الحضارة الغربية في طور الإشراف على السقوط والانهيار
3 أيام مضت
المقالات
193 زيارة
عبدالخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير
ولاية السودان
بدأت نهاية الحضارة الغربية، وأزفت آزفتها، وحان وقت أفول شمسها وزوال مجدها، وهي بانتظار قرع طبول جنازتها… فقد استهلكت تلك الحضارة كل رصيدها من القيم، وهي الآن في الحضيض وفي مستوًى متدنٍّ لم تصل إليه البشرية على مدى تاريخها من الانحطاط الأخلاقي والمجاعة السلوكية والفقر الروحي.
فالمتأمل في حقيقة الحضارة الغربية وقيمها يرى أنها مخالفة لما يتمُّ ترويجه بأن الغرب هو في قمة الرقي القيمي؛ لأنه في حقيقة الأمر لا يخفى على كل ذي عينين وفطرة سوية تلك النتانة القيمية والأخلاقية المنبثة في كل جنبات المجتمعات الغربية.
فالمجتمعات الغربية تعاني من تدنٍّ أخلاقي وانحطاط قيمي لا مثيل له، وتترفع عن ارتكابه حتى الحيوانات: من شذوذ جنسي، وزنا محارم، وتفكك أسري، وتغذية للشهوة الجنسية بالعلاقات الخيانية العابرة التي ينجرُّ عنها الخيانات الزوجية، وارتفاع حالات الطلاق، وحمل القاصرات وعمليات الإجهاض والعزوف عن الزواج والإنجاب مما جعل من مجتمعاتهم تعاني الشيخوخة والتهرم.
ولعل من أصدق من تكلم بإشراف الحضارة الغربية على الانهيار والسقوط هو سيد قطب رحمه الله، وكان مما قاله: «تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية… لا بسبب التهديد بالفناء المعلَّق على رأسها… فهذا عَرَضٌ للمرض وليس هو المرض… ولكن بسبب إفلاسها في عالم «القيم» التي يمكن أن تنمو الحياة الإنسانية في ظلالها نموًّا سليمًا وتترقى رقيًّا صحيحًا. وهذا واضح اليوم وفي غاية الوضوح في العالم الغربي الذي لم يعد لديه ما يعطيه للبشرية من «القيم»، بل الذي لم يعد لديه ما يُقنع ضميره باستحقاقه للوجود». وأردف أيضًا: «إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال؛ لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديًّا أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية… ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدًا من «القيم» يسمح له بالقيادة. فلابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزوِّد البشرية بقيم جديدة جدَّة كاملة – بالقياس إلى ما عرفته البشرية – وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته. والإسلام – وحده – هو الذي يملك تلك القيم، وهذا المنهج. فهذه هي الفرصة الذهبية والتاريخية الوحيدة أمام الأمة للاستفاقة من سباتها والعودة إلى عزها وتريسها للأمم؛ وذلك لن يتم إلا بتحكيم الشريعة التي تضمن الحفاظ على الأخلاق النبيلة وتقينا من سموم المجتمع الغربي وممارساته الشنيعة وانحطاطه الأخلاقي والاستغلال الرشيد لما أسبغ الله علينا من ثروات وموارد منهوبة حاليًّا».
ويقول الأستاذ سعد القحطاني: «لقد قدم الإنسان الغربي نفسه على أنه راع للقيم الإنسانية، ورسول الأمن والسلام، ومبشر بالفردوس الأرضي المنحصر في عالمنا المنظور، فإذا به يستفتح عهد زعامته البائسة بحربين عالميتين كادت البرية أن تفنى بهما، وقد هلك في هاتين الحربين فقط أكثر من سبعين مليون إنسان. وحَصْدُ هذا العددِ من الأرواح يتطلب أسلحة أكثر فتكًا وفاعلية من الأسلحة التقليدية؛ ولذلك وجه الإنسان الغربي إبداعه في ابتكار أسلحة الإبادة والإفناء، فصنع سلاحه الذري القادر على إفناء عشرات الألوف من البشر في لحظة واحدة.
فبعد تجريب القنبلة الذرية في فضاء صحراء نيومكسيكو آن أوان تجريبها على رؤوس البشر، فألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية؛ فهلك أكثر من سبعين ألف إنسان عند لحظة انفجارها، ثم اتبعت بأختها التي اغتالت عشرات الألوف من سكان مدينة ناجازاكي.. وكثير ممن كتب لهم النجاة من الموت المباشر ماتوا بعد ذلك قريبا متأثرين بالحروق أو السرطان أو التسمم الإشعاعي.. وبقي أثر هذه المأساة إلى سنوات عديدة عانى منها سكان المدينتين.
