العدد 465 -

السنة التاسعة والثلاثون، شوال 1446هـ الموافق نيسان 2025م

غزة انتصرت… والأنظمة خانت

أ. عبد المحمود العامري- اليمن

الحمد لله الذي منّ علينا بالنصر، نصر طوفان الأقصى ونصر آخر عند سقوط طاغية الشام، اللذين غيّرا مفاهيم الكثير من الناس، المسلمين وغير المسلمين، حيث شاهد العالم بأجمعه، كيف لثلة من المسلمين المحاصرين في بقعة صغيرة، مطوقين من كيان يهود من جهة ومن كيانات عربية وغير عربية قريبة من جهة أخرى، خططت لمعركة كشفت للعالم بأجمعه كذب مقولة الجيش الذي لا يقهر. فأعادت هذه المعركة ثقة المسلمين بأنفسهم، وكذلك جاءت بعدها ثورة الشام التي أطاحت بالنظام المجرم على نحو لم يكن يتوقعه أحد.

هذه الانتصارات ما هي إلا رسالة لنا لنشمر عن السواعد، ونشحذ الهمم لإكمال ما تحقق من انتصارات بإعادة تحكيم شرع الله وتحرير البلاد من الاستعمار.

ولله وللتاريخ وللذاكرة، يجب أن نعترف بحقيقة لا يستطيع أي مكابر أو مغرض أن يحجب وهجها: ما تحقق في غزة كان بفضل الله أولًا، ثم بفضل الإرادة التي صنعتها الأرض المباركة وأهلها الصامدون، ولم يكن بفضل أحد من الحكام أو الأنظمة التي تقف اليوم صامتة أو متواطئة مع الاحتلال.

غزة: درة فلسطين وأيقونة النصر

غزة، هذه الأرض التي ارتوت بدماء شهدائها، هذه الأرض التي انطلقت منها أصداء البطولة، كانت دائمًا وما زالت ترفض الظلم، وتنبذ الخيانة. هي اليوم تُظهر لنا كيف يمكن لشعب محاصر من كل جانب، لا يملك إلا سلاحه الخفيف وإرادته، أن يصمد في وجه آلة الحرب اليهودية الأمريكية الجهنمية، انتصرت غزة على الرغم من كل شيء، على الرغم من الحصار، وعلى الرغم من التخاذل العربي والإسلامي، وعلى الرغم من الخيانة السياسية التي لامست جرح الأمة في أعمق نقطة.

الاحتلال الذي طالما ادعى تفوقه العسكري، أصبح الآن في موقف لا يحسد عليه. كل تلك السنوات من الاحتلال والقهر، انهارت أمام إرادة مقاومة شعبٍ جُبِلَ على صبرٍ عظيمٍ وعزيمةٍ لا تعرف الهزيمة. انتصرت غزة، وهُزم كيان يهود، وسقطت المقولة الزائفة عن الجيش الذي لا يقهر.

نصر غزة رسالة للأمة

إن غزة اليوم هي رمز الصمود والنصر والكرامة. وهي تبرهن على أن الإرادة والشجاعة لا تعترف بحدود، وأن الاحتلال مهما طال لن يظل في الأرض المقدسة. وإن الأجيال القادمة ستعرف أن هذه الأرض كانت وستظل أملًا، وأن نصرها قادم لا محالة.

ما حققته غزة في معركتها الأخيرة لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يُفسر على أنه رسالة للأمة بأسرها. هي رسالة تحدٍ وإرادة، رسالة للمسلمين في كل مكان ليعلموا أن النصر ليس مجرد شعارات أو وعود فارغة، بل هو ثمرة الصبر والتضحية. رسالة أيضًا تؤكد أن العمل للتغيير يجب أن يكون مستمرا، وأن الاحتلال مهما طال بقاؤه في فلسطين، سيظل محكومًا بالزوال.

إن الدور الذي أدّته غزة في تحدي الاحتلال أسهمت فيه كل نقطة دم سالت، وكل روح ضحت في سبيل الله، وكل عزيمة استمرت رغم كل الصعاب. غزة التي كانت تُحاصر ويُقتَل أبناؤها، اليوم تقف رمزا للنصر، لتعيد للأمة الإسلامية شيئًا من الأمل المفقود في ظل الأنظمة التي استمرت لعقود في تهميش قضايا الأمة.

