حديقة الخلفاء الراشدين بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
2015/08/30م
المقالات
2,417 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
حديقة الخلفاء الراشدين
بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
لم تكن فلتة، بل عمل لا ترقى إليه أرقى الأنظمة الرأسمالية
كان عقد الخلافة لسيدنا أبي بكر الصِّدِّيق عملاً رائعاً من صحابة رسول الله لا تجد مثله لدى أعرق الدول الديمقراطية والتي تحصرها في رأسمالييهم الفَجَرة. فيها كان المهاجرون والأنصار بمثابة حزبين من أحزاب هذا العصر. وكان اختلاف الآراء بينهما ضمن حدود الشرع. وفيها تنازل كل من عمر وأبي عبيدة عن الترشح لمنصب الخلافة لأبي بكر رضي الله عنهم أجمعين إقراراً بفضله وهذا ما لا نراه في الأنظمة الرأسمالية. وفيها المبايعة المـتأخرة من علي والزبير رضي الله عنهما والانتظام في الطاعة مثلهما مثل أي صحابي أخر. على أن هناك علامتين فارقتين: الأولى هي أن نظام البيعة هو نظام إلهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بخلاف الأنظمة الوضعية القاصرة الظالمة. أما الثانية فهي أن نظام البيعة جاء قبل أكثر من 1400 سنة؛ فالنظام الإسلامي كان وما زال هو النظام الصحيح الذي لا يحتاج إليه المسلمون فحسب، وإنما العالم أجمع، وهذا مما يقلق الغرب من حضارة الإسلام ويجعله يخاف حقيقة منه على حضارته. ومما جاء هذه البيعة:
قال هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم توفي وأبو بكر بالسنح) موضع بعوالي المدينة فيه منازل بني الحارث بن الخزرج، وكان منزل أبي بكر بها (فقال عمر: واللهِ ما مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنَّه الله فيقطع أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر الصديق فكشف عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقبَّله، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله موتتين أبداً. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: ]إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُ[، وقال: ]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [ فنشج الناس يبكون، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فذهب عمر يتكلم فسكَّته أبو بكر، فكان عمر يقول: واللهِ ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، فتكلم فأبلغ، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل أبداً، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، قريش أوسط العرب داراً وأعزهم أحساباً، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك، أنت خيرُنا وسيدنا وأحبُّنا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . وأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر: قتله الله [أخرجه البخاري].
وقال مالك، عن الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أن عمر خطب الناس فقال في خطبته: وقد بلغني أن قائلاً يقول: «لو مات عمر بايعت فلاناً». فلا يغترنَّ امرؤ أن يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وليس منكم من تُقطع العِناق إليه مثل أبي بكر، وإنه كان خيرنا، حِيْنَ تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اجتمع المهاجرون، وتخلف علي والزبير في بيت فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وتخلفت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقلت: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار. فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تأتوهم وأبرموا أمركم. فقلت: واللهِ لنأتينهم، فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون على رجل مزمل بالثياب، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة مريض فجلسنا، وقام خطيبهم فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإيمان، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت إليكم دافة (الدافة: القوم يسيرون جماعة سيراً ليس بالشديد) يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر (ينحُّونا عن الأمر). قال عمر: فلما سكت أردت أن أتكلم بمقالة قد كانت أعجبتني بين يدي أبي بكر، فقال أبو بكر: على رسلك. وكنت أعرف منه الحدَّ، فكرهت أن أغضبه وهو كان خيراً مني وأوفق وأوقر، ثم تكلم، فواللهِ ما ترك كلمة أعجبتني إلا قد قالها وأفضل منها حتى سكت، ثم قال: أما بعد: ما ذكرتم من خير فهو فيكم معشر الأنصار، وأنتم أهله وأفضل منه، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح قال: فما كرهت شيئاً مما قال غيرها، كان واللهِ أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تتغير نفسي عند الموت. فقال رجل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. منا أمير ومنكم أمير معشر المهاجرين، قال: وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر. فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعته الأنصار، ونزوا على سعد بن عبادة (وقعوا عليه ووطئوه)، فقال قائل: قتلتم سعداً. فقلت: قتل الله سعداً. قال عمر: فواللهِ ما وجدنا فيما حضرنا أمراً أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن نحن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما خالفناهم فيكون فساد.
وقال عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن أبا بكرقد أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يؤم الناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيُّكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ -يعني في الصلاة- فقال الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. رواه الناس، عن زائدة عنه.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد، فأتاهم أبو بكر وجماعة، فقام الحباب بن المنذر، وكان بدرياً، فقال: منا أمير ومنكم أمير. وقال وهيب: حدثنا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول: يا معشر المهاجرين، إنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم. قال: وتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فَقَامَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وَإِنَّمَا يَكُوْنُ الإِمَامُ مِنَ المـُهَاجِرِيْنَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ، كما كنا أنصار رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فَقَامَ أبو بكر، فقال: جزاكم الله خيراً من حي يا معشر الأنصار وثبت قائلكم، أما واللهِ لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم. ثم أخذ زيد بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه. قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم يرَ علياً، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابْنِ عَمِّ رَسُوْل اللهِ صلى الله عليه وسلم وختنه، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه، ثم لم يرَ الزبير، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعاه.
وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن قيس بن عباد، وابن الكواء، أن علياً -رضي الله عنه- ذكر مسيره وبيعة المهاجرين أبا بكر، فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يمت فجاءة، مرض ليالي، يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقول: «مروا أبا بكر بالصلاة»، فأرادت امرأة من نسائه أن تصرفه إلى غيره فغضب، وقال: «إنكنَّ صواحبُ يوسف»، فلما قُبِضَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اخترنا واختار المهاجرون والمسلمون لدنياهم من اختاره رسول الله لدينهم، وكانت الصلاة عظم الأمر وقوام الدين.
وقال الوليد بن مسلم: فحدثني محمد بن حرب، قال: حدثنا الزبيدي، قال: حدثني الزهري، عن أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة، قال: حين جلس أبو بكر عَلَى مِنْبَرِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غداً من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد عمر، ثم قال: أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وما وجدت في المقالة التي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَكِنْ رجوت أنه يعيش حتى يدبرنا – يقول حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرنا -فاختار الله لرسوله ما عنده على الذي عندكم، فإن يكن رسول الله قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمداً، فاعتصموا به تهتدوا بما هدى به محمداً صلى الله عليه وسلم . ثم ذكر أبا بكر صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وأنه أحق الناس بأمرهم، فقوموا فبايعوه، وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت البيعة على المنبر بيعة العامة.
وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا؛ لأنا أُخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بَعْدَ رَسُوْلِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أَمَّرَهُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي.q
2015-08-30