وبرهن الإنسان الغربي على كفاءته في التدمير والقتل؛ إذ فتك بما يزيد عن مائتي ألف إنسان بسلاح واحد».
ويقول: «ومما يزيل مساحيق التجميل من وجه الحضارة الغربية ويكشف زيف الإنسانية، النظر في تعاملهم مع الإنسان المنتمي لأمة أو حضارة أخرى غير حضارة الإنسان الأبيض، وسنشير إلى واحدة من القضايا البشعة المعبرة عن انتهاك القيمة الإنسانية، وهي جريمة التجارة بالإنسان الإفريقي.
ومن النماذج التي ما زالت آثارها حية، ولا تفارق وصمة عارها حضارة الغرب، ولا يمكن محوها من ذاكرة تاريخهم الأسود…
تجارة الرقيق
لم تكن إمبراطوريات الدول الغربية لتفجر ثورتها الصناعية إلا بوجود وفرة من الأيدي العاملة، ولم يجد الأوروبيون أنسب من سواعد الأفارقة لتحريك عجلة الإنتاج الصناعي وبناء العالم الغربي الجديد. فقامت الدول الأوروبية بإنشاء مراكز لصيد الأفارقة على السواحل الإفريقية. ولم يكن الرجل الغربي المتحضر يواجه صعوبة في عمليات صيد فرائسه من الأفارقة البدائيين بفضل أسلحته النارية. وقد كانت الحاجة ملحة إلى امتلاك أعداد ضخمة من العبيد كلما ازدادت مستعمرات الدول الاستعمارية وذلك لتأمينها بالأيدي العاملة، وعلى إثر ذلك ازدهرت تجارة العبيد، وفحش ثراء أصحاب المشاريع الصناعية، وتضاعف الإنتاج على حساب استنزاف القارة السمراء وإفراغها من سكانها ومقدراتها من المواد الخام. وتشير بعض الدراسات إلى أن عدد من تم ترحيلهم من القارة القديمة يصل إلى مائة مليون إنسان إفريقي..
فقد أصبحت تجارة العبيد تجارة دولية، وعرفت هذه التجارة بالتجارة المثلَّثة؛ حيث كانت البضائع والسلع تنقل من أوروبا إلى إفريقيا حيث تستبدل هذه البضائع بالعبيد الذين يتم شحنهم إلى أمريكا وأوروبا، وهناك يستبدل العبيد بالبضائع لتنتقل مرة أخرى وتعود إلى أوروبا. وكان من بين كل خمسة يتم ترحيلهم إلى أمريكا يسلم من الموت واحد فقط، أما البقية فكانوا يموتون بسبب العنف والقتل والمرض والجوع».
السفول والانحطاط الأخلاقي:
لو أن كاتبًا أراد استقصاء جرائم الغرب في حق الإنسانية لكتب فيها مجلدات ضخمة؛ لذلك سننتقل إلى وجه آخر من أوجه الانحدار الأخلاقي في ظل زعامة الرجل الأبيض. وهذا الوجه هو السفول والانحطاط الأخلاقي..
فقد شهدت الحضارة الغربية على نفسها بعجزها عن الرقي الأخلاقي، منذ أعلنت مركزية الإنسان وانفكاكه عن الوحي السماوي، ذلك أن كل محاولة لتأسيس منظومة أخلاقية منعزلة عن الدين هي بمنزلة بناء صروح على الرمال؛ لأن الأخلاق لا يمكن أن تبنى إلا على الدين.
في الحضارة الغربية أصبح الإنسان هو معيار ذاته، فقد يستحسن أحدهم ما يستشنعه الآخرون، وقد يحصل العكس، وهو ما يعبر عنه بالنسبية الأخلاقية.. أي أن الأخلاق فقدت موضوعيتها. وحتى لا يكون كلامنا نظريًّا مجردًا خذ هذا المثال الواقعي: لك أن تتصور أن الشذوذ ـ وهو الرذيلة الأخلاقية القبيحة المفسدة للنوع الإنسان ـ لا يستطيع الإنسان الغربي الذي بقيت فيه بقية من الفطرة السليمة أن يصرح باستشناعها. في أمريكا حكم على شاب أمريكي بالسجن ستة عشر عامًا لمجرد أنه قام بحرق علم الشواذ، فحكمت عليه المحكمة بالسجن خمسة عشر عامًا بسبب إهانة الشوَّاذ، وسنة واحدة بسبب تهوُّره في استعمال النار.