ما بين غزة والأنظمة الفاسدة

ولكن مع كل هذا النصر، لا يمكن أن نغفل دور الأنظمة الحاكمة التي منعت شعوبها من دعم إخوانهم في غزة ونصرتهم استجابة لقول الله تعالى:{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}، تلك الأنظمة التي أقامت حاجزًا أمام تفاعل الأمة مع قضاياها الكبرى، تلك التي كبلت الشعوب بالأنظمة العلمانية، وأبعدتها عن أصلها الذي هو الإسلام. هؤلاء الحكام الذين نهبوا ثروات الأمة، وأبعدوا شعوبهم عن الجهاد في سبيل الله، وعن الغاية التي وجدوا من أجلها، وأذلوا الأمة وجعلوها تتسول قوت يومها من الخارج، وثرواتها منهوبة لأعدائها، هم اليوم من يقفون حائلًا دون دعم غزة ودون العودة الجادة لإقامة دولة الإسلام.

مِن هؤلاء الحكام جاء التشويش على فكر الأمة، ومنهم جاء السعي وراء التبعية للغرب، ومنهم جاء التخلي عن فلسطين ومن ثم تسليمها إلى الاحتلال اليهودي في الخفاء. هؤلاء الحكام هم الذين يقفون في وجه طموحات الأمة ويمنعونها من العودة إلى جادة الطريق، ومن السعي الحثيث لإقامة دولة الخلافة التي بشرنا بها رسول الله ﷺ.

الإسلام هو المنقذ

لطالما كانت الأنظمة العلمانية هي التي تحكم بلادنا، وتفرض علينا قوانين لا تتوافق مع العقيدة الإسلامية. فالدستور الذي يحكموننا به ليس إسلاميًا، بل هو مقتبس من النظم العلمانية التي لم يكن يومًا تهدف إلى تعزيز القيم الإسلامية. والذين يروجون أن الإسلام فشل في إدارة شؤون الدولة، سواء من المحسوبين على العلمانية أو غيرهم، نقول لهم: لا يا سادة، الإسلام ليس هو الذي فشل، بل العلمانية هي التي فشلت. العلمانية هي التي جعلت الأمة تتخبط في مشكلاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي التي دفعتنا إلى فقر دائم وظلم مستمر. حتى أنه خرج من هؤلاء الحكام العلمانيين من يصرح مؤخرا بمراقبة الوضع في غزة!

فأين كان هؤلاء الحكام عندما كانت فلسطين تُذبح؟ أين كانوا عندما كانت غزة تتعرض للإبادة الجماعية؟ أين كانوا وهم يقيمون علاقات سرية وعلنية مع كيان يهود في الوقت الذي كانوا يدّعون فيه محاربة الاحتلال؟ إنهم كانوا شركاء في قتل الشعوب، وكانوا -وما زالوا- حائلًا دون عودة الإسلام.

وليعلم الجميع أن عودة الإسلام قادمة بإذن الله رغم كل شيء، ورغم كل تلك الظروف، فإن النصر قريب بإذن الله. فكما قال رسول الله ﷺ: “عقرُ دار المؤمنين الشام”. فدولة الإسلام قادمة، وستعود دولة الخلافة التي بشّر بها رسول الله ﷺ. هذه الدولة التي ستطبق الشريعة الإسلامية على منهاج النبوة، هي التي ستحرر فلسطين، وستكون القدس عاصمة الدولة الإسلامية القادمة بإذن الله، وإن الأيام حبلى بالمفاجآت. وقبل أن يولد المولود لا بد أن يمر بمخاض، وكما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. فالمولود قادم بإذن الله، وعودة الخلافة قريبة. هذه الأمة لم تُخلق لتظل في ذل الأنظمة الجائرة، بل هي أمة حق وعدل، وهي أمة مكلفة بأن تحكم بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ.

 

فلنستعد لهذا اليوم

يجب أن نشمر عن سواعدنا، ونستعيد عزتنا، ونعود إلى تطبيق شرع الله في حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وأن نعمل جميعًا من أجل تحرير بلادنا من براثن الاستعمار والخيانة، وأن نقيم دولتنا لنطبق الإسلام في الداخل ونعمل على نشره في الخارج بالدعوة والجهاد، كما بشرنا بها سيدنا ﷺ: (…ثم تكون خلافة على منهاج النبوة…)، ووعدنا بها الله في محكم كتابه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

 اللهم عجل بفرجك، واجعلنا ممن يستحقون أن يُمكّن لهم في الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *