والعاقبة للمتقين الحلقة -3- جائزة الإيمان والتقوى
2015/10/15م
المقالات
2,246 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
والعاقبة للمتقين
الحلقة -3-
جائزة الإيمان والتقوى
حمد طبيب – بيت المقدس
لقد كانت مرحلة صعبة وشاقة من المكابدة والمقارعة والتحدي والتصدي والصبر، وتحمل الأذى، ومقارعة الظالمين بكافة ألوانهم وأشكالهم؛ من القريب والبعيد، ومن المقاطعة والمحاصرة في شعب بني طالب أياماً وشهوراً وسنوات، ومن التهجير خارج أرض مكة (الوطن) بسبب الظلم وقسوة الظروف والأذى… وبعد كل هذه الألوان الشاقة والظروف العصيبة، وبعد الصبر والمصابرة والمرابطة على الحق؛ سنوات تلو سنوات جاءت الجائزة الربانية العظيمة: (تمكين واستخلاف) في الأرض، وطمأنينة وأمن وعزة ورفعة وتكريم عظيم!!…
لقد من الله عز وجل على الذين استضعفوا وعذبوا في الأرض، وحملوا هذه الأمانة التي تنوء بحملها الجبال الراسيات؛ من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه، فجعلهم أئمة للهدى في الأرض، بداية في أرض المدينة المنورة، حيث مكَّن لهم المولى عزَّ وجلَّ بعد هذه المرحلة الإيمانية الشاقة العصيبة، وبدأت تتنزل عليهم آيات الهدى والرشاد المدنيَّة (آيات الأحكام)، وأصبحت حياتهم في ظل دولة الإسلام الجديدة، بعد استضعاف وتشرد وقلة في الأموال والأنفس، قال تعالى: ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .
لقد كانت أولى الخطوات العملية بعد التمكين والاستخلاف؛ أن وطّد الرسول صلى الله عليه وسلم أركان هذا المجتمع الجديد المتميز، في أرض المدينة، فآخى بين المسلمين، ورسم سياسة الدولة ووجهتها الداخلية؛ فكتب الموادعة بين المسلمين فيما بينهم، وبين المسلمين وغيرهم.. ومما جاء في نصوص هذه الموادعة العظيمة : «… هذا كتاب من محمد النبي، بين المؤمنين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس… المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين… وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف؛ في فداء أو عقل، وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه… وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم… ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا يَنصُر كافراً على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس… وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. وإن سِلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم… وإن الله جار لمن برَّ واتَّقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم». انتهى نص الوثيقة.
وبعد توطيد أركان المجتمع المدني تنزَّلت آيات الجهاد، وحُمل هذا الدين إلى الشعوب والأمم الأخرى خارج المدينة، فصار الفتح العظيم بداية لمكة المكرمة (أم القرى)، حيث منَّ الله عزَّ وجلَّ على هذه الفئة التي كانت مستضعفة بهذا الفتح الربَّاني العظيم ، حيث صار البيت الحرام تحت سلطان المسلمين؛ قال تعالى: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ) … ثم اتسعت دائرة الفتح لتشمل جزيرة العرب كاملة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تتابع الفتح الرباني إلى خارج جزيرة العرب إلى فارس والروم في عهد الراشدين؛ أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما…
لقد فتحت فارس والروم في عهد هؤلاء الصحابة الأبرار الأخيار من أهل الصبر والإيمان والثبات على الحق، وفتحت أواوين كسرى في الحيرة، وقصور قيصر في الشام، وجيء إلى عمر رضي الله عنه بسواري كسرى وتاجه، فلما رآهما بكى رضي الله عنه من شدة الفرح وقال: أين سراقة بن مالك؟ فوضع التاج على رأسه والأساور في يديه، وقال هذه بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بشَّرك بها وأنت في الكفر والضلال، حين كنت تريد أن تنال جائزة مكة إذا قتلت الرسول عليه الصلاة والسلام وجئت برأسه، لقد أبدلك الله بذلك عزاً عظيماً. فقال سراقة رضي الله عنه: لقد تبرَّعتُ بهما يا خليفة المسلمين إلى بيت مال المسلمين، وإني أرضى بالعزة في تحقّق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لي!!…
لقد أصبح هؤلاء الأخيار الأبرار من الصحابة الكرام خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض، وصارت أعزّ أمة وأقوى أمة في الوجود؛ على هدىً ونورٍ وهداية واستقامة من ربها تعالى…
لقد أكرمهم رب العزة جل جلاله بفتحين عظيمين، لا يتأتيان إلا لأصحاب الإيمان والتقوى والصلاح هما: (فتح البيت الحرام) في مكة المكرمة، وفتح المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس… فتحققت في عهدهم البشارتان في قوله تعالى: ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا )، وفي قوله جلَّ ثناؤه: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).
