الإرهاب الأسود صناعة غربية لاستعباد العالم الإسلامي
2015/08/30م
المقالات, كلمات الأعداد
2,705 زيارة
الإرهاب الأسود صناعة غربية لاستعباد العالم الإسلامي
يؤمن الغرب الرأسمالي بمصالحه فقط، وهو على استعداد للقيام بأي شيء لتحقيقها، بلا أدنى مبالاة بالقيم الأخلاقية أو الإنسانية. إنه لا يشفق على الضعفاء، بل يحتقرهم ويستعبدهم ويعمل على سحقهم، فيما يتصالح مع القوي ويسير معه مهما كان آثماً أو شريراً، طالما تطلبت مصالحه ذلك؛ لذلك أبقت القوى الاستعمارية الغربية مستعمراتها متخلفة، فيما كانت تنهب خيراتها ليل نهار على مدار قرون، كما هو الحال في عموم دول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، بل وحرصت على أن تبقيها تابعة لها، عاجزة عن الخروج عن طوق الهيمنة المفروض عليها.
إلا أن سياسات الغرب إزاء العالم الإسلامي كانت أشد حدة، لما يملك المسلمون من طاقات ومقدرات وإمكانيات مادية ومعنوية تؤهلهم لصد الهيمنة الغربية وتغيير الواقع الدولي سياسياً وثقافياً. فلدى المسلمين تاريخ مجيد حاضر في أذهانهم، كما أن لديهم بلاداً شاسعة ثرية، إضافة إلى تصورات عقائدية مستنيرة عن الحياة، ينبثق عنها نظم سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية سوية، يألفها ويرتاح لها من يعيش في كنفها ولو لم يكن مسلماً، أنظمة تنتج قيماً رفيعة تبث الطمأنينة بين الناس، تعالج قصورهم واحتياجاتهم وتفرض الأمن والعدالة بينهم، فتمثل نموذجاً جاذباً يحتذى، بخاصة لتلك الشعوب التي تعاني من بؤس وشقاء الرأسمالية.
لذلك كله يعتبر الغرب أن الإسلام يشكل تهديداً لحضارته ولمصالحه، فقام بتفتيت العالم الإسلامي إلى أكثر من خمسين دولة، وفرض حكاماً يدينون له بالطاعة والولاء المطلق، وتحكَّم في تفاصيل حياة الناس، سياسياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً، وزرع في قلب بلاد المسلمين كياناً لليهود في فلسطين وآخر للنصارى في لبنان، وهو في طريقه لإعادة تشكيل المنطقة على أسس قومية وطائفية تتصارع فيما بينها، كما أنه يعمل بشراسة على استمرار عزل الإسلام عن الحياة، سواء من خلال القوى المتحكمة في بلاد المسلمين أو من خلال التنفير من تطبيق الإسلام وتشويه دلالات قيام دولة الخلافة. كل ذلك، ليكبل العالم الإسلامي بقيود محكمة، محاولاً شله عن أي تحرك يمكن أن يخرجه من دائرة هيمنته ونفوذه.
إن هذا الموقف العدائي من الغرب تجاه العالم الإسلامي يجب أن يكون واضحاً جلياً لكل مسلم، لا سيما العاملين في مجال الإصلاح أو التغيير في بلادنا، فتحقيق الخلاص يتطلب اجتثاث هيمنة الغرب ابتداء لا مداهنته أو الارتباط به، فضلاً عن استجداء تدخله وانتظاره لتقديم الحلول والمعالجات لأزمات الأمة ومشاكلها. فالغرب وعملاؤه أس الداء وسبب البلاء. لذلك كان واجباً على كل مسلم يرجو خيراً من الغرب أو من أحد أعوانه وعملائه أن يرعوي ويتوب إلى الله، فما في النار للظمآن ماء، ومن أصرَّ على الاستعانة به وإقحامه في قضايانا فإنه سادر في الخيانة، ومِعول هدم مسخَّر بأيدي الكفار للنيل من الإسلام، وعامل حائل عن إقامة الخلافة التي هي سبب منعة الأمة وعزها ومجدها.
وللحيلولة دون نجاح أي تغيير شامل على أساس الإسلام لإقامة الخلافة، قام الغرب بفرض ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب، رغم أن مظاهر الإرهاب المفترض محاربته إنما يترعرع وينتشر بشكل ملحوظ ومؤثر ومنظم في مناطق الاحتلال وبؤر النزاع والاضطراب التي صنعها الغرب بنفسه، كما هو الحال في أفغانستان وباكستان والعراق ومصر وتونس واليمن وليبيا والسعودية وسوريا ولبنان، أي في المنطقة التي تعتبر ضمن مجال المخططات الغربية ومناطق النفوذ والنزاع بين دوله، ما يعني أن سياسات تلك الدول ومخططاتها هي السبب الرئيس لإنتاج هذه الظواهر، بغض النظر عما إذا كان هو الذي قام بتصنيعها وتنظيمها وتمويلها وتوجيهها أصلاً أم أنها نتجت كردة فعل حادة جراء وحشيته وظلمه وقهره للمسلمين، فالنتيجة واحدة، أي أن هذه الظاهرة هي نتيجة سياسات الغرب في بلاد المسلمين، وأن السبيل للخروج من هذه الدوامة إنما يكون بتغيير تلك السياسات البشعة، وهذا لن يتأتى بحال إلا باجتثاث نفوذه، وبفرض معادلات جديدة تجبر الغرب على احترام المسلمين وتركهم وشأنهم، مما لا يقوى على تحقيقه حزب أو جماعة، إنما من خلال إقامة دولة إسلامية صادقة تجمع قوى الأمة ومقدراتها لتفرض نفسها كصاحب قرار حقيقي في مصيرها وفي كل ما يتعلق بشؤونها.
نعم، إن الإرهاب المفترض محاربته هو نتاج سياسات الغرب، فدول الغرب هي التي قطعت آلاف الأميال لاحتلال بلاد المسلمين، وهي التي أسقطت دولة الخلافة، وهي التي مزقت بلاد المسلمين، وهي التي زرعت (إسرائيل)، وهي التي تنهب ثروات الأمة، وهي التي تفرض حكاماً جلاوزة ظلمة لئام يسومونها سوء العذاب. فالغرب هو الآثم وسياساته المتوحشة هي رمز الإرهاب الدولي الظلامي الفاحش والقبيح.
أما الممارسات الشائنة لتنظيم الدولة وكل من ماثله واتبع خطاه من قتل وخطف وتفجير وسبي وتهجير وتشريد أهوج باسم الخلافة فهو تقزيم وتشويه لتطبيق الإسلام، ويخدم سياسات الغرب أيما خدمة، إذ يستخدمها لتبرير سياساته البشعة أمام شعوبه، ليخرس كل الألسنة التي تنتقد تدخله وتسلطه على المسلمين، كما يمنحه فرصة تشريع القوانين المحلية والدولية لتجريم دعاة الخلافة وتقديمهم كشذاذ آفاق.
كما أن المسلمين أكبر متضرر عملياً من ممارسات هذه التنظيمات، إذ إن دماءهم تسيل، ومقدراتهم تهدر، وحرماتهم تنتهك بذرائع شتى، فضلاً عما يعانيه المسلمون من تشويه لدينهم، الذي رسخ في وجدانهم أنه رسالة رحمة وعفو، وأنه يسمو بالإنسان عن الإجرام والفحش والحياة الثأرية ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾، النحل 90، ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ البقرة 190. وما زال المسلمون يفخرون على مدار الأزمنة بعظمة موقف النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وصفحه عنهم، فقد روى الحافظ ابن حجر في الفتح “لمــَّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت فطاف به… ثم وقف على باب الكعبة فخطب ثم قال: “يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟” قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: “اِذهبوا فأنتم الطلقاء”.
لذلك تجد المسلمين عامة ينفرون من هذه السلوكيات، بل وتجد كثيرين ممن ابتلي بالعيش والقتال ضمن هذه المجموعات يعضون على جراحهم ويخفون شكواهم، فقد أحاط بهم الأعداء من كل جانب، ولا يكاد يوجد لهم منفذ أو بديل. إلا أن مثل هذه الجماعات عابرة في تاريخ الأمة، وسرعان ما تتلاشى عندما تتغير البيئة السياسية التي أنتجتهم أو يوجد البديل السليم الذي يطبق الإسلام وأحكامه بشكل صحيح.
إلا أن كثيراً مما يجري من قتل وتفجير وتدمير –بشكل “عشوائي” ولسنوات طويلة -باسم الإسلام وهو منه بريء، غير مفهوم وغير مبرَّر في أكثر الأحيان، ما يدفع للشك بحقيقة من يقف وراء هذه الأحداث، لا سيما أن القوى الاستعمارية الطامعة هي صاحبة اليد العليا في المنطقة، وأجهزتها الأمنية تتحكم بكثير من تفاصيل المشهد، ولطالما كشفت الأيام أن تلك الأجهزة هي من نظم أو تواطأ أو غض النظر عن مثل تلك التصرفات لاستغلالها في تحقيق أجندته. وما محاولة تفجير برج التجارة العالمي عام 1994م التي اتهم وحوكم فيها الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن إلا واحدة منها، حيث تبين لاحقاً أن مرافقه ومستشاره الخاص -ضابط مصري سابق -هو عميل لمكتب التحقيقات الفدرالية الأميركية.
وهي القضية التي استغلتها الحكومة الأميركية لمضاعفة قيمة الميزانية المخصصة لمكافحة الإرهاب واعتبار ذلك أولوية، كذلك إخضاع أعمال إصدار التأشيرات الأميركية لمكتب التحقيقات الفيدرالية وبقية الوكالات الاستخبارية، إضافة إلى إصدار تشريعاتٍ خاصة بقضايا الإرهاب والإرهابيين، وتطوير مشاريع المتابعات لكل المشتبه بهم، والتدخل من أجل إيقاف المساعدات المالية التي تأتي للمجموعات “الإرهابية”، إضافة إلى تطوير التعاون مع الحكومات الأخرى في هذا المجال، وتشجيع الدول العربية بخاصة على القيام بتصفية هذا “الإرهاب”!
وقد توالت الحوادث الغامضة والمريبة منذ ذلك الوقت، حتى إذا نسي الناس الحدث الأليم وكادوا أن يتعافَوا من تداعياته حتى يفيقوا على فاجعة جديدة.
واللافت هو تسليط الأضواء على أي حدث يقع من مسلم أو باسم الإسلام مهما كان صغيراً، ليصبح حديث الدنيا وشاغل الناس، أما إن وقع مع غيرهم فإنه سرعان ما يتم تجاهله كأنه لم يقع! حتى صارت الدعوة إلى الإسلام وإلى إقامة الحكم بالإسلام مقترنة دائماً بالإرهاب، وبات دمغة فاقعة يوصم بها المدافعون عن ديارهم وأعراضهم والعاملون للإسلام والراغبون في العيش تحت لوائه، والثائرون ضد الفساد والظلم والبغي والتخلف والتبعية.
إنّ الغرب يدرك تماماً أن الإسلام هو سر قوة المسلمين، لذلك يحاول جاهداً إقصاءه وتشويهه وعلى تحميله وزر الانتهاكات التي يرتكبها البعض هنا وهناك في محاولة لتنفير الشعوب منه وتجريم الدعوة إلى تحكيمه وإقامة الخلافة، ليبقى العالم الإسلامي لقمة سائغة لأعدائه. لكن أنَّى لهم ذلك، فالإسلام دين الله الحق، والوعي على الإسلام يزداد بين المسلمين، ولطالما ظهرت إمبراطوريات وتلاشت، ونمت أيديولوجيات وماتت، لكن الإسلام باقٍ، وأمة الإسلام باقيةٌ، وخلافة الإسلام الحقة قادمةٌ بإذنه تعالى رغم كل المكر والكيد بها. وكما تمكَّن العالم الإسلامي من صد وابتلاع كل محاولات إلغائه عبر التاريخ، فإن الحرب العالمية على الإرهاب لاستعباد العالم الإسلامي ستفشل، وسيكون مصيرها عاجلاً أو آجلاً كمصير الحملات الصليبية والمغولية. قال تعالى: ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ الأنفال 30 ، وقال جلَّ ثناؤه: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ الشعراء 227
2015-08-30