الحرب على أمة الإسلام في ظل الثورات
2016/02/15م
المقالات
6,681 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحرب على أمة الإسلام في ظل الثورات
حمد طبيب – بيت المقدس
لقد جُنَّ جنون الدول الاستعمارية الكافرة، وهي تنظر إلى هذه الأمة الكريمة تتجاوز كل تقديراتها، وكل حساباتها المادية تجاه الشعوب وحركاتها… فبعد أن اطمأنت إلى فعلتها الإجرامية النكراء (هدم الخلافة)، قال أحد كبرائها ومجرميها وهو وزير خارجية بريطانيا اللورد كاريزون مقالته المشهورة: «لقد قضينا على تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم… لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين؛ الإسلام، والخلافة»... وبعد كل ما صنع الاستعمار كمقدمات لهذه الجريمة؛ من تفرقة وإثارة للنعرات القومية، ومن حرب فكرية وتبشيرية، وحرب مادية، وغير ذلك من أساليب، ثم ختمها بهذه الفعلة النكراء الإجرامية… بعد كل ذلك، ينبهر هذا الغرب المستعمر، وهو ينظر إلى هذه الأمة الكريمة تقف على أقدامها، بعد ربع قرن من الحرب الشرسة والتمزيق وإثارة الفتن والمحن والشرور في بلاد المسلمين كافة، من المحيط إلى المحيط، لتقول للكافر المستعمر وفكره ودينه بأعلى صوتها: «ارحل عن أرضنا وبلادنا وخيراتنا»، وزاد من حيرته واندهاشه أن الأمة صارت تطالب بإعادة الحكم بشريعة ربها، وتنادي بعودة الخلافة التي هدمها، وتبذل جهوداً جبارة في سبيل ذلك…
لقد اضطر الكافر المستعمر بعد سنوات طويلة من الاستعمار والهدم والتخريب أن يرحل عن بلاد المسلمين مرغما مهزوماً، فلجأ إلى تنصيب عملاء يخلفونه بهذه المهمة الحقيرة القذرة الدنيئة؛ أي ليكونوا قوّامين على الشعوب الإسلامية وخيراتها لصالح الاستعمار نيابة عنه، وظل هذا الحال عند هؤلاء الرويبضات من الحكام، يلبسهم الاستعمار أحيانًا لباس القومية الكاذبة، وأحيانًا لباس الوطنية المضللة، وأحيانًا أخرى لباس الإسلام الوسطي أو الديمقراطي الحّر حسب زعمهم، وظلت المعاناة عند أبناء الأمة المسلمة، وظل التظلُّم وعدم الاستقرار تجاه هؤلاء الرويبضات، وازداد هذا التظلم وإظهار عدم الرضا تجاه هؤلاء الحكام صنائع الغرب وعملائه، وصار يزداد يومًا بعد يوم كلما تكشفت حقائق ووقائع جديدة من الخيانات والتنازلات عن مقدرات الأمة وحقوقها… فبعد نكبة الأمة في فلسطين بسبب حكامها، سقطت معظم ثقة الأمة بهؤلاء الحكام، وازداد هذا السقوط عندما علمت الأمة أن الحكام كانوا سببًا في هذه النكبة العظيمة، وأنهم سلّموا المسجد الأقصى المبارك وأرضه المقدسة الطاهرة بردًا وسلامًا لليهود؛ ليقيموا عليها كيانًا حربيًا، يقف ندًا لله ولرسوله ولأمة الإسلام، ثم سقطت هيبة هؤلاء الحكام من أعين الأمة عندما قبلوا لأنفسهم أن يعقدوا سلماً وصلحاً مع هذا الكيان المجرم المغتصب، وعندما صاروا كذلك يقيمون معه علاقات الودّ والوئام واللقاءات والسفارات، والمعاملات التجارية، وحتى الأمنية والعسكرية عند بعض الدول مثل تركيا ومصر.
وقد ساهمت أيضًا حرب الخليج- الأولى عام 1990م والثانية عام 2003م، وما جرى فيهما من أحداث، وما ترتب عليها من مخازي؛ مثل مشاركة الحكام لأميركا، في حربها ضد العراق، وهو عضو في الجامعة العربية، وفي منظمة مؤتمر العالم الإسلامي. ثم مشاركتها في الحلف الجديد سنة 2003م، في الحرب ضد أفغانستان والعراق معًا؛ بحجة محاربة الإرهاب، أي محاربة الإسلام المخلص، غير الموالي لسياسات الذل والهوان التي تريدها أميركا وحلفاؤها. ثم مشاركتها لأميركا صراحة فيما سمته المشروع العالمي في (الحرب على الإرهاب)، وتوقيعها مع الكفار على المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بهذه الحرب الإجرامية.
فقد عاشت الأمة الإسلامية فترات عصيبة، وحياة ملؤها الضنك والشقاء، ويسودها الفقر والحرمان؛ بعد خروج الاستعمار الكافر المجرم، وفي ظل الحكام الرويبضات المجرمين من الذين نصبهم الاستعمار خلفه. وقد حاولت الأمة خلال هذه الفترات السابقة، منذ هدم الخلافة، ومرورًا بالاستعمار العسكري، ثم الحكام الرويبضات عملاء الاستعمار، حاولت أن تسلك طرقًا وتتبع أساليب كثيرة للتعبير عن غضبها وتظلمها؛ ومن ذلك السير تحت شعار القومية والوطنية، وصار قسم منها أيضًا ينادي بالديمقراطية الغربية، والقسم الأعمّ والأغلب ينادي بالإسلام وتطبيقه؛ عن طريق دولة إسلامية تحكم بالإسلام…
لقد تصاعدت حركة الأمة ضد قوى الاستعمار وعملائه من الحكام في بلاد المسلمين، وصارت تقترب من دينها يوماً بعد يوم؛ وخاصة بعد فشل الحركات القومية والوطنية في بلاد المسلمين، حتى صار الإسلام وعودة الإسلام مطلبًا عند غالبية الأمة في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وظهر ذلك جليًا في ناحيتين:
الناحية الأولى: الانتخابات التي كانت تحصل في بعض بلاد المسلمين مثل الجزائر والسودان وتركيا وباكستان وغيرها… حيث كانت الحركات الإسلامية تفوز بنسبة عالية تصل في بعض الأحيان إلى 90% من الأصوات في البرلمانات، أو نحو الرئاسة كما حصل في الجزائر.
والناحية الثانية: تمثلت في الحركات الجهادية في بلاد المسلمين ضد قوى الاستعمار العسكرية؛ مثل الجهاد الأفغاني ضد روسيا، أو الجهاد ضد الحركة الانفصالية النصرانية في جنوب السودان، أو الجهاد في كشمير ضد الهندوس، أو غير ذلك من حركات جهادية؛ فمثل هذه الحركات الجهادية غلب عليها الطابع الإسلامي أكثر من الطابع القومي أو الوطني، كما كان يحصل – من قبل- في بعض المناطق من العالم الإسلامي؛ إلا أن الغرب الكافر المجرم قابل حركة الأمة نحو الإسلام، ونحو التحرر والانعتاق من ربقته بحرب لا هوادة فيها، تمثلت بعدة أساليب ووسائل منها:
1- تسلط الحكام (عملاء الاستعمار) على أبناء المسلمين من الحركات الإسلامية بالقتل والسجن والتضييق… وغير ذلك من أساليب وضيعة.
2- الحرب الفكرية ضد الإسلام وضد أفكاره، وسخروا لهذه الغاية، بالإضافة لأعمالهم المضللة وأعمال حكامهم، فئة ضالَّة مضِلَّة من علماء السوء، ومن العملاء الفكريين والسياسيين من أبناء المسلمين.
3- الحرب التضليلية الماكرة الخبيثة؛ في استغلال بعض الحركات الإسلامية، في اتجاهات خاطئة تخدم مصالحهم الاستعمارية، ومشاريعهم السياسية، كما جرى في السودان في فصل الجنوب، أو تركيا في الحرب على أفغانستان والشام، أو إيران في العراق، أو الأردن في ترسيخ معاهدة السلام مع كيان يهود تحت عنوان المعارضة في البرلمان.
4- إيصال بعض الجماعات المنتسبة للإسلام إلى سدة الحكم، مقابل سيرها في ركابهم، ومسايرتها للفكر الغربي، وقبولها بالمؤسسات الدولية وشرعة الغرب، كما حصل في تركيا (حزب الرفاه والتنمية)، وإيران (حكم الآيات).
5- الحرب العسكرية، ومحاولات الغرب ترسيخ أقدامه في بعض بلاد المسلمين؛ كما جرى في حرب العراق الأولى والثانية، والحرب على أفغانستان، وكما جرى كذلك من قبل كيان اليهود في غزة هاشم، وجنوب لبنان أكثر من مرة…
لقد ظل الغرب وعملاؤه السياسيون – من الحكام – يمارسون كل ألوان الصدّ عن دين الله عز وجل، لصرف الناس عن هذا الاتجاه الجديد في بلاد المسلمين، وخاصة في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، حتى وصل الأمر إلى بداية العهد الجديد من تاريخ هذه الأمة العظيمة وجهادها (عهد الثورات من بداية 2010م)، والتي توَّجت حركة الأمة السابقة عبر ما يقارب السبعين عامًا أو يزيد؛ من المعاناة والفقر والحرمان والظلم والتسلط… وفي ظل هذه التطورات والمستجدات العظيمة، زاد الاستعمار المجرم من حربه، واستحدث أساليب جديدة لصد الأمة عن دينها، وعن حركتها نحو التحرر والانعتاق من ربقته ومن ربقة عملائه السياسيين، وصار يخوفها من عودة الإسلام إلى واقع الحياة… وسنذكر بعضاً من هذه الأساليب والوسائل والأعمال والأقوال التي واكبت مرحلة الثورات في حرب هذه الأمة؛ لإبعادها عن دينها، وثنيِها عن هدفها السامي الرفيع، وهو إعادة الحكم بما أنزل الله إلى واقع الحياة مرة ثانية. وقبل أن نذكر هذه الأساليب والأعمال الكافرة الشريرة، نريد أن نقف عند حقيقة مهمة قررها رب العزة جل جلاله في القرآن الكريم، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهي:
أولًا: إن الحرب على دين الله عز وجل وعلى أمة الإسلام لا تنتهي أبداً ما دام هناك كفرٌ وإيمان، وإن هذه الحرب تزداد كلما ازدادت الأمة تمسكًا بدينها واقتربت من تحقيق هدفها السامي النبيل، وإن الكفر يبتكر الأساليب والوسائل كل يوم في هذه الحرب.
ثانيًا: الذي قرره رب العزة جل جلاله هو أن هذه الحرب مصيرها الهزيمة والبوار لأهل الكفر؛ لأن الحرب هي مع الله أولًا، قبل أن تكون مع أمة الإسلام؛ لأنها حربٌ على دين الله عز وجل وشريعته؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )
إن هذه المرحلة من الثورات قد جاءت، كما ذكرنا، نتيجة غيرة الأمة وتمسكها بدينها أولًا، وجاءت ثانيًا كردة فعل قوية من قبل الأمة الإسلامية في معظم بلاد العالم الإسلامي على خيانات الحكام تجاه قضايا الأمة الحساسة؛ وخاصة الاستعمار السياسي والفكري والاقتصادي لبلاد المسلمين ومقدراتهم وأموالهم، وذلك بسبب تواطؤ هؤلاء الحكام مع قوى الاستعمار، وكردة فعل كذلك نتيجة الخذلان الذي حصل من هؤلاء الحكام تجاه القوى الاستعمارية الشريرة، وهي تغزو بلاد المسلمين وتبطش بأبنائها، فلم يحركوا ساكنًا؛ كما جرى في العراق وفلسطين، بل إن بعضًا منهم تآمر مع هذه القوى؛ كما حصل من تركيا وإيران ومصر ودول الخليج والسعودية في معاونة أميركا أثناء غزوها للعراق وأفغانستان سنة 1990م و 2003م، وسكت حكام بلاد العالم الإسلامي أيضًا على بطش اليهود تجاه أهل فلسطين، والبلاد المجاورة كلبنان سنة 1982م وسنة 2006م… وغير ذلك من غزو عسكري لغزة هاشم أكثر من مرة… فانفجرت الأمة مرة واحدة نتيجة التراكمات التي حصلت عبر سنوات وسنوات؛ من الظلم والقهر والقيد والاضطهاد لأبناء الأمة حتى إن الأمر لم يعد يطاق…
لقد كادت الأمور أن تفلت من يد الاستعمار عندما هبت الشعوب؛ ابتداء من تونس سنة 2010م، ثم مصر وليبيا والشام واليمن… فوضع الاستعمار – بمساعدة عملائه من الحكام، وركائزه من الأوساط السياسية، والعملاء الفكريين والسياسيين – وضع خطة رهيبة خبيثة وماكرة؛ عمدت أولًا إلى امتصاص نقمة الجماهير الثائرة ضد النظم العميلة وظلمها… فتخلت في بداية الأمر عن بعض هؤلاء الحكام، وأمرتهم بالتنازل عن السلطة؛ مثلما جرى في تونس ومصر، وذلك لإبعاد نقمة الجماهير عن الوسط السياسي(الواجهة الأخرى للاستعمار)، ولإبعادها كذلك عن القوى العسكرية الحارسة لمصالح الغرب؛ من الضياع والانهدام.. فكانت هذه هي المرحلة الأولى للتعامل مع الثورات، ثم جاءت المرحلة الثانية، وهي الأخطر، في هذا المضمار وهذه المرحلة وضع لها الاستعمار خطة خبيثة تهدف إلى:
1- تحطيم طموح الأمة نحو التحرر والانعتاق من الاستعمار السياسي والعسكري، من الاستعمار وعملائه.
2- عدم خروج الأمة عن سياسات الغرب، ومشاريعه وفكره في بلاد المسلمين.
3- إبعاد الأمة عن التفكير بالإسلام السياسي؛ كمرجعية وقيادة وغاية للأمة في بلاد المسلمين.
4- الإبقاء على عملاء الغرب وأوساطه السياسية المخلصة له ولسياساته ومشاريعه الاستعمارية، حارسة لمصالحه، وعدم تحطيمها.
5 – تحطيم مقدرات الأمة الاقتصادية، وقواها العسكرية عبر حروب دامية لا تنتهي؛ وذلك خوفًا من تغيرات مخلصة في هذه القوى.
6- إشغال الأمة في قضايا جانبية (كالفتن الطائفية، والتقسيمات الانفصالية)، وصرفها وسكوتها عن القضية الأساسية عندها، وهي إزالة أسباب الظلم من حياة الأمة وترسيخ أسباب العدل.
7- عدم المساس بمصالح الغرب الحيوية وأفكاره من حريات وديمقراطيات، وعدم المساس كذلك بالقوى التابعة للاستعمار مثل الكيان اليهودي، وعدم المساس كذلك بقواه وقواعده العسكرية ومؤسساته الحيوية في العالم الإسلامي.
كانت هذه أهم الخطوط العريضة التي وضعها الاستعمار، وعلى رأسه أميركا وأوروبا للمرحلة الثانية بعد تهدئة الأوضاع في هذه الثورات، ثم أخذ يعمل على ترسيخ هذه الخطوط الرئيسية في أرض الواقع بالأعمال السياسية والعسكرية المتعددة. ومن هذه الأعمال التي قام بها وما زال يمارسها في بلاد المسلمين:
1- إبراز بعض الجماعات الإسلامية التي يسميها بالمعتدلة في بلاد المسلمين عبر الانتخابات، لتكون ستارة مخادعة وكاذبة، أمام رغبة الأمة في عودة دينها وفكرها وحضارتها، وتضليل عملي مباشر لصرف الأمة عن الإسلام السياسي الذي يخشى الغرب من عودته ويحسب له الحسابات الكثيرة… ومن هذه الجماعات التي أبرزها الغرب على سبيل المثال (حركة النهضة في تونس) وبعض القيادات في حركة الإخوان المسلمين في مصر، وبعض الجماعات الإسلامية في ليبيا… وبعض الشخصيات في الائتلاف المفاوض المحسوبة على الإخوان المسلمين في سوريا الشام.
2- إثارة الفتن والحروب الطائفية في بلاد المسلمين، وخاصة تلك البلاد التي حصلت فيها الثورات؛ وذلك كما جرى في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، من إشعال نار الفتنة السوداء بين المسلمين، وكذلك ما يفعله اليوم لإيجاد الفتنة في أرض تونس الخضراء عن طريق الاغتيالات السياسية.
3- مباشرة تحطيم القوى العسكرية في بلاد المسلمين بالفعل، عن طريق الحروب المباشرة وغير المباشرة؛ خشية أن يحدث أي تغيير في ظل هذه الثورات، كما ذكرنا، وليس أدل على ذلك مما يجرى في اليمن وليبيا ومصر وغيرها من بلاد حصلت فيها الثورات.
4- إيجاد التنظيمات العسكرية المخادعة، والتي تظهر بمظهر الإسلام، وهي في الحقيقة تخدم سياسات الدول الكافرة مثل (تنظيم دولة العراق والشام) الذي انفصل عن جبهة النصرة، وصار له امتداد سريع وبشكل لافت للنظر في أرض الشام والعراق.
5- إشغال الأمة بموضوع الانتخابات والدساتير والمجالس التشريعية والتأسيسية؛ لصرف الناس عن الموضوع الأساس لحركتهم وثورتهم، وهو إزالة أسباب الظلم من بلادهم؛ وذلك كما هو حاصل اليوم في تونس ومصر واليمن.
6- التدخل العسكري المباشر كلما اقتضى الأمر ذلك؛ عن طريق طائراتهم العملاقة، وحاملات طائراتهم؛ إما منفردين، أو بمشاركة القوى العميلة من الحكام المأجورين؛ كما تفعل روسيا وفرنسا وأميركا وغيرها من دول في أرض الشام والعراق وأفغانستان واليمن، وفي غيره مستقبلًا .
7- إقامة أحلاف جديدة في المنطقة، تشمل دول من مناطق الثورات والمناطق المجاورة؛ كالحلف الذي أسسته أميركا للتدخل في اليمن، والحلف الذي تسعى لتأسيسه عن طريق تركيا وإيران وبعض الدول الأخرى؛ مثل السعودية ومصر من أجل التدخل العسكري المباشر المواكب لما تفعله أميركا وحلفاؤها في أرض الشام .
هذه هي أهم الأهداف التي وضعها الاستعمار؛ خلال مرحلة الثورات وما بعدها، وهذه هي أساليب ووسائل تنفيذها، وهي في المحصلة تهدف إلى أمر مركزي ومحوري؛ وهو: (أن لا تقوم لهذه الأمة الإسلامية قائمة أبدًا، وأن تبقى بلادها وعبادها خدامًا وعبيدًا ومزرعة للغرب الكافر ليس أكثر من ذلك… )، فهل سينجح الغرب المجرم في جني الثمرة، كما يرسم ويضع من الخطط والأساليب في بلاد المسلمين؟.
إن الغرب قد ظهر فشله في غير مرة في بلاد المسلمين، بل في كل مرة يضع فيها سياساته وخططه المستقبلية لبلاد المسلمين، والسبب هو أن هذه الأمة ليست كباقي الأمم، فهي أمة عريقة، وأمةٌ عظيمة تحمل عقيدة لا يمكن أن تنهدم من عقولها وقلوبها حتى لو انهدمت كل مظاهر الإسلام العملية على أرض الواقع… ، وهي أمة ترفض الذل والهوان والظلم كما وصفها ربها عز وجل: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ). وكما وصفها رسولها عليه الصلاة والسلام: «بشر هذه الأمة بالتيسير بالسناء والدين، والتمكين في البلاد والنصر، فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب” رواه البيهقي ، ويقول أيضًا في رفعة هذه الأمة: (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا) رواه مسلم.
لقد اطمأن الكفر عندما هدم دولة الإسلام في بداية القرن الماضي، ثم غزا بلاد المسلمين ظنًا منه أن هذه الأمة قد ماتت ولن تقوم لها قائمة مرة ثانية، فتفاجأ بأن هذه الأمة تقف كالمارد العملاق؛ تنفي من بلادها خبثه وشره وكفره، وتُحرر بلادها واحدة تلو الأخرى، حتى أجبر على الخروج من كل بلاد المسلمين، ثم اطمأن مرة أخرى عندما نصّب حكاماً عملاء، يقومون بنفس الدور الذي يقوم به، وإذا به يتفاجأ مرة ثانية بأن هذه الأمة تعود إلى جذورها التي حاول طمسها، عن طريق هؤلاء العملاء، وتثور في وجه عملائه بسبب ظلمهم وجبروتهم، وبسبب تحكماتهم في ممتلكاتهم وخيراتهم، فجُنّ جنونه أكثر .. ووضع الأهداف والخطط والأساليب للمستقبل، حتى لا تصل الأمة إلى غايتها؛ وهي طرد كل بقايا الاستعمار الغربي بما فيهم الحكام العملاء.