إن هذا الشرف العظيم لم ينتهِ عند عهد الصحابة الأبرار، بل إن هذه الأمة الكريمة موعودةٌ به -في كل زمان- إن هي سارت على نفس الخطى والنهج الذي سار عليه سلف هذه الأمة الكريمة، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) وقال: ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ).
فإذا صدقت طائفة من هذه الأمة الكريمة، وتحققت فيهم نفس الصفات التي تحققت في السلف الأول من هذه الأمة، فإنها ستعود وتسود وتعز بإذنه تعالى، وستصبح صاحبة دولة وسلطان وتكون خير أمة أخرجت للناس تماماً كما كان سلفها!!…
وقد بدأت هذه الأمة -والحمد لله- تعود إلى رشدها ورشادها، تعود إلى دينها، وتنادي بتطبيق شرعة ربها في كل بلاد المسلمين، لذلك صارت الحرب عليها بلا هوادة تماماً كما كانت على عهد الصحابة الأبرار…
لقد أثبتت هذه الأمة الكريمة -في أكثر من مناسبة- أنها تريد كلمة الله عز وجل، تريد تحكيم شرعة ربها: في مصر وتونس واليمن والشام وباكستان وتركيا وجمهوريات روسيا وإندونيسيا.. حتى المسلمون في بلاد الغرب – وسط الفساد والانحلال الأخلاقي والهبوط الفكري – صاروا ينادون بإعادة حكم الإسلام!!..
لذلك جُنَّ جنون الكفار (على رأسهم اليهود والنصارى الصليبيون) فصاروا يحاربون هذا الدين حرباً شرسة لا هوادة فيها، وبكافة ألوان الحرب؛ الفكرية والدموية والسياسية والتضليلية. فأخذوا يضلّلون المسلمين بكذبة الديمقراطية والدولة المدنية، ويزجّون ببعض الأحزاب المضللة، تنفذ هذه المخططات الإجرامية؛ في تونس وتركيا وباكستان.. وفي بلاد أخرى استخدموا الحرب الدموية لإبعاد الناس عن المشروع الحضاري الإسلامي؛ كما هو حاصل في الشام.
وواكب كل هذا الإجرام حرب دموية شاملة سمَّاها الغرب الكافر المجرم كذباً وتضليلاً وافتراءً؛ (الحرب على الإرهاب)، وحربٌ تضليلية حاقدة، سخّروا لها بعض الجماعات الجهادية من المسلمين، ليمثلوا الدور المطلوب في تشويه صورة الإسلام المشرق الوضاء. وحربٌ من الصدّ عن دين الله؛ كما هو حاصل في دول أوروبا والصين وروسيا هذه الأيام؛ حيث يمنعون معظم شعارات الإسلام؛ كالزيّ الشرعي والمآذن والأذان وغير ذلك!!…
إننا نطمئن أمة الإسلام بأن هذه الحرب هي امتحان وابتلاء، وتمحيص واختيار حتى يتبين الذين صدقوا وثبتوا على الحق والإيمان، ويعلم الله الكاذبين المنافقين؛ ممن يتاجرون بالإسلام وبدماء شعوبهم وأمتهم مقابل متاع للدنيا زائل قليل، قال تعالى: ( الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ).
إن بعد هذا الابتلاء جائزة عظيمة؛ هي جائزة الإيمان والتقوى والثبات على الحق، جائزة الصحابة الأبرار، ومن جاء بعدهم من التابعين الأخيار… ولن تجد لسنة الله تبديلاً.. ولن تجد لسنة الله تحويلاً… قال تعالى:( اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ).
لقد أرادت أميركا وحلفاؤها وأحلافها في الأرض قاطبة بشكل عام، وفي بلاد الشام ومحيطها بشكل خاص، أن يُسقطوا المشروع الإسلامي لإعادة حكم الإسلام إلى أرض الشام، واستخدمت أميركا كل ما أوتيت من قوة، ومن سياسات تضليلية، ومن شرعة دولية، ومن لقاءات واجتماعات وقممٍ دولية؛ في تركيا ولندن وموسكو والمغرب وغيرها؛ لكنها، بالرغم من كل ذلك، لم تستطع أن تسكت صوت الإسلام في أرض الشام.. وظل هذا الصوت يقضُّ مضجعها، ويزداد نوره ويقوى يوماً بعد يوم…
إن أمة الإسلام على موعد مع نصر الله عز وجل، ولن تزيدها هذه الحرب الشرسة، وهذه المؤامرات الكبيرة بإذن الله تعالى إلا ثباتاً وتصميماً على تحقيق وعد ربها جلَّ جلاله، كما في قوله تعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )… وبشارة رسولها عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة: «إن الله زوى ( أي جمع وضمَّ ) لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» رواه مسلم في صحيحه»، وقال نبي الرحمة والملحمة: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر» رواه ابن حبان في صحيحه. وروى أبو قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟، فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال :فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً: أقسطنطينية أو رومية؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً؛ يعني قسطنطينية» رواه أحمد في مسنده.
لقد بدأت هذه القوى الشريرة الكافرة، وعلى رأسها سيدة الكفر والإرهاب أميركا، تخسر في كل يوم من اندفاعها في حرب الإسلام، وتخسر كذلك من سمعتها بسبب أكاذيبها، وأصبحت أيضاً تعيش في دوامة السقوط والتردّي والانحدار الفكري والاقتصادي، وأصبحت هذه القوى الشريرة العملاقة على حافة الانهيار والانهدام الكامل، وهي تنتظر إعلان هذا الأمر على الملأ؛ ليشاهد العالم كله سقوط هذا المبدأ الحيواني المتغطرس الشرير. وفي المقابل فإن أمة الإسلام تتألق يوماً بعد يوم، وتزداد تمسكاً بمبدئها وعملاً دؤوباً لإعادته إلى أرض الواقع.
لقد خرجت الأمة تتحدى وتتصدّى الظالمين من عملاء الاستعمار (الحكام الظلمة)، وتطردهم شرَّ طردة من أرضها، وصارت تسعى جاهدة لوضع شرعة ربها موضع التطبيق، فخرجت في أرض مصر تهتف بعودة الشريعة، وتجعل جُمعاً مباركة تصلي فيها لربها عز وجل، ثم تجتمع فيها تحت اسم عظيم هو (جمعة تطبيق الشريعة)، وخرجت كذلك في تونس الخضراء تسير في مسيرات مليونية تطالب أيضاً بتطبيق الشريعة وتهتف بذلك. وفي أرض الشام عقر دار الإيمان، ما زالت الحناجر تهتف في الليل والنهار (الأمة تريد تطبيق الإسلام.. الأمة تريد خلافة من جديد) وتحطَّمت على صخرة هذه الأمة الصلبة العصية كل سياسات الاستعمار بكافة مسمياته، تحطَّمت مؤامرة هؤلاء الكفرة، ولم تفلح في ثني الأمة عن الصدع بهذا الصوت العظيم النوراني الرباني، والسعي لإيجاده في أرض الواقع…
إن هذه الشعوب بهذه المواصفات الربانية السامية العالية، سوف تنال جائزة الإيمان والتقوى عما قريب بإذنه تعالى كما ناله سلفها الصالح.. ليرتفع علم الخلافة فوق مآذن الشام، ومآذن تونس ومصر، ولتزحف الجموع المكبرة نحو المسجد الأقصى المبارك، وترفع علم الخلافة فوق مآذنه الطاهرة المقدسة، ثم تنطلق هذه الأمة من جديد – كما انطلق سلفها الصالح – نحو روما مهد الفاتيكان لترفع علم الخلافة فوق مقر البابا… لينتشر هذا النور العظيم بعد ذلك إلى كافة ربوع الأرض؛ ليخلص البشرية من شقائها وتعاستها وتخبطها بين ظلم المبادئ الأرضية السقيمة، وتعود أمة الإسلام كما بدأت، وكما كانت خير أمة أخرجت للناس كما وصفها ربها سبحانه بقوله: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )، وقوله تبارك اسمه: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )، وقوله عليه الصلاة والسلام: «بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه…
نسأله تعالى أن يكرم هذه الأمة الكريمة بالرفعة والسنا والتمكين في الأرض عما قريب( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ).q
2015-10-15