الخلافة: مؤسَّسة تاريخية أم حكم شرعي؟
2016/01/01م
المقالات
3,570 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الخلافة: مؤسَّسة تاريخية أم حكم شرعي؟
أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية لبنان
منذ أن أصبح مشروع دولة الخلافة الراشدة المشروع السياسي الوحيد الذي يلقى رواجاً حقيقياً بين سائر المشاريع السياسية في العالم الإسلامي، اشتدت الحملة الإعلامية والفكرية والسياسية عليه، استخفافاً وإنكاراً وتشكيكاً وتشويهاً. وكان من بين الأطروحات التي كانت تُروَّج -وعادت للترويج من جديد- دعوى أن الإسلام لم يَشرَع نظاماً للحكم، وأنه اقتصر على وضع قواعد وأهداف ومقاصد تنبغي مراعاتها في اختيار نظام الحكم الذي يعتمده المسلمون، وأن نظام الخلافة ما هو سوى نموذج تاريخي اعتمده الصحابة رضي الله عنهم زمن الخلفاء الراشدين، ثم احتفظ به المسلمون في العصور اللاحقة حتى نهاية عهد الخلافة العثمانية منذ حوالى تسعين عاماً.
ومن المؤسف أن خصوم الإسلام تمكنوا من أن يضعوا هذا الكلام على ألسنة بعض من يزعمون أنهم يَصدرون في فكرهم ورأيهم عن الإسلام، فكان في طليعة هؤلاء منذ تسعين عاماً أحد خريجي الأزهر آنذاك المعمَّم علي عبد الرازق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم». واليوم يتكرر الكلام على ألسنة رموزٍ تُصنَّف إسلامية، فكان لافتاً ما كتبه منذ عدة شهور المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا «محمد حكمت وليد» تحت عنوان: «الخلافة الإسلامية: تاريخ أم عقيدة». فكان مما ورد في مقاله: «لم يحدد الإسلام شكلًا من أشكال الحكم، وإنما وضع مبادئ عامة يستلهمها المسلمون لبناء الشكل المناسب حسب ظروف الزمان والمكان… الخلافة هي شكل تاريخي من أشكال الدولة الإسلامية… فقد اجتهد المسلمون في عصورهم الأولى، واستنبطوا شكلاً للحكم سمَّوه الخلافة، ويمكن للمسلمين اليوم أن يَستنبطوا أشكالاً أخرى (رئاسية، برلمانية، ملكية، دستورية…) شرط أن تتمثل فيها قيمُ الإسلام وعدله ورحمته».
ولا يخفى على متابع للأحداث والمشهد الراهن في بلاد الشام والعراق أن ظاهرة تنظيم الدولة وما أعلنه من خلافة مزيفة مشوهة كان من أهم الدوافع التي شجعت على الإدلاء بمثل هذا الرأي الذي يُسقط أعظم فريضة من الفرائض المنوطة كفايةً بالأمة الإسلامية.
وقبل الشروع في الرد على هذا الرأي لا بد من الإشارة إلى أنه لن يكون رداً على اجتهادٍ إسلامي شرعي، وإنما هو ردٌّ على رأي من خارج الإسلام، بل رأي في مواجهة الإسلام. فهو لا يستند إلى أدلة شرعية ولا إلى شبهة دليل شرعي، ولا حتى إلى قراءة موضوعية من خارج الإسلام. فأما غير المسلمين ومن تبعهم من العلمانيين فإنهم يصدرون في هذا الرأي عن خلفية تنكر الشريعة الإسلامية جملةً وتفصيلاً، وتُكنّ العداء للإسلام وأهله. وأما المسلمون الذين يسوّقون هذا الرأي ويروّجون له، أو يقبلونه على الأقل، فهم لم يعتمدوا في تلقّيهم هذا الرأي طريقة الإسلام في التفكير ولا أصوله في النظر في الأدلة الشرعية ونصوص الوحي، من كتاب وسنة وما أرشدا إليه. وإنما هم متأثرون بطريقة الغرب في التفكير، عدا عن ضحالة معرفة في الفقه الإسلامي وأصوله. أضف إلى هذا كله حرص فريق من المسلمين على تحرّي مشروع سياسي يلقى القبول لدى الأسرة الدولية والأنظمة القائمة في العالم الإسلامي ومن يشايعها من النخبة العلمانية ذات النفوذ في الأنظمة العلمانية القائمة في العالم الإسلامي اليوم.
إن الركن الأساس الذي يستند إليه هذا الرأي هو أن الإسلام لم يشرّع نظاماً سياسياً مفصلاً، وإنما اقتصر على توجيهات عامة وقواعد وأحداث ومقاصد، وترك للمسلمين اختيار النظام الذي يكفل تحقيق هذه المقاصد. وقالوا إن من أهم القواعد التي عني بها الإسلام في مجال الحكم هي الشورى. ووفق التعبير الحرفي لمحمد حكمت وليد في مقالته «الشرعية السياسية والسياسة الشرعية»: «جاءت تعاليم القرآن الكريم حول نظام الحكم مجملة في مبادئ عامة، وتركت التفصيلات للمسلمين كي يستنبطوا من تلك المبادئ العامة ما ينظم حياتهم حسب ظروف الزمان والمكان، وقد جعل الإسلام الشورى إحدى الدعائم الكبرى للمجتمع الإسلامي… وبذلك رسم القرآن الكريم الشورى طريقاً لحياة المسلم». وعليه فوفق رأيه «يمكن للمسلمين اليوم أن يَستنبطوا أشكالاً أخرى (رئاسية، برلمانية، ملكية، دستورية…).
ولما وَجد أصحابُ هذه الأطروحات أنفسَهم مختلفين بين هذه الخيارات من أنظمة الحكم رسَوا على القول بأن صاحب الحق في اعتماد أحد هذه الخيارات هو الشعب، فرست سفينتهم على النظام العلماني الديمقراطي الذي يجعل الشعب هو المشرع بدل أن يكون المشرع المطاع المعبود هو الله تعالى وحده لا شريك له.
إن الجواب على هذا الزعم الواهي: إن الشرع الإسلامي – من حيث هو خطاب الله المتعلق بأفعال العباد – هو شريعة كاملة شاملة وتنظم جميع نواحي الحياة دون استثناء، إذ تحوي أحكاماً شرعية لجميع أفعال العباد، فعلاً فعلاً، فلا يخلو فعل من أفعال العباد إلا وله في كتاب الله تعالى حكم شرعي. قال تعالى: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [. وقال سبحانه: ]وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [. ولم يخالف أحد من علماء الإسلام طوال التاريخ الإسلامي في شمول الشريعة الإسلامية كلَّ أفعال العباد.
وأعمال الحكم من حيث هي مجموعة من الأفعال البشرية المتعلقة برعاية شؤون الناس وتنصيب الحاكم وممارسة واجبه وتنفيذه للقوانين، ومن حيث هي علاقة بين الحاكم والمحكومين… لا تخرج عن كونها أفعالًا بشرية شملها الإسلام بالتنظيم والتشريع. ولا يخفى على أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام دولة للمسلمين، وحكمها عشرة أعوام حتى التحق بالرفيق الأعلى، ثم تابعه الصحابة رضي الله عنهم بقيادة الخلفاء الراشدين على نهجه في الحكم. وإن نهج النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم هو جزء من سنته التي هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله تعالى. وكذلك ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، من شؤون تتعلق بممارسة الحكم والسلطان، هو من الأدلة الشرعية التي تُعتمد في استنباط أحكام نظام الحكم، استناداً إلى كون إجماع الصحابة هو من أدلة التشريع التي أرشد إليها القرآن والسنة.
وعليه فإن ما ورد من آيات في كتاب الله تعالى مما يتعلق بتنظيم أمور الحكم وعلاقة الراعي بالرعية، وما ورد من أقوال وأفعال وتقريرات عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب، وكذا ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم فيه، هذا كله ينتصب أدلة شرعية تُستنبط منها أحكام شرعية تشكّل بمجموعها نظام الحكم في الإسلام. وإن الناظر في مجموع هذه الأدلة وما دلّت عليه من أحكام شرعية متعلقة بالحكم يدرك بكل وضوح بطلان القول بأن «الإسلام لم يحدد شكلاً من أشكال الحكم، وإنما وضع مبادئ عامة يستلهمها المسلمون لبناء الشكل المناسب حسب ظروف الزمان والمكان». بل يدرك أن الإسلام قد شرع نظاماً مفصَّلاً للحكم يغني المسلمين عن الخوض في المفاضلة بين الأنظمة التي تَنافَس المشرعون في تسويقها وتفضيل بعضها على بعض.
إن هذه الأطروحة تُسقط وجوب الخلافة من حيث هي «رئاسة عامة للمسلمين»، إذ لم يقتصر هؤلاء على نفي إلزامية شكل نظام الحكم وأجهزته الإدارية، وإنما عمدوا إلى منصب الخلافة نفسه، وقالوا إنه خيار تاريخي وليس فريضة شرعية! ولعل هذا هو أخطر ما في هذه الأطروحة، من حيث هو يُخفِر فريضة عظيمة الشأن بالغة الأهمية، ويترتب على هذا الإخفار استباحة انقسام المسلمين وتحوّلهم إلى أمم موزَّعين بين دول متعددة الرؤوس؛ لأن الخلافة هي الطريقة الشرعية الوحيدة التي شرعها الإسلام لجمع الأمة الإسلامية في كيان سياسي واحد، وإسقاط وجوبها هو إسقاط لوجوب اجتماع الأمة تحت إمام واحد. وإن من أسوأ الأساليب التي اعتُمدت للغض من شأن هذه الفريضة، فريضة الخلافة، أن يُنسب القول بها إلى تيارات معينة للإيحاء بأن القول بوجوب الخلافة هو رأي من الآراء، بل أكثر من هذا أن يعبّر بعضهم عن غرابة القول بأنها فريضة! كما فعل محمد حكمت وليد في مقالته إذ قال: «بل إن بعض الأحزاب الإسلامية مثل حزب التحرير ركّز في كتبه على ظروف هدم الخلافة وكيفية إعادتها، بل حَرَّمَ أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة، وأكثر من خليفة واحد»! علماً بأن كل من لديه أدنى إلمام بالثقافة الإسلامية يعرف أن العلماء قاطبة أجمعوا على وجوب نصب خليفة واحد للمسلمين في الدنيا كلها. قال الجزيري رحمه الله في الفقه على المذاهب الأربعة: «اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن الإمامة فرض، وأنه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين، وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان». وقال القرطبي صاحب التفسير: «ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة، إلا ما روي عن الأصم، حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه».
