مثل حكام المسلمين العملاء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
2015/07/07م
المقالات
2,438 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
مثل حكام المسلمين العملاء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً
(وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
نجاح السباتين
دار حوار بين حاكمين، سأل الأول : أيهما أفضل أن تكون عميلاً بريطانياً أم عميلاً أميركياً؟ أجاب الثاني : بريطانيا تَعدُّ عملاءها لاستخدامهم على الدوام؛ لذا تحافظ عليهم حتى آخر لحظة، أما أميركا فعملاؤها عملاء مرحلة، فاذا انتهت المرحلة تخلصت منهم أو ألقت بهم على قارعة الطريق أو في مزابل التاريخ .
قال الأول : إذاً أكون عميلاً بريطانياً. وقال الثاني: أما أنا فأختار العمالة لأميركا لأنها الأقوى.
هذا ما وصل اليه الحال ببعض المسلمين الذين تزعموا ثورات الشعوب العربية، وابتغوا العزة لدى أعداء الله، وتسابقوا في السفر للدول الاستعمارية للحصول على التأييد السياسي والاقتصادي والعسكري، وليحلُّوا محل الحكام السابقين الذين انتهت صلاحيتهم ولم يعودوا قادرين على خدمة المصالح الغربية.
أما الثمن الذي يجب أن يدفعوه مقابل الوصول إلى الحكم فهو :
أن يحاربوا الإسلام تحت اسم محاربة الإرهاب، وأن يثبتوا ذلك عملياً قبل تمكينهم من الوصول إلى الحكم، بالاشتباك فوراً مع الجهاديين الذين يضعونهم على قوائم الإرهاب.
ان لا يسمحوا للإسلام بالوصول إلى الحكم بأن يظلوا محافظين على علمانية الدولة، وبقاء دستورها ومؤسساتها القديمة كما هي.
أن يحافظوا على أمن اسرائيل، وأن يتقيَّدوا بالمعاهدات التي عقدت مع يهود سابقاً
أن يتقيدوا بالقوانين الدولية والمعاهدات الدولية التي تمكن الغرب من استغلال ثرواتهم، والتحكم الداخلي في بلدانهم.
أن يبقوا تحت سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي
ولنأخذ سوريا مثالاً على ذلك:
قَبِل الائتلاف الوطني السوري بأن يدفع الثمن مقابل أن تساعده الدول ليحل محل بشار وأزلامه في الحكم؛ لذلك ساد صراع بين أعضائه طوال المحنة السورية، لكن مهما اختلفت الدول الاستعمارية الكافرة على مصالحها، فإنها تتفق جميعاً على عداوتها للإسلام والمسلمين، فعندما رأوا بأن الثورة السورية احتضنت الإسلام وصارت تنادي بالخلافة، ارتعدت فرائصهم وتنادَوا فيما بينهم على شيطنة الثورة، وتحويل عداوة الثوار للنظام إلى عداوة بعضهم لبعض؛ فتم الاتصال ببعضهم، وانهالت عليهم الأموال والأسلحة والمؤن حتى يتمكنوا من السيطرة على الثوار والتحكم في قراراتهم العسكرية، فيحاربوا متى ما سمح لهم المموِّل القطري أو الإماراتي أو السعودي ويتوقفوا متى ما نهاهم؛ عند ذلك تحولوا إلى تجار حرب وقتلة مأجورين، ودخلوا في حرب مع المجاهدين المخلصين، وكان لا بد من تشويه فكرة الخلافة؛ فأعلنت الخلافة عن طريق تنظيم الدولة فترك الثوار القتال ضد النظام ليقاتلوا ضد بعضهم البعض، واقتتلوا فيما بينهم على الغنائم والمناطق المحررة، وصاروا يبيعون الأسلحة والمناطق المحررة للنظام، فكان حالهم كما قال تعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ).
وهذا مثل ضربه الله للناس الذين يدينون بالولاء للكفار ويطلبون منهم النصرة والمعونة والسلاح والمال والتأييد السياسي أنهم كمثل العنكبوت التي اتخذت بيتاً، ولم تعلم حقيقة هذا البيت أنه أوهن البيوت. ولو نظرت إلى بيت العنكبوت لوجدت أن الأنثى تقوم ببناء البيت وتغري الذكر للقدوم إليه والعيش فيه، حتى إذا قضت حاجتها منه قامت بأكله، أو حبسه داخل البيت حتى يفقس بيضها ويقوم أبناؤه بقتله وأكله، أو يتمكن من الهرب خارج البيت ليعيش طريداً ذليلاً. أما أبناء العنكبوت فإنهم يقتلون بعضهم بعضاً للحصول على البيت الضعيف.
فالدول الاستعمارية وتوابعها من الدول الإقليمية هي أنثى العنكبوت التي تبني الدول القطرية الوطنية بخيوطها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، والائتلاف الوطني ومعه ما يسمى بالمجلس العسكري وكل من يقرر أن يسير بخطة أنثى العنكبوت، هم ذكر العنكبوت الذي وقع في حبائلها ليقضي لها أهدافها، وليرفع رايتها ويحارب راية لا اله الا الله ويقضي على مشروع الخلافة لمصلحة الدول الاستعمارية. ثم إذا اشتد عودهم اقتتلوا فيما بينهم وقضى بعضهم على بعض، كما يفعل أبناء العنكبوت
وإذا استطاعت بعض الألوية والكتائب من السيطرة الكاملة، قامت الدول بالتخلص ممن انتهت صلاحيته وصار وجوده في المشهد السياسي خطراً. ولكم أيها السوريون نماذج من ليبيا وبقية بلدان الثورة:
فقد نسجت أوروبا بيت سلطة المجلس الوطني الليبي لمصطفى عبد الجليل؛ حتى إذا باعها بترول ليبيا وثروتها ألقت به على قارعة الطريق. كما نسجت بيت القيادة العسكرية لعبد الحكيم بلحاج حتى اذا انتصر على القذافي ألقت به على قارعة الطريق. وها هم أبناء الثورة في ليبيا يقتل بعضهم بعضاً؛ فكان البيت الذي نسجه لهم الغرب الكافر أوهن من بيت العنكبوت.
وها هم في اليمن دخل عبد ربه منصور هادي ومن معه في بيت العنكبوت الإنجليزي، ودخل الحوثيون وظاهِرُ علي عبد الله صالح في بيت العنكبوت الأميركي، واقتتل سكان البيتين رغم ضعفهما، واشتد القتل في أبنائهم. وها هو صالح يبحث عن مكان آمن ولا يجد، وغداً سيُلقى به في مزابل التاريخ. أما أبطال عاصفة الحزم فلن تطول أيامهم لأنهم بدأوا حرباً بالوكالة نيابة عن الغرب الكافر الذي يبتغون في طاعته العزة، وفي هؤلاء قال تعالى:( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ).
نعم، إن من يهرولون إلى أميركا وأوروبا في زيارات مكوكية يستمدون منهم التأييد السياسي والعسكري والاقتصادي… يريدون بذلك الحصول على العزة والقوة قد أخطأوا الطريق؛ لأن العزة لله وحده. فالله وحده هو المعز وهو المذل، ووحده هو المعطي وهو المانع ، وما أميركا وأوروبا إلا خلق من خلق الله، ولا يملكون من أمرهم شيئاً.
وقد ضرب الله عز وجل لنا الأمثلة في كتابه الكريم عندما تحدث عن عبد الله بن أُبَيّ زعيم المنافقين الذي كان حليفاً ليهود، فلما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع حتى نزلوا على حكمه، قام إليه ابن سلول فقال :يا محمد أحسنْ في مواليَّ، وكانوا حلفاء الخزرج، قال فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا محمد أحسن في مواليَّ، فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أرسلني”، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللاً، ثم قال “ويحك أرسلني». قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليَّ أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هم لك “فنزل قوله تعالى فيه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ).
إن الدفاع عن الكفار ونصرتهم، وعدم موالاة المسلمين أمر محرم، ومن يفعل ذلك يعتبر ظالماً، ومن يطلب نصرة الكفار وموالاتهم خوفاً من تقلُّب الأيام ومن أن تكون الغلبة لهم يوماً هو بلا شك محرَّم تحريماً شديداً، وسيندمون على ما فرطوا في الدنيا قبل الآخرة.
أما عبادة بن الصامت فقد مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حليفاً ليهود في الجاهلية، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرَّأ إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم، وقال: يا رسول الله، أتولَّى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، فأنزل الله تعالى فيه: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ).
وكان عبادة بن الصامت من حزب الله الغالبين، وانتصر المسلمون وكانوا الأعزة، انتصروا بعدها على أعظم دولتين فارس والروم، وصارت دولتهم تمتد في ثلاث قارات، من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن أواسط أوروبا شمالاً إلى أواسط أفريقيا جنوباً.
أما يهود بني قينقاع فقد أجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أذرعات بالشام ، وهلكوا هناك ، وهكذا تم القضاء على نفوذ يهود، وفتحت مكة وخضعت للإسلام ، فلم يجد عبد الله بن أُبي العزة عند يهود أو المشركين الذين والاهم. وشتَّان ما بين مصير عبادة بن الصامت رضي الله عنه وما بين مصير ابن سلول، فعبادة من أهل الجنة إن شاء الله، وابن سلول في الدرك الأسفل في نار جهنم وبئس المصير، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ).
وكلمة نوجهها إلى الفصائل المقاتلة في سوريا: اُنظروا إلى من سبقكم من الثوار الأفغان الذين قاتلوا السوفيات، ماذا حدث لهم بعد سقوط السوفيات؟،لقد عمد الغرب إلى ضخ المزيد من السلاح إلى كافة الكتائب؛ فقامت حرب بينهم مدة عشر سنوات، وكانت النتيجة أن آل الأمر إلى كرزاي عميل الأميركان، وكأن ذلك ما كان إلا عقوبة من الله لهم على تولِّيهم الكفار، واقتتالهم في سبيلهم.
وها هي أميركا تريد حرف أهداف الثورة من قتال الأسد إلى اقتتال الفصائل المسلحة فيما بينها لمصلحة حلها الذي رعته في مؤتمر جنيف. فإن سرتم في خطتها وكنتم كذكر العنكبوت فإن مصيركم سيكون كمصير أمراء الحرب الأفغان، فاتقوا الله في أنفسكم وفي المسلمين، ونظفوا صفوفكم من القادة الذين يمنعونكم من الاستماع إلى إخوتكم المسلمين، ويحولون بينكم وبين الرجوع إلى الحق.
ان الدول لا تقوم على العسكريين فقط، فهؤلاء مكانهم الجبهات، أما تنظيم حياة الناس فتحتاج إلى السياسيين الذين يملكون الرؤية الصحيحة لهيكلية الدولة ودستورها وأنظمتها، وسياسة الرعية حسب أحكام الإسلام، وهذه لا يدركها العسكريون ولا يملكون إدارتها .فلا تسيروا مع مثل هذه الدعوات إلى الاقتتال، ومدوا أيديكم للمخلصين الواعين، وكونوا يداً واحدة ضد نظام بشار والدول التي تسانده، فالنصر هو فقط من عند الله، ولن ينصر الله إلا من يريد أن يقيم دينه من جميع جوانبه، بإقامة دولة الخلافة، وتطبيق الإسلام في الحكم والاقتصاد والاجتماع والسياسة الخارجية والتعليم والإعلام والقضاء وكل ناحية من نواحي الحياة.
نسال الله تعالى أن يهدي الأمة إلى ما فيه رشدها، ويبعد عنها وساوس الغرب الكافر وعملاءه.q
2015-07-07