( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) الحلقة -1-
2015/07/07م
المقالات
2,519 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
الحلقة -1-
حمد طبيب – بيت المقدس
( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا )
في ظل الشدائد والصعاب، وقسوة الظروف، وقلة الأنصار من أهل القوة يبحث الإنسان عن ركن شديد مكين يُسند إليه ظهره، وإلى مأمن أمين يأوي إليه… وإذا كان جميع أصحاب العروش والسلاطين والقوى المادية في هذه الدنيا هم أعداء الإسلام، وكانت معظم الأماكن التي يأوي إليها الناس في الدول والمؤسسات يسيطر عليها أهل الباطل… فأين يُسند المسلم ظهره في هذا الزمان، وما هو المأمن الأمين المكين الذي يأوي في كنفه، ويُسند ظهره إلى قوته؟!
وقبل أن نتناول هذا الموضوع ونميط اللثام عن الجواب الحق ونجيب، نقول: لقد اشتد الكرب على المؤمنين المخلصين في هذا الزمان، وتقاذفتهم قوى الضلال والشرك والإلحاد من كل اتجاه، ومن كل حدب وصوب… وأصبحت الحرب على حملة الدعوة شاملة في كل الأرض، حتى صارت عالمية بلا حدود ولا سدود، تحت مسمى (الحرب على الإرهاب)، وأصبح المؤمنون الصادقون المخلصون – في ظل هذا الواقع المرير- إما في القيد والأغلال، وإما تحت العذاب والاضطهاد، وإما مشردين في بقاع الأرض؛ بسبب بأس الظالمين وأعوانهم، ولا يستطيع أحدٌ من البشر أمام هذه القوى الجبارة العاتية، وبسبب سطوتها وظلمها وشدتها على المسلمين المخلصين أن يقدّم العون والمساندة، والمناصرة لأهل الحق من المستضعفين حتى لا يدخل معهم في قفص الاتهام.
ولكن إذا كانت قوى الأرض هي من أهل الباطل وأعوانه، وتقف نداً لأهل الإيمان، فإن الله عز وجل هو الولي القوي العزيز الجبار، القادر المقتدر، صاحب القوة والعظمة والجلال والكمال… فالله سبحانه هو السند -المكين القوي- إذا تخلى أهل المساندة عن المؤمنين، ووقفوا في طريقهم .. وهو الولي النصير إذا وقف أهل الضلال ينصر بعضهم بعضاً ويسند بعضهم بعضاً…
فالله سبحانه وتعالى هو وليُّ المؤمنين: ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، وهو معهم أينما كانوا، وحيثما وُجدوا وحلّوا أو ارتحلوا، أو كانوا في القيد والأغلال: ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) )، ويدافع عنهم في الساحات وجميع الميادين؛ حتى لو وقف أهل الضلال جميعاً في وجههم نداً لهم ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ )… بل ويمكر لهم ضد مكر الكفار، ومكره سبحانه وتعالى أقوى وأسرع من مكر الكفار، مهما بلغوا عدة وعتاداً وقوة وسلطاناً وبأساً… ( قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) وقال سبحانه: ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
فالمسلم له سند عظيم لا يُقدَر عليه، ولا يحوزه أهل الأرض جميعاً بقوتهم وسلطانهم وصولجانهم، وهو- أي المسلم – في مأمن أمين ومكمن مكين؛ يأوي إليه في كل وقت وكل حين، وليس وحده في الساحة، إنما هو في معية الله عز وجل دائماً أبداً .. ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )، ويقول عليه الصلاة والسلام: «قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث ذكرني…» رواه البخاري
وقد ضرب الحق تبارك وتعالى، ورسوله الكريم الأمثلة الكثيرة على ولاية الله عز وجل ونصرته وتأييده للمؤمنين؛ الصابرين الصادقين المحتسبين عملهم وصبرهم لله عز وجلّ… فقد نصر الله عز وجل أنبياءه جميعاً قبل بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى … ونصر كذلك نبيه عليه أتم الصلاة والسلام مع أصحابه الكرام عندما اشتد عليهم الكرب… نصر نبيه إبراهيم عليه السلام على قومه عندما أرادوا به كيدًا وأذىً، وعزموا على إحراقه في النار؛ فقال لها الحق تعالى: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ، ثم نجَّاه إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين، وجعل من نسله الأنبياء والرسل… ونصر نبيه ورسوله موسى عليه السلام بالبحر، وأغرق آل فرعون وجنودهم، وجعلهم سلفاً ومثلاً للآخرين… ونصر عيسى عليه السلام عندما أرادوا به كيداً ومؤامرة؛ فنجاه من بين أيديهم، وألقى الشبه على أعدائه فلحق بهم المكر السيئ… وكذلك نصر الله عز وجل وأيَّد نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عندما اشتد عليه الكرب مع أصحابه- رضوان الله عليهم جميعاً- فآواهم وأيَّدهم بنصره، ورزقهم من الطيبات، ومكن لهم في الأرض، واستخلفهم فيها …
