجة… ثم نقوم بالبحث عمن ينصر الإسلام من أهل القوة والمنعة ليحملوا الإسلام معنا كما حمله أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم… وبعد الاستجابة لطلب النصرة كما فعل الأنصار نقيم الدولة ويعز الإسلام والمسلمون، ومن ثم يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
إخواننا في كل مكان، نخاطبكم ودمنا ينزف في الشام وفلسطين والعراق، وفي مصر وليبيا واليمن وأفغانستان وبورما، وفي كل أرجاء أمتنا، نخاطبكم والرجاء يملؤنا في أن تتوحدوا وتُوَحِّدوا جهودكم للعمل جميعًا لإقامة دين الله في الأرض بإقامة الخلافة الإسلامية التي ستستأصل كيان يهود من أرضنا، وتقلع الاستعمار من جذوره… نخاطبكم والأمة في أمَسِّ الحاجة للإسلام وللخلافة الإسلامية ذات الصيت المخيف والجيوش المرعبة والرجال الذين لا يخافون في الله لومة لائم… فالله الله للعمل على توحيد جهودنا، فنحن على أبواب قيام دولة الخلافة الإسلامية، فلا يفوتنا شرف العمل لإقامتها، فنحن في خندق واحد شئنا أم أبينا أمام أعداء الله وأعدائنا… وها نحن في حزب التحرير قد أعددنا لأمتنا مشروع الخلافة الإسلامية من نظام الحكم، إلى نظام الاقتصاد، إلى النظام الاجتماعي، إلى الدستور، إلى السياسة ا لخارجية فالداخلية والتعليم، إضافة إلى جميع شؤون الحياة، وندعوها للاطلاع عليه، ندعوها لنعمل معًا على استئناف حياتنا الإسلامية عن طريق مبايعة خليفة يحكمنا بالكتاب والسنة، ويكون له علينا السمع والطاعة. قال تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ).
وهذا نِداءٌ حَارٌ مِنّا جَمِيْعًا لِلشُرَفَاءِ من القَادَةِ وَالْضُبَاْطِ وَالجُنُوْدِ فِيْ جُيُوْشِنَا:
نعلم أن فيكم الرجال والرجولة، وفيكم الأبطال وصانعي البطولة. نعلم أن فيكم النخوة والشهامة والمروءة. فأنتم من سلالة رجال علّموا الدنيا كيف تُصنع البطولة، بطولة الرجالِ على الرجالِ في ساحات الوغى، فلم يسجل عليهم التاريخُ انتهاكًا لحُرمات الآمنين من النساء والأطفال والشيوخ، نعلم ذلك وأكثر يا أحفاد خالد وسعد وعمرو بن العاص وصلاح الدين، ونعلم أنه لا يرضيكم ما جرى ويجري لأمتكم في شتى بقاع بلادنا، ونعلم أن الدماءَ تغلي في عروقِكم، وأنكم في صراعٍ مع النفسِ وفي حِـيرة مع الذات، تنازِعُكم رجولَتـُكم مسؤولِيتَكم فلا يستقر لكم بداخلكم حال، نعلم كم أنتم مُحرجون أمام أنفسكم وأمام مقاماتكم العسكريةِ ورُتبكم، تحُسّون بكل التقصير والهوان، ينظر أحدكم إلى نفسه في المرآة وهو بكامل قِيافَتِه العسكرية؛ فيجدُ نفسَه جِنرالاً لا يليق به إلا أن يكون لساعات الشدة التي تمرُ بها أمتُه، ثم ينظر بِفكره إلى واقعه والواقع من حوله فيجدُ أنه إذا بقي على هذه الحال فلن يكون جنرالًا إلا على نفسه، ويجد أنه ركن إلى الحياة ليخرج منها كأي إنسان عادي لا يذكره أحد بخير، وليجد نفسه كقائد وجنرال عسكري برتبة لها اعتبار اسمي، ولكن ليس عندها قرار فعلي، قائد وجنرال عسكري رضي بأن يكون مع الخوالف.
واعلموا أيها الرجال أنه لا خيار لأمتكم المحتلة بلادها من الغرب الكافر المستعمر إلا أن تتوجه بأنظارها إليكم يحدوها أملٌ كبير في أن تستيقظ فيكم تلك الرجولة والبطولة التي تعرفها فيكم؛ فَتُمسِكوا بزمام الأمور وتَحجروا على أيدي السفهاء من الخونة والعملاء الذين باعونا وباعوكم وباعوا ديننا وبلادنا ومقدراتنا، باعوا كل شيء بثمنٍ بخسٍ وما زالوا فينا من الزاهدين. نعم لا خيار لأمتكم إلا بكم، فهذا قَدَرُ أمتكم وقَدَرُكم فلا تركنوا إلى الخوف من أي شيء إلا من الله، وأطلقوا نفوسكم وقلوبكم وعقولكم باتجاه بارئها ليحل الرجاء من الله والخوف منه محل أي خوف أو رجاء من سواه، فان الرجاء عندما يكون من الله ولله فإنه يملأ النفس راحة وثقة وطمأنينة بأنك الأولى بنصر الله والأقوى في كل نِزال، فإن الذي خَلَّد ذكر خالد وسعد وعمرو بن العاص وصلاح الدين وغيرهم هو انتماؤهم لأمتهم وصدقُهم وإخلاصُهم لربهم، والرسالة التي حملوها للدنيا، رسالة الإسلام التي أنارت ظلمات الجهل وفَتَحَت النافذة الصحيحة أمام الإنسانية نافذةً أبصر الناس من خلالها حقيقةَ وجودهم في هذه الحياة الدنيا الفانية؛ فسمعوا منهم أن العبودية لا تكون إلا لله، فلامس هذا الكلام عقولهم فآمنوا، وسمعوا منهم أن الله يأمر بالعدل والإحسان فلامس هذا الكلام قلوبهم فاطمأنوا أن لا أحد أكرم عند الله من الآخر إلا بتقواه؛ فعرفوا أن هؤلاء ليسوا قادة عسكريين جاؤوا ليحتلوا بلادهم وينهبوا خيراتهم، بل هم رسل سلام ومحبة ليخرجوهم من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، ومن جور السلطان إلى عدل الأديان، فكم من البلاد فُتحت لهم دون ضربة سيف واحدة. نعم هذا شأن القادة العسكريين عندما يكونون أصحاب رسالة كرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يسجل عليهم أعداؤهم عيبًا أخلاقيًا واحدًا، فعرفوهم مؤمنين فأَنِسُوا بهم، يعطون للإنسان أيَّ إنسان مهما كانت ملته يعطونه حقه الذي فرضه الله تعالى له كاملًا ويحمونه ما دام تحت رعايتهم، ولم يُكْرِهُوا أحدًا ليؤمن بما جاؤوا به؛ فدانت لهم الدنيا يسبقهم اليها طِيْبُ السمعة والأخبار وحسن الإدارة والرعاية والجوار، وليس كما يفعل بالإنسانية رعاة الأبقار وأبناء القردة والخنازير الذين ما دخلوا بلدًا إلا وخلَّفوا وراءهم الدمار، وما زالوا للآن يفعلون بنا وبغيرنا الأفاعيل التي لا تمت للإنسانية بشيء. أيرضيكم أيها الأبطال أن تظلوا، وأنتم أخيارُ من أخيارٍ، تحت إمرةِ هؤلاء الأشرار، وأذنابهم من حكامنا الذين خانوا أمانتهم فينا فساقونا أمامهم إلى حظيرة المذلة والهوان والعار، أيرضيكم ذلك؟! أيرضيكم صمتهم عن تقطيع أوصال أطفالنا في غزة وفي الشام وبورما وغيرها، ولم يُسمع لأحدهم صوت؟ وعندما سقطت الصواريخ على رؤوس يهود في فلسطيننا المحتلة هَبُّوا لنجدتها كالكلاب المسعورة؛ فتجمع وزراء الدول الكرتونية في قاهرة المعِز, ليعززوا موقف شقيقتهم (إسرائيل)؟, فمَن لغزة، ومن للشام، ومن للإسلام والمسلمين أيها الأبطال؟! إن فيكم الكفاية لنصرة المسلمين المظلومين إذا أخلصتم لله سبحانه وصدقتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرتم دينكم… إنكم إن فعلتم ذلك فلن تجدَ أمتكم الإسلامية خيرًا منكم كحماة للإسلام وأهله وحراس لعقيدتكم… فالله الله أيها الأبطال لنصر دين الله فتفوزوا فوزًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، فأنتم أَوْسُنَا وخَزْرَجِنا، أنتم أَمَلُنا وسلاحُنا بعد التوكل على الله… افعلوها كما فَعلها أنصار دين الله وأنصار رسوله، فَفُتِحت لهم جَنَّات المأوى قبل أن تُفتح على أيديهم أرض الله… افعلوها يرحمكم الله واحجروا على تلك الشرذمة التي ما جلبت لنا وعلينا إلا العار والدمار… افعلوها فكبرياء أمتكم مجروحة من هؤلاء السفهاء، وجسد أمتكم ينـزف… افعلوها لله يرحمكم الله ومن أجل الله، ولكم إن شاء الله أجر الأوس والخزرج، أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفوق ذلك جنات الله ورضوان منه. وإذا عزمتم فلا تتوكلوا الا على الله، فهو نعم المولى ونهم النصير.
فإليكم أيها الضباط والجنود، الغيورون على دينهم وأمتهم، يا من تحبون أن تروا بلادكم عزيزة، وأهلكم يعيشون بكرامة، وأمتكم تتبوأ مكانتها الصحيحة بين الأمم… نوجه نداءنا الحار هذا نحن في حزب التحرير الذي تأسس منذ 1953 كحزب سياسي على أساس الإسلام، من أجل استئناف الحياة الإسلامية في واقع الأمة لنعيش عيشًا إسلاميًا وفق الأحكام الشرعية، عن طريق تنصيب خليفة يبايعنا على أن يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، ونبايعه على السمع والطاعة؛ فنتوجه مخلصين إلى كل أبناء قواتنا المسلحة المنتشرة في ربوع عالمنا الإسلامي في هذه الأيام المباركة قائلين لكل منكم: إننا أعددنا لكم وللأمة الإسلامية مشروع دولة الخلافة على منهاج النبوة، وهو الآن بين أيديكم لتحملوا الإسلام قضية لكم، وسلكنا في هذا المشروع مسلك نبينا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في بنائه لدولته، وضمَّنَّا هذا المشروع في كُتُبٍ منشورة ومتوفرة على مواقعنا، فمن كتاب نظام الإسلام الذي يتضمن مسائل العقيدة والقيادة الفكرية وكيفية حمل الدعوة، إلى كتاب أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة الذي يتضمن تفصيلًا لشكل الدولة وأجهزتها بجميع أركانها، إلى كتاب النظام الاقتصادي الذي يتضمن شرحًا مفصلًا لكيفية التعامل مع المال جلبًا وإنفاقًا وتحديد موارد الدولة، وحق الأمة في هذه الموارد وشكل الأموال في دولة الخلافة، إلى كتاب النظام الاجتماعي الذي يتضمن تفصيلًا لشكل العلاقة بين الرجل والمرأة في شرع الله، إلى كتاب مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له الذي يتضمن 191 مادة تفصل القواعد والقوانين التي ستقوم دولة الخلافة بتبنِّيها وتطبيقها في واقع حياة الناس، دستور مستنبط شرعي من أدلته الشرعية، إسلامي وحسب وليس فيه حرف من خارج الإسلام، دستور ينظم العلاقات جميعها في كافة شؤون الحياة، من نظام الحكم، إلى النظام الاقتصادي، إلى النظام الاجتماعي، إلى النظام التعليمي، وشكل المدارس بمراحلها الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، إلى السياسة الداخلية والخارجية، دستور ينظم هيكل الجيش من أميره إلى أدنى رتبة فيه، وهيكل الشرطة والطريقة التي تتعامل بها مع الناس على أساس شرعي، كل ذلك وغيره مفصلًا تفصيلًا يسهل عليك أن تقرأه وتفهمه، مشروع دولتنا ودستورها مبني في استنباطه على قوة الدليل الشرعي، ورأينا في ذلك كله صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، والعبرة بقوة الدليل الشرعي.
فإلى العمل أيها الإخوة، فمشروع الخلافة الإسلامية يدق الأبواب ويناديكم أن هلموا لبناء مجد أمتكم فتكونوا أسياد العالم من جديد. وما يجري لأمتكم من حوادث هنا وهناك إلا إرهاصات لمرحلة المخاص الذي تعيشه الأمة، فلا يفوتنك شرف المشاركة في العمل على تحقيقه، ليتحقق وعد نبينا فينا هذه الأيام «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» فالله الله نصرة لله ولدينه ولرسوله وأنتم أهل لها بإذن الله.
فحزب التحرير الذي سار على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعوتكم للعودة للإسلام كنظام حياة، شارحًا طريقته التي يسير عليها المأخوذة من طريقة رسولنا الكريم؛ لتطلعوا عليها وتتبنوها وتنصروها، ليـَرجو من الله وحده أن يمنَّ علينا بالنصر من عنده، وأن يمن عليكم فيسخِّركم لنا أهل نصرة لتحموا هذا الدين ودعوته وتنصروه، إنه وحده القادر على ذلك. وإننا ومن شدة إيماننا بقرب نصر الله لدينه، فإننا لنجد رائحة فجر الخلافة الإسلامية تملأ آفاقنا لذلك ندعوكم أيها الجنود المرابطون أن لا تفوتوا فرصة نصر دين الله ودعوته، فقوموا وكبروا الله أكبر وحيَّ على الفلاح… واستجيبوا لنداء حار أطلقناه أن واااااا أوساه واااااا خرزجها واااااااجنداه…
قال تعالى: ( إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )q
2016-04-25