بسم الله الرحمن الرحيم
نعمة رمضان تستلزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مصعب عمير – باكستان
من نعم الله العظيمة التي أنعمها علينا نزول القرآن الكريم في شهر رمضان، المليء بالآيات الملزمة لحكم عظيم، فيه أجر عظيم، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونذكر هنا عدداً قليلاً من هذه الآيات الكريمة تذكيراً بهذا الواجب الذي سوف نُسأل عنه يومَ الحساب، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )، وقال: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ )، وقال: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ )، وقال: ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ )، وقال: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ).
وأهم وأبرز جزء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو إخضاع الحكام للمساءلة، وأمرهم بما فرض الإسلام عليهم، ونهيهم عمّا حرمه. وعلى الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر المسلمين بطاعة حكامهم المبايَعين بيعة شرعية حتى لو سلبوا الناس حقوقهم، إلا أنه قد أمرهم كذلك بمحاسبتهم عندما ينحرفون عن جادة الصواب، والإنكار عليهم بالكلام الحازم؛ لأن المسلمين لديهم القدرة على ضمان أن يقوم الحاكم بواجباته، وهم ملزمون بمنعه من ارتكاب المنكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع»، وبالتالي فمن كره المنكر وكان قادراً على تغييره وجب عليه ذلك، في حين أن الذي يرضى بالمنكر ويتبعه، لن يكون مُعفىً من الذنب، ولن يأمن سخط الله سبحانه وتعالى. ولذلك لم يكن المسلمون خلال حكم الإسلام في دولة الخلافة في رمضان مكتفين بتطبيق الإسلام في حياتهم الشخصية فحسب، بل كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر دون أي تنازلات، ويحاسبون الحكام إن هم قصّروا. في رمضان لم يكن المسلمون يكتفون بالصيام وصلاة التراويح والدعوة للإفطار، بل ضحوا وعانوا من أجل أن يتأكدوا من تطبيق الإسلام في جميع نواحي الحياة، على مستوى الفرد والجماعة، وفي المجال الاقتصادي، والسياسة الخارجية، والتعليم… ولذلك احتفى رمضان وقتها بأمة تدين بدين الحق، حيث كان وقتها من يستصرخ للمساعدة يأمن من الأذى، والفقراء تُخفف عنهم أحمالهم، وحياة العائلة كانت مليئة بالتناغم والرحمة، وأبدع المسلمون وبرعوا وامتازوا بين غيرهم من بني البشر، فدخل الناس في الإسلام أفواجاً، وقد كان المسلمون وقتها متوحدين أقوياء، وكانت جيوش الأعداء تهاب مقاتلتهم، وكانت رايات الإسلام ترفرف عالياً في كل بقاع الأرض.
إذاً، ما رأي رمضان بنا منذ إلغاء الخلافة حتى الآن؟ اليوم يُحكم المسلمون من حكام لا يخافون الله فيهم، ممن تجاهلوا أوامر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورموها خلفهم. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعيد كل البعد عن عقول هؤلاء الحكام الذين على العكس يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف! هؤلاء الذين يستصرخهم المسلمون للمساعدة في كشمير وفلسطين فيتجاهلون كل نداءاتهم. والفقراء في رمضان منذ إلغاء الخلافة مثقلون بالهموم ولا يوجد ما يتطلعون إليه سوى المزيد من تلك الأحمال، والحياة العائلية أصبحت مصدر قلق وندم في الوقت الذي تُجبر فيه على تعلم العادات والقيم الغربية. والتعليم الديني والعلمي في حالة سيئة. وغير المسلمين ينظرون إلى الإسلام وأهله نظرة احتقار، وأراضي المسلمين مقسّمة وممزقة، محكومة بأنظمة الكفر (الديمقراطية، والدكتاتورية، والملكية… ). وأعداء الإسلام لا أحد يوقفهم لأن جيوش المسلمين مؤمنة في ثكناتها، مستخدمة ضد قضاياهم خارجها، ولا يتم الاستفادة منها إلا في خدمة المستعمر الغربي!
ألا يذكرنا هذا الحال المؤسف بما حذرنا منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذا نحن تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُم» وقال أيضاً: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ».
ألا يحثنا هذا الذل على أن نخاف الله عز وجل فلا نتقاعس عن هذا الواجب؟ يجب أن نتذكر أن الله سبحانه وتعالى لا يعاقب فقط الطاغية على ظلمه، بل ويعاقب أيضاً من يغض الطرف عن المظلوم ولا يفعل أي شيء لتغييره، قال الله سبحانه وتعالى: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ».
حقاً، لقد وجب على المسلمين اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يكفوا عن إهمال هذا الفرض العظيم، ويتقدموا بكل طاقتهم لأدائه، فهو واجب يستحق أداء كل التضحيات من أجله، حتى لو تطلَّب التضحية بالنفس، فقد رُوي أنّه عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمى الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، سَأَلَهُ، فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِيَرْكَبَ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِر»، وقال أيضاً عليه أكمل الصلاة والسلام: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَه». وكذلك فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاسبة الحكام الذين أخذوا الحكم بالبيعة الشرعية ولم يطبقوا الإسلام بالكامل. إذاً، هل يجب علينا أن نقف صامتين أمام حكامٍ أخذوا الحكم غصباً، فحرموا الأمة من الحكم بالإسلام، وحاكموا أبناءها وبناتها على المطالبة بتطبيقه؟!
أنبقى نحن عباد الله سبحانه وتعالى صامتين أمام أمثال كريموف، الذي اعتقل ما يجاوز الثمانية آلاف من شباب الخلافة في أوزبكستان، ومثَّل بالمئات منهم، بمن فيهم الأخ الذي تم غليُه حتى الموت، والآخر الذي قُطعت أطرافه وهو ما يزال حياً؟! أنبقى نحن، محبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، صامتين أمام أمثال بشار الذي عقد العزم على إحراق سوريا الشام لتصير رماداً حتى لا يتحقق أكبر كابوس عند أسياده الغربيين ألا وهو قيام الخلافة على منهاج النبوة؟! أنبقى صامتين أمام نظام رحيل/ نواز، الذي يقوم بإرسال جيش باكستان إلى أقصى بقاع الأرض من أجل تحقيق أهداف المستعمر، ويمنعه من تحرير مسلمي كشمير، وأفغانستان، وفلسطين؟! إن المؤمن الحق لا يخاف إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يخاف اضطهاد الناس، ويرفض مثل هذا الصمت؛ لأنه خيانة لله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وللأمة. إن من يطلب رضا الله عز وجل والنعيم الأبدي في الآخرة، لا يتردد في طاعة الله، ويضحي براحته في هذه الحياة القصيرة، فما هذه الحياة إلا لطاعة الله سبحانه وتعالى، وما الابتلاء فيها إلا وسيلة لنيل رضاه عز وجل. والمؤمن الذي يعلم هذا يكسر بلا تردد جموده ليرفع أعمدة الإسلام، ويبدل بصمته صوتاً قوياً ثابتاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحاسب الحكام.
أما بالنسبة لمقدرة الطغاة على إطلاق العقاب الشديد، فالمسلمون يعرفون مقداره؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز: ( وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ )، ولكن في الوقت نفسه، المسلمون يعلمون أنه لا حد لمقدرة الله على العذاب ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ )، ويعلمون أنه لن يصيبهم إلا ما قد كتب الله لهم وقدّره، قال عز وجل: ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )، ويعلمون أن الله وحده هو الذي يستحق أن يُخشى ويُهاب، قال عز وجل: ( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )، ويعلمون أنهم لن يخسروا بقول الحق شيئاً، فالله سبحانه وتعالى هو الرازق، المحيي، القيوم… يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ».
لم تبقَ أمامنا اليوم سوى مسافة قصيرة لنقطعها قبل الوصول إلى الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فعلياً؛ لأنها قد أصبحت راسخة في عقول هذه الأمة وقلوبها، ومع أن هذه المسافة قصيرة، إلا أنها تتطلب منا تقوى الله والالتزام بأوامره سبحانه وتعالى لقطعها؛ لأنه ليس المسلمون فقط من أدركوا القدوم الحتمي لدولة الخلافة على منهاج النبوة، بل وأعداؤهم الغربيون يدركون ذلك؛ لذلك حركوا عملاءهم في العالم الإسلامي كجزء من تحركاتهم الأخيرة لإطلاق بلطجيتهم لاعتقال المسلمين المخلصين العاملين لإقامة الخلافة الإسلامية ومحاكمتهم. ومع ذلك، فإن المسلمين لن ييأسوا ويتخلوا عن هدفهم؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى يهلك الطغاة وهم في أشد طغيانهم وعجرفتهم، كما حدث لفرعون والنمرود والقرشي. وفوق ذلك، فإن المسلمين يترقبون النصر الحتمي القادم، ففي حين أن مجرمي الأنظمة تحفزهم الرواتب وفتات الثروات، يحفز المسلمين رضا الله سبحانه وتعالى والسعادة الأبدية في الجنة، ومن كان الله حاميه ونصيره، أفيحتاج بعد ذلك إلى عون؟! كلا. المستقبل هو للمؤمنين؛ لذلك يجب أن يثبتوا بحزم على الحق المبين، وأن يلتزموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يستمروا بترديد «الله أكبر» التي تقرع آذان الكفار، حتى يأتي الله بالخير والنصر، ولو كره الكافرون والطغاة.
قال تعالى: ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد ).