فيتنام كانت مقبرة الغزاة الأميركيين، وأفغانستان كانت مقبرة الغزاة الروس، وإن شاء الله تعالى، ستكون سوريا مقبرة الغزاة الروس والأميركيين معًا.
2016/02/15م
المقالات, كلمات الأعداد
6,052 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
فيتنام كانت مقبرة الغزاة الأميركيين،
وأفغانستان كانت مقبرة الغزاة الروس،
وإن شاء الله تعالى،
ستكون سوريا مقبرة الغزاة الروس والأميركيين معًا.
لقد تعاملت أميركا مع الثورة في سوريا بكل مكر وإجرام؛ إذ إنها تعتبر أن بشار أسد هو أحد عملائها المركزيين في المنطقة، وهي لا تسمح بخسارة من هذا الوزن؛ حتى إن مسؤولين فيها صرحوا أن ما يحدث في سوريا يتعلق بالأمن القومي الأميركي؛ لذلك كانت أميركا هي التي تدير مهمة قمع هذه الثورة منذ بداياتها؛ فجعلت من عميلها السفاح بشار أسد رأس حربة في هذه المهمة الإجرامية القذرة، وأمنت له كل ما يمكنه من القيام بذلك، وحمته من أي مساءلة دولية على جرائمه التي ارتكبها وما زال يرتكبها على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ضاربة بعرض الحائط بكل القيم الإنسانية والخلقية وحتى الروحية (هذه الطريقة من الإجرام التي تديرها أميركا تكشف بشكل واضح إفلاس الحضارة الغربية التي تتزعمها، وتؤكد على قرب سقوطها بإذن الله تعالى)، وأمنت له دعمًا سياسيًا وعسكريًا وديبلوماسيًا وإعلاميًا… وتأييدًا إقليميًا ودوليًا… وبذلك وجد النظام السوري نفسه مطلق اليد في ارتكاب جرائمه المغلظة، وهو ما مهر به طيلة أربعين سنة من حكم آل أسد (الوالد والولد).
وأميركا تتعامل مع هذه الثورة على أنها ثورة لا تهدف إلى إسقاط عميلها فحسب، بل هي ثورة جادة في إقامة نظام الخلافة والحكم بالإسلام؛ وتعرف أن هذا يهدد مصالحها الاسترتيجية وحضارتها ومركزها الدولي؛ لذلك هي عملت على إنشاء تحالف دولي لمحاربة هذا التوجه وضربه والقضاء عليه تحت شعار كاذب ولكنه بات مكشوفًا وهو شعار الحرب على الإرهاب، وهو الشعار المبطن الذي تهدف أميركا من ورائه إلى محاربة عودة الإسلام إلى الحكم وإلى مسرح السياسة الدولية. فالحرب في سوريا هي أكبر من تغيير النظام، إنها حرب قيم كما يصرح مختلف مسؤولي الغرب، ومن هذا القبيل تصريحهم أنها حرب ستطول؛ لأن الأمر يتعدى تغيير النظام السوري، كما قلنا إلى ضرب المشروع الإسلامي المتمثل بعودة الخلافة، ليس في سوريا فحسب، بل في كل المنطقة… ومن هنا كان هذا التواطؤ الدولي الذي يشارك فيه حكام المسلمين على اعتبار أن المشروع الإسلامي سيقضي على عروشهم، وعروش أسيادهم، وكانت هذه المؤامرة الكونية.