إن هجوم هؤلاء على فريضة الخلافة لم يقتصر على اسمها وحده، ولا على مسماها وحده، بل على الاثنين معاً.
أما من حيث الاسم، أي مصطلح «الخلافة» فقد كثر الكلام على أن مصطلح «الخلافة» هو مصطلح طارئ ظهر لأول مرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حين بايع الصحابة أبا بكر الصديق y فلقبوه بخليفة رسول الله باعتبار أنه خَلَفَه في الحكم وقيادة المسلمين، وعليه فقد زعموا أن المصطلح طارئ ولم يرد في النصوص الشرعية ولا في العهد النبوي!
والحقيقة أن هذا الزعم ساقط البتة، فهو يتجاهل نصوصاً صحيحة وصريحة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وردت في الصحاح. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا». وروى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ. وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ». وروى ابن حبان في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون بعدي خلفاء، يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون، ثم يكون من بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر عليهم فقد برئ، ولكن من رضي وتابع ». وروى الإمام أحمد في مسنده وابن حبان وابن ماجة والطبراني- واللفظ للدارمي- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه،ِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ».
إن هذه الأحاديث الصحيحة والصريحة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مصطلح «الخلافة» ليس طارئاً ولا مستحدثاً. إلا أن هذا لا يعني أن لفظ «الخلافة» هو الوحيد الذي ورد في النصوص الشرعية بهذا المعنى. إذ لم تقتصر هذه النصوص على لفظ «الخلافة»، فقد ورد فيها لفظ «الإمامة» بالمعنى نفسه. قال صلى الله عليه وسلم : «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ» (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى» (رواه مسلم). وبالتالي فإننا من القائلين بأنه ليس المطلوب التزام لفظ من هذين اللفظين أو غيرهما، وإنما الواجب هو التزام المعنى الذي يدل عليه لفظا الخلافة والإمامة. والمعنى الشرعي المقصود بالخلافة هو أنها «رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم». فهذا المعنى هو المطلوب التزامه. وهذا المعنى هو الذي استهدفه أولئك الطاعنون بالخلافة المسقطون لوجوبها، زاعمين أنها مؤسسة تاريخية لا فريضة شرعية. ولا يخفى أن إسقاط هذه الفريضة يعني إسقاط وجوب وحدة الأمة الإسلامية واجتماعها في دولة واحدة تحت إمرة رئيس واحد هو الخليفة، وبالتالي تشريع خطيئة انقسام المسلمين إلى دول متعددة تفصل بينها حدود سياسية وتتعدد ولاءاتها. إذ إن أبرز معنى تتضمنه فريضة «الخلافة» هو أن يكون للمسلمين دولة واحدة على رأسها خليفة واحد، ويمكن أن يسمى «الإمام» كما أسلفنا. فلا يجوز أن يكون للمسلمين أكثر من دولة وأكثر من إمام. قال صلى الله عليه وسلم : «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا» (رواه مسلم)، وقال: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم : «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» (رواه مسلم).
ويكون هذا الخليفة ولي أمر المسلمين في الدنيا كلها، سواء من كان منهم داخل سلطانه في دولة الخلافة، أم كان خارج هذا السلطان، إذ إن لخليفة المسلمين الشرعي بيعة في عنق كل مسلم في الدنيا، سواء أدى هذه البيعة بالفعل أم لم يؤدّها، فالبيعة قائمة في عنقه. قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كَرهَ مِنْ أَمِيرهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِر؛ْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (رواه البخاري). ويشكّل المسلمون الذين نصبوا خليفة لهم في دولة الخلافة مع كل من يذعن له ببيعة في عنقه ما يسمى في الحديث الشريف وفي الفقه الإسلامي «جماعة المسلمين». ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه حذيفة بن اليمان: «قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِك؟َ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» (متفق عليه). وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ؛ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». (متفق عليه).
فإذا اتضح هذا المعنى وحده للخلافة سقط كل زعم بأن الخلافة هي مجرد مؤسسة تاريخية، وأنها غير ملزمة لنا شرعاً.
2016-01-01