في عام 2015م أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكمًا تاريخيًّا يقضي بمنح الشواذ حق الزواج في كافة الولايات الأمريكية (يعني يتزوج الرجل الرجل، وتتزوج المرأة المرأة).. وكان تعليق رئيس أقوى دولة في العصر الحديث في ذلك الوقت «باراك أوباما» هو أنه قال: «إن هذا الحكم انتصار لأمريكا وانتصار للحب»… تخيل!!!، تخيل أن هذا التمرد على الفطرة والانحراف عن سلوك البشر الأسوياء أصبح فعلًا مشروعًا يُحمَد الانتصار له، ويُمجَّد من ضحَّى من أجله!!!.
وهذا نموذج لجرائم أمريكا:
لما جاء الأوروبيون إلى ما يعرف الآن بالولايات المتحدة كان بها نحو 120 مليون هندي، ولكن الأمراض، والخمور القوية وما يقارب 300 عام من الحروب المستمرة (المذابح التي قام بها المستوطنون الأوروبيون) فقتلوهم وقتلوا حيواناتهم (الجواميس) وصادروا أراضيهم وامتدت إبادتهم إلى عام 1900 أي 120 سنة بعد الاستقلال واشترك فيها الجيش الأمريكي الإرهابي المدجج بالأسلحة مقابل القبائل البدائية الذين كان ذنبهم أنهم متخلِّفون بدائيون، فرخص الأمريكيون دمهم فأبادوهم ولم يتبقَّ منهم غير 338 ألف فقط، وبرز الرؤساء الأمريكيون الأوائل بسبب إجرامهم وقمعهم للهنود الحمر، فكان كلما زاد الجنرال قمعه للهنود الحمر انتخبه الأمريكيون رئيسًا. وقد وصل الأمر إلى الحد الذي راح الأمريكيون يتباهون بهذه الوحشية الدموية، فها هو وليم براد فورد حاكم مستعمرة « بليموث « يقول « إن نشر هذه الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الله، ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت. وهكذا يموت 950 هندي من كل ألف، وينتن بعضهم فوق الأرض دون أن يجد من يدفنه، إنه على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا ونعمته».
ونظرًا لحاجة الأمريكان للأيدي العاملة بنظام السخرة لاستغلال الثروات التي ورثوها عن الهنود، عدلوا عن جزء من استراتجيتهم في القتل، بالإبادة عن طريق نظام السخرة للهنود. ففي عام 1846م، احتلت جيوش الأمريكان كاليفورنيا وتقول الإحصائيات أنهم تمكنوا من إبادة 80 % من هنود كاليفورنيا بالسخرة؛ حيث نشط بجانب ذلك التجارة بالأطفال والنساء. وفي عام 1830م، سنَّ الكونجرس الأمريكي قانون ترحيل الهنود قسرًا، وأصبح من حق المستعمر الأمريكي أن يطرد الهندي من أرضه ويقتله إذا أراد.
ويومها حصدت قوات الجيش النظامي الأمريكي من لم يمت من خمسة شعوب هندية كاملة (الشيروكى – والشوكتو – والشيسكومسو – والكريك – والسيميتول) بعد تهجيرهم قسرًا إلى مناطق موبوءة بالكوليرا. وفي حملة 1776م على هنود الشيروكى تم إحراق المدن الهندية وأتلفت المحاصيل الزراعية، ومن بقى منهم شردوا إلى الغابات ليقتلوا، ولم تمضِ ثلاث سنوات حتى أصدر جورج واشنطن أوامره للجنود بأن يحيلوا مساكن هنود الأوروكو إلى خراب ومحوها من على وجه الأرض؛ ولذلك أطلق هنود السينيكا على أبي الجمهورية الأمريكية «جورج واشنطن» اسم «هدَّام المدن» فبموجب أوامره تم تدمير 28 مدينة من أصل 30 مدينة كاملة لهنود السينيكا وحدهم، من البحيرات الكبرى شمالًا وحتى نهر الموهوك، وفي فترة قياسية لا تزيد عن خمس سنوات، وهذا ما تم أيضًا بمدن الموهوك، والأنونداغا، والكايوغا؛ حتى إن أحد زعماء الأروكوا قال لجورج واشنطن خلال لقاء معه، في عام 1792م: «عندما يذكر أسمك تلتفت نساؤنا وراءهن مذعورات وتشحب وجوههن، أما أطفالنا فإنهم يتلببون بأعناق أمهاتهم من الخوف».