ويمكن القول إن أميركا هي المايسترو الذي يدير هذه المؤامرة الدولية على الإسلام والمسلمين في سوريا وخارجها ويوزع الأدوار، وقد استخدمت كل عملائها في المنطقة وعلى رأسهم إيران التي انخرطت كليًا في مشروع أميركا لضرب الإسلام لاعتبارات مذهبية تاريخية ليست من الإسلام في شيء، وإيران هذه قد سخرت كل إمكاناتها من مال وسلاح وخبراء، وجنَّدت رجال حرسها الثوري وحزبها في لبنان وميليشياتها في العراق، وما استطاعت أن تلملمه من مرتزقة طائفيين من باكستان وأفغانستان، ولعل أسوأ ما ارتكبته هو توظيفها البعد الطائفي في هذا الصراع واستغلاله أبشع استغلال، وهو ما ترمي أميركا من وراء النفث فيه واستعاره إلى منع المشروع الإسلامي من الاكتمال وبلوغ هدفه. ومن هذا المنطلق، فإن هذا الدور الطائفي مرشح لأن تستمر إيران في اللعب به لأنه يساهم في تحقيق أهداف أميركا، ومرشح لأن يتمدد هنا وهناك لأجل إحداث شرخ في كل الجسم الإسلامي يمنع توحده مستقبلًا. وهذا الكلام لا نقوله من فراغ ولا من منطلق التفكير بالمؤامرة، بل هو كلام له تأييداته التي لا تحصى. هذه هي حقيقة الصراع الآن: إنه صراع بين فسطاطين: فسطاط الحق وفسطاط الباطل ويتبعه النفاق؛ ولذلك هي تشهد مثل هذا التكالب الدولي عليها؛ لأنهم يستشعرون الخطورة على مصالحهم، بل على حضارتهم منها…
لقد استطاعت الثورة في سوريا بسبب تثبيت الله لها وصبر أهلها وتحملهم للتضحيات العظيمة أن تكشف حقيقة الصراع وتفضح أطرافه أكثر من كل الثورات؛ فهي استطاعت أن تفضح أميركا، ومعها أذنابها: ففضحت النظام السوري أنه من أهم عملائها… وفضحت النظام الإيراني المتخفي وراء دعوى أنه نظام إسلامي وممانع بينما هو يحارب عودة الإسلام إلى الحكم وبنفس منطق أميركا والغرب، ويؤازر النظام السوري في كل جرائمه، ويشارك الروس في عدوانهم على المسلمين… وفضحت الدور السعودي الذي عمل مؤخرًا على إدخال المعارضة السياسية والعسكرية في أتون الحل الأميركي عبر مؤتمر الرياض الذي جعل من السفاح بشار جزءًا من الحل عبر ما استحدثوه من بند المرحلة التفاوضية، وفضحت الدور التركي الذي كان من آخر ما استحدثه من مواقف إعادة العلاقات مع كيان يهود، والذي تخاذل ويتخاذل في نصرة الشعب المسلم في سوريا؛ فلم يمدده بالسلاح الذي يدفع العدوان عنهم، والذي يضيِّق عليهم على الحدود وفي بعض الأحيان يقتل منهم… وعلى أن أكثر من فُضح هو حزب إيران في لبنان الذي راح يشارك النظام السوري في ارتكاب أبشع المجازر…
ولكن، وبفضل الله وحده، فإن كل ما خططت له وأميركا ومكرت به لم يفلح في كسر الثورة، بل زاد أهل سوريا تصميمًا على خلع حاكمهم السفاح، وتصميمًا على إسلاميتهم، ووصل مكرها وإجرامها إلى الحائط المسدود؛ وذلك بعدما فشلت عميلتها إيران وحزبها اللبناني وميليشاتها الطائفية المتعددة الجنسيات في كسر إرادة المسلمين، ووصل وضع السفاح بشار إلى حافة السقوط. وهذا ما ألجأها أخيرًا إلى الاتفاق مع روسيا من أجل أن تقوم بتدخلها العسكري المباشر.
وما يجدر ذكره هنا أن أميركا أعلنت اتفاقها مع روسيا على هذا التدخل وأبدت كل المرونة معه، وسيرت العملية التفاوضية التي راح وزير خارجيتها يقودها جنبًا إلى جنب مع التدخل العسكري الروسي، واستحدثت ما سمي بالمرحلة التفاوضية في (مؤتمر فيينا)، وجعلت عبر (مؤتمر الرياض) الأسد جزءًا من هذه المرحلة التفاوضية، أي جزءًا من الحل، وهددت المعارضة السياسية بالاستغناء عنها واستبدالها في حال عدم السير في مؤتمر (جنيف3) الذي ستفرض فيه أميركا أجندتها للحل. فروسيا تقوم بالضربات الجوية المجرمة التي تقتل وتهدم وتشرد… وتعاونها أميركا بالضغط على الدول التي كانت تساعد الفصائل عسكريًا بعدم تزويد المقاتلين بالسلاح الذي يمكنها من منع روسيا من القيام بغاراتها، أو من منع القوات البرية للنظام السوري والحرس الثوري وحزب إيران وما تبقى من الميليشيات الطائفية المرتزقة التي تجندها إيران من التمدد على الأرض بالتنسيق مع الضربات الجوية الروسية. وهذا الموقف شبيه بموقف أميركا في بداية الثورة، والذي منعت فيه الدول من تزويد المقاتلين بالسلاح الفتاك تحت ذريعة الخوف من وقوعه بيد المتطرفين، وفي الوقت نفسه سكتت عن تزويد النظام بكل أنواع السلاح الفتاك.