لقد تجلت ولاية الله عز وجل ونصرته، وتأييده لعباده المؤمنين (الصادقين المخلصين) وسط هذه الحرب الشرسة، والتآمر على أمة الإسلام، في أمور كثيرة وعديدة منها:
1- الثبات والصبر على الحق: فالله سبحانه قد ثبَّت أهل الإيمان والإخلاص؛ من الصادقين العاملين، فألقى في قلوبهم وعقولهم الثباتَ والصبرَ على مواصلة رحلة الحق والإيمان، رغم الشدائد والصعاب الجسام… وهذا الأمر هو من الله عز وجل؛ بسبب تأييده ونصرته، يقول تعالى: ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ )
يقول (ابن عاشور) في تفسيره التحرير والتنوير: (… ومعنى تثبيت الذين آمنوا بها أنَّ الله يسَّر لهم فهم الأقوال الإلهية على وجهها، وإدراك دلائلها حتى اطمأنت إليها قلوبهم، ولم يخامرهم فيها شك، فأصبحوا ثابتين في إيمانهم، غير مزعزعين بها غير متردّدين… وذلك في الحياة الدنيا ظاهر، وأما في الآخرة فبإلفائهم الأحوال على نحو مما علموه في الدنيا، فلم تعترهم ندامةٌ ولا لهف، ويكون ذلك بمظاهر كثيرة يظهر فيها ثباتهم بالحق؛ قولاً وانسياقاً، وتظهر فيها فتنة غير المؤمنين في الأحوال كلها… وتفسير ذلك بمقابلته بقوله ( وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ )، أي المشركين، أي يجعلهم في حيرة وعماية في الدنيا وفي الآخرة. والضلال: اضطراب وارتباك، فهو الأثر المناسب لسببه، أعني الكلمة التي اجتثت من فوق الأرض كما دلت عليه المقابلة
فالله عز وجل يلقي في قلوب المؤمنين العاملين في طريق الحق والإيمان الصبر على شدة البلاء، والثبات على الحق رغم قلة الزاد ووعورة الطريق وطوله، ورغم قلة الأموال والأتباع والأنصار…
2-المكر بأهل الباطل وبخططهم وتدبيرهم وسياساتهم الإجرامية ضد أصحاب الحق والإيمان .. وهذا مصداقاً لقوله عز وجل:( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ؛ والمكر هنا من الله عز وجلّ هو التدبير في الخفية…
يقول الإمام الشوكاني في تفسيره لهذا الآية : (… المكر التدبير في الأمر في خفية، وهو من الله جزاؤهم بالعذاب على مكرهم من حيث لا يشعرون. والمعنى: أنهم يخفون ما يعدُّونه لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – من المكايد؛ فيجازيهم الله على ذلك ويرد كيدهم في نحورهم، وسمي ما يقع منه تعالى مكراً مشاكلة كما في نظائره ( وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) أي المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم؛ فهو يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون؛ فيكون ذلك أشد ضرراً عليهم وأعظم بلاء من مكرهم. وعن ابن عباس في قوله( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه… فأطلع اللهُ نبيه على ذلك، فبات علي رضي الله عنه على فراش النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حتى لحق بالغار، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوه علياً رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا ؟ فقال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاثَ ليالٍ!!…).
3– إغراء العداوة والبغضاء والاقتتال بين أصحاب الباطل؛ ممن يتآمرون على أهل الإيمان… وقد حصل ذلك في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام عندما أحاط الكفار بالمدينة المنورة في غزوة الخندق، وأرادوا استئصال الرسول عليه أتم الصلاة والسلام عن وجه الأرض… فماذا حصل؟!، لقد أغرى الله عز وجل العداوة بينهم فحصلت الفتنة بين أهل قريش واليهود، وحصلت بين اليهود أنفسهم، كما حصلت بين أهل مكة في المراحل الأخيرة؛ عندما صمم قسم منهم مغادرة ساحة الحرب والقتال فاختلفوا وحصل بينهم الشقاق… قال تعالى يصف نهاية هذه الحرب: ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)) الأحزاب.
4- سقوط مبادئهم وأفكارهم وانكشافها للناس وبيان بطلانها… وقد حصل هذا الأمر قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ عندما هزَّأ إبراهيمُ عليه السلام أصنام قومه وعقولهم فقال: ( قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)). وحصل كذلك عندما وقف فرعون عاجزاً عن نصرة فكره أمام معجزة موسى عليه السلام، وعندما حصل العجز من السحرة. أما عن فرعون؛ فقد قال تعالى: ( فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)). وحصل كذلك عندما وقف كفار مكة عاجزين عن أن يأتوا بسورة من القرآن المعجز، وثبت عجزهم أمام هذا التحدي الصريح، ثم بعد ذلك جحدوا بهذه الآيات واستكبروا عنها ظلماً وعلواً .. قال تعالىوَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ).
واليوم تظهر هذه السنن الربانية في أرض الواقع، حيث إن الله عز وجل القادر المقتدر العزيز الجبار يثبت المؤمنين على الحق، ويهيئ لهم أسباب الثبات والتحدي والتصدي لقوى الكفر، ويمكر بأهل الباطل ويزيل مكرهم من طريق المسلمين، ويغري بينهم العداوة والبغضاء في صراعات متواصلة مستمرة على مناطق النفوذ والمصالح المادية، ويسقط مبادئهم وأفكارهم حتى أضحى الناس يمقتونها ويسيرون في مسيرات كبيرة يهتفون بإسقاطها!!..
وفي نفس الوقت فان الله عز وجل يرفع الفكر الصادق المستقيم؛ على الفكر الخاطئ؛ فها نحن نرى أن فكرة الإسلام تسمو يوماً بعد يوم وتنتشر بين أتباعها، وحتى بين الكفار من غير أتباعها فيقبلون على دين الله أفواجاً…، فقد تساقطت فكرة الاشتراكية وهوت تحت الأرض واندثرت، وتخلى عنها أتباعها نتيجة حربها وعداوتها لأهل الإيمان، وتسلطها عليهم قتلاً وتشريداً ومنعاً من أداء العبادات في دائرة الاتحاد السوفياتي .. وها هي أيضاً فكرة الرأسمالية المادية السقيمة يمكر بها الحق تبارك وتعالى، فيتهاوى اقتصادها وشركاتها وأموالها، وينتشر الشر والفساد بين أهلها لدرجة أنهم ضاقوا ذرعاً بها، وصاروا يتخلون عن كثير من أفكارها الرئيسية في الاقتصاد…
أما مؤامراتهم ضد المسلمين الداعين لإعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فإن هذه المؤامرات تتحطم الواحدة تلو الأخرى… وآخرها ما يحاك لأهل الشام وثورتهم ضد الظلم والقهر والتسلط… فلو نظرنا إلى أهل الشام هذه الأيام، لرأينا العجب العجاب في هذه الحرب الشرسة، التي تدار عليهم من قبل العالم أجمع، لثنيهم عن فكرة الدعوة لتطبيق دين الله عز وجل، وعن تأييد أنصارها ودعاتها من أهل الحق والإيمان… فقد قادت أميركا حلفاً دولياً ضد الإرهاب حسب زعمها، وعقدت من أجل استمراريته عدة اجتماعات؛ في واشنطن وباريس ولندن، ومؤتمرات إقليمية في تركيا وقطر والسعودية ومصر والأردن… وأقامت أحلافاً وائتلافات، وأمدتها بالأموال والأعمال والرجال، وأنشأت منظمات وجبهات تتبنى فكرة الخلافة لتشويه صورتها بين الناس، وفوق هذه الأعمال الكبيرة فإنها اتخذت قرارات خبيثة لضرب المخلصين من الجماعات المقاتلة، تحت ذريعة حرب تنظيم دولة العراق والشام باسم محاربة الإرهاب، فأخذت تقصف بطائراتها العملاقة الجماعات التي لا تسير تحت مظلتها، وتوهم العالم أنها تقصف فقط تنظيم دولة العراق والشام… ومن أعمالها الإجرامية كذلك أنها اتخذت قرارات بالمحافظة على الطاغية المجرم، وعدم السماح بسقوطه فأمدته بأحدث الأسلحة، وناصرته بالرجال والأموال من حزب إيران ومن فرق إيرانية وعراقية طائفية، وغضّت الطرف عن جرائمه بالبراميل الحارقة المدمرة، والأسلحة الكيماوية التي تستخدم ضد المدنيين العزل في المدن الآمنة… وبعد كل هذا الذي حصل، وما زال يحصل، فإن أهل الشام ما زالوا ينطقون ويهتفون عالياً : (هي لله) عز وجل… (الشعب يريد خلافة إسلامية)… (لا لمؤامرات أميركا وتركيا وأحلافها)…
وهذا كله لا يحصل لولا تثبيت الله عز وجل للمؤمنين، ومكره بالمجرمين، وانكشاف وانفضاح عملاء الكفار من ائتلاف وغيره، ومن سقوط للأفكار المطروحة كالتقسيم والمناطق العازلة وغير ذلك من مؤامرات… وهذا التثبيت والتأييد والولاية ليست في الشام وحدها، إنما هي في كل العالم الإسلامي…
نسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام عما قريب ببزوغ شمس الخلافة، وانهدام كل الأفكار والدعوات مما سواها، وأن تخفق راية لا اله إلا الله محمد رسول الله فوق بلاد المسلمين، وفوق عقر البابا في الفاتيكان… ثم بعد ذلك في كل أقطار الأرض… ليصدق وعد وبشرى رسوله عليه أتم الصلاة وأفضل التسليم: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا )، وقال عليه الصلاة السلام: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض...» أخرجه أحمد في مسنده.
اللهم أسلمنا وجوهنا إليك، وفوضنا أمورنا إليك، وألجأنا ظهورنا إليك، رهبةً ورغبةً إليك. لا ملجأَ ولا منجى منك إلا إليك. آمنَّا بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت… اللهم فتولَّنا فيمن توليت، اللهم لا مولى لنا إلا أنت…q
2015-07-07