ومضى الآباء المؤسسون جميعًا على خطى جورج واشنطن. فحتى توماس جيفرسون الملقب برسول الحرية الأمريكية وكاتب وثيقة استقلالها، أمر وزير دفاعه بأن يواجه الهنود الذين يواجهون التوسع الأمريكي بالبلطة، وأن لا يضع هذه البلطة حتى يفنيهم، فقال له: «نعم إنهم قد يقتلون أفرادًا منًا؛ ولكننا سنفنيهم ونمحو آثارهم من الأرض». وعام 1633م كان هنود النارغنستس قد تعرضوا لحرب بالجدري؛ حيث قدَّم إليهم الأمريكان هدايا مسمومة بجراثيم الجدري. وعندما أقام الهنود محاكمة للكابتن جون أولدام بتهمة القتل الجماعي وأعدموه، انتقمت أمريكا بإبادة هنود النارغنستس عام 1637م بحرب الجراثيم. ففي عام 1636م تظهر أول وثيقة تثبت استخدام الأمريكان للسلاح الجرثومي عمدًا، وقد كتب القائد الإنجليزي العام اللورد «جفري أمهرست» إلى هنري بواكيه «يطلب منه أن يجرى مفاوضات مع الهنود ويقدم لهم بطانيات مسمومة بالجدري، وأجاب بواكيه «سأحاول جاهدًا أن أسمَّهم ببعض الأغطية الملوثة التي سأهديها إليهم. وسوف آخذ الاحتياطات اللازمة حتى لا أصاب بالمرض». وببطاطين ومناديل تم تلويثها في مستشفى الجدري انتشر الوباء بين أربعة شعوب هندية (الأوتاوا – ينيغو – والمايامى الينى وناييه) وأتى على أكثر من مئة ألف طفل وشيخ وامرأة وشاب، ولطالما وصفت وثيقة (أمهرست) بأنها «حجر رشيد» الحرب الجرثومية. وهناك وثيقة تتحدث عن إهداء أغطية مسمومة بالجدري لهنود « المندان» في فورك كلارك وقد نقلت هذه الأغطية إلى ضحاياها في 20 حزيران يونيو 1837م، فحصدت كذلك في أقل من سنة واحدة مائة ألف طفل وشيخ وامرأة وشاب (وهذه أقل التقديرات تواضعًا لعدد الضحايا. وبعد حوالى 15 سنة كانت كل الولايات المتحدة تتساءل عن أفضل وسيلة للقضاء على هنود كاليفورنيا. فمع الاستيلاء على هذه الولاية الواسعة من المكسيك وجدت أمريكا نفسها أمام مهمة جديدة وصفتها إحدى صحف سان فرانسيسكوا كما يلي: (إن الهنود هنا جاهزون للذبح وللقتل بالبنادق أو بالجدري … وهذا ما يتم الآن فعلًا) «راجع صحيفة DAILY ALTA بتاريخ 6 آذار مارس 1853م، وكتاب روبرت هيرز بعنوان THE DESTRACTION OF THECALIFORNIAN INDIANS ص: 251). وفي تلك الفترة كان تسميم الهنود بجراثيم الجدري خطة منظمة تمارسها الدول وبعض الشركات التجارية المختصة، ويتسلَّى بها المستوطنون في حفلات تسلية وصفتها مقالة افتتاحية في (san Francisco bulletin) بأنها تستخدم الجراثيم من أجل الإبادة المطلقة لهذا الجنس اللعين» المقالة منشورة بتاريخ 10 تموز يوليو 1860م. وفي كتاب هيرز عن تدمير الهنود (ص253 – 255). :» إن إبادة الهنود الحمر هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض وأن اصطيادهم واصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقى الإنسان الأبيض فعلًا على صورة الله». وفي السياق نفسه يقول «فرانسيس ياركين « أشهر مؤرخ أمريكي في عصره: «إن الهندي نفسه في الواقع هو المسؤول عن الدمار الذي لحق به لأنه لم يتعلم الحضارة، ولابد له من الزوال»، فقد رصدت السلطات الاستعمارية مكافأة لمن يقتل هندي ويأتي برأسه، ثم أكتفت بعد ذلك بسلخ بفروة الرأس، إلا في بعض المناسبات التي تريد التأكد فيها من هوية الضحية. هذا وقد حسب المؤرخ منير العكش عدد ضحايا المجازر الأمريكية في العالم بـ «112» مليون إنسانًا.