وفي كل الأحوال، فإن التدخل الروسي المباشر هو صورة من الصور التي تكشف ضعف النظام السوري ومحاولة إنقاذه، ولكن مع هذا التدخل يكون الصراع في سوريا قد دخل مرحلة خطيرة، ويجب مواجهتها بإرادة صلبة، وبوضوح رؤية لما يحدث على أرض الواقع ولما يجب أن يحدث، وبحسن علاقة مع الله. وهذا ما لا نجده كليًا فيما يسمى المعارضة لا السياسية التي شكلوها بعيدًا عن إرادة المسلمين في سوريا، ولا عند بعض الفصائل العسكرية التي سمحوا لها بأن تكون ممثلة في المفاوضات المقبلة.
أما المعارضة السياسية، فإن أميركا قد حرصت على إبقائها ضعيفة منذ إنشائها، وقد جمعت أفرادها من غير أن يكون لديهم مشروعًا جامعًا ولا رؤية لحل موحد، وهم تجمع أكثر مما هم تكتل، ونزلاء فنادق أكثر مما هم أصحاب قضية، وموظفون أكثر مما هم قادة. وهم ممن لا يحظون بتمثيل شعبي. وهم ممن يطمحون إلى مناصب سياسية في سوريا الجديدة ويعتبرون أن مفتاح ذلك في يدي أميركا، وهؤلاء جعلتهم أميركا أسارى قراراتها وهددتهم بالتخلي عنهم واستبدالهم إذا ما عارضوا أجندتها للحل، وانتقتهم من العلمانيين أو المسلمين المعتدلين الذين يقبلون بالحل المدني العلماني للدولة، وهؤلاء يحسبون لمخالفة أميركا كل حساب، فنراهم يسكتون عن كل جرائم أميركا في وقوفها إلى جانب السفاح…. ولا يواجهونها أبدًا. فإذا أمرت أميركا بعقد مؤتمر للسلام ذهبوا إليه، وإذا وضعت بنوده وافقوا عليها، ولم يظهر عليهم لا مجتمعين ولا منفردين تقديم حل مستقل خارج الإرادة الأميركية. بل ينطبق عليهم القول: «يقولون ما يقال لهم كما تقول الببغا». ومن هؤلاء من أعلن أنه ليس مع إقامة الدولة الإسلامية لأن الغرب لن يسمح بإقامتها بل سيحاربها، بل والأنكى من كل ذلك هو أن يوضع في المراكز القيادية لهذه المعارضة البائسة شخصيات كانت منذ وقت قريب من أركان النظام السوري كرياض حجاب ورياض النعسان وناجي جميل، وهيثم المناع الذي كان يمثل على الناس أنه كان ضد النظام قبل الثورة… ولعل ديمستورا قد أدرك أنه مع هكذا معارضة فإن خطته لن تفشل.
إن الخوف يأتي من هذه المعارضة السياسية البائسة التي أنشأتها أميركا عبر تسميات ما أنزل الله بها من سلطان. من مثل المجلس الوطني والائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية… لتسير معها في حلها عندما يؤون أوانه. والمطلوب من المسلمين أن يدوي صوتهم بأن هؤلاء لا يمثلون الشعب السوري لا من قريب ولا من بعيد، بل هم يمثلون من أتى بهم وعيَّنهم. وأنهم لا يحملون تطلعات الشعب السوري المسلم الذي يتطلع إلى حكمه بالإسلام، نحن نعلم أن هناك رفضًا داخليًا عارمًا لهم، ولكن الرفض القلبي لا يكفي ولا يوقف المخطط المؤامرة عليهم، بل لا بد من تسجيل موقف صادح يعزل هذه المعارضة السياسية البائسة عن تمثيل الناس. إن مجرد عدم وجود طرف آخر يفاوضهم معناه أن لا حلول سياسية ستنجز على حسابهم.