ولكننا نطمئن هذه الأمة الكريمة؛ بأن الكافر لن يحقق أهدافه التي وضعها خلال مرحلة الثورات مهما اتبع من أساليب، ومهما اقترفت أيديه من جرائم، بل إن هذه الأساليب وهذه الجرائم سوف تنبه الأمة إلى دينها؛ سبب عزتها، وبسبب عداوة كل العالم لها في حرب قذرة وكاذبة؛ سماها الغرب (الحرب على الإرهاب)… فالسنوات القليلة القادمة ستكون سنوات الوعي على أهداف الأمة في ظل ثورتها وانتفاضتها… والوعي على أساليب حرف الثورات، وأساليب الالتفاف على أهدافها، والوعي كذلك أنه لا مخلص لهذه الأمة مما هي فيه إلا شيء واحد؛ هو إقامة دولة تحكم بدينها؛ الذي هو عصمة أمرها وطريق عزها وخلاصها.
فالثورات لم تنته بعد، وحركة الأمة لم تسكن، وإن هذه الأمة هي أمة الخير والعطاء والرفعة والعزة والكبرياء، والأمة فيها مخلصون كثر، واعون على كل تلابيس الكفار وألاعيبهم السياسية، وهم يسعون باستمرار لوضع الأمة على الطريق الصحيح، وصرف الأذى والخداع والتضليل السياسي والفكري من حياتها، وكشف العملاء من الحركات التي تتلاعب بمصيرها .
فقد هيأ الله عز وجل لهذه الأمة حزبًا سياسيًا إسلاميًا مخلصًا؛ ينفي الخَبَث والتضليل والجهالة من طريقها، وهو قوّام على أهدافها وغاياتها الرفيعة السامية، ويسعى لاستئناف الحياة الإسلامية في ظل دولة تحكم بالإسلام .. وقد زادت حركته المبصرة الواعية بين جماهير الأمة في ظل حركتها العظيمة وثوراتها؛ من بدايتها، فواكب الأحداث في الشام، وفي ثورة تونس وليبيا ومصر واليمن… وهو يقوم باستمرار ببيان الزيف، ونفي الخبث وإزالة الضلالات من طريق الأمة .
وفي الختام نقول: إن الله عز وجل سيُذهب هذا الزبد جُفاء، ويُبقى الماء الصافي الطاهر الزُلال؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ )، وإن هذا المكر العظيم الذي تمكره الدول الكافرة العظمى؛ كأميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا، ومعها العملاء من الحكام؛ هذا المكر سيذهبه الله عز وجل ويبطله، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )، (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ )… فسنوات الشدة هذه سوف تزول؛ تمامًا كما زالت سنوات الشدة عن يوسف عليه السلام، وعن نبي إسرائيل في أرض مصر، وعن نبي هذه الأمة في مكة المكرمة… ثم يأتي عام يفرّج فيه الله عن هذه الأمة، ويرتفع فيه الحق، وتنحط كل قوى الشر وأباطيلها وأضاليلها، فهذه الحرب التي أعلنها الكفار على أمة الإسلام تحت عنوان (الحرب على الإرهاب)؛ هي حرب على الله ورسوله ودينه قبل أن تكون على أمة الإسلام، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ )، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ). وقال أيضًا: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ )،…. فمن ينتصر في حربٍ خصمُه فيها العزيز الجبار القادر المقتدر؟. لا أحد ينتصر على الله القاهر فوق عباده مصداقاً لقوله تعالى 🙁 كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) وقوله: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )وقوله: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُ ).
نسأله تعالى أن يكرم هذه الأمة؛ أولاً بالوعي على مخططات الكفار وعملائه في بلاد المسلمين، ونسأله أن يكرم الفئة المخلصة العاملة على توعية هذه الأمة وإزالة الظلم عنها بأهل النصرة والمنعة ليكون لها التمكين في الأرض بإذنه تعالى.. آمين يا رب العالمين.
2016-02-15