المنظمات الغربية وخطرها على أمتنا
11 ساعة مضت
المقالات
71 زيارة
م. خالد السراري – اليمن
تنتشر المنظمات الدولية الغربية في بلاد المسلمين بشكل كثيف جدا، بدعوى عدة أسباب، ظاهرها الرحمة والإنسانية، وباطنها ملؤه الخبث والشر. وهي في الحقيقة وجه آخر من وجوه الاستعمار الغربي لنشر ثقافته بأساليب مباشرة وغير مباشرة. يبلغ عدد المنظمات الدولية التي تعمل حاليا في بلاد المسلمين أكثر من 4000 منظمة، تدعي اهتماما في مجالات إنسانية مختلفة كالصحة والتعليم والغذاء والمعيشة والمرأة والطفل والبيئة وغيرها من أمور الحياة المهمة للناس. وتحظى بدعم سخي جدا من الدول الغربية، يصل إلى مليارات الدولارات، فعلى سبيل الذكر تم إقرار 3.72 مليار دولار أمريكي ميزانيةً للأمم المتحدة لعام 2025.
ومع وجود هذه الميزانيات الضخمة التي تدفع لهذه المنظمات فإننا لا نجد لها أثرا إيجابيا ملموسا على الواقع، فكل المشاريع التي تنفذها هذه المنظمات هي مشاريع ترقيعية سرابية، لا نفع منها للناس سوى كونها واجهة تبرر تواجدها على أرض المسلمين؛ فتحت الستار الفضفاض الذي يسمى “حقوق الإنسان” تسعى هذه المنظمات لتنفيذ الكثير من المهمات التي أوكلتها لها الدول الغربية، ولتمرير الكثير من المشاريع الخبيثة التي تهدف إلى تدمير المجتمعات في العالم الإسلامي وفرض الوصاية الغربية على الأمة قاطبة. وفي هذا المقال سنتطرق إلى بعض المشاريع الخبيثة التي تهدف هذه المنظمات لنشرها في بلاد المسلمين، موضحين أساليب عملها وخطورتها على مجتمعات المسلمين وموقف الإسلام منها.
تقوم هيئة الأمم المتحدة بصياغة منظومة الثقافة الغربية في صور مواثيق واتفاقيات دولية، تطرح على الحكومات العميلة للتوقيع عليها، مع السماح لهم بالتحفظ على بعض البنود المفضوحة لحفظ ماء الوجه. ثم يلي مرحلةَ التوقيع مرحلةٌ أخرى هي تصديق المجالس النيابية عليها، لتصبح هذه الاتفاقيات مرجعا تشريعيا ملزِما، وبعد تنفيذ المتفق عليه من بنود هذه الاتفاقيات تبدأ مرحلة الضغط لإزالة التحفظات عن البنود التي كان من المستحيل الموافقة عليها أو تطبيقها، لتعارضها مع الدين والقيم الإسلامية.
وتحمل هذه المواثيق الغربية رؤية أحادية لقضايا المرأة والطفل، رؤية تعبر عن الفكر الغربي الراديكالي، حيث ترتكز على عدد من المصطلحات المطاطة منها: العنف ضد المرأة، والجندر، والصحة الإنجابية وغيرها، مع ربطها جميعا بالتنمية المستدامة.
وترفع تلك المواثيق شعارات براقة لكنها مفخخة، مثل: “المساواة” و”حقوق الإنسان”، ثم تدعو إلى المساواة المطلقة بين المرأة والرجل في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية، سواء في الأدوار أو الحقوق. وتَعدّ أي فارق بين الرجل والمرأة “تمييزا وعنفا ضد المرأة” ينبغي القضاء عليه. كما تدعو إلى إطلاق الحرية الجنسية، من زنا وشذوذ، في مقابل التضييق على الزواج ورفع سنه، وغير ذلك من الأفكار التي تخالف الإسلام وتؤدي إلى تفكيك الأسرة وهدمها.
وكان من نتائج سيادة هذه الرؤية لقضايا المرأة والطفل في المجتمعات الغربية أن تفككت فيها الأسرة، وحلت العلاقات العابرة والشاذة محل الأسرة، وتضاءلت قيمة العفة في مقابل المتعة، وسيطرت عليها الفردية، وتضاءلت قيمة التضحية والتراحم بين أعضاء الأسرة والمجتمع.
فإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فإن المرأة هي اللبنة الأساسية في الأسرة، ومن هذا المنطلق رسم الغرب كثيرا من الإستراتيجيات والسياسات على شكل مواثيق دولية، تنفذها المنظمات الدولية، وتزعم أن الهدف منها هو حماية المرأة والطفل، وهي في الحقيقة لهدم الأسرة واستئصالها، منها:
سعي الأمم المتحدة لمهاجمة الأسرة، من طريق مصطلح “استقواء المرأة” الذي يحتوي على عدد من القرارات التي تهدف في الحقيقة لهدمها. فهي تطالب بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، وإلغاء كل الفوارق بينهما، وتقسيم المهام الزوجية بين الرجل والمرأة بالتساوي، وبالتالي إلغاء مقومات القوامة وطاعة الزوجة للزوج في الاستئذان والمعاشرة الزوجية والتزام سكن الزوجية. كما تدعو إلى إلغاء التعدد والمهر وسلطة الرجل في التطليق واستحداث جريمة “الاغتصاب الزوجي” و”العنف الجنسي” بين الزوجين.
كما تسعى الأمم المتحدة إلى حمل الحكومات في العالم الإسلامي على الإقرار بقوانين رفع سن الطفولة حتى الثامنة عشرة، وبالتالي رفع سن الزواج الشرعي؛ حيث صُنّف الزواج تحت سن الثامنة عشرة “زواج أطفال”، فكان مسوغا قانونيا لتجريمه. فالطفولة في الإسلام تنتهي بالبلوغ، ولكن وفقا لاتفاقية حقوق الطفل (CRC) التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة عام 1989م، أصبحت الطفولة في القانون الدولي ممتدة حتى الثامنة عشرة. ونلاحظ على أرض الواقع أن معظم الحكومات في العالم الإسلامي قد غيرت قوانينها لتصبح سن الثامنة عشرة هي السن الفعلية والقانونية لانتهاء الطفولة.
وفي حين تشن الأمم المتحدة الحرب على الزواج المبكر، نجدها تنعت المجتمعات التي تتمسك بعذرية الفتاة لحين الزواج بأنها مجتمعات “ذكورية”، تمارس “العنف والكبت الجنسي” ضد “الطفلة الأنثى”! أي إن المطلوب هو رفع “الكبت الجنسي” عن الفتيات، وتشجيعهن على ممارسة العلاقات الجنسية في سن صغيرة، مع الابتعاد عن الزواج، لأنه يشكل “عنفا ضد المرأة”! وهذا منصوص في تقاريرهم، كتقرير لجنة الخبراء الصادر عام 2007م عن قسم الارتقاء بالمرأة (DAW) بالأمم المتحدة، تحت عنوان (القضاء على كافة أنواع العنف والتمييز ضد الطفلة الأنثى) والذي ينص على ما يلي: “إن التنشئة الاجتماعية للفتيان والرجال تركز كثيرا على التحكم في النشاط الجنسي والإيجابي للنساء والفتيات، ويعد التركيز الشديد على عذرية الفتاة وخصوبتها كبتا جنسيا، ويعد شكلا من أشكال التمييز ضد الطفلة الأنثى”. وهذا يوضح سياسة الأمم المتحدة في التهوين من شأن الرذيلة، وتطبيعها داخل المجتمعات واعتبارها ممارسة عادية بل حقا من “حقوق الإنسان”.
واتفاقية سيداو الخبيثة هي الأخرى تدعو بشكل صريحللاعتراف بأبناء الزنا. وللزانية أن تحصل هي وطفلها على نفس الحقوق، من إنفاق ونسب وإرث، تماما كما للزوجة الشرعية دون فارق بينهما. بل ذهبت أكثر من ذلك نحو إباحة الدعارة وجعلها قانونية، بزعم أن تجريمها سيؤدي إلى “استغلال دعارة المرأة”، فلا بأس أن تعمل المرأة بالدعارة ما دام بكامل إرادتها!
كما تشجع الأمم المتحدة على الشذوذ علنا وبكل وضوح. وتدعو إلى إلغاء كافة الفوارق بين كافة “الجندر”، أي أن يساوى الشواذّ مع الأسوياء مساواة مطلقة في الحقوق والواجبات، ولا تكتفي بإرغام العالم على قبول الشذوذ، بل أيضا على توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وضمهم إلى الأقليات العرقية والمعاقين، وتصنيفهم جميعا ضمن “المجموعات المهمشة”، لاستدرار التعاطف معهم، ومن ثم مطالبة الحكومات بتوفير الفرص الاقتصادية والسكن لهم.
فكل هذه المشاريع الخبيثة، وغيرها الكثير، تسعى الأمم المتحدة لفرضها على المجتمعات في العالم الإسلامي من بوابة المنظمات الدولية، وتربطها بالمساعدات الإنسانية والاقتصادية والصحية وغيرها، حتى تخضع الحكومات للموافقة عليها. فالمنظمات الدولية -وعلى رأسها الأمم المتحدة- هي أدوات غربية خطيرة، تسعى لغرس قيمهم السافرة التي ستؤدي إلى تفكك الأسر وانتشار الدعارة والشذوذ وفساد المرأة، وبالتالي إلى هدم المجتمعات وإنشاء أجيال عقيمة مريضة بالرأسمالية الغربية، والتي تلهث وراء مصالحها الفردية، مبتعدة عن تعاليم الإسلام، حتى تبقى الأمة موبوءة ومفرقة، لتسهل السيطرة عليها ونهب مقدراتها واستباحتها بكافة الأشكال.
والسير وراء هذه المنظمات ومواثيقها هو مخالفة صريحة للإسلام الذي اهتم بكل تفاصيل حياة الفرد والأسرة والمجتمع اهتماما بالغا شمل جميع المراحل. فالإسلام يدعو إلى حفظ النسل، تعميرا للأرض وتواصلا للأجيال، وتحقيقا لهذا المقصد قصر العلاقات على الزواج المشروع، وحرم كل صور اللقاء خارج الزواج المشروع، كما حرم العلاقات الشاذة. ويدعو كذلك إلى تحقيق السكن والمودة، حتى لا تنحصر العلاقة بين الزوجين في صورة جسدية جنسية. وسن أحكاما وآدابا للمعاشرة بالمعروف بين الزوجين. ويدعو كذلك إلى حفظ النسب وصيانته من الاختلاط، فقد حرم الزنا والتبني، وشرع أحكاما خاصة بالعدة، وحرّم كتم ما في الأرحام عن صاحب الحق، وأوجب إثبات النسب وحرم جحده وغير ذلك.
والرأي الشرعي في هذه المنظمات الدولية هو نبذها وطردها من العمل في مجتمعاتنا وعدم التعاون معها بأي شكل من الأشكال، حتى وإن دعت لمشاريع إنسانية في ظاهرها. فهذه المشاريع ما هي إلا دعاية براقة كاذبة لمشاريعها الخبيثة المبطنة التي ستنشرها بشكل خفي تدريجي أو بآخر. ويجب أيضا تثقيف المجتمعات بخطورتها وخطورة الانجرار وراء شعاراتها الكاذبة التي تخبئ الكثير من الحقد على الأمة الإسلامية. فهم يعلمون جيدا أن فساد العلاقات في المجتمع أمر أساسي للحيلولة دون نهضته وتماسكه، وبالتالي عودته إلى الساحة الدولية من جديد، عودة تسقط أنظمتهم الهزيلة الهشة وتزيلها من الوجود. ولهذا يسعون بكافة الطرق إلى هدم قيم الأمة الإسلامية فكريا ومجتمعيا بكافة الطرق. وما هذه المنظمات إلا أحد أسلحتهم الخبيثة. فيجب على الأمة الإسلامية أن تحارب وجود هذه المنظمات ومشاريعها بكل الوسائل الممكنة، حتى تفشل مخططهم وتحافظ على مجتمعاتها نظيفة طاهرة تواقة للتقيد بالشريعة الإسلامية وبعيدة عن تلوث الحضارة الغربية المقيتة.
1446-10-28