«السياسةُ الحربيَّةُ في الإسلام»
2016/01/01م
المقالات
2,311 زيارة
بســم اللــه الرحمــن الرحيــم
«السياسةُ الحربيَّةُ في الإسلام»
أبو حنيفة -الأرض المباركة فلسطين
الخطبة الأولى:
أيُّها المسلمون: السياسةُ الحربيةُ في الإسلام هي: مجموعةُ الأحكامِ الشرعِيَّةِ التي فَرضها اللهُ تباركَ وتعالى لِرعايةِ وإدارةِ شُؤونِ الحربِ والقِتال، بشكلٍ يجعلُ نتيجةَ التَّصادُمِ الحَربِيِّ بين المسلمين وأعدائِهِم الكُفَّار لِصالِحِ المسلمين بِالنَّصرِ والتَّمكين ، والذي دعاني لِطَرقِ هذا الباب وخوضِ هذا العُباب أمران:
الأول: عَظمَةُ الشريعةِ الإسلاميةِ وشُموليَّتُها وإِحاطَتُها بجميعِ أَفعالِ العباد؛ حتى لا يَظُنَّ ظانٌّ أَنَّ الإسلامَ قاصِرٌ عن مواكَبَةِ شؤونِ الحياةِ، والحربُ وقعقعةُ السلاحِ جُزءٌ من هذه الشُؤون.
الثاني: ما نُشاهِدُهُ من هَجمةٍ شَرِسةٍ على الإسلامِ وأحكامِهِ، مَبعَثُها الهَلَعُ من عَودةِ الإسلامِ وَتطبيقِهِ من قِبَلِ المسلمين، والفزَعُ من ميلادِ دولةِ الخلافةِ الإسلاميةِ عَوداً أَحمد، لا يُبقي للكُفارِ في بلاد المسلمينَ موضِعَ قَدَم، بل ولا مَوضِعَ قَلم، ولا يَذَرُ في بِلادِ المسلمين مِنَ الحُكَّامِ الطواغيتِ دَيَّاراً… وما تداعِياتُ الهجماتِ الأخيرةِ على باريس يومَ الجُمُعة 13/11/2015م إلا سلسلةٌ آخِذٌ بعضُها بِأَذْنابِ بَعض!
أيها المسلمون: وَلْيَسمعِ العالمُ… إِنَّ اللهَ تباركَ وتعالى ابتَعَثنا لإِخراجِ مَن شاءَ مِن عِبادةِ العِباد إلى عِبادَةِ رَبِّ العِباد، وَلِإخراجِهِم مِن جَوْرِ الأَديانِ وَجَشَعِ الرأسمالِيَّةِ ومِن قَبلِها الشيوعِيَّة، إلى عَدلِ الإسلامِ دينِ اللهِ تباركَ وتعالى، والذي أَنزلَهُ على سَيدِنا مُحمدٍ – صَلواتُ ربي وسلامُهُ عليه – الدينِ الأَوحَدِ الذي أَفرَدَ اللهَ تعالى بِالرُّبوبِيَّةِ والأُلوهِيَّةِ والصفات والحاكِمِيَّةِ، مِن بَعدِ أن غَضِبَ اللهُ على اليهودِ بِكُفرِهِم وقَتلِهِم الأنبِياءَ بِغيرِ حَقٍّ، ومِن بعدِ أن ضَلَّت النصارى وقد قالت: إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثلاثةٍ، حتى نَنالَ مَوعودَ الله، النصرَ لِمن بقِيَ حَيَّاً، والشهادةَ لِمن ماتَ على قِتالِ مَن أَبى، قال تعالى: (قاتِلوا الذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذينَ أُوتُوا الكِتابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صاغِرون) روى ابنُ حِبَّانَ والبَيهَقِيُّ في سُننِهِ عن مُجاهِدٍ قال: نزلت هذهِ الآيةُ حينَ أَمرَ مُحمد – عليهِ الصلاةُ والسلامُ – بِغزوةِ تَبوك، وروى ابنُ أبي شَيبَةَ والبَيهَقِيُّ في سُننِهِ عن مُجاهِدٍ قال : يُقاتَلُ أَهلُ الأَوثانِ على الإسلامِ، ويُقاتَلُ أَهلُ الكتابِ على الجزية.
عِباد الله: إِنَّ الإسلامَ لم يكُن يوماً لِيأمُرَ بِالإِفسادِ وإهلاكِ الحرثِ والنَّسلِ كما تَأمُرُ وتفعلُ دُوَلُ الغربِ الكافرِ [المتحضِّر]، وليس في الإسلامِ ولا في دولتِهِ محاكمُ تفتيشٍ، ولا حُروبُ إِبادةٍ جماعِيةٍ، ولا شيء مِن هَتكٍ لِحُرُماتِ الإنسانِ أو فتكٍ بالمستضعفينَ في الأرضِ. ولم تكُن شجرةُ الإرهابِ لِتنمُوَ في أَرضِ الإسلام، بل إنَّ هذه الشجرةَ قد نبتت هُناك في أَرضِ الكفار المستعمرين، تلكَ الشجرةُ الخبيثةُ التي رُوِيَت بِدماءِ عشراتِ الملايينِ مِنَ المسلمين وغيرِ المسلمين، حتى نمتْ هذه الشجرةُ، وغَلُظَ ساقُها، وامتدَّت كشوكِ القتادِ أوراقُها، وأثمرَت طلعاً كَأنَّهُ رؤوسُ الشياطين، قال تعالى: ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوقِ الأَرْضِ ما لَها مِن قَرار ). والكلمةُ الخبيثةُ هي كلمةُ الكُفر … كلمةُ أميركا رأسِ الكُفر وراعِيةِ الإرهابِ العالمَيِّ، وكلمةُ دُولِ أوروبا الكافرةِ من قبلُ ومن بعد، وكلمةُ روسيا قيصريةً وشيوعِيةً، وكلمةُ كيانِ يهود المسخِ… وإننا لنُذَكِّرُ أميركا بتصريح مادلين أُولبرايت عندما قالت: في هذا الكون قُوةٌ عظمى واحدةٌ هي الولاياتُ المتحدةُ الأميركيةُ ، بل وذهب مُتَبَجِّحٌ آخرٌ إلى أبعدَ من ذلكَ حين دعا – أخرس اللهُ لسانَهُ – إلى تصحيح خَطأ الربِّ الذي جعل النفطَ في بلاد الخليج… وهذا أدولف هتلر يقول: «الإرهابُ أفضلُ سلاحٍ يمكِنُ استخدامُهُ؛ لأنَّ الخوفَ مِن الموتِ هُوَ أكبرُ هاجسٍ تخشاهُ الشعوب». وكما قال لينين : «نحنُ لم نرفُضْ أبداً ولا يُمكنُنا أن نرفُضَ الإرهابَ، وربما لا يمكنُ الاستغناءُ عنهُ في بَعضِ الظروفِ». وهذا جُولدشتاين جزارُ مجزرةِ الحرمِ الإبراهيمِيِّ يقول: إنهُ انصاعَ لِأوامِرِ اللهِ عندما قتل تسعةً وعشرينَ فلسطينياً في الحرم الإبراهيمي في الخليل سنة 1994م، ولعلَّ جولةً خاطفةً في حُروبِ حضارةِ الحرياتِ الغربيةِ الكاذبةِ تُنبِئُنا بِسِيَرِ أحفادِ هولاكو وجانكيز خان! وأستَهِلُّ جولتي بقنابِلَ هيروشيما وناكازاكي وأهوالها، والنازيةِ وفظائعها، والستالينيةِ ومذابِحها، والمجازرِ المليونيةِ في الجزائرِ وكوارثِها، والإباداتِ العرقِيةِ بِحقِّ الهنودِ الحُمرِ وصَلَفَها… ولا تزال حضارةُ الإيدز الأميركية الأوروبيةِ اليهوديةِ تُخَضِّبُ تاريخَها بالدمِ المسفوحِ في أفغانستانَ والعراقِ وفلسطينَ والشامِ واليمنِ ومالي، فهل بعد هذا الإرهابِ المـُقَنَّنِ والمـُنظَّمِ من إرهاب؟!.
أيها المسلمون: أما شجرةُ الإسلام، فهي شجرةُ العدلِ التي استظلَّ بِعدلِها المسلِمُ والكافرُ على السواء، قال تعالى: (أَلم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللّهُ مثلاً كَلِمةً طَيِّبةً كَشَجرةٍ طَيِّبةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها في السَّماءِ تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللّهُ الأَمثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ). هذه الشجرةُ الطيبةُ المباركةُ التي نمت في أرضِ الإسلام، ضربتْ جُذورَها في أعماقها، وغَلُظَ ساقُها، وامتَدَّت أغصانُها، وأَورقَت أوراقُها، ونضجت ثِمارُها، وظلَّت وافرةَ الظِلِّ يانِعةَ الثمرِ أَكثرَ من ثلاثةِ عشرَ قرناً، تُطعِمُ الجائِعَ وتكسو العُريانَ، تُقيمُ العدلَ وتنشُرُ الأمانَ ، تِلكُم هِيَ دولةُ الخلافةِ دولةُ الإسلام، وهاكُم جولةٌ في تاريخِ خلافَتِنا وحُروبِها العادلةِ يُبرِقُ قسطاً وعدلاً: دخلَ نَبِيُّ المرحمةِ، نبِيُّ الملحمةِ مكةَ فاتِحاً، فأمَّنَ الناسَ إلا أربعةَ نَفَرٍ وامرأتينِ وقال: اقتُلوهُم وإن وَجدتُموهُم مُتَعلِّقينَ بِأستارِ الكعبةِ، فكان فيمن قُتل عبدُ العُزى بنُ خطل ومقيسُ ابنُ صُبابة، وأما باقي القوم – وهم الذين نَكَّلوا بِهِ وبِأصحابِهِ من قَبل – فقد عفا عنهم – صلواتُ ربي وسلامه عليه – وهذا أبو عُبيدةَ بن الجراحِ يَرُدُّ أموالَ الجِزيةِ لِأهلِ حمصَ من النصارى بعدَ أن قَرَّرَ الانسحابَ من الشامِ إلى أطرافِ الجزيرةِ العربيةِ، وحادثةُ انسحابِ قُتَيْبةَ بنِ مُسلمٍ الباهِلِيِّ قائِدِ الجيشِ الذي فتح سمرقند منها بعد فتحِها دونَ أن يُخَيِّرَ أهلَها بين الإسلامِ والجزيةِ والحربِ أشهرُ من أن تُشهَر، وهذا صلاحُ الدينِ الأيوبِيِّ يحسنُ إلى مُلوكِ الصليبيين من بعدِ أن أَظفَرَهُ اللّهُ عليهِم في حِطينَ، إلا أرناطَ الذي قطعَ رأسَهُ لِما ارتَكَبَهُ بحقِّ المسلِمينَ من مجازِرَ وتَعَدٍّ على قوافِلِ الحُجاج، وهذا المظفَّرُ قُطُز يُبيدُ الجيشَ المغولِيِّ عن آخِرِهِ في عينِ جالوتَ وبيسانَ، ويومَ أن زَحفَ خيرُ الأُمراءِ بِخيرِ الجيوشِ صوبَ مدينةِ هِرقلٍ القسطنطينيةِ، حاصَرها بمدافِعِه العملاقَةِ، وباغَتَ عَدُوَّهُ بِإسطولِهِ الذي جَرَّهُ بِكُلِّ عبقَرِيَّةٍ على جُذوعِ الشجَرِ المطلِيِّ بالزيوت، مُتجاوزاً السِلسِلَةَ الحديديةَ التي كانت تُعيقُ دخولَ السُّفُنِ عَبرَ الخليجِ المائِيِّ، يومَها فتحَ اللّهُ على المسلمينَ القُسطنطينيَّةَ على يدِ مُحمدٍ الفاتِحِ الشابِّ خيرِ الأُمراء وجيشِهِ خيرِ الجُيوش.
أيها المسلمون: وإننا إذ نؤكِّدُ أن الإسلامَ لا يُجيزُ قتلَ وترويعَ الآمِنينَ كالذي حدثَ في باريس الجُمُعةَ الماضيةَ 13/11/2015م، فإننا أشَدُّ تأكيداً على نَكيرنا لهمجيةِ أميركا وفرنسا وروسيا وكيان يهود والهندوس بحق المسلمين! فقِتالُ أهلِ فلسطينَ كيانَ يهودٍ، وقتالُ أهلِ أفغانستانَ عُدوانَ أميركا وحلفائِها، وقتالُ ثوارِ الشامِ الطاغِيةَ بشارَ بنَ أبيه ومَن آزَرَهُ من تحالُفٍ دولِيٍّ وعُدوانٍ روسِيٍّ وإيرانِيٍّ، كُلُّهُ قِتالٌ مشروعٌ يتَقَرَّبُ بِهِ المسلمونَ إلى اللّهِ، روى ابنُ أبي شَيبَةَ عن عاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتادةَ قال: قالَ مُعاذُ بنُ عفراءَ: «يا رسولَ اللهِ، ما يُضحِكُ الرَّبُّ مِن عَبدهِ؟ قال: غَمسُهُ يَدهُ في العَدُوِّ حاسِراً» وَبِأفصحِ العِباراتِ نُؤكِّدُ حَقَّ المسلمينَ في حَملِ رسالةِ الإسلامِ إلى العالَمِ بالدعوةِ والجهادِ، حتى لا يُعبَدَ في الأرضِ إلا اللّهُ، قال اللّهُ تباركَ وتعالى: ( وَقاتِلُوهُم حَتَّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَيكُونَ الدينُ كُلُّهُ لِلّهِ فَإنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللّهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ ).
الخطبةُ الثانية:
أيها المسلمون: إنَّ للحربِ في الإسلامِ فلسفةً ثابِتةً لا تتغيرُ ولا تتبدَّلُ ولا تتطوَّرُ. روى البُخارِيُّ ومسلمٌ عن ابنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ اللّهِ – صلواتُ ربي وسلامُهُ عليه – قال: «أُمرتُ أن أُقاتِلَ الناسَ حتى يَشهدوا أن لا إلَهَ إلا اللّهُ وأَنَّ مُحمداً رسولُ اللّهِ، ويُقيموا الصلاةَ، ويُؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا ذَلِكَ عَصَموا مِني دِماءَهُم وَأَموالَهُم إلا بِحَقِّ الإسلامِ، وحِسابُهُم على اللّهِ تعالى». واللهُ تباركَ وتعالى يقول في سورةِ الأنفال: ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دُونِهِم لا تَعلَمُونَهُم اللَّهُ يَعلَمُهُم وَما تُنفِقُوا مِن شَيءٍ في سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمون) فهذهِ آيةٌ من آيِ الذكرِ الحكيمِ تأمرُ المسلمينَ بصيغةِ الأمرِ الدَّالِّ على الوجوبِ بإعدادِ القوةِ، وجاءت لفظةُ ( قوةٍ ) هنا بصيغة النكرةِ دالَّةً على العُمومِ، أي دالَّةً على كُلِّ قُوةٍ وكُلِّ سلاحٍ يُتَقَوَّى بِهِ على أعداءِ اللّهِ الوثنيينَ والنصارى واليهودِ المحاربين، وآخرينَ من دونِهِم من منافِقينَ أو حتى كُفارِ الجِنِّ كما قال بعضُ المفسِّرين، ولقد قرأ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هذهِ الآيةَ وَهُوَ على المِنبَرِ ثم قال ثلاثاً:َ ألا إِنَّ القُوَّةَ الرَميُ». فالخيلُ والسيفُ والنبلُ والرُّمحُ والمنجنيقُ والدبابةُ كُلُّها من القوةِ، والرصاصُ والبنادقُ بأنواعِها والمـُضادَّاتُ والدباباتُ والراجماتُ بأشكالِها، والبوارجُ والبواخرُ والغواصاتُ بتقنيَّاتِها، والطائراتُ والحاملاتُ بشتى مُسَمَّياتِها، والقواعدُ العسكريَّةُ وما يلزمُها، ومصانِعُ السلاحِ وآلاتُها وخاماتُها، ومهندسو التصنيعِ والخبراءُ الاستراتيجيُّونَ والكُلياتُ الحربيةُ وكوادرُها، وتصنيفاتُ الجيشِ الإسلاميِّ إلى ألويةٍ وراياتٍ وتوزيعاتُها… كُلُّ ذلكَ من الإعدادِ الواجِبِ بِحَقِّ الأُمةِ ، وهو واجبٌ كِفائِيٌّ يتصدَّرُهُ خليفةُ المسلمينَ بنفسِهِ وإشرافِهِ وتمويلِهِ، وَلَئِن كُنَّا اليومَ نتلو هذهِ الأحكامَ على مِنبَرِ رسولِ الله، فعسى أن نتلوها في قادِمِ الأيامِ جِهاداً يورِثُنا إحدى الحُسنَيَيْنِ، ويورثُ أعداءَنا ذُلَّ الدَّارَيْن.
2016-01-01