أما المعارضة العسكرية، فقد استدعت بعض الدول الإقليمية كالسعودية وتركيا وقطر، استدعاءً بعض الفصائل، وخاصة ذات الطرح الإسلامي، والتي كانت تحصل منها على المال السياسي والسلاح المشروط استعماله بإرادتهم، وفرضت عليهم الحضور إلى مؤتمر الخيانة في الرياض وخدعتهم وأجبرتهم على التوقيع عليه، وصورت بحضورهم أن المعارضة ممثلة بكل أطيافها في محادثات السلام. وبهذا التمثيل وهذا التوقيع صار السفاح بشار الذي قتل أهلهم ودمر بلدهم شريك صلح وسلام لهم. وخطأ هذه الفصائل الموقعة أنها أعطت قيادتها السياسية للدول الإقليمية التي كانت تزودها بالمال وبالسلاح. وهؤلاء إذا كانوا قد وقعوا على بنود خيانية في الرياض الآن، فلا شك أنهم سيذهبون إلى أبعد من ذلك مستقبلًا، وسيكونون ضمن التحالف الدولي الذي ستحارب به أميركا وروسيا على الأرض الإسلام تحت مسمى محاربة الإرهاب.
إن الفصائل المقاتلة التي تمت خديعتها وجرها إلى التوقيع على مقررات مؤتمر الرياض الخيانية، فإنها أولًا لا تمثل إلا نسبة قليلة من المقاتلين، وهي بمجرد توقيعها فقدت قوة التأييد الشعبي الإسلامي لها، وفضلًا عن ذلك فإن فيها كثيرًا من العناصر والقيادات المخلصة التي لا توافق على ما ذهبت إليه قياداتها، فهذه الفصائل معرضة إما للانقلاب عليها أو لفرطها أو لانسحاب العناصر منها، وهي لن تعود كما كانت في السابق مع فقدانها للحاضنة الشعبية. وهنا يجب التنبه الشديد لعدم الوقوع في أتون الصراع بين الفصائل التي وافقت على عملية السلام الأميركي التي يقودها المفاوض الأممي الثعلب ديمستورا وبين الفصائل التي رفضت؛ إذ هذا ما تسعى إليه أميركا، وهو ما صرح به كيري، في فترة انعقاد مؤتمر فيينا، بأنه يجب مقاتلة الفصائل التي تعارض العملية السياسية (الأميركية)، بل عليها أن تضغط عليها وأن تبين لها خطورة المؤامرة، وحرمة السير مع أميركا وروسيا، اللتين تسيران معًا وينسقان خطواتهما لفرض الحل الذي يمنع الحكم بالإسلام، بل أكثر من ذلك، هناك من خطط لهذه الفصائل لتكون في صف النظام والحرس الثوري وحزب إيران، وهؤلاء هم أعدى أعداء الثورة، في مرحلة لاحقة… وعليها أن تذكر هؤلاء بوجوب طاعة الله والولاء لدينه والبراء من الكفر وأهله… فهؤلاء لا بد من إعادتهم إلى حظيرة الالتزام بالإسلام، وهؤلاء مهما حاول الغرب أن يحرش بينهم وبين الفصائل الأخرى فيجب تجنب هذا. وعندما لا يستجيبون لمثل هذه الدعوات الصادقة فسيتركون لمصيرهم من الفرط، المهم أن لا توجد حالة من الاقتتال الداخلي.
إن الثورة في سوريا مستمرة، وكذلك غربالها، والواقع الأليم الذي أوجده التدخل الروسي العسكري الأليم أوجد بدوره ضغطًا أخرج بعض ضعاف النفوس من الثورة، وميَّز الخبيث من الطيب، قال تعالى: ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) وقال سبحانه: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) وقال عزَّ وجلَّ: ( قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) وعملية التصفية لا بد منها لتحقيق النصر، فالنصر من الله لا يأتي إلا لمن صفت نفسه وتخلت عن حظها في الدنيا، لا يأتي إلا لمن اتصف بالإخلاص الخالص لله بحيث لا يشرك معه أحدًا؛ وذلك مصداقًا لقوله تعالى: ( يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ). إن الأوضاع في سوريا تسير باتجاه المفاصلة، باتجاه الفرز، وهي لن تبقي واقفًا على رجليه ثابتًا إلا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، ولن تبقي صابرًا إلا من احتسب أجره عند الله… نعم إن الأوضاع في سوريا تقرب صورتها من الصورة التي مر بها الأنبياء والرسل من حيث الصراع بين الحق والباطل، ولكي يأتي النصر من الله سبحانه وتعالى فإن المطلوب من أهل سوريا الثائرين أمران:
1- الإعلان عن مشروع سياسي إسلامي جامع، يجمع المسلمين في سوريا، وفيه خاصية جمع المسلمين في العالم عليه. فالهجمة شرسة ودولية وعلى المشروع الإسلامي المتمثل بإقامة الخلافة تحديدًا، فلا يجوز أن يواجه إلا بالمشروع ذاته الذي يحاربوننا من أجله، فهو يخيفهم حقيقة، وهو الوحيد الذي يمكننا من الوقوف في وجه هذا التآمر اللئيم والتغلب عليه، ومهما حاولنا المواجهة بغيره فلن نفلح. وهذا المشروع فيه قابلية النجاح، وهو الآن بعد أن أمن لنفسه وجود الحاضنة الشعبية التي تحتضن هذا المشروع، وهيأ الثلة الواعية التي تستطيع أن تقوم بأعبائه، فإنه الآن لا ينقصه سوى أهل قوة من جنسه ينصرونه، وهذا ينقلنا بشكل طبيعي إلى الأمر الثاني المطلوب من أهل سوريا المسلمين حتى يخرجوا من هذا الواقع الأليم، وبالتالي ينقذوا أنفسهم وأمتهم.
2 توحيد الفصائل المقاتلة على نصرة هذا المشروع، وقطع أي فكرة استعانة بالغرب أو بأحد أذنابه من حكام المسلمين، إذ كلهم عملاء له، ومنه المال السياسي، والسلاح المشروط استعماله، وها نحن بدأنا نرى أثر هذه الاستعانة بجر الفصائل المقاتلة إلى الدخول في الحل الأميركي. وهذا المشروع يجب أن يكون مشروعًا نظيفًا بكل معنى الكلمة، ولا يقبل إلا الاستعانة بالله وحده، وهو مشروع دل عليه الشرع ويؤيده العقل والواقع بشدة. فحكام السعودية وقطر وتركيا لا يملكون إلا أن يكونوا أحجار شطرنج في لعبة الدول الكبرى، ولا يملكون إلا الانصياع للأوامر الغربية، من عدم تسليح المعارضة المسلحة، ومن وضع خطوط حمراء تمنع المقاتلين من السيطرة على بعض المناطق، ومن إجبارهم على السير في خطة الحل الأميركي، ومن قبول الأسد طرفاً في المفاوضات. وهذا يعني أن لا تجعل هذه الفصائل من حكام هذه الدول قادتها السياسيين… وهذه الفصائل متى توحدت واستحقت النصر من الله فلن يستطيع أحد أن يقف في وجهها، وهذا يذكرنا بالأوائل من المسلمين كيف أنهم حققوا في النصر معجزات؛ إذ إنهم أسقطوا إمبراطوريتي الفرس والروم بإمكانيات متواضعة لا تذكر أمام تفوق أعدادهم وعددهم.
وبالخلاصة إننا كمسلمين كلنا نحب أن تعود لنا سيرتنا الأولى، وهذا الأمر لا يكفي فيه تمني العاجزين، بل يجب أن يتوفر فيه الإيمان بالله الخالق المدبر الذي يقتضي أول ما يقتضي الالتزام بالحكم الشرعي، والأخذ بالأسباب المادية المتعلقة بالحكم الشرعي، ومنه الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى إلى تحقق النصرة بشروطها الشرعية. ويمكن القول إن النصر لهذه الأمة لن يأتي إلا من الله وعلى شرطه في النصر… وإن التدخل الرباني قريب من المحسنين.
وإننا نذكر المسلمين في سوريا، أنه عندما بدأ النظام السوري بإجرامه فقد كان الأمر شديدًا عليهم، ثم فات تأثيره، وانقلب خسرانًا على الأسد، واضطر للاستعانة بإيران وتوابعها، فكذلك كان الأمر عليهم شديدًا في بداياته ثم استوعبوا ذلك. ثم ها هي أميركا تضطر إلى أن تستعين بروسيا لإنقاذ عميلها الأسد، وسيكون الأمر شديدًا في بداياته؛ ولكن بعون الله ستكون سوريا مقبرتهم، وسيدفعون الثمن غاليًا، إن شاء الله تعالى، ليس في بلادنا فقط، بل في عقر دارهم بنصر الله، وسيعلمون أي منقلب سينقلبون. فأميركا كانت لها هزيمتها المرة في فيتنام، وروسيا في أفغانستان. أما في سوريا فستكون هزيمتهما معًا بإذن الله تعالى، وستقوم دولة الخلافة الراشدة الثانية رغم أنف الكفار، ذلك وعد غير مكذوب. ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
نسأله تعالى أن يهدينا إلى أرشد أمرنا، وأن يؤتينا نصره، ( وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا )وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2016-02-15