العدد 458-459 -

السنة التاسعة والثلاثون، ربيع الأول – ربيع الآخر 1446هـ الموافق تشرين الأول – تشرين الثاني 2024م

عداوة النظام الإيراني للأمة الإسلامية

عائشة محمد

الأرض المباركة فلسطين

إن إيران بلد إسلامي، فتحه المسلمون في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ضمن فتوحات المسلمين لبلاد فارس، وذلك في معارك عظيمة فاصلة مثل القادسية ونهاوند. وإيران تعني في اللغة الفارسية أرض الآريين، نسبة إلى الشعوب الآرية التي استقرت في تلك المنطقة، وقد عرف هذا البلد في التاريخ الحديث بإيران وبفارس، وإن كانت بلاد فارس في التاريخ القديم تضم أراضي أخرى مع إيران. وفي عام ١٩٣٥م، استخدم اسم إيران كاسم رسمي للبلد؛ حيث طلب ملك إيران رضا شاه بهلوي ذلك، بعد أن كان يستخدم اسم بلاد فارس أو إيران رسميًّا وسياسيًّا.

وقد مرت إيران خلال تاريخها بمحطات سياسية بارزة منذ ما قبل الفتح الإسلامي لها وحتى يومنا هذا،

 ومن أهم هذه المحطات السياسية التاريخية المعاصرة لإيران هي:

1- قيام الدولة الصفوية عام ١٥٠٢م، التي أنشأها إسماعيل ميرزا، الذي أعلن المذهب الشيعي الاثني عشري مذهبًا رسميًا للدولة، وفرض هذا المذهب بالقوة على أهل إيران، ويعتبر الصفويون هم الذين حوَّلوا إيران من المذهب السني الذي كانت عليه منذ أيام الفتح الإسلامي لها إلى المذهب الشيعي. وقد نشبت حروب عدة بين الصفويين والدولة العثمانية لمدة طويلة، والتي بدورها حالت دون ضم البلاد الإسلامية في آسيا الوسطى وبلاد السند والهند إلى الدولة العثمانية… وفي عام ١٧٢٢م انتهى حكم الصفويين على يد شيخ قبيلة أفغاني.

2- قيام الدولة القاجارية في عام ١٧٩٥م. وفي حكم القاجاريين تغلغل الروس والإنجليز في شؤون الدولة وأصبحت إيران منطقة نفوذ روسي إنجليزي، فسلموا القوقاز للروس، وأعطوا أفغانستان الاستقلال تحت الضغط البريطاني، وسنُّوا قانون الامتيازات الأجنبية، وسمحوا للإنجليز الذين استغلوا النفط والثروة المعدنية فيها بإنشاء السكك الحديدية وطرق المواصلات. وانتهت الدولة القاجارية بانقلاب قام به رضا شاه بهلوي على أحمد ميرزا.

3- الدولة البهلوية والتي قامت في عام ١٩٢٥م، أنشأها رضا شاه بهلوي، ونصب نفسه ملكًا على إيران، واستمرت إيران في حكمه منطقة صراع نفوذ بين المستعمرين، فبعد الحرب العالمية الثانية ضغطت أمريكا على روسيا للانسحاب من شمال ايران، واستمر صراع النفوذ بين أمريكا وبريطانيا حتى قيام ثورة الخميني عام ١٩٧٩م.

4- الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي نشأت على إثر الثورة الإسلامية أو ما يسمى بثورة الخميني ١٩٧٨م، والتي حوَّلت إيران من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري الديني أو ما يسمى الحكومة الثيوقراطية، فأعلنت إيران جمهورية إسلامية على المذهب الاثني عشري الشيعي. وإيران إلى يومنا هذا خاضعة لنظام الحكم هذا. وجدير بالذكر أن هذه الثورة كانت مرحلة هامة في تاريخ الصراع الإنجلو-أمريكي في إيران.

 هذا استعراض مختصر لمحطات سياسية مرت فيها إيران ونظام الحكم فيها، حتى استقر على صورته الحالية.

والنظام الإيراني كسائر الأنظمة العميلة في بلاد المسلمين يعادي الأمة ويحول دون نهضتها، ويعد من أشد هذه الأنظمة عداوة للأمة الإسلامية، فعداؤه يمتد لشعوب المنطقة وعلى عدة جبهات ساخنة، وقد أوغل في قتل المسلمين وتدمير بلادهم وشارك في حروب عدة في المنطقة ويداه ملطختان بدماء المسلمين؛ وذلك بناء على الدور الإقليمي الكبير الذي أنيط له من قبل أمريكا في المنطقة مما جعله في مقدمة الأنظمة عداوة للأمة.

فتبعيته للمستعمر في فترات كثيرة من تاريخه ودورانه في فلكه في فترات أخرى يعتبر السبب الرئيسي لعدائه للأمة، فهو مثل جميع أنظمة الحكم الكافرة تجعل وظيفتها الأساسية بل الوحيدة هي تحقيق مخططات الكافر المستعمر في بلادنا، فتعادي شعوبها وتلحق بهم الضرر من فساد وفقر وتجهيل وقتل من أجل مصالح الغرب، وأحسنهم طريقة من يسعى لتحقيق بعض مصالحه الخاصة خلال تحقيقه لمصالح المستعمر، كتركيا وإيران، وهذه المصالح الخاصة غالبًا ما تكون فاسدة مخالفة لشريعة الإسلام وثقافته، فعلى جميع أحوالهم هم في حالة عداء لله ولدينه. 

وإن النظام الإيراني يدور في فلك أمريكا منذ عقود، وأمريكا وظَّفت هذا النظام ليكون أحد العوامل السياسية المهمة للغاية لمنع وحدة المسلمين، ولإبقاء النفوذ الأمريكي في المنطقة؛ وذلك من خلال عدة مسارات هامة:

1- عملت أمريكا على إيجاد صراع مذهبي (سني-شيعي) في المنطقة يكون النظام الإيراني زعيم القطب الشيعي فيه، وعملت على تغذية هذا الصراع حتى أغرقت المنطقة بالنزاع السياسي والطائفي والعسكري، فمثلًا في احتلالها للعراق كان وقود الطائفية أهم سلاح استُخدم حتى تُحكم أمريكا شيئًا من السيطرة على العراق.

2- أما الجانب أو المسار الثاني فقد عملت أمريكا على جعل النظام الإيراني فزَّاعة تهدد أمن المنطقة الإسلامية خاصة في الخليج العربي، وجعلت من نفسها الحامي للمنطقة وذلك من خلال وجودها العسكري المتمثل في القواعد العسكرية؛ وذلك من أجل الحصول على منابع النفط وإبقاء سيطرتها على مناطق نفوذها.

3- والمسار الثالث عندما جعلت أمريكا لإيران دورًا إقليميًّا مركزيًّا، والذي بناء عليه أوكلت لإيران القيام بالكثير من الأعمال السياسية والعسكرية في المنطقة. وإسناد أمريكا هذا الدور البارز لإيران حسب المستجدات السياسية، أظهر حقيقة النظام الإيراني في سيره معها في كل قضايا المنطقة، في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا ولبنان وغيرها. والنظام الإيراني يعترف بدوره في تحقيق مصالح الغرب، فهناك الكثير من تصريحات القيادات الإيرانية بأن تعاون إيران مع أمريكا هو الذي مكَّنها من احتلال أفغانستان والعراق.

وعند استعراض بعض أدوار إيران التي أسندتها لها أمريكا نرى عدواتها للأمة، فمثلًا:

عندما احتلت العراق وواجهت مقاومة شديدة من أهل العراق لم تتوقعها، أدخلت إيران لتساعدها بالتأثير على أتباع مذهبها ومنعهم من مقاومة الاحتلال، ثم الوقوف في وجه المقاومين وإعطاء شرعية للاحتلال والنظام الذي أقامته.

وفي لبنان، أسَّست حزبًا لها من أتباع مذهبها وسلحته فأصبح لها جيشًا خاصًا، وقام حزب إيران هذا بدعم النظام السوري.

وفي سوريا، علاقة إيران قديمة مع النظام السوري منذ انتفاضة الثمانينات من القرن الماضي ثم تدخله في ثورة الشام والعمل مع نظام أسد العلماني ذي التبعية لأمريكا في ضرب الحالة الإسلامية التي تريد التحاكم إلى الإسلام وإقامة الخلافة الراشدة.

وفي أفغانستان، دعم النظام الإيراني الاحتلال الأمريكي ودعم حكومة كرزاي، وقد صرح رئيس إيران الأسبق رفسنجاني: «لو لم تساعد قواتنا في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني». وصرَّح محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني السابق خاتمي: «لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد؛ لكننا حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر». وصرح أحمدي نجاد: قواتنا قدمت يد العون لأمريكا في أفغانستان والعراق.

وفي اليمن، علاقة إيران بالحوثيين واضحة ومعروفة، ففي حربهم أمدتهم أمريكا بالسلاح والعتاد من خلال إيران.

وهكذا فإن الدور الإيراني في المنطقة هو سياسة أمريكية، وهذا الدور يتوسَّع ويتقلَّص حسب متطلبات السياسة الأمريكية. ومنذ سنة ١٩٧٩م ظلت أمريكا محتفظة بإيران كتهديد (ثوري بغطاء إسلامي) ضد دول المنطقة، ثم توسَّع ذلك إلى تهديد طائفي بعد تولي المحافظين الجدد في أمريكا، ثم صار دورًا إقليميًّا له ثقله منذ أحداث الربيع العربي.

إن النظام الإيراني منذ قيامه بعد ثورة ١٩٧٨م وهو يظهر نفسه أنه نظام إسلامي يتخذ من أمريكا وكيان يهود عدوًّا، ويرفع شعارات: الشيطان الأكبر، والموت لـ(إسرائيل) تضليلًا وخداعًا،. وقد ضلَّل هذا النظام شعبه وسائر الأمة مرارًا بإظهار نفسه نظامًا إسلاميًّا يطبق المذهب الشيعي ويتفاخر بشرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تلاحق حجاب النساء! في حين أنه أداة استعمارية بيد أمريكا تُسفك دماء المسلمين على يديه وتُنتهك أعراضُهم، وتُنهب خيراتُهم، وتدمَّر بلادُهم بمشاركته.

إن على المسلمين الوعي على هذه الأنظمة، وعلى النظام الإيراني لما له من دور كبير في تحقيق مصالح الغرب في المنطقة، وأن لا يعوِّلوا عليه أملًا، بل يعملوا على إزالته… فهو عدو حقيقي كسائر أنظمة الحكم في بلاد المسلمين، ويعملوا لإقامة الخلافة دين الله في الأرض وتطبيق نظام الإسلام في حياتهم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *