مواقف مشرفة في تاريخ الأمة.. الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه
11 ساعة مضت
المقالات
69 زيارة
م. عبد العزيز الماس – اليمن
بين الصحابة الذين كانت لهم بصمات مشرّفة في ميادين الحرب، يبرز سعيد بن زيد رضي الله عنه واحدا من الأبطال الذين خدموا الإسلام في أوقات حرجة، وقدموا تضحيات عظيمة في سبيل نصرة الحق، وكان له دورٌ بارزٌ في الحروب الإسلامية، وله العديد من المواقف المشرفة التي تستحق أن تذكر ويستفاد منها.
كثير من المسلمين لا يعرف سيرة الصحابي الجليل سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، والذي ببشارة النبي ﷺ قد ضمن مقعده في الجنة مبكرا. كيف لا وهو من السباقين للإسلام وأشد المدافعين عنه، وكان سببا في إسلام عمر بن الخطاب.
سعيد بن زيد كان من السابقين الأولين، أسلم قبل أن يدخل النبي ﷺ دار الأرقم بن أبي الأرقم، وشهد المشاهد كلها بعد بدر مع النبي ﷺ، وشهد اليرموك وحصار دمشق وفتحها، وولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح. كان سعيد قائد سلاح الفرسان، وهو الذي أشار على خالد بن الوليد ببدء القتال في معركة أجنادين، وهو لم يهاجر إلى الحبشة، حيث كان من أشراف قريش وساداتهم، فلم يكن ليناله من العذاب ما ينال غيره من المستضعفين، لكنه كان وزوجته فاطمة من المهاجرين الأولين إلى المدينة المنورة.
هو أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي كان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل أحد الحنفاء الذين طلبوا دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام قبل أن يبعث النبي ﷺ، وكان لا يذبح للأصنام ولا يأكل الميتة والدم وكان يقول لقومه: يا معشر قريش والله لا آكل ما ذبح لغير الله، والله ما أحد على دين إبراهيم غيري. ولد سعيد بن زيد قبل البعثة النبوية ببضع عشرة سنة، لأنه مات سنة إحدى وخمسين للهجرة، وعمره بضع وسبعون سنة، وقيل إنّه مات وله ثلاث وسبعون سنة، فحينئذ يكون مولده قبل البعثة بثلاث عشرة سنة. كان سعيد يُكنى أَبا الأَعور، وقيل: أَبا ثور، والأول أشهر، وقال أهل التاريخ: كان سعيد بن زيد رجلا آدمَ طَوَالًا أَشْعَرَ.
تزوج الصحابي الجليل سعيد بن زيد من فاطمة بنت الخطاب، رضي الله عنها، شقيقة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، وتزوّج عمر عاتكة أخت سعيد، وكان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل من الأحناف في الجاهلية، فلم يسجد لغير الله في جاهليته. أم سعيد بن زيد فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية كانت من السابقين إلى الإسلام وهو ابن عم عمر بن الخطاب وصهره كما تقدم.
أما والده، فيروي البخاري عن عبد الله بن عمر: “أن زيدا خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني، فقال: لا تكون على ديننا، حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله، قال زيد: ما أفر إلا من غضب اللَّه، ولا أحمل من غضب اللّه شيئًا أبدًا، وأنَّى أستطيعه؟ فهل تدلّني على غيره؟ قال: ما أعلمه، إلا أن يكون حنيفًا، قال زيد: وما الحنيفُ؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا اللَّه. فخرج زيد فلقي عالماً من النصارى فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة اللَّه، قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله، ولا من غضبه شيئاً أبداً، وأنَّى أستطيع؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه، إلا أن يكون حنيفاً، قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، ولا يعبد إلا الله. فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السَّلام خرج، فلما برز رفع يديه، فقال: اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم”.
رضي الله عن سعيد كان أبوه زيد بن عمرو قبل الإسلام، باحثا عن الحق، ورغم ذلك لم يدرِك زيدٌ الإسلام ومات قبل البعثة، لكن الله ادَّخَر له من يخلِّد اسمه وهو ولدُه سعيد رضي الله عنه، حيث كان من السَّابقين للإسلام. وقد كان من أوائل المسلمين الذين أسلموا على يد الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت له مكانة عظيمة في صدر الإسلام.
كان سعيد بن زيد مُجاب الدعوة، من ذلك أن أروى بنت أويس شكتْهُ إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة لمعاوية، وقالت: إنه ظلمني أرضي، فأرسل إليه مروان، فقال سعيد: “أتروني ظلمتُها وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: “من ظلم شبرا من أرض طُوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين؟!” اللهم إن كانت كاذبة، فلا تُمِتْها حتى تُعمي بصرها، وتجعل قبرها في بئرها”، فلم تَمُت حتى ذهب بصرها، وجعلت تمشي في دارها فوقعَت في بئرها فكانت قبرها.
وكان سعيد يبلي بلاء حسنا في المعارك، وملازمًا للنبي محمد ﷺ، فعن سعيد بن جبير: “كان مقام أَبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أَمام رسول الله ﷺ في القتال ووراءَه في الصلاة”. ولم يهاجر سعيد إلى الحبشة، حيث كان من أشراف قريش وساداتهم، فلم يكن يناله من العذاب ما ينال غيره من المستضعفين، وكان وزوجته فاطمة من المهاجرين الأولين إلى المدينة المنورة. وكان سعيد قائد سلاح الفرسان، وهو الذي أشار على خالد بن الوليد ببدء القتال في معركة أجنادين، وتُوُفي بالعقيق سنة 51 للهجرة، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وحُمِل إلى المدينة، وغسله سعد بن أبي وقاص وكفنه.
يعد سعيد بن زيد من الشخصيات المبجلة في الإسلام، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن المهاجرين الأولين. شهد بدرا بسهمه وأجره، ثم شهد ما بعدها من المشاهد. وكان مجاب الدعوة، وكان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل حنيفيا على ملة إبراهيم. وقد وردت أحاديث وآثار عدة تبين فضل سعيد ومكانته، منها:
ما رواه البخاري بإسناده إلى قيس بن أبي حازم قال: سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم في مسجد الكوفة: (والله لقد رأيتُني وإن عمر لمُوثِقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر، ولو أن أحداً أرفَض لِلذي صنعتم بعثمان لكان محقوقاً أن يرفض). وفي هذا بيان فضيلة ظاهرة لسعيد بن زيد -رضي الله عنه- وهي أنه كان ممن حظي بشرف السبق إلى الإسلام وأن إسلامه كان قبل إسلام الفاروق رضي الله عنه.
ومن مناقبه العالية شهادة النبي ﷺ له بالجنة مع جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ أخبر بأنه من الشهداء. وفي هذا فضيلة عظيمة لسعيد بن زيد حيث شهد له النبي ﷺ بالشهادة وإن مات على فراشه، فهو شهيد لخبر الصادق المصدوق عليه ﷺ بذلك.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى مبيناً فضل سعيد بن زيد -رضي الله عنه-: “ويكفي سعيد بن زيد أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأنه شهد أُحداً وما بعده من المشاهد كلها، وصار من جملة أهل بدر بما ضربه له رسول الله ﷺ من السهم والأجر”.
كان سعيد مُقِلا في رواية الحديث النبوي، فروى ثمانية وأربعين حديثا، جمعها بقي بن مخلد في مسنده. وله في صحيحي البخاري ومسلم حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديث ثالث. وله في مسند أحمد بن حنبل ثمانية وعشرون حديثًا. وروى عنه من الصّحابة: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمرو بن حريث، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني، ومن كبار التابعين: أبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي البصري، وسعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وعبد الله بن ظالم المازني، وزِرُّ بن حبيش، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وغيرهم. ومن الأحاديث التي رواها سعيد ما رواه عن النبي ﷺ أنه قال: “من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن ظَلم من الأرض شبرًا طُوِقه من سبع أرضين”. كما أنه من رواة حديث العشرة المبشرين بالجنة فقال: “أشهد أني سمعت رسول الله ﷺ يقول: “رسول الله في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، ثم قال: إن شئتم أخبرتكم بالعاشر، ثم ذكر نفسه.”
-
قصة سعيد بن زيد مع الفاروق
كان سعيد وزوجته فاطمة سببا في إسلام عمر بن الخطاب، حيث كان عمر في بداية الأمر شديد العداء للإسلام، وكان يريد أن يقتل النبي ﷺ. فعندما خرج عمر بن الخطاب قبل إسلامه يحمل سيفه يريد قتل النبي ﷺ لقيه بعض كفار قريش وأخبروه أنّ أخته وزوجها صارا على دين محمد ﷺ، فغير وجهته حتى أتاهما، فوجد خباب بن الأرت عندهما يتلو آياتٍ من سورة طه، فلما سألهما عن إسلامهما، وقف له سعيد بن زيد – رضي الله عنه- مدافعا عن الحق الذي جاء به الإسلام، فضربه عمر ضربا شديدا، فلحقت به فاطمة ودفعته عن زوجها، فلطمها على وجهها حتى سال الدم منها، فغضبت وأعلنت أمامه أمر إسلامها ناطقة بالشهادتين. فلما يئس عمر منهما، وجد الصحيفة التي كانوا يتلون منها الآيات، فطلبها، فأخبرته فاطمة بوجوب أن يتطهر قبل أن يلمسها، ففعل، فأخذ يقرأ فيها حتى وصل قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، فأنار الله قلبه للإسلام ونطق الشهادتين. ففرح سعيد وزوجته وأخبراه أنها دعوة النبي ﷺ، حين قال: “اللَّهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام، وإما عمر بن الخطاب”، فسأل عن مكان النبي فأخبراه بمكانه ﷺ، فذهب ولم يكن يعلم أحد بعد بإسلامه، وأعلن إسلامه بين يدي النبي ﷺ، وهكذا كان سعيد بن زيد وزوجته فاطمة سببا في إسلام عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم جميعا. ومما قاله سيدنا سعيد بن زيد عن إسلامه وثباته وأسبقيته في الإسلام رضي الله عنه: “والله لقد رأيتُني وإن عمر لـمُوثِقي على الإسلام أنا وأخته، قبل أن يسلم عمر”.
-
في عداد البدريين ولم يشهد بدرا
شهد سعيد بن زيد جميع المشاهد والغزوات مع النبي ﷺ إلا غزوة بدر، فشهد غزوة أحد والخندق وبيعة الرضوان وما بعدها من المشاهد، وكان يبلي بلاء حسنا في هذه الغزوات. فمنذ أن أسلم رضي الله عنه لم يترك رسول الله ﷺ وشارك في كل غزواته وأيامه، إلا أنه في غزوة بدر كان قد أرسله رسول الله ﷺ في مهمة استطلاعية عن الأعداء فرجع منها بعد انتهاء الغزوة، فأحزنه أنه لم يشترك في هذه الغزوة الأولى مع رسول الله. لكن رسول الله ﷺ طيَّب خاطره وضرب له بسهمه في الغزوة كمن اشترك فيها، فسأل سعيد النبي ﷺ وقال: وأجري؟ قال: “وَأَجْرُكَ”، لذلك عُدَّ في عداد البدريين رغم أنه لم يشترك فيها. وفي باقي الغزوات كان ملازما لرسول الله ﷺ، فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كان مقام أبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أمام رسول الله ﷺ في القتال ووراءه في الصلاة.
ظل سعيد بن زيد رضي الله عنه تحت إمرة الخلفاء الراشدين ولم يشترك في أي فتنة ضدهم، حتى استشهد سيدنا عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، فبايع بعد علي ولده الحسن عليهما السلام، ثم معاوية رضي الله عنه. وعندما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة، كان سعيد بن زيد رضي الله عنه في مقدمة الصحابة الذين توجهوا للقتال في بلاد الشام، ولم يكن أميرا، بل كان من ضمن الجنود، لكنه شارك في معركة اليرموك وكان من قادتها، بل إن أبا عبيدة رضي الله عنه قائد الجيش بناء على خطة خالد بن الوليد رضي الله عنه تأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله، كَيما إذا رآه المنهزم استحيى منه ورجع إلى القتال، فجعل أبو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد.
إن مواقف سعيد بن زيد رضي الله عنه تظل نبراسًا يُحتذى به لكل من يطمح في أن يكون في صفوف المجاهدين والمخلصين في خدمة الدين، وأن يسير في طريق الحق مهما كانت التحديات.
تعد معركة اليرموك التي وقعت عام15هـ الموافق 636م من أعظم المعارك في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث واجه المسلمون جيش الإمبراطورية البيزنطية بقيادة هرقل. وكان سعيد بن زيد رضي الله عنه أحد القادة الذين شاركوا في هذه المعركة، وظهرت شجاعته وبراعته العسكرية في مواجهة العدو.
قاد سعيد بن زيد رضي الله عنه مجموعة من المجاهدين الذين تمكنوا من صد الهجوم البيزنطي، وأسهموا في تحقيق النصر العظيم للمسلمين. وقد أظهر في هذه المعركة روحًا قتالية عالية، وكان مثالًا للثبات أمام الصعاب.
كان سعيد بن زيد دائمًا في المقدمة، لا يهاب الموت، حيث كان يشهد المعارك، ويقاتل حتى اللحظة الأخيرة، رغبةً في نيل الشهادة في سبيل الله.
لقد شهد العديد من الصحابة لسعيد بن زيد رضي الله عنه بالصدق والورع والشجاعة. فقد قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ كان من أبر الناس وأصدقهم”. كما كان سعيد بن زيد معروفًا بتفانيه في خدمة الإسلام والرسالة، وكان يعمل على نشر العلم والتوجيه، ويأخذ بأيدي الناس إلى الحق.
إن سيرة الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه مليئة بالعبر والدروس في الشجاعة، والتضحية، والإخلاص في خدمة الدين. لقد كان مثالاً يحتذى به في الصبر والثبات على الحق، وفي التفاني في الجهاد من أجل نصرة الإسلام.
فاضت روحه الطاهرة سنة 51 من الهجرة في خلافة معاوية، ودفن بالمدينة المنورة مع أصحاب النبي ﷺ، فغسَّله عبد الله بن عمر رضي الله عنه ودفنه ونزل قبره هو وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، وحزن أهل المدينة عليه جدا، إذ كان أحد العشرة المبشرين بالجنة.
1446-10-28