وهذا نموذج لجرائم بريطانيا
فقد قال شاشي ثارور، الكاتب والدبلوماسي الهندي، إن الإمبراطورية البريطانية ارتكبت أعمالًا وحشية على مدار تاريخها، واستنزفت بلادًا كانت تحتلها ومولت ثورتها الصناعية بنهب ثروات الشعوب التى كانت تحكمها بالحديد والنار، وفقًا لما أوردته صحيفة الاندبندنت البريطانية.
وأوردت الصحيفة 5 جرائم وحشية قالت إنها أبرز الجرائم التي ارتكبتها الإمبراطورية البريطانية عبر تاريخها.
1- (خلال حرب البوير الثانية التي امتدت في الفترة من (1899 حتى 1902)م، قام البريطانيون بجمع نحو سدس عدد سكان البوير، وغالبيتهم نساء وأطفال، وقامت باعتقالهم فى معسكر كان مكتظًّا عن آخره، وتوفي 27,927 شخصًا من مجموع 107 آلاف شخص دخلوا المعتقل، مع عدد غير معروف من الأفارقة السود بسبب الأمراض والأوبئة)
2- (عندما تحدى متظاهرون مسالمون أمر حكومي وتظاهروا ضد الحكم البريطاني الاستعماري فى أمريتسار فى الهند فى 13 أبريل 1919م؛ قام جنود «الجورخا» بحبسهم داخل حدائق جوليانولا وإطلاق النار عليهم. وكان الجنود يتلقَّون الأوامر من العميد ريجنالد داير، والذى أعطى الأمر بإطلاق النار على المتظاهرين. واستمر الجنود فى إطلاق النار على المتظاهرين لمدة عشر دقائق متواصلة، سقط منهم ما بين 379 و1000 متظاهر وجرح أكثر من ألف آخرين. وفى وقت لاحق نصب الرأي العام البريطاني العميد ريجنالد داير كبطل، وجمعوا له 25 ألف جنيه إسترليني اعترافًا بفضله)
3- (فى عام 1947، كلف سريل رادكليف بترسيم الحدود بين الهند وبين باكستان الدولة الناشئة. وبعد أن قام رادكليف بتقسيم القارة الهندية على أسس دينية، أجبر نحو 10 ملايين شخص، من الهندوس فى باكستان والمسلمين فى الهند على الفرار من منازلهم؛ لأن الوضع انحدر بسرعة إلى أعمال العنف. وتقول بعض التقديرات أن ما يقرب من مليون شخص لقوا مصرعهم فى مواجهات طائفية)
4- (ادعى الآلاف من الكينيين من كبار السن أن القوات البريطانية الاستعمارية قامت بإساءة معاملتهم واغتصابهم وتعذيبهم خلال انتفاضة الماو ماو عام في الفترة من (1951 إلى 1960)م، ورفعوا دعوة تعويض بقيمة 200 مليون جنية إسترليني ضد الحكومة البريطانية.
واعتقلت القوات البريطانية أفراد من قبيلة كيكيوي فى معسكرات وصفت «بمعسكرات الاعتقال البريطانية» أو معسكرات الاعتقال. وادعى أفراد القبيلة أنهم تعرضوا لتعذيب ممنهج وأنهم عانوا من انتهاكات جنسية خطيرة على أيدى القوات البريطانية. ويقدر المؤرخ ديفيد أندرسون عدد القتلى من الكينيين بـ 20 ألف كينى، بينما تقدر كاولين الكنس بنحو 100 ألف كيني)
5- (توفي ما بين 12 و29 مليون هندي جراء المجاعات خلال حكم الإمبراطورية البريطانية، والتى قامت بإرسال ملايين الأطنان من القمح من الهند إلى بريطانيا العظمى مع احتدام المجاعة فى الهند.
ففى عام 1943م، مات ما يقرب من أربعة ملايين من البنجلاديشيين من الجوع، عندما قام ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا بتحويل الطعام للجنود البريطانيين ودول مثل اليونان بينما تجتاح مجاعة قاتلة البنغال. وقال ونستون تشرشل عن مجاعة البنغال: «أنا أكره الهنود، إنهم شعب همجي يعتنقون دين وحشي. إنهم سبب المجاعة لأنهم يتكاثرون مثل الأرانب”.
وأما فرنسا فتاريخها تاريخ استعمار ونهب وإبادة واستعباد وحقائق محظورة
إن ذاكرة التاريخ لا تزال شاهدة على ممارسات فرنسا الاستعمارية الممتدة إلى اليوم. وخلال تلك الحقبة السوداء من تاريخ البشرية استغلت فرنسا شعوبًا، ونهبت ثرواتها، وارتكبت مجازر بحقها، فضلًا عن ضلوعها في تجارة العبيد. عقب إطلاق أنشطتها الاستعمارية عام 1524م، أسست فرنسا حكمها الاستعماري في عشرين دولة بين شمالي وغربي قارة أفريقيا. وعلى مدار قرابة ثلاثة قرون، خضعت 35% من مناطق القارة السمراء للسيطرة الفرنسية الاستعماري. استخدمت فرنسا دولًا أفريقية، مثل السنغال وساحل العاج وبنين، كمراكز لتجارة العبيد، إضافة إلى استغلال ونهب موارد الدول. واستمرت الفترة الاستعمارية الفرنسية في مختلف المناطق الأفريقية حوالي خمسة قرون. هذا وقد استخدمت فرنسا القمع الدموي. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية اندلعت احتجاجات شعبية في المستعمرات الفرنسية، رفضًا للاستعمار وطلبًا للاستقلال. فردت باريس عليها باستخدام القوة العسكرية؛ فقتلت أكثر من مليوني مواطن أفريقي. كما استخدمت العنف ضد احتجاجات في دول أفريقية حصلت على وعود من باريس بمنحها الاستقلال شرط محاربتها بجانب فرنسا في حروب خاضتها بمناطق عديدة. وواصلت فرنسا استخدام العنف والقوة الدموية بشكل ممنهج في الجزائر، حتى حصل البلد العربي على استقلاله، عام 1962م، بعد استعمار دام 132 عامًا؛ حيث سقط مليون مواطن جزائري ضحية للممارسات الفرنسية، خلال مشاركتهم في الحرب ضد الاستعمار لنيل الاستقلال. فقد مارست فرنسا خلالها إبادة ثقافية بحق المجتمع الجزائري، منذ عام 1830م، وعملت على القضاء على الهوية الجزائرية والآثار العثمانية، التي يمتد تاريخها إلى 300 عام.
كما ارتكبت فرنسا انتهاكات كبيرة في مجال حقوق الإنسان في الدول التي كانت تمتلك فيها نفوذًا سياسيًّا. وأبرز مثال هي الإبادة الجماعية بحق إثنية «التوتسي» في رواندا، عام 1994م، وهي من أكبر عمليات الإبادة في التاريخ؛ إذ سقط فيها قرابة 800 ألف قتيل، واتضح فيما بعد أن باريس لعبت دورًا كبيرًا في حدوث تلك الإبادة، حيث غادر الجنود الفرنسيون منطقة الجريمة قبيل وقوعها، رغم تلقيهم معلومات بما سيحدث، بل إن تقارير دولية أفادت بأن جنودًا فرنسيين شاركوا فعليًّا في دعم مرتكبي المجازر في رواندا. وبدلًا من السعي إلى الحيلولة دون وقوع مجازر جماعية في رواندا، قدّمت فرنسا السلاح والدعم اللوجيستي لحكومة «الهوتو»؛ مما أدى إلى رفع دعاوى قضائية بحق باريس حتى الآن. وفوق ذلك فرضت فرنسا حظرًا على الوصول إلى الأرشيف الذي يتوثّق لتلك الجرائم. ورفضت المحكمة الدستورية العليا بفرنسا، في سبتمبر/أيلول 2017م، طلبًا قدمه باحث يجري أبحاثًا حول مجازر رواندا، للوصول إلى الوثائق المتعلقة بفترة وقوع تلك المجازر، والموجودة لدى أرشيف رئاسة الجمهورية.
وفي الختام، فإن تاريخ الاستعمار الأمريكي والأوروبي هو تاريخ مليء بالسيطرة والاستغلال والتغوُّل على الشعوب وارتكاب أسوأ أنواع المجازر وصناعة الحروب والموت… ومثل هذه الحضارة البائسة كانت وبالًا على أهلها كذلك، ويجب أن تزول.
2